logo

في بيتنا مراهق


بتاريخ : الجمعة ، 19 ذو الحجة ، 1436 الموافق 02 أكتوبر 2015
بقلم : تيار الإصلاح
في بيتنا مراهق

تعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالإنسان من الطفولة

إلى الرشد، هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة، الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية، ولما يتعرض الإنسان فيها لصراعات متعددة، داخلية وخارجية.

مفهوم المراهقة:

ترجع كلمة "المراهقة" إلى الفعل العربي "راهق"، الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام فهو مراهق، أي: قارب الاحتلام، ورهقت الشيء رهقًا، أي: قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد.

وأيضًا من أحد معاني المراهقة اللغوية، الإرهاق وشدة التعب، قال تعالى: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا } [الكهف: 73].

أما المراهقة في علم النفس فتعني: الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ولكنه ليس النضج نفسه؛ لأن الفرد في هذه المرحلة يبدأ بالنضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي، ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى عشر سنوات.

وهناك فرق بين المراهقة والبلوغ، فالبلوغ يعني: بلوغ المراهق القدرة على الإنزال، أي: اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية، وقدرتها على أداء وظيفتها، أما المراهقة فتشير إلى التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، وعلى ذلك فالبلوغ ما هو إلا جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة.

ويشير ذلك إلى حقيقة مهمة، وهي أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى أخرى فجأة، ولكنه تدريجي ومستمر ومتصل، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقًا بين عشية وضحاها، ولكنه ينتقل انتقالًا تدريجيًا، ويتخذ هذا الانتقال شكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه.

وجدير بالذكر أن وصول الفرد إلى النضج الجنسي لا يعني بالضرورة أنه قد وصل إلى النضج العقلي، وإنما عليه أن يتعلم الكثير والكثير ليصبح راشدًا ناضجًا.

وللمراهق نموه المتفجر في عقله وفكره وجسمه وإدراكه وانفعالاته، مما يمكن أن نلخصه بأنه نوع من النمو البركاني، حيث ينمو الجسم من الداخل فسيولوجيًا وهرمونيًا وكيماويًا وذهنيًا وانفعاليًا، ومن الخارج والداخل معًا عضويًا.

مراحل المراهقة:

والمدة الزمنية التي تسمى "مراهقة" تختلف من مجتمع إلى آخر، ففي بعض المجتمعات تكون قصيرة، وفي بعضها الآخر تكون طويلة، ولذلك فقد قسمها العلماء إلى ثلاث مراحل، هي:

1. مرحلة المراهقة الأولى (11-14 عاما)، وتتميز بتغيرات بيولوجية سريعة.

2. مرحلة المراهقة الوسطي (14-18 عاما)، وهي مرحلة اكتمال التغيرات البيولوجية.

3. مرحلة المراهقة المتأخرة (18-21)، حيث يصبح الشاب أو الفتاة إنسانًا راشدًا بالمظهر والتصرفات.

ويتضح من هذا التقسيم أن مرحلة المراهقة تمتد لتشمل أكثر من عشرة أعوام من عمر الفرد.

علامات بداية مرحلة المراهقة وأبرز خصائصها وصورها الجسدية والنفسية:

بوجه عام تطرأ ثلاث علامات أو تحولات بيولوجية على المراهق، إشارة لبداية هذه المرحلة عنده، وهي:

1. النمو الجسدي: حيث تظهر قفزة سريعة في النمو، طولًا ووزنًا، تختلف بين الذكور والإناث، فتبدو الفتاة أطول وأثقل من الشاب خلال مرحلة المراهقة الأولى، وعند الذكور يتسع الكتفان بالنسبة إلى الوركين، وعند الإناث يتسع الوركان بالنسبة للكتفين والخصر، وعند الذكور تكون الساقان طويلتين بالنسبة لبقية الجسد، وتنمو العضلات.

2. النضوج الجنسي:يتحدد النضوج الجنسي عند الإناث بظهور الدورة الشهرية، ولكنه لا يعني بالضرورة ظهور الخصائص الجنسية الثانوية، مثل: نمو الثديين وظهور الشعر تحت الإبطين وعلى الأعضاء التناسلية، أما عند الذكور، فالعلامة الأولى للنضوج الجنسي هي زيادة حجم الخصيتين، وظهور الشعر حول الأعضاء التناسلية لاحقًا، مع زيادة في حجم العضو التناسلي، وفي حين تظهر الدورة الشهرية عند الإناث في حدود العام الثالث عشر، في حين يحصل القذف المنوي الأول عند الذكور في العام الخامس عشر تقريبًا.

3. التغير النفسي:إن للتحولات الهرمونية والتغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة تأثيرًا قويًا على الصورة الذاتية والمزاج والعلاقات الاجتماعية، فظهور الدورة الشهرية عند الإناث، يمكن أن يكون لها ردة فعل معقدة، تكون عبارة عن مزيج من الشعور بالمفاجأة والخوف والانزعاج، بل والابتهاج أحيانًا، وذات الأمر قد يحدث عند الذكور عند حدوث القذف المنوي الأول، أي: مزيج من المشاعر السلبية والإيجايبة، ولكن المهم هنا، أن أكثرية الذكور يكون لديهم علم بالأمر قبل حدوثه، في حين أن معظم الإناث يتكلن على أمهاتهن للحصول على المعلومات أو يبحثن عنها في المصادر والمراجع المتوافرة.

أبرز المشكلات والتحديات السلوكية في حياة المراهق:

1. الصراع الداخلي: حيث يعاني المراهق من جود عدة صراعات داخلية، ومنها: صراع بين الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وصراع بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة، وصراع بين طموحات المراهق الزائدة وبين تقصيره الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية، والصراع الديني بين ما تعلمه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهو صغير وبين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من آراء وأفكار والجيل السابق.

2. الاغتراب والتمرد: فالمراهق يشكو من أن والديه لا يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه، وهذا يستلزم معارضة سلطة الأهل؛ لأنه يعد أي سلطة فوقية أو أي توجيه إنما هو استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي أصبحت موازية جوهريًا لقدرات الراشد، واستهانة بالروح النقدية المتيقظة لديه، والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافة، وفقًا لمقاييس المنطق، وبالتالي تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانية.

3. الخجل والانطواء: فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان إلى شعور المراهق بالاعتماد على الآخرين في حل مشكلاته، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة ويعتمد على نفسه، فتزداد حدة الصراع لديه، ويلجأ إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل.

4. السلوك المزعج: والذي يسببه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة، وبالتالي قد يصرخ، يشتم، يسرق، يركل الصغار ويتصارع مع الكبار، يتلف الممتلكات، يجادل في أمور تافهة، يتورط في المشاكل، يخرق حق الاستئذان، ولا يهتم بمشاعر غيره.

5. العصبية وحدة الطباع: فالمراهق يتصرف من خلال عصبيته وعناده، يريد أن يحقق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، ويكون متوترًا بشكل يسبب إزعاجًا كبيرًا للمحيطين به.

كيف نتعامل مع المراهق؟:

أولًا: زرع بذور الإيمان والتدين:

فالمراهق بحاجة إلى عملية تثقيف وإقناع بضرورة التدين، فهو صمام الأمان من الانزلاق في متاهات الرذيلة والانحراف، ولهذا يتحتم على الآباء القيام بزرع بذور الإيمان في نفوس أبنائهم عبر التثقيف الديني وإجابة عن كل ما يدور بخاطرهم من استفسارات، ودعوتهم لحضور المساجد، وقراءة القرآن وغيرها من ممارسات من شأنها أن تخلق الشخصية المتدينة.

ثانيًا: التربية المتوازنة:

وهي التربية القائمة على قاعدة "حزم بلين"، حيث أن لكل موقف طريقته في التعامل، فليس مطلوبًا الحزم بصورة مطلقة، وليس مطلوبًا اللين بصورة مطلقة أيضًا، كما أن الإفراط في كلاهما لهما آثاره الوخيمة على شخصية المراهق، كما أن التربية الناجحة هي التي تبدأ منذ الصغر، وليس حين يبلغ الطفل سن المراهقة، يقول لقمان لابنه: «يا بني إن تأدبت صغيرًا انتفعت به كبيرًا».

ثالثًا: الاهتمام الشامل:

المراهق يحتاج إلى اهتمام من نوع خاص، وله متطلبات خاصة، ومن الخطأ أن نهتم بجانب دون آخر، فلابد من الاهتمام بكل ما يتعلق بشخصية المراهق، فليس مطلوبًا اهتمامنا بتوفير الجانب المادي فقط؛ بل لابد من توفير بقية الاحتياجات النفسية، والعقلية، والعاطفية، والاجتماعية.

رابعًا: الأسرة هي القدوة:

فحين يكون الأب والأم ملتزمان بالتعاليم الدينية وسيرتهما سيرة صالحة، فإن الابن سيجدهما خير قدوة، كما أن الأجواء الأسرية حينما تكون مبنية على الوفاق والوئام والمحبة، فإنها ستؤثر إيجابيًا على المراهق.

خامسًا: احترام المراهق:

حينما يجد المراهق أن شخصيته محترمة، من خلال إشعاره بأنه قد بلغ سنًا يُعتمد عليه، وأنه له الحق في التعبير عن رأيه، وإشراكه في بعض القضايا الأسرية، وغيرها من سلوكيات تنمي فيه روح الاحترام وتشعره بأهميته، فإن طاقاته ومواهبه وكفاءاته الكامنة ستتفجر فيما يخدم المجتمع.

سادسًا: التثقيف الجنسي:

فلكي نحافظ على المراهق من الانحرافات الجنسية لابد من ممارسة التثقيف الجنسي وفق الرؤية الإسلامية، وذلك من خلال توضيح أهم المسائل المتعلقة بالجنس كالمحرمات وخطورتها وما يتعلق بها من أمراض، وكذلك لابد من تعليمهم أهم المسائل الشرعية المتعلقة بهذا الجانب وفي هذه الفترة كالغسل وما شابهه.

سابعًا: المراقبة من بعد:

إن مرحلة المراهقة بحاجة إلى مراقبة ومتابعة من قبل الوالدين، كي يضمنا أن ولدهما يسير في الاتجاه الصحيح بعيدًا عن كل ما من شأنه أن يأخذ بيد المراهق إلى الاتجاه الآخر.

____________________________________________

أهم المصادر:

(1) المراهقة: خصائص المرحلة ومشكلاتها، موقع صيد الفوائد.

(2) كيف تتعامل مع أولادك المراهقين، للدكتور عبد الله اليوسف.