الزوجة العنيدة
شرع الله تعالى الزواج ليكون استقرارًا للزوجين، بحيث يكون مبنيًا على التفاهم والمحبة والمودة؛ لأنها حياة تشاركية، ولا يمكن تهميش أحد الأطراف، وبذلك يُثمر أسرةً مستقرةً وسويةً قادرة على الاستمتاع بالحياة، والنهوض بالمجتمع وتطويره.
ولكن قد تبرز بعض المشاكل التي تؤثر في سير الزواج الطبيعي؛ منها: عناد الزوجة، وعدم تقبّلها للأمور المحيطة بها، مما يؤدي إلى سيادة المشاعر السلبية في الأسرة، وكثرة المشاحنات مع الزوج والأبناء، وخاصةً إذا كانوا في أعمار الاستقلالية.
فخطورة عناد الزوجة أنه قد يبدأ بمشكلة صغيرة تتطور مع العلاج السلبي لها إلى مشكلات قد تنتهي بالطلاق، إذ تشير الأبحاث الاجتماعية إلى أن العناد بين الزوجين أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم المشكلات بينهما، وأنه يلقي بظلال نفسية وتربوية وانفعالية على الزوجين، وقد تمتد إلى أولادهم فما هي صفات الزوجة العنيدة؟ وما هي أسباب عناد الزوجة؟ وكيف يمكن التعامل معها لتليينها والمحافظة على الزواج من الانهيار؟
صفات الزوجة العنيدة:
- لا تمتلك القدرة على التصرف في كثير من المواقف، وذلك بسبب مزاجها العصبي والحاد؛ والذي يسبب لها الكثير من المشاكل وسوء الفهم والعناد.
- تُحبذ العُزلة في كثير من الأوقات، ولا ترغب في التواجد مع الآخرين من الأهل والأصدقاء والجيران.
- ترغب بتنفيذ جميع متطلباتها على الفور ودون إتاحة الفرصة للزوج بالتكلم ودون أن تصبر عليه.
- تُكثر من الصراخ والشكوى واختلاق المشاكل مع زوجها لأسباب تافهة.
الأسباب التي تدفع المرأة للعناد:
يعد عناد الزوجة أول مؤشرات عدم قدرتها على التوافق والتكيف مع الظروف المحيطة بها، وهو ما قد يكون مؤشرًا لضعفها، أو ستارًا زائفًا تدعي من خلاله القوة لتداري ضعفها، ويشير علماء النفس إلى أن العناد صفة موجودة في الرجل والمرأة؛ لكنه أكثر وضوحًا عند المرأة، فهو سلاحها الوحيد الذي تدافع به عن نفسها أمام ما تعتبره قوة للرجل واستبدادًا لا قِبل لها بمواجهته، فتلجأ إلى الرفض السلبي لما تراه لا يتوافق مع أسلوبها ومشاعرها فيترجمه الزوج على أنه عناد وتبدأ المشكلات.
- وقد يكون عناد الزوجة سمة أصيلة فيها –وهو أصعب أنواع العناد– استمدته من مراحل حياتها الأولى؛ نتيجة تربية خاطئة بتلبية كل مطالبها تحت سيف العناد، فتشب معتقدة أن العناد أسلوب ناجح لتحقيق المطالب.
- وقد يكون العناد تقليدًا للأم، فالمرأة التي نشأت وترعرعت في بيت تتحكم فيه الأم وتسيّر دفته، تحاول أن تحذو نفس الحذو في بيتها ومع زوجها، بل وربما تختار زوجًا ضعيف الشخصية حتى يتحقق لها ما تريد
- وقد يكون عناد الزوجة بسبب التعزيز الأسري لهذه الصفة في مرحلة الطفولة؛ عندما تكرر أسرتها أمامها أنها عنيدة، فترسخ هذه الصفة في داخلها، ثم تستغلها في تحقيق أغراضها.
- كما أن الشعور بالنقص من أهم العوامل المؤدية للعناد، وقد يكون هذا الشعور لدى المرأة قبل الزواج نتيجة المعاملة الأسرية التي لا تتسم بالاحترام والتقدير وبث الثقة في النفس.
- وعِناد الزوجة أيضًا قد يولد بعد الزواج -إذا لم يكن أحد طباعها الشخصية– لا سيما لو كان الزوج يسيء التعامل معها، وينظر لها نظرة دونية، ويحقر من شأنها ولا يحترم رغباتها، ولا يلتفت لآرائها؛ لأنها في رأيه آراء فاسدة وتجلب خراب البيوت، ويرفض استشارتها لكونها امرأة ناقصة عقل ودين، غير واعٍ بالمراد والمعنى الحقيقي لهذا الوصف؛ مما يضطرها إلى استخدام وسيلة العِناد للتغلب على هذا الإحساس المدمر، فضلًا عن رغبتها في الشعور بالذات، والتعبير عن غضبها ورفضها لهذه المعاملة القاسية والتحقير المستمر غير المبرر.
- فاختلاف الطباع بين الزوجين وعدم تنازل الزوج عما لا يعجب ويرضي الزوجة من تصرفات، وتمسكه بعادات غير صحيحة يؤدي بدوره إلى عدم انسجام وتكيف الزوجة معه، الأمر الذي يدفعها إلى استخدام أسلوب العناد الذي يترتب عليه حدوث كثير من الخلافات والمشكلات التي تزلزل أركان الحياة الزوجية وتعصف بها إلى ما لا يحمد عقباه.
- وقد يأتي عناد الزوجة نتيجة لعدم التكيف مع الزوج والشعور باختلاف الطباع وتقلبها، فيكون العناد صورة من صور التعبير عن رفض الزوجة سلوك زوجها جملة وتفصيلًا، وكذا تعبيرًا عن عدم انسجامها معه في حياتهما الزوجية؛ وهذا يحدث خصوصًا في بداية الزواج، لذا فإننا نجد أن سنوات الزواج الأولى يحدث بها الكثير من الخلافات بين الزوجين.
- كما أن هناك من الزوجات من تعتقد أن إصرارها على مواقفها يدل على قوة شخصيتها ويزيد من قيمتها ومكانتها عند زوجها فيحقق لها ما تريد.
كيفية التعامل مع عناد المرأة:
أيًّا كان سبب عناد الزوجة فإنها تستطيع التخلص من الآثار السلبية لهذا العناد؛ بل يمكنها توجيهه إلى ما يفيد، فإذا لم يكن بمقدورك تحويل عنادها إلى طاقة إصرار لتحقيق أهداف إيجابية أو التخلص من صفات سلبية؛ فيجب على الأقل أن تمنع عنادها من أن يقوض حياتكما الزوجية؛ وذلك بعدة وسائل:
معالجة الأسباب:
يتم علاج عناد الزوجة أولًا بتجنب الأسباب المؤدية للعناد، وعلى الزوج أن يعي جيدًا الأسباب التي من المُمكن أن تزيد من عناد زوجته وتزيد من حدة العناد، ويقوم بإيجاد الحلول المُناسبة للحد منه أو القضاء على هذه المشكلة نهائيًا، وعليه باستشارة المختصين بأمور الأُسرة، وألا يترك هذه المشكلة دون إيجاد حل إيجابي يُرضيه ويرضي زوجته.
مع مراعاة أنه يجب عليه:
- أن يمنح الزوجة مزيدًا من الحب والاهتمام والتقدير والاحترام.
- أن يتصرف بذكاء وهدوء عند عناد الزوجة، ويحاول امتصاص غضبها، وتأجيل موضوع النقاش إلى وقت مناسب؛ يسهل فيه إقناعها إذا كانت مخطئة.
- ألا تظهرا صراعكما أمام الأبناء، ولا تحاولا إشعارهم بأي خلل أسري، ولا تناقشا مشاكلكما أمام الأقارب والأهل؛ لأنه قد يزيد من حدة التوتر والخلاف.
- أن يتحمل المسئولية معها في مواجهة ضغوطات الحياة، وخاصة في تربية الأبناء، والوقوف على حاجيات المنزل وتوفيرها أولًا بأول.
- محاولة عدم الحديث معها في مسألة عنادها، والأفضل ألا تعرف تلك الصفة الموجودة فيها؛ لأنها إذا علمت ذلك زاد عنادها.
- أن يتجنب السُخرية من حديثها وعنادها وأسلوبها في النقاش، وأخذ الأمور بجدية، ومحاولة الوصول لحلول تُرضيها قدر الإمكان.
- التعرف على أوقات الضغوطات التي تتعرض لها الزوجة، ومحاولة التخفيف عنها ومساعدتها قدر الإمكان.
الابتعاد عن أسلوب التسلط وفرض الأوامر:
وذلك بمشاركتها في اتخاذ القرارات المختلفة من باب إشعارها بأهميتها في كيان الأسرة، ودورها البارز في المحافظة على البيت؛ حتى وإنْ كانت قرارات بسيطة؛ مثل: مكان وضع الطاولة أو لون السيارة الجديدة، والحرص على الاتفاق حول الأمور الكبيرة؛ كأسلوب تربية الأولاد، أو شراء بيت، أو التوظف في عمل.
إن أكثر ما يجعل الزوجة تزيد في العند هو رفض زوجها لجميع آرائها، ولذلك فحاول أن تتقبل آراءها حتى وإن كانت غير صحيحة، ثم تحاول أن تقنعها من خلال النقاش برأيك مثلًا، أو الرأي الأرشد لحل أي مشكلة تواجهكما؛ لأنك إذا قابلت آراءها دائمًا بالرفض فسوف تتمسك برأيها أكثر، وسوف تزيد في العند؛ وهذا أمر بالطبع غير محبوب.
اتقان فن الحوار:
يجب الابتعاد عن تكبير المشاكل مع المرأة العنيدة ومحاولة إثبات الذات أمامها برفض آرائها، وجعل الحديث لينًا وهادئًا وبسيطًا، ومليئًا بالطاقةً الإيجابية، بعيدًا عن رفع الصوت والإهانات.
إن من أهم الأخطاء التي يقع فيها الأزواج هو عدم إقامة حوار ونقاش مفتوح بينهما؛ فيعتادا على عدم الحوار، وبالتالي يصعب مناقشة أي مسألة معًا؛ بل نجد أن كل طرف يطرح رأيه ويريد أن يلزم الآخر به، ولكن إذا كان هناك تعود على النقاش دائمًا في أي مسألة سوف يوفر ذلك عليكما الكثير من المتاعب، وسوف يقلل من درجة العند أيضًا.
توسيع دائرة معارفها:
حاول أن تجعل زوجتك غير منغلقة على نفسها؛ بل شجعها على تكوين الصداقات مثلًا، لأن تكوين الصداقات والوجود في وسط مجموعة يجعلها قادرة على الاستماع إلى آراء الآخرين وتقبلها؛ وبالتالي سوف يساعد ذلك على تغيير طريقة تعاملها معك؛ لأنها سوف تكون معتادة على الاستماع لأكثر من رأي، فتعتاد على الاستماع لآرائهم، واحترامها، وعدم التمسك برأيها.
التحلي بالصبر:
عندما تكون الزوجة غاضبة ومصرة على رأيها فمن الخطأ أن تقابل أنت ذلك بالغضب والثورة أيضًا؛ لأن ذلك سوف يصل بكما إلى طريق مسدود، بل حاول أن تكون هادئًا ولا تثور عليها أو تمطرها بكلمات قاسية؛ بل انتظر حتى تهدأ، ثم تفاهم معها بهدوء؛ فإن ذلك سوف يساعد على عدم استمرار الزوجة في العند، ويزيد من درجة التفاهم فيما بينكما أيضًا.
فالرجل عليه دور كبير في التعامل مع الزوجة العنيدة؛ لأنها إذا رضخ دائمًا لرأيها وإصرارها دون أن يكون له موقف إيجابي فله أن يعتاد على ذلك لأن الزوجة لن تتغير مستقبلًا، ولكنه إذا قابل ذلك بالتفاهم ومحاولة التقرب من الزوجة وفهمها وإثناءها عن العند فسوف يساعد ذلك على نجاح العلاقة الزوجية أكثر.
وتكفينا هنا الإشارة إلى أن مشورة امرأة مسلمة كانت سببًا في نجاة المسلمين جميعًا من فتنة معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ألا وهي أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها في قصة الحديبية.. حينما أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم بالحلق والذبح، فلما فعل ذلك قام المسلمون وجعل بعضهم يحلق بعضًا.
التسامح والعفو:
نسيان المواقف السلبية السابقة، والتعامل بروح التسامح، والعفو بين الزوجين حتى تسير الحياة في أمان واستقرار، فأنت وزوجك لستما شريكين في تجارة تختلفان حول أرباحها وخسائرها، وما بينكما ميثاق غليظ تصغر أمامه كل أنواع العلاقات الاجتماعية الأخرى، وهذا يتطلب منك شيئًا من التنازل والعفو، وليس في ذلك ما يهينك أو يقلل من مقدارك.
أما إذا كان العِناد طبعًا في الزوجة، فعلى الزوج أن يحتسب ويصبر عليها ويحاول قدر الإمكان البُعد عن مواطن الخلاف والتصادم، كما عليه أن يشعرها دومًا بحبه وتقديره لها ويحتويها ولا يهينها ولا يقسو عليها، ويدفع بالتي هي أحسن عند حدوث أي مشكلة، عسى أن يتغير وينصلح حالها بمرور الوقت وتُشفى من داء العِناد الذي يؤجج الخلافات ويزيد الأمور تعقيدًا واشتعالًا.
همسة في أذن الزوجة العنيدة:
اعلمي أنك بعنادك قد تهدمين بيتك، فالزوج قد ينفذ صبره ويركب رأسه، وتجنين من وراء عنادك ما تكرهين، ثم إن عناد زوجك وعدم طاعته لا يقره شرع ولا دين ولا عُرف، فقد جعل الله سبحانه وتعالى للرجل القوامة على المرأة، وفرض عليها طاعته، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها –زوجها– دخلت من أي أبواب الجنة شاءت» (1).
ولست أدري ماذا يضير المرأة إن هي أطاعت زوجها ونفذت رغبته؟! أتظن أن في ذلك انتقاصًا من قدرها؟! كلا والله، فما كانت الطاعة يومًا انتقاصًا من قدر الإنسان، فقد شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن تسير الحياة وفق قوانين ونواميس ونظم، فلا بد من رئيس ومرؤوس وتابع ومتبوع، فالزوج رئيس الأسرة؛ ولا يعني هذا تسلطه أو تجبره أو ظلمه للمرأة، ولكن يعني أنه موجه لدفة الأسرة، ومتحمل للتبعات والمسؤوليات، واعلمي أن طاعتك لزوجك تنعكس آثارها عليك بحب زوجك وإجلالك وعلو قدرك عنده، ثم رضا الله عز وجل عنك وهو خير ما يكسب المرء في الدنيا (2).
تجدر الإشارة إلى أن عناد الزوجة لم ولن يكون أبدًا حلًا لبعض المعضلات والصعاب التي تواجهها في حياتها؛ بل على العكس، فهذا العِناد لعين، يعجل بخراب البيت وتدمير وتفكيك الأسرة إذا ما تطور الأمر وتعقد وتم الطلاق، فالزوج له طاقة وقدر وحد معين من التحمل والصبر، وقد يركب رأسه ويقابل العناد بعناد أشد، ويحدث على أثر ذلك ما لا تشتهيه الأنفس، فعِناد الزوج وعدم طاعته لا يقره شرع ولا دين، وتأباه الفطرة والأعراف والتقاليد..
استحضار نية حسن التبعل عند وقوع الخلاف مع الزوج؛ فعن حصين بن محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها: «أذات زوج أنت؟»، قالت: نعم، قال: «كيف أنت له؟»، قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: «فانظري أين أنت منه؛ فإنه جنتك ونارك» (3).
لقد جعل الله تبارك وتعالى للرجل القوامة على المرأة وأمرها بطاعته التي تعلو من قدرها وقيمتها عنده وتجعله يزداد حبًا واحترامًا لها..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت» (4).
وعن معاذ ابن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرًا بشر أن يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها» (5).
وفي وصية أمامة بنت الحارث ابنتها أم إياس عند زواجها: كوني له أَمة يكن لكِ عبدًا.
وتذكري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الودود الولود التي إن ظُلمت أو ظَلمت قالت: هذه ناصيتي بيدك لا أذوق غمضًا حتى ترضى» (6).
إن أرحم زوج بزوجته نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد اعتبر ملاطفة الزوجة في الطعام والشراب من العبادات التي يؤجر عليها الزوج، قال صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تنفق نفقة إلا أجرت فيها حتى اللقمة ترفعها في في امرأتك» (7).
لكنني أؤكد على أن المرأة قد تكون قادرة على تحريك قدرة الرجل على المودة والرحمة، فالبداية من عندها بأسلوبها الطيب وطريقتها معه والاستجابة من عند الرجل ليبادلها مودة بمودة ورحمة، وهكذا يحدث التغيير.
***
-----------
(1) أخرجه ابن حبان (4163).
(2) عناد المرأة رمز قوتها أم دليل ضعفها؟ لها أون لاين.
(3) أخرجه النسائي (8913).
(4) أخرجه ابن حبان (4163).
(5) أخرجه الترمذي (1159).
(6) أخرجه الطبراني في الكبير (307).
(7) أخرجه الترمذي (2116).