logo

الزوجة الداعية


بتاريخ : الثلاثاء ، 16 جمادى الأول ، 1440 الموافق 22 يناير 2019
بقلم : تيار الاصلاح
الزوجة الداعية

«كلا والله، ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المعدوم، وَتَقْرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق»(1).

بهذه الكلمات الرقيقة، وبهذا الأسلوب الرائع، وبهذه المشاعر الفياضة، وبهذا القلب الحنون ابتدأت السيدة خديجة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم حديثها، ترطيبًا لقلبه، وتهدئة لروعه، وتطمينًا لنفسه، ولم يقف الأمر عند الكلمات؛ بل كان الفعل أبلغ من القول، وكانت حياتها كلها بعد ذلك شهادة موثقة على صدق الكلمات وإخلاص العبارات رضي الله عنها.

ولا شكَّ أن الزوجة الصالحة المؤهَّلة لحمل مثل هذه الرسالة، رسالة دعم الزوج، لها دور عظيم في نجاح زوجها في مهمته في هذه الحياة، فالدعوة إلى الله تعالى هي أعظم أمر يتحمله البشر، فإذا وُفِّق الداعية لزوجة صالحة ذات كفاءة فإن ذلك من أهم عوامل نجاحه مع الآخرين، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة»(2).

لقد قرن الله المرأة بالرجل في كل التكاليف الشرعية، إلا ما اختص به أحدهما عن الآخر؛ لذا فالأمانة في عنق المرأة الداعية لتبليغ الدعوة في أوساط شقيقاتها كبيرة, وسينالها، إن قامت بأمر الله خير قيام، الثواب العظيم, والنجاة يوم الحساب.

كما أن للمرأة مهمة عظيمة, وَكَلَها الله عليها, ألا وهي تربية النشء, فالمرأة صانعة الرجال, ومخرجة الأبطال, فمتى صلحن نساؤنا صلح جيلنا بإذن ربنا.

ومن رحمة المولى سبحانه وتعالى وعظيم كرمه وعطائه أن وهب للمرأة عاطفة جياشة, وقلبًا كبيرًا, فإن استغلت تلك العاطفة خير استغلال, وسخرتها للطريق الأقوم؛ فستجني الخير الكثير, وستنتج النتاج الصالح.

إن مما يحزن صاحب الهمة ظاهرة شبه منتشرة, ألا وهي الداعية إذا تزوجت, يحصل ما لم يكن بالحسبان, إحداهن تختفي من الميدان الدعوي نهائيًا, وأُخرى تختفي نسبيًا, وهذه الظاهرة تزيد الألم حينما تكون تلك الداعية من الجنديات المخلصات للدعوة, والباذلات النفيس في سبيلها, فعلى الداعية إلى الله أن تسدد وتقارب, فلا تنقطع نهائيًا عن ميدان الدعوة, ولا تقصر في حق زوجها أو تعصيه .

إن الداعية الحقة هي التي تحول منزلها إلى جنة, تطبق فيه خير الأقوال والأفعال, ولا تفارق البسمةَ شفتاها.

الداعية الحقة هي التي تزرع في نفس زوجها أهمية الدعوة إلى الله, ووجوب البذل في سبيل الله.

الداعية الحقة هي التي تجعل زوجها يقدمها لميدان الدعوة, وبدون اللجوء للأساليب العنيفة أو الجدال العقيم.

فعلى الداعية أن تبذل جهدها؛ لتقدم الكثير والكثير للدعوة, ولا تجعل للشيطان إليها سبيل, فلا تتعذر بأعذار واهية؛ بل تزن الأمور بموازينها, وتقدِّرها حق قدرها.

ولكن الصورة الأشد إيلامًا من الأولى هي تلك التي تركت الكثير من مبادئها, وبدأت تنحرف عن استقامتها, لكن الداعية إلى الله، الطالبة لرضوانه, ليس هذا سبيلها؛ لأنها تعلم في قرارة نفسها ألَّا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وتتيقن أن من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس, ولكن في المقابل تسعى لرضوان الله أولًا؛ لعلمها أن من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس.

ولعل أبلغ مثل على الزوج الطاغية المستبد فرعون، فإنه رغم جبروته وظلمه نزل على رأي امرأته، عندما طلبت أمرًا مستحيلًا كان يعمل ضده، فقد كان يقتل أبناء بني إسرائيل، ولما أراد الله عز وجل أن يبقي موسى عليه السلام حيًا جعل امرأة فرعون سببًا لذلك! فقالت لزوجها: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص:9]، وانصاع الطاغية ورضي وقبل، فترك موسى عليه السلام ولم يقتله، لكن هذه الموافقة من فرعون خرجت نتيجة محبته لزوجته، جعلتها تستطيع الوصول إلى ما تريد.

ومما يعين على القيام بالدعوة إلى الله عز وجل:

1- اختيار المسكن القريب من المسجد، فإن قرب المسجد يعين الكسول، ويسرع بخطى الصالح، مع ما في ذلك من سماع المواعظ وقراءة القرآن، وكما أن في ذلك تشجيعًا للأبناء على الحرص على الصلاة وعدم الخوف من بعد الطريق.

2- الزوجة الداعية تعين على ثبات زوجها على الطريق المستقيم بشتى الوسائل والسبل، والأمر في ذلك واسع، أنعم الله عز وجل علينا به، فهناك كتاب وشريط ومحاضرة ورفقة صالحة، ودعوة لإمام المسجد، وكتابة رسالة، وغيرها لا يخفى، وأذكر أن شابًا ذكر لي سبب هدايته فقال: تزوجت امرأة صالحة، جزاها الله عني كل خير، وبدأت تحثني على الصلاة فتذكرني بالأذان، وأن الإقامة بقي عليها دقائق، وهل توضأت؟ ثم بدأت قليلًا قليلًا حتى صلح حالي واستقام أمري، وحتى تعرف جهدها الطويل معي، أمضت خمس عشرة سنة وهي تجاهد، والحمد لله أموري كما ترى، لقد كانت حكيمة صبورة.

3- طول أمد العِشْرة مدعاة إلى أخذ الدعوة بمنظور بعيد ونفس طويل، يعين على التدرج دون ملل أو كلل ودون عجلة؛ بل يكون هناك تكرار ومعاودة مع تغيير أسلوب الدعوة بين الحين والآخر.

4- تنشئة الذرية تنشئة صالحة، والعناية بهم وإلحاقهم في حلق تحفيظ القرآن، رأينا بعض الآباء صلحت حاله بعد كبر أبنائه وهدايته على أيديهم، لما رأى منهم من حسن حال وطاعة.

5- كثرة الدعاء والإلحاح على الله عز وجل رجاء الثبات على هذا الدين حتى الممات، ورجاء صلاح الزوج والذرية {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]، {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم:40].

6- استغلال مواسم العبادة والطاعة، فالنفوس متفتحة، والقلوب منشرحة، فرمضان والحج كذلك موسم دعوة لا يتكرر.

7- إعانته على اختيار الرفقة الصالحة، وذلك بعدة طرق: إما حثه على التعرف على إمام المسجد وبعض الجيران، أو حث الزوجة لصديقاتها لعل أزواجهن يعينون زوجها ويصلحون حاله.

8- إعطاء الرجل قوامته كاملة، وإشعاره بذلك؛ فإن في ذلك إلقاء عبء المسئولية عليه، فيكون أقرب إلى البيت والزوجة، وما نراه من بُعْد الأزواج عن بيوتهم إنما هو لضعف القوامة، التي فرحت الزوجة بتقبلها في أول الأمر، ثم ها هي تجني النتائج المرة جراء ذلك.

9- دعوة من حول الزوج من أب وأم، فإن أولئك يتوددون ويقربون الزوجة إلى زوجها، وكلما زادت محبة الزوج لزوجته وقل الخلاف زاد مسير قطار الدعوة، وبعض المتزوجات تأتي إلى بيت الزوج وقد حملت كرهًا لوالدة الزوج، نشأ عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات، والعياذ بالله، ولهذا تجد العلاقة منذ بدايتها فاترة.

10- الصبر تاج على رأس الدعوة، إذا سقط قل نتاجها وضعف حالها، وكان فسادها أكثر من صلاحها، ولهذا كان الصبر للمرأة الداعية أمرًا مهمًا حتى تُسَيِّر الأمر على ما تريد(3).

إن المرجو من الداعية التي تتزوج أن تحرص على ما يلي:

- أن تقوّي التزامها بدينها؛ لأن زواجها يحصّنها ويعفّها، ويقطع الطريق على وساوس إبليس بالتبرج وإظهار الزينة أمام غير المحارم.

- على الرغم من أن واجباتها ومسئولياتها تجاه زوجها وأولادها تأخذ كثيرًا من وقتها وطاقتها، فإن تنظيمها أعمالها يساعدها على توفير قدر من الوقت، وإعطاء شيء من الجهد لدعوتها.

- تفاهمها مع زوجها يساعدها على إقناعه بأهمية الدعوة وفضلها وبركتها، ويجعله، من ثم، يساندها ويحثها على مواصلة عملها الدعوي، ويقدر بعض انشغالها عنه (زوجها)، وغيابها قليلًا عن البيت.

- على أخواتها الداعيات، من جهتهن، ألا يقطعن المتزوجة وإن بدأتهن بالقطيعة، وأن يزرنها وإن قصّرت في زيارتهن، وألا يلمنها ويعتبن عليها كثيرًا فيُعِنَّ الشيطان عليها.

فقه الأولويات:

إن أولويات الزوجة المسلمة الداعية هي: الزوج، البيت والأولاد، الدعوة، العمل، فالترتيب يأتي هكذا، وليس هذا إجحافًا أو إنقاصًا من حقِّ الدعوة؛ بل دعوتُكِ مع زوجِكِ وأولادكِ مهمة جدًّا، فهذا كفيلٌ بأن يُنشئ أسرةً قويةً مترابطةً، ويُخرجها إلى المجتمع قويةً ضد أية أعاصير تواجهها، كذلك فبيتك لا يقل أهميةً، والأصل أن تكون الأخت المسلمة قادرةً على تحقيقِ التوازن طوال حياتها عندما تقوم بجميعِ الأدوارِ المطلوبة منها كأم وزوجة وداعية، وجدير بنا الآن أن نذكر بعض العوامل التي تساعد على تحقيق التوازن، ومنها:

- أن تتعود على السرعةِ والإتقان أثناء أداء عملها، واغتنام كل دقيقة وإحسان الاستفادة منها.

- أن تُعَوِّد الأبناء على تحمُّل المسئولية والمساعدة في البيتِ، وفرض بعض الأعمال لهم، مع تحديدها ومتابعتهم فيها ليعتادوا عليها.

- الاهتمام باحتياجاتِ الزوج جيدًا، ومعرفة ما يسعده وما يغضبه، فتؤدي حقوقه وواجباته بشكلٍ جيدٍ يدفعها إلى إتقانِ باقي الأدوار.

- حسن ترتيب أولويات الواجبات، والتي هي: التكاليف التعبدية, واجبات الزوج، البيت والأولاد، التكاليف الدعوية، والعلاقات العامة، ثم ترتيب أولوياتِ الأعمال التي داخل كل أولوية.

حقوق مشروعة:

حق الزوج:

لكل من الزوجين حقوق على الآخر، ولكن تبقى حقوق الزوج على زوجته أعظم من حقوقها عليه، لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228]، ولقوامته: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34].

فمن حقوق الزوج على زوجته أن تطيعه في غير معصية الله، وأن تحفظه في سره وماله، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»(4).

ومنها: ألَّا تعمل عملًا تطوعيًا كان أم دعويًا إلا بإذنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه»(5)، ولقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا الزوج عن زوجته من أسباب دخولها الجنة «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة»(6).

ومن المسئوليات العظيمة التي تقع على عاتق الزوجة الداعية:

- التعاون معه على البر والتقوى، والصبر على دعوته كما صبر الأنبياء على أذى قومهم.

- أن تتحمل منه بعض الزلات التي قد تقع، فهو بشر وليس بمعصوم.

- أن تتحمل كثرة غيابه عن منزله وكثرة أسفاره؛ ما دام ذلك كله في طاعة الله تعالى.

- أن تقف معه وتحفزه على تطوير دعوته وأداء رسالته، وتقوي عزيمته وهمته.

- أن تجعل بيتها هانئًا لزوجها، يأوي إليه من عنت المشقة وهموم العمل الدعوي.

- أن تهتم بنفسها فتكون لزوجها كالريحانة؛ طيبة الريح حسنة المنظر دائمًا أبدًا.

- أن تهتم بأولادها وتساعدهم في وظائفهم؛ لأن زوجها قد لا يكون لديه من الوقت ليقوم على تدريسهم وعنايتهم ورعايتهم.

- أن تساعده في بعض أعمال الدعوة في البيت، من إعداد وتحضير وبحث ومراجعة.

حق البيت:

ولتعلم الزوجة الداعية أن ميدان دعوتها الأول هو بيتها، ومنه تنطلق إلى ميادين الدعوة الأخرى، فالمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسئولة عن رعيتها «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»(7)، ونجاحها هو تحقيق التوازن بين متطلبات بيتها ودعوتها، والتنسيق الكامل بينهما دون إفراطٍ أو تفريط،، إن المهمات الدعوية والمسئوليات التربوية التي وكلت بالمرأة المسلمة في بيتها أكثر من أن تحصى، ولعل المرأة المسلمة تُدرك أن المهمة الأساسية لها هي القيام على بيتها، وأداؤها لمسئولياتها وواجباتها فيه تجاه أبنائها، في دعوتهم وحسن تربيتهم، وأن البيت نموذج مصغر للمجتمع، يتدرب فيه الإنسان على إعطاء كل ذي حق حقه، ومن تنجح في بيتها تنجح في دعوتها، والأخت تعتبر دعوتها بيتها كما تعتبر بيتها دعوتها، فالتوازن مطلوب إلا في الطارئ غير المتكرر، وبالتنسيق مع الزوج.

حق الدعوة:

والدعوة إلى الله واجبة على المرأة كما هي واجبة على الرجل، لقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران:110]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّما النساء شقائق الرجال»(8)؛ لأن تحقيق الخير ونشر الفضيلة ومحاربة الفساد تستدعي تضافر جهد المرأة مع جهد الرجل؛ فهي تكاتفه وتعاضده لغاية واحدة، وقد دعانا الله تعالى إلى إيجاد أمة الخيرية فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104]، والدعوة تأبى أن نُعطيها فضول أوقاتنا، وهي شرف ونعمة يتفضل الله بها على مَن أحب من عباده، ويحببها إليهم حتى يستعذبوا أشواكها، ويتلذذوا بالتضحية بالنفس والنفيس من أجلها؛ فهي من أحسن الأعمال كما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِن الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]، وفيها بشارة الحبيب صلى الله عليه وسلم: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها»(9).

ورغم أن العمل الدعوي واجب على المرأة، إلا أنه عمل منظم مضبوط بتوجيهات الشريعة ونظرتها إلى القضايا المختلفة ووحدة الفهم والتلقي، وتترتب عليه آداب لا يجب أن تغفل عنها الزوجة الداعية(10).

توازن محمود:

إن قضية التنازع بين مهام وواجبات كلًا من البيت والدعوة، وعدم التقصير في أحدهما، أو تعدي أحدهما على حقوق الأخر، ظاهرة تنتاب العاملات في الحقل الدعوي، وهي إشكالية يشكو منها الأزواج في بعض الأحيان، كما تشكو منها الزوجات، وهي تحتاج في المقام الأول إلي إدراك وحسن فهم حتى نتجاوزها دون أن نقع في تقصير، وهذه بعض القواعد العامة التي يجب أن تحكم الأخت المسلمة حتى لا تقع في هذه الإشكالية :

1- الوسطية بلا إفراط ولا تفريط.

2- التوازن وإعطاء كل ذي حق حقه.

3- ترتيب الأولويات، فلكل وقت عبادة.

4- الموازنة بين المصالح بعضها وبعض، فالمرأة الداعية الواعية تقدم مصلحة الجماعة علي مصلحة الفرد، ومصلحة الكثرة علي القلة، ومصلحة الجوهر علي الشكل.

وهكذا، وهناك أربعة أشياء إذا اعتمدت الزوجة الداعية عليها حققت هدا التوازن: (التوكل على الله - الصحبة الصالحة - الإرادة والهمة والقوة الإيمانية - الصبر والمصابرة)(11).

ختامًا:

إلى الزوجة الداعية، التي جعلت الدعوة لب اهتمامها بدلًا من سفاسف الأمور التي شُغلت بها نساء اليوم، من مكياج وموضة، إليك أيتها الدرة المكنونة في هذه الدعوة، إليك يا شقيقة الرجل في حمل هم الدعوة، وإليك يا رفيقة الدرب كانت هذه الوصايا التي تجعلك بارةً صالحةً، راجحة العقل وسامية الغاية، نقية القلب والروح، حسنة المظهر والتصرف والسلوك، إنها معادلاتك الصعبة، وائمي بين عباداتك وحق الزوج ومتطلبات البيت والأولاد وواجب الدعوة، ووزعي في عدالة وقصد وسداد هذه الحقوق والواجبات، واستعيذي بالله من العجز والكسل والهم والحزن، وبالهمة والعزيمة سوف تجدين قرة عينك في القيام بالأعباء الجسام، بلا شكوى ولا ضجر ولا سأم ولا ملل.

فيا داعية الإسلام، أنت الأمل النابت في قلب هذه الأمة؛ ليعيدها ويعود معها إلي إسلامها ونباهة شأنها وسمو مجدها، واتساع سلطانها ورحابة أفقها وانتشار أخلاقها، وانتصار مبادئها، أنتِ، إن لم تحقري دورك، ربّانُّ سفينة، وقائدة مسيرة، وصانعة حياة، وبانية مجد، لأنك تربين أجيالًا، وتحددين مصائر، وتنشرين فضائل، وتقضين علي رذائل، وليرَ الناس منك صحة العبادة، وشغف الإقبال على الله عز وجل، وحدّة الشوق، وانشراح الصدر، وقرة العين في صلاة مطمئنة وئيدة في أول وقتها، وصيام حقيقي مفروض ومتطوع به، ويحدوه صيام قلب وجوارح عن معصية الله ينضج عفة منطق، وعفة نظر، وعفة سمع، وعفة مسلك، وعفة ظاهر، وعفة باطن، وليرَ الناس فيك زكاة محتسبة، تتحرى مواقع العطاء، وتتلاشى موانع القبول من نفاق ورياء، وكذلك فليروا منك صدَقَة محتسبة بادية للقدوة، أو خفية للسترة، وذكرًا ينفع، ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

دعوة نتحرى فيها صحة ما ندعو إليه، وأدب الأسلوب ورقة الحوار وحسن التأني، وطلاقة الوجه، وبسمة الثغر، وسعة الصدر، وعظيم الصبر، والنأي عن الجدل، والبعد عن المراء والسفه، والتسامي عن الغلظة، والتجافي عن النفرة، نُمارس هذه الدعوة، عبادة لله تعالى، بكلمات عذبة أروى من السلسبيل، وأرق من النسيم العليل، وبلباقة أخاذة، وبديهة حاضرة، واستدلال مقنع، وترغيب مشوق، وترهيب مُفزع، مع صدق لهجة، وإخلاص نية، وسلامة طوية، وسمو عن أغراض الظهور التي تقصم الظهور، وبرغبة صادقة في رد الناس إلى الله، ونصرة الحق ودحض الباطل، وتغيير ما بالأنفس، وتزكية القلوب، وجمع الصفّ، وتقبل المعاذير، والتسديد الرشيد، والتوجيه الدءوب إلي بناء النفوس، وتقوية الهمم، والتطهر من المعايب، حتى ينقاد الناس طائعين إلي دينهم، ويقتنعوا بإسلامهم، ويرضوا بربهم ورسولهم صلى الله عليه وسلم، وقد قامت الحجة لهم أو عليهم، وسطع البرهان على يد من يدعو إلى الله على بصيرة، ويهدي إلى طريق الله بقوله وفعله وأخلاقه وسلوكه.

وليرَ الناس فيك فقه الإسلام، وفهم المعاملات، ونزاهة العلاقات، ونبل الصفات، وسامي المروءات، وحميد الخصال، وجميل الفعال، وطهارة القلب، ونباهة اللب، وحسن المظهر والمخبر، وأدب الشمائل، ومحامد الفضائل، فأنت حفيظة على دينك، حريصة على نظافة مطمعك ومشربك وحلال كسبك، وشرعية ملكك.

كوني أمل الحياة الباسم، وثغرها المشرق، ويدها العاملة، وعقلها المفكر، والهمة العالية التي تحيط بنظام البيت وإسعاد الزوج وتربية الأولاد، وتسليح النفس بالعلم النافع والخلق القويم، وتوجيه الأجيال ولفت الأنظار؛ بل وليّ الأعناق إلي دور المرأة في صناعة المجتمع، وإشاعة الروح الإسلامي فيه، ولكل زمن متطلباته، ولكل ظرف مقتضياته(12).

***

__________________

(1) أخرجه البخاري (3).

(2) أخرجه مسلم (1467).

(3) كيف تكونين لزوجكِ داعية، أخوات طريق الإسلام.

(4) أخرجه الترمذي (1159).

(5) أخرجه البخاري (5195).

(6) أخرجه الترمذي (1161).

(7) أخرجه البخاري (893).

(8) أخرجه أبو داود (236).

(9) أخرجه البخاري (3701).

(10) همسات تربوية للزوجة الداعية، إسماعيل حامد، الصحوة نت.

(11) همسات تربوية للزوجة الداعية، موقع همسات تربوية.

(12) مع الأخت المسلمـة في واحة الأخلاق والسلوكيات، علي متولي علي.