logo

الخلافات الزوجية ..أسباب تافهة ونتيجة مؤسفة


بتاريخ : الخميس ، 26 شعبان ، 1437 الموافق 02 يونيو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
الخلافات الزوجية ..أسباب تافهة ونتيجة مؤسفة

كان في رحلة عمل تستغرق يومين، لكنه لم يطق أن يبتعد عن حبيبة قلبه أكثر من يوم، فعزم على العودة إلى منزله فورًا؛ لاشتياقه إلى زوجته.

وفي أثناء الطريق أخذ يتذكر ملامحها، ويقلب في ذاكرته أحسن أيام حياته، حيث بداية زواجه، وقضاء أسعد أيام عمره.

لقد كان الطريق طويلًا جدًا، فهو لا يكاد يحتمل حتى يلتقي بزوجته.

أخيرًا، وصل إلى باب شقته، فتحه برفق حتى يفاجئ زوجته بتلك المفاجأة السعيدة، لكنه وجد الإضاءة مقفلة، ثم استنتج أن زوجته نائمة، دلف إلى حجرتهما، فوجدها نائمة، اقترب منها وطبع قبلة رقيقة على وجنتيها، انتبهت من نومها، ونظرت إليه بكسل، ثم ما لبثت أن أدركت أنه زوجها، فقامت سريعًا واحتضنته وقبلته، قائلة: حمدًا لله على سلامتك يا حبيبي، كم اشتقت إليك.

أجابها: وما حملني على الرجوع سريعًا إلا شوقي إليك.

ابتسمت ابتسامة رقيقة تعبر بها عن مدى اعتزازها بهذا الحب، ثم قالت له: حبيبي، يبدو أنك جوعان، هل أجهز لك الطعام؟، قال: سيكون هذا من دواعي سروري.

قامت مسرعة إلى مطبخها، وقام هو إلى غرفة الملابس، دقائق قليلة، وكان الزوجان الحبيبان على مائدة الطعام.

كان الحديث على مائدة الطعام لذيذًا ومسليًا، حتى قالت له زوجته: حبيبي، إن شاء الله، سأذهب مع ابنة عمي غدًا إلى السوق لأجل شراء بعض الحاجيات الشخصية، كما كنت متفقة معك.

أجابها: لا بأس، ولكن لا تأخير في الأسواق، ويكون النزول للسوق ما بين العصر إلى المغرب، حيث الأسواق غير مزدحمة، وتكونين قد انتهيت من مشاغل البيت.

ردت عليه: حبيبي، ولكن لن أستطيع أن أنجز كل مشاغل البيت، ثم أذهب إلى السوق في هذا التوقيت، سأذهب بعد العشاء.

أجاب بتوتر: لا.

قالت بتوتر: إذن عليك أن تحضر مستلزمات الغداء باكرًا، ثم علا صوتها: حتى أستطيع أن أعد لك الطعام في الموعد الذي تريده.

غضب كثيرًا من علو صوتها عليه، لكنه كظم غيظه ولم ينطق، فردت عليه بصوت مرتفع: لِمَ لم تجبني؟ ألم تسمعني؟ أعطني جوابًا فيما قلت؟ أم أن كلامي لا يعجبك؟.

هنا انفجر الزوج صارخًا: إذن لن تذهبي إلى السوق، ولن أتراجع عن ذلك أبدًا، وهذا الموضوع غير قابل للنقاش.

غضبت كثيرًا وبدأ صوتها يعلو أكثر: ماذا تعني بأنه غير قابل للنقاش؟، هذا حقي، من يوم زواجي وأنت ترفض ذهابي خارج البيت، وأنا متحملة ولكني زهقت وتعبت، وأيضًا كيف سيكون منظري أمام أهلي، الكل لاحظ أنني لم أعد كالسابق.

أجابها: لأنك بالفعل لم تعودي كالسابق، أنت الآن امرأة متزوجة وعندك بيت وزوج، ولا بد أن تفهمي هذا الأمر جيدًا.

أجابت بعصبية: لا لن أفهم، أنا أفعل لك كل ما تريد، فلماذا تضيق على بهذا الشكل؟.

أجابها: أعلم أنك تفعلين كل ما أريده، ولكنك أيضًا تعلمين موقفي من هذا الأمر، قلت لك مرارًا لا أحب ذهابك للأسواق، فلا تفتعلي مشكلة لأنني متعب الآن.

أجابت بنفس عصبيتها: وأنا أيضًا متعبة من تعاملك معي بهذا الشكل، وسأذهب، وأفعل ما تريد.

صدم زوجها من كلامها، وتعصب هو الآخر قائلًا: ماذا تعنين بأنك ستذهبين؟، هل تعصين أمري؟.

أجابت بعصبية شديدة: نعم، أنت تتعامل معي وكأنني جارية عندك، لا تقدر احتياجاتي ولا تنظر إلى ما أريده، كل ما يهمك نفسك وراحتك وفقط، وكما قلت سأذهب وافعل ما يحلو لك.

جن جنون زوجها من كلامها وقال: افعلي، وسيكون لي وقتها تصرف آخر.

بتهورٍ أجابته: لا يهمني، أفعل ما تريد، فالحياة معك أصبحت لا تطاق.

فصرخ في وجهها: مادامت حياتي لا تطاق، فأنا لا أريدك فيها، أنت "طــ".

للأسف هكذا تنتهي أكثر الزيجات، بأتفه الأسباب، فهذه تريد الطلاق؛ لأن زوجها لم ينصت إليها ويقوم بتغيير المغسلة التي يقوم فيها بغسل ملابسه وكيها؛ وآخر يريد طلاق زوجته؛ لأن أنفها لا يعجبه، وهذه تريد الطلاق؛ لأن زوجها لا يتصل بها في العمل يوميًا ويسمعها عبارات الغزل، وهو يريد طلاق زوجته؛ لأنها لم تعد له طعام العشاء، إنها أسباب تافهة، ونتيجة مؤسفة.

 

حقائق وأرقام:

هل تعلم أن نسبة الطلاق في مصر قد بلغت 45% من نسبة المتزوجين؟، أي تقريبًا نصف الزيجات تنحل بالطلاق، وهل تعلم أن أكثر هذه النسبة هي بعد السنة الأولى وقبل السنة الخامسة، أي في سنين الزواج الأولى، التي يحاول كل طرف فيها أن يعيش أجمل أيامه، ويحاول بقدر الإمكان أن يغض الطرف عن أخطاء الطرف الآخر.

ونسبة الطلاق في الكويت قد بلغت 48%، وفي السعودية 35%، وفي دول مجلس التعاون الخليجي 47%، كلها نسب مخيفة، كل هذا لأن هذه الزيجات لم تعرف حقيقة الحياة الزوجية.

 

حقيقة الحياة الزوجية:

الحياة الزوجية قوامها المودة والرحمة، والحب والتفاهم، وحسن العشرة، والمشاركة، والتعاون، والشياطين تسعى بكل ما أوتيت من حيل للإفساد والتفريق بين الأزواج، فهي لا ترجو الصلاح ولا الاستقرار للمسلمين.

وأعلى الشياطين منزلة عند إبليس، وأقربهم إليه، وأدناهم منه منزلة؛ ذلك الذي يفرق بين زوجين، قال صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت»، قال الأعمش: أراه قال: «فيلتزمه»(1).

إن الحياةَ الزوجية مشروعُ العمر، ومتنُ الحياة، نواةُ المجتمع، وسرُ بقاء البشرية، علاقةٌ جليلةُ تنعقد بكلمة الله، وتحوطها أمانةُ الله، طرفاها الذكر والأنثى، وثمرتهُا الذريةُ الطيبة، قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } [النحل:72].

 

لا للخلافات الزوجية:

هذا هو الشعار الذي يجب أن يرفعه الزوجان، وذلك بأن يجعلا المناخ الأسري، والعلاقة بينهما بلا خلافات، وليس فيها مكان للمشكلات، وأن تكون العلاقة بينهما تربة صالحة، لا تنبتُ إلا الزهور والورود، ولا تعرف الأشواك، وإذا عرفتها، عرفت كيف تتعامل معها، حتى لا تتأثر بها وتتضرر، لكن الوقاية خير من العلاج، وخصوصًا في الخلافات الزوجية، فيجب وأْد هذه الخلافات مبكرًا، وأن تُجتزَّ من جذورها قبل أن يقوي عودها، ويصعب نزعها.

ويجب على الزوجين أن يسرعا في علاج الخلافات في بدايتها، وأن لا يهملا هذا الأمر، فالتواني والقعود عن حلها يعني تأصيلها وتغلغلها في جسد الحياة الزوجية.

وإن الخلافات إذا استشرتْ في الحياة الزوجية؛ هزلت وضعفت ومرضت، وربما انتهت، لا قدر الله، إنها كالسوس الذي ينخر في الساق المتين، فيجعله هباءً منثورًا، وما أجمل أن يضع الزوجان أسلوبًا أو منهجًا، يتفقان عليه في مواجهة المشكلات الزوجية؛ وذلك من أول أيام الزواج.

_______________________________________________

(1)            صحيح مسلم (2813).

المصادر:

موقع الإسلام اليوم، مقال بعنوان: «الخلافات الزوجية: أسبابها وعلاجها».

موقع موسوعة الأسرة المسلمة، مقال بعنوان: «الخلافات الزوجية»..