الزواج المدني في الميزان
لم يكن يدر بخلد أي مسلم أن يحدث ارتباط بين مسلم ومسلمة خارج رباط الإسلام، الذي ارتضاه الله عز وجل لنا.
إن الزواج الشرعي قد وصفه المولى عز وجل بالميثاق الغليظ، قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:20-21].
ووصفه صلى الله عليه وسلم بأنه أمانة الله وكلمة الله، ففي خطبة حجة الوداع قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله»(1).
هذا هو الزواج في الإسلام؛ علاقة بين زوج وزوجته، تنظم هذه العلاقة قوانين وتشريعات ربانية، هذه القوانين وتلك التشريعات هي لمصلحة الزوجين، فهو سبحانه أعلم بما خلق{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:14].
لكن فاجأتنا الصحف قبل أيام بأن شابًا مسلمًا وفتاة مسلمة من لبنان قد تزوجا زواجًا مدنيًا، زواجًا هما من وضعا شروطه وبنوده، زواجًا اتفقا فيه على كل ما يريدان حتى ولو أحلا ما حرم الله.
الزواج المدني هو عبارة عن عقد يتفق فيه الطرفان على مشاركة الحياة بين الذكر والأنثى، مع التساوي في كافة الحقوق والواجبات!
هذا هو الزواج المدني الذي يتشدق به مدعو الحرية والتحرر، هذا الزواج المدني يجعل من الرجل والمرأة شريكان متساويان في كل شيء، فهو لا يراعي الفروق الجسمانية والعقلية بينهما، وكذلك لا يراعي ما قد يعتري المرأة من أوقات لا تقوى فيها حتى على القيام بمهامها المنزلية.
فالمرأة ملزمة بأن تنفق من مالها في بيت الزوجية إن كانت تعمل، فليس الإنفاق في الزواج المدني مقتصر على الزوج فقط، كما أوجبه الإسلام عليه، إنما الإنفاق في الزواج المدني مشترك بين الرجل والمرأة!
كذلك في الزواج المدني يتم إهمال فارق الدين بين الرجل والمرأة؛ فمن حق المرأة المسلمة أن تتزوج زواجًا مدنيًا من غير المسلم، وكذلك من حق المسلم أن يتزوج زواجًا مدنيًا من غير المسلمة؛ سواءً كتابية كانت، أو حتى ملحدة، أو بوذية.
كذلك يهمل الزواج المدني صيغة عقد الزواج، ولا يوافق على الصيغة الإسلامية أبدًا؛ بل إن الزواج المدني لا يقوم ولا يصح إذا كان الزوج متزوجًا؛ فمن شروط الزواج المدني عدم التعدد، فالزواج المدني يقوم على أساس المساواة التامة بينهما، فلا مهر لها، ولا قوامة له، ولا طاعة عليها، ولا طلاق له؛ بل هي حياة دائمة قائمة على الاحترام المتبادل، من وجهة نظرهم، لا تنقطع إلا بالموت، ولا يحق للزوج بموجب هذا الزواج أن يعدد من الزوجات مطلقًا.
كذلك يجعل الزواج المدني حق المرأة في الميراث مساويًا لحق الرجل؛ بل إن للمرأة بعد انتهاء العلاقة بينها وبين الرجل يكون لها، وفقًا لبنود الزواج المدني، نصف ثروة الرجل.
أما الطامة الكبرى، بعد كل هذه الطوام، فهي أن الزواج المدني لا يعترف بقرابة الرضاعة، فهو يهمل قرابة الرضاعة، ويجعل من حق المرأة أن تتزوج أخيها في الرضاعة أو أبيها من الرضاعة، وكذلك من حق الرجل أن يتزوج أخته من الرضاعة، وأمه من الرضاعة!.
كذلك من هذه الطوام عدم اعتبار وقوع الطلاق من الرجل بصورة منفردة، وعدم وقوع الطلاق بالتراضي؛ بل ينبغي أن يذهب الزوجان إلى الموظف المختص في الجهة الرسمية التي سجلا فيها زواجهما، ويقوما بسرد أسباب الطلاق، فإذا رآها الموظف تستدعي الطلاق كان الطلاق وإلا فلا طلاق.
كذلك أيضًا ليس على المرأة حق الطاعة لزوجها؛ فهما متساويان، وليس لأحد أن يفرض على الآخر أي شيء، إلا ما اتفقا عليه في العقد، وعليه فلو أراد الرجل امرأته فليس عليها أن تجيبه؛ بل لو أكرهها على غير ما تريد كان من حقها أن ترفع أمره إلى القضاء بتهمة الاغتصاب!
كذلك فإن الزواج المدني يمنع الزوجين من رفع أي شكوى من أي طرف على الآخر، وذلك خلال الثلاث سنوات الأولى، وكذلك يمنع الطلاق إلا بعد مرور خمس سنوات، وعليه فمهما نشأ بين الرجل وزوجته من خلاف، خلال تلك السنوات الثلاث الأولى، لا يجوز لهما أن يرفعا أمرهما إلى القاضي، وإذا مرت الثلاث سنوات كانت الشكوى إلى الموظف المختص، فيذهبا إلى هذا الموظف، ويبثا له كل أسرار العلاقة الزوجية، ولا يخفى ما في هذا من الأضرار النفسية والاجتماعية كذلك.
وإذا غاب الزوج عن زوجته بعد الزواج مباشرة فلا يحق لها طلب الزواج إلا بعد مرور خمس سنوات، وإذا حدث الطلاق أو مات الزوج فلا يحق للزوجة الزواج من غيره إلا بعد مرور عشرة أشهر!
كذلك يعتبر الزواج المدني أن الأولاد من الزوجة الثانية، للرجل المتزوج زواجًا مدنيًا من زوجته الأولى، أولادًا غير شرعيين، ولا يحق له حتى تبنيهم؛ بل يحق له تبني غيرهم، فالزواج المدني يعتبر الزواج الثاني غير موجود، ويعتبره زنا!
كذلك يحدد قانون الزواج المدني سن المرأة عند الزواج بأكثر من خمس عشرة سنة، والرجل بأكثر من ثماني عشرة سنة.
وبعد هذا العرض السريع نرى أن الزواج المدني يقوم على:
1-إسقاط الدين من منظومة الزواج.
2-إهمال الفوارق الجسدية والعقلية بين الرجل والمرأة.
3-الزواج المدني يحاكي الزواج الكنسي، فضلًا عن أن واضعه نصراني، فمن طقوس الزواج المدني أن يعلن كل من الزوجين على باب المحكمة زواجهما، وهذا الإعلان يكون لمدة خمسة عشر يومًا، وذلك أخذًا بمبدأ المناداة على باب الكنيسة في التقنين الكنسي، كذلك تحديد الزواج بسن معين، وإباحة التبني، واعتبار الزواج باطلًا بسبب ارتباط الزوج بزوجة سابقة، ثم مسايرة التقنين الكنسي في منع الطلاق بالتراضي.
إن ما سبق عرضه من طوام الزواج المدني هو غيض من فيض، إن الزواج المدني هو مخالف لأحكام الدين ومبادئه وأصوله وثوابته، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يقدم عليه مسلم أو مسلمة؛ لكن ما نراه اليوم من تهافت بعض المصريات هناك في لبنان على الزواج المدني، وإرادة تسجيله في السفارة المصرية هناك، لهو أمر خطير، ينبئ عن تحرك أيادٍ خفية كارهة للإسلام، تريد لهذا الشعب المسلم أن يتزعزع عن دينه.
ونختم بفتوى لمفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ محمد رشيد قباني، حيث اعتبر أن كل من يوافق من المسئولين المسلمين، في السلطة التشريعية والتنفيذية في لبنان، على تشريع وتقنين الزواج المدني، هو مرتد وخارج عن دين الإسلام، ولا يغسّل ولا يكفّن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين،ويحمل أوزار كل الذين يدخلون في هذه العلاقة غير المشروعة، من أبناء وبنات المسلمين إلى يوم القيامة.
_____________________________________________________
(1) صحيح مسلم (1218).