logo

أسباب ضعف همة المرأة المسلمة


بتاريخ : الثلاثاء ، 16 صفر ، 1441 الموافق 15 أكتوبر 2019
بقلم : تيار الاصلاح
أسباب ضعف همة المرأة المسلمة

لكل إنسان هموم ومشاغل، ولا يخلو أحد من عمل يقوم به، والمرأة تزيد عن الرجل في كثرة المشاغل والأعمال والمهام، فبعض الرجال كل همه في الحياة وظيفة يقتات منها وبيت يسكنه وزوجة يأنس بها؛ وكذلك بعض النساء، ولكن الفيصل بينهما أن المرأة تتعدد مهامها وتتنوع وظائفها، وتزداد مع الحياة همومها، ما بين هموم الزوج، ثم يزيد عليها هموم الأبناء، ثم هموم الحياة عمومًا.

وهناك من النساء من فرغت قلبها وعقلها من الهموم الدنيوية التي لا تنفك عن النساء غالبًا، واعتبرتها أشياء ثانوية وليست أساسية، فهمومها ومشاغلها أسمى من مجرد صناعة طعام أو غسل ثياب، ولكن هناك همومًا حقيقية تعيش بها ولها، هم الآخرة وإرضاء ربها ونصرة دينها، والعمل على تمكين دين الله في الأرض، وتعبيد الناس لرب العالمين.

ومع ذلك نجد أن أكثر النساء من الصنف الأول؛ لا يسعى في تحقيق آماله، ولا البحث خلف أهدافه، ولكن استسلام لواقع يفرض نفسه، من حين لآخر تتغير أوضاعه وتتبدل أحواله، فبعد العمل الدعوي الجاد، والهمة الإيمانية القوية، والنشاط والحيوية والتفاني في خدمة الدعوة؛ تجد من تسلم نفسها لضغوط الحياة ومسايرة الواقع الأليم الذي لا تنتهي مشاغلة ولا تنقضي حوائجه.

وفي ظل متطلبات الحياة اليومية، تظل المرأة تتقاذفها الهموم وتتجاذبها الأحداث، حتى يعلو الشيب الرأس، ويعتلي الانحناء الظهر، وتسكن الأمراض البدن، وساعتها تشعر المرأة بضياع العمر وانقضاء الأجل؛ دون أن تحقق ما كانت تتمناه أو تفعل ما كانت ترجوه، ولات حين مندم.

أسباب ضعف الهمة:

لكل شيء سبب، ولكل أمر مبرراته، ولكل حكم حيثياته، وكذلك الذي أضعف همة بعض النساء، والذي حاد بهن عن أهدافهن أسباب كثيرة، وأمور جليلة، ولعل من أهمها: -

1- طبيعة الإنسان:

فهناك من النساء من جُبلت على علو الهمة فلا ترضى بالدون، ولا تقنع بالقليل، ولا تلتفت إلى الصغائر، ولا تغدو بِلُبِّها الدنايا ومحقرات الأمور، ولهذا قيل: ذو الهمة إن حُطَّ فنفسه تأبى إلا عُلوًّا، كالشعلة في النار يصوِّبها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعًا (1).

قال عمر بن عبد العزيز: إن لي نفسًا تواقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نِلْتُها تاقت إلى الخلافة، فلما نِلْتُها تاقت إلى الجنة (2).

وقال الشافعي:

أمطري لؤلؤا جبال سرنديـب      وفيضي آبارَ تكرورَ تبرًا

أنا إن عشتُ لست أعدم قُوْتًا     وإذا متُّ لست أعدم قبرًا

همتي همةُ الملوكِ ونفسي     نفسُ حرٍّ ترى المذلة كفرًا

وفي المقابل من النساء من جبلت على همم ضعيفة وغايات دنيئة، لا يشغلهن إلا شهوات البطون والفروج، حالهن كحال القائل:

إذا تغديت وطابت نفسي

فليس في الحي غلامٌ مثلي

إلا غلامٌ قد تغذّى قبلي

2- غياب الدور التربوي للوالدين:

فأثر الوالدين في التربية عظيم، ودورهما في إعلاء همم الأولاد خطير وجسيم، فإذا كان الوالدان قدوة في الخير، وحرصا على تربية الأولاد، واجتهدوا في تنشئتهم على كريم الخلال وحميد الخصال، مع تجنيبهم ما ينافي ذلك من مساوئ الأخلاق ومرذول الأعمال؛ فإن لذلك أثرًا عظيمًا في نفوس الأولاد، لأن الأولاد سيشبون متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، متصفين بمكارم الأخلاق، مبغضين لسفاسف الأمور، نافرين عن مساوئ الأخلاق (3).

ثم إن صلاح الآباء يدرك الأبناء، بل إن نبوغ الآباء يؤثر أيما تأثير في نفوس الأولاد، فمما يهيئ الناشئ للنبوغ أن يسبقه أب أو جد بالنبوغ، فإن كثرة تردد اسم سلفه العبقري على سمعه، ومطالعته لبعض آثار عبقريته، يثيران همته، ويرهفان عزمه لأن يظفر بما يظفر به سلفه من منزلة شامخة وذكر مجيد (4).

ولا أدل على عظم شأن الوالدين في التربية، وأثرهما البالغ في نفوس الأولاد من حال سلفنا الصالح الذين خرجوا لنا أكرم جيل، وقدموا لنا أفضل رعيل، لا يدانيهم أحد في الفضل، ولا يبلغ شأوهم في النبل، فمن كان وراء هؤلاء الأبطال؟ ومن الذي صنع أولئك الرجال؟ إننا لو سبرنا أحوالهم، وتبعنا سيرهم، لوجدنا أن وراء كل واحد منهم أبًا عظيمًا، أو أمًّا عظيمة، يربون أولادهم على تطلاب الكمال، ونشدان المعالي.

فهذا أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب؛ تنقل في تربيته بين صدرين من أملا صدور العالمين حكمة، وأحفلها بجلال الخلال، وكريم الخصال، فكان مغداه على أمه فاطمة بنت أسد، ومراحه على أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (5).

وهذا أمير المؤمنين، أريب العرب، وألمعيُّها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، من كان وراءه؟ لقد كان وراءه أمٌّ عظيمة هي هند بنت عتبة وهي القائلة: وقد قيل لها ومعاوية ووليد بين يديها: إن عاش ساد قومه، قالت: ثكلته إن لم يسد إلا قومه، وكان معاوية إذا نوزع الفخر بالمقدرة، وجوذب بالمباهاة بالرأي انتسب إلى أمه، فصدع أسماع خصمه بقوله: أنا ابن هند، وهكذا أبوه له شأن عظيم في الجاهلية والإسلام.

وهذا عبد الله بن الزبير، كان وراءه أمٌّ عظيمة كريمة شجاعة، وهي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وهي القائلة، وقد نعي ابنها عبد الله: ما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل، وهي القائلة أيضًا قبل ذلك عندما استشارها ابنها عبد الله بن الزبير في قتال الحجاج: اذهب؛ فوالله لضربة بالسيف على عزٍّ، أفضل من ضربة بالسوط على ذل (6)، وهكذا أبوه الزبير له شأن عظيم وكان حواري النبي صلى الله عليه وسلم.

3- غياب المربين الأفذاذ، والمعلمين القدوات:

الذين يستحضرون عظم المسؤولية، ويستشعرون ضخامة الأمانة، والذين يتسمون ببعد النظرة، وعلو الهمة، وسعة الأفق وحسن الخلق، والذين يتحلون بالحلم والعلم، والصبر والشَّجَاعَة، وكرم النفس والسماحة.

الذين إذا غابوا غاب معهم كل خير، وإذا فقدوا فما عاد بعدهم في الدنيا خير، فوجودهم غنيمة وفقدهم مصيبة، بدونهم لا خير في الحياة، من غيروا القناعات، وسموا بالغايات، وتحلوا بكريم الصفات.

4- مصاحبة المثبطات:

لا شك أن المسلمة تتأثر بصاحبتها سلبًا وإيجابًا، فإن كانت صاحبتها من أصحاب الهمم العالية علت همتها، وإن كانت من أصحاب الهمم الضعيفة تدنت همتها، لذا كان لا بد من التدقيق في اختيار الصاحبة والبعد التام عن المثبطات اللاهيات.

قال أحد العلماء: الأصحاب ثلاثة: صاحب كالهواء، وصاحب كالدواء، وصاحب كالداء، أما الصاحب الذي كالهواء: فهو الذي لا تستغني عنه، وهو الذي يقربك من الله ويعرفك على الله، ويحبب إليك ذكر الله.

والصاحب الذي كالدواء: هم أهل المنافع، ولا تحتاج إليه إلا وقت الطلب كالخباز والنجار والخياط وهكذا.

والصاحب الذي كالداء وهو الذي يعديك، وهو كالسم الزُّعاف، وهو الذي يقربك من النار، ويقودك إلى الخزي في الدنيا والاخرة.

ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟

إن مجتمع المثبطات اللاهيات عندما يحيط بالمسلمة يضعفها، وقد لا تستطيع المقاومة، فيدب الفتور في أوصالها، ويسري التراخي إلى عبادتها وأعمالها.

ولتنتبه المسلمة فلعلها تصاحب من أهل الخير والصلاح مسلمات تدنت هممهن، ووهنت عزائمهن، ولا تظن أنهن السبب في فتور همتها وتلاشي نشاطها، والإنسان سريع التأثر بمن حوله، لذا كان لا بد من حسن اختيار الصاحبة والجليسة، حتى وإن كانت من الأخوات المسلمات الدينات، فمنهن المثبطات اللاهيات أيضًا.

يقول ابن الجوزي: فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب، التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة؛ فإنه يرى من علوم القوم، وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة (7).

فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم.

إلى أن قال: فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم: ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب (8).

5- غياب الشعور بالمسئولية:

التهرب من المسئولية، والإلقاء باللائمة والتبعة على الغيرة ذلك أن المسئولية في الإسلام عامة، تشمل كل فرد من المسلمين؛ فهم جميعًا داخلون في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» (9).

فالمسئولية مشتركة، كل امرئ بحسبه، هذا بتعليمه وكلامه، وهذا بوعظه وإرشاده، وهذا بقوته وماله، وهذا بجاهه وتوجيهه إلى السبيل النافع وهكذا.

6- أُلف المعاصي:

إن المعاصي أحد أسباب انحطاط الهمم، إذ كيف ينطلق الإنسان إلى المعالي وهو مكبل بالشهوات، مثقل بالذنوب، منهك القوى بالمعاصي، يقول ابن قيم الجوزية: فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي ستسيره، فإذا زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعًا يبعد تداركه (10).

7- الخوف والهم والحزن:

وهذه الثلاثة من الآفات التي توهن الهمة، وتضعف العزيمة، وتدفع إلى الفتور؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يستعيذ بالله منها، فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال» (11).

فاستعاذ من ثمانية أشياء، كلُّ اثنين منها قرينان، فالهم والحزن قرينان وهما من آلام الروح ومعذباتها، والفرق بينهما أن الهم توقع الشر في المستقبل، والحزن التألم على حصول المكروه في الماضي أو فوات المحبوب، وكلاهما تألم وعذاب يرد على الروح فإن تعلق بالماضي سمي حزنًا، وإن تعلق بالمستقبل سمي همًّا (12).

8- الغفلة:

الغفلة من أسباب ضعف الهمة، فكيف يرتقي الإنسان معالي الأمور، وهو في غفلة عن مصالحه وأسباب سعادته، والغفلة والجهل قرينان، فشجرة الغفلة تُسْقَى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلِّها.

هل علمتم أمة في جهلها              ظهرت في المجد حسناءَ الرداء؟

وقال شعبة بن الحجاج: لا تقعدوا فراغًا فإنَّ الموت يطلبكم.

وسئل ابن الجوزي: أيجوز أن أفسح لنفسي في مُباح الملاهي؟ فقال: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها (13).

9- إهدار الوقت:

سواء كان هذا في الزيارات أم السمر أم فضول المباحات أم في أمور مفضولة، فالوقت هو رأس مال الإنسان، فإذا أهدره فهو في الحقيقة يضيع عمره، فيبوء بالخسران، وما أفدحها من خسارة، فينبغي تجنب إهدار الوقت الثمين في الزيارات والسمر وفضول المباحات: قال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» (14).

والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه               وأراه أسهلَ ما عليك يضيع

ويقول الفضيل بن عياض: أعرف من يَعُدُّ كلامه من الجمعة إلى الجمعة.

ودخلوا على رجل من السلف، فقالوا: لعلنا شغلناك؟ قال: أصدقكم، كنت أقرأ فتركتُ القراءة لأجلكم.

وجاء عابدٌ إلى السَّرِيِّ السَّقَطي، فرأى عنده جماعة، فقال: صِرتَ مُناخَ البطالين! ثم مضى ولم يجلس.

وقعد جماعة عند معروف الكرخي، فأطالوا، فقال: إن مَلَك الشمس لا يفتر عن سوقها، أفما تريدون القيام؟ (15).

10- الوهن:

وهو كما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حب الدنيا، وكراهية الموت» (16).

 أمَّا حب الدنيا فرأس كلِّ خطيئة كما في الحكمة المشهورة، وهو أصل التثاقل إلى الأرض، وسبب الاستئسار للشهوات، والانغماس في الترف، والتنافس على دار الغرور التي:

تفانى الرجال على حبِّها        وما يحصلون على طائل

يقول ابن الجوزي: واعلم أنَّ زمان الابتلاء ضيف قِراهُ الصبر، كما قال أحمد بن حنبل: إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل، فلا تنظر إلى لذة المترفين، وتَلَمَّحْ عواقبهم، ولا تضق صدرًا بضيق المعاش، وعلل الناقة بالحدْو تسِرْ:

طاوِلْ بها الليلَ مالَ النجمُ أم جَنحَا           وماطِلِ النومَ ضَنَّ الجَفْنُ أمْ سَمَحا

فإن تَشَكَّتْ فَعَلِّلْها المجَرَّةَ مِن         ضوءِ الصباحِ وعِدْها بالرواحِ ضحَى (17).

وأما كراهية الموت فثمرة حب الدنيا والحرص على متاعها مع تخريب الآخرة، فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب.

11- توالي الضربات وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام:

 وينتج عنه الشعور بالإحباط في نفوس الذين لا يفقهون حقيقة البلاء، وسنن الله عز وجل في خلقه، كما ينتج عنه استطالة الطريق فيضعف السير إلى الله عز وجل، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعزي أصحابه المضطهدين في مكة بتبشيرهم بأن المستقبل للإسلام، وبأن العاقبة للمتقين.

فلا ينبغي أن يستولي اليأس والتشاؤم على الدعاة، فعندما يرى بعضهم تفوق الأعداء، وتفرق الأصدقاء، والتضييق على الدعاة، وتشريدهم، والزج بهم في السجون، ونحوها من الابتلاءات، ييأسوا ويتشاءموا ويدب الوهن إلى قلوبهم؛ فتضعف هممهم، ويقعدوا عن العمل، ويفقدوا الأمل.. على الرغم من انتصارات الدعوة والبشائر التي تبدو في الأفق؛ ولكن يأبى بعضهم إلا النظرة المتشائمة.

12- الفتور:

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل عمل شرة، ولكل شرةٍ فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك» (18).

فالنبي صلى الله عليه وسلم يذكر لنا أن لكل عمل فترة من النشاط والقوة والهمة العالية، وهذه الفترة يعقبها ضعف وفتور، فإن كان هذا الفتور كاستراحة المقاتل يعود بعدها إلى العطاء والجهاد فقد اهتدى، وما عدا ذلك فقد هلك.

قال ابن القيم رحمه الله: فتخلل الفترات للسالكين أمر لازم لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم: رجا له أن يعود خيرًا مما كان (19).

13- الكسل:

وهو صفة مستحكمة في كثير من الخلق، تدعوهم إلى القعود عن المعالي والفضائل، والرضا بالدون من كل شيء.

الكسل أكثر منشئة من الترف والدعة، والتبسط إلى الدنيا، والعبِّ من شهواتها وملاذها، وعدم الالتفات إلى ما يخالف ذلك أو ينغص عليه.

والكسل مؤد إلى العجز ولا بد، حيث إنه يمنع المرء من الخروج من منزله وحيه لغرض الإصلاح والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يمنع المرء من الحركة إلى المساجد وطلب العلم، بل قد يمنعه من الحركة في بيته لتربية أولاده ومراقبتهم، ومن كان حاله كذلك فهو العاجز عجزًا كليًّا.

روى أن رجلًا قال لخالد بن صفوان: ما لي إذا رأيتكم تذاكرون الأخبار وتدارسون الآثار، وتناشدون الأشعار وقع علي النوم؟ فقال: لأنك حمار في مسلاخ إنسان (20).

وقد ترى الرجل موهوبًا ونابغة، فيأتي الكسل فيخذل همته، ويمحق موهبته، ويطفئ نور بصيرته، ويشل طاقته.

قال الفراء رحمه الله: لا أرحم أحدًا رحمتي لرجلين: رجل يطلب العلم ولا فهم له، ورجل يفهم ولا يطلبه، وإني لأعجب ممن في وسعه أن يطلب العلم ولا يتعلم (21).

قال المتنبي:

ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا      كنقص القادرين على التمامِ

ومن مظاهر الكسل السيئة أن تصاحب المسلمة من همتها ضعيفة، وتخلد إلى الكسل بالراحة، والصاحبة بغيرها تتأثر، لذا ينبغي على المسلمة العاقلة أن تدقق في اختيار الصاحبة ذات الهمة العالية، وتبتعد عن الكسل وأهله.

14- التسويف بالتمني:

إن من أسباب انحطاط الهمم وأخطرها ركوب سفينة (سوف) والسير بها فيه بحار التمني، وهو بحر لا ساحل له.

كلما همت نفس المسلمة بخير، أعاقها شيطان (سوف) حتى يفجأها الموت، كم من واحدة أجلت بعض الطاعات حتى تنتهي من دراستها، أو عندما تتزوج، أو عندما تتفرغ من زواج الأبناء، وهي تتمنى على الله الأماني، وهي لا تدري أن أكفانها نسجت بليل، وحتى ولو عاشت ربما فترت همتها وضعفت، لأنها لم تتعود على علو الهمة.

وهل التي تحب الله عز وجل تبقى في النهاية من مفاليس العالم، لاحظ لها في طاعة إلا بما تهوى نفسها ويسع وقتها؟!

هل التي تحب الله عز وجل تعيش في بيت سوف تمرح وتفرح حتى إذا جاءها الموت قالت: رب ارجعون؟!

هل التسويف بالتمني من علامات محبة الله عز وجل؟ أم من علامات الجهل بالله تعالى؟!

وعن الحسن قال: المؤمن من يعلم أن ما قال الله عز وجل كما قال، والمؤمن أحسن الناس عملًا، وأشد الناس خوفًا، لو أنفق جبلًا من مالٍ ما أمن من دون أن يعاين لا يزداد إصلاحًا وبرًا وعبادة إلا ازداد فرقًا، يقول: لا أنجو لا أنجو، والمنافق يقول: سواد الناس كثير، وسيغفر لي ولا بأس علي، يسيء العمل ويتمنى على الله تعالى (22).

وقيل: من زرع شجرة سوف أنبتت له نبتة لعل، فيها تمر اسمه ليت يذوقه الإنسان، طعمه الخيبة والندامة.

15- فتنة الزواج والأولاد:

إن الزواج قد يكون عونًا على العبادة، وطلب العلم والدعوة إلى الله، وبصفة عامة إلى علو الهمة، وقد يكون بلاءً وفتنة.

فالمرأة التي تتزوج برجل لماله أو لوجاهته أو لمنصبه ونحو ذلك، وتعتبره نعمة وهبها الله إياها؛ هي في الحقيقة الأمر مصيبة قد حلت في البيت بسبب النكوص عن الطريق الجاد نحو طلب المعالي في العلم والعمل.

فكم من زوجة وجدت بغيتها في زوج تقدم لها -حتى لو كان عنده شيء من التدين- ثم وجدت بعد ذلك أنه عامل هدم لهمتها، وعامل تثبيط لآمالها وأهدافها.

أما الأولاد فنجد الخطط والآمال في تربية الأولاد قبل الزواج وفي بدايته، ثم إذا ما كبروا والتحقوا بالتعليم وبلغوا سن المراهقة، نجد أن هذه الآمال قد تبخرت ولا نجد من الاهتمام بتربيتهم إلا القشور.

قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14].

وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الولدُ محزنةٌ مجبنةٌ مجهلةٌ مبخلةُ» (23).

قال المناوي رحمه الله: أي يجبن أباه عن الجهاد خشية ضيعته، وعند الإنفاق في الطاعة خوف فقره، فكأنه أشار إلى التحذير من النكوص عن الجهاد والنفقة بسبب الأولاد، بل يكتفي بحسن خلافة الله، فيقدم ولا يحجم، فمن طلب الولد للهوى عصى مولاه، ودخل في قوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ}، فالكامل لا يطلب الولد إلا لله، فيربيه على طاعته، ويمتثل فيه أمر ربه: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74].

وسئل حكيم عن ولده فقال: ما أصنع بمن إن عاش كدني، وإن مات هدني (24).

ومما يجب التنبيه له هنا؛ أن البعض قد تختلف حاله في العبادة وطلب العلم والدعوة بعد زواجه، فيحكم عليه الناس بالفتور والتراخي، وقد يهمزونه أو يلمزونه، وهذا الأمر فيه تفصيل، فإن كان الاختلاف حاله بسبب قيامه بالحقوق الشرعية لأهله وأولاده أن يصل إلى حد الإخلال والتفريط في عبادته وعلمه ودعوته؛ فهذا أمر طبيعي، ولا يمكن أن تكون حاله وقد التزم بمسئوليات جديدة كحاله عندما كان شابًا حرًا طليقًا ،والرسول صلى الله عليه وسلم قد صدَّق سلمان عندما قال لأبي الدرداء رضي الله عنهما: «إن لربك عليك حقًا، وإن لنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه» (25).

أما إن كان الزواج ومن ثم الأولاد قد قعدوا به مع القاعدين فهنا الخطورة، وهذه حال المنافقين الذين قالوا: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [الفتح: 11]، والناس في هذا الباب بين إفراط وتفريط، والعدل هو الوسط، وإعطاء كل ذي حق حقه من غير بخس ولا شطط، وأن يكون المسلم على حذر من: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن: 15]، و{إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14] (26).

كيف تعلو الهمة:

إن علو الهمة يحتاج إلى جهد ومجاهدة وصبر ومصابرة، وتلمس الأسباب التي توصل إليه، وسلوك الطرق التي تؤدي إليه، وفيما يلي بعض أسباب علو الهمة:

1- العلم:

العلم أحد أسباب علو الهمة، فهو يرشد من طلبه إلى مصالحه، ويدفعه إلى العمل، ويعرفه بآفات الطريق ومخاطره، ويورث صاحبه فقهًا بالأولويات ويعرفه بمراتب الأعمال، وكلما ازداد الإنسان من العلم النافع علت همته، وازداد عمله؛ ونماذج العلماء الصادقين الذين علت هممهم أكبر برهان على ذلك.

2- الدعاء:

وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ إليه إذا فترت الهمة وضعفت العزيمة، فعلى المسلم ألا يغفل هذا الباب فهو من أعظم الأسباب لتحصيل الهمة العالية، والعاجز من عجز عن الدعاء.

3- تذكر اليوم الآخر:

فلا شك أن تذكر الموت، وفتنة القبر، وأهوال القيامة، يبعث في القلب الهمة ويوقظه من غفلته، وتبعثه من رقدته؛ وتدبر قوله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وكان صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بالجنة والنار، فالحث على العمل وبعث الهمم يكون بالتذكير باليوم الآخر والجنة والنار (27).

***

______________

(1) عيون الأخبار (1/ 233).

(2) عيون الأخبار (1/ 231).

(3) التقصير في تربية الأولاد المظاهر (ص: 50).

(4) رسائل الإصلاح (1/180).

(5) صفحات من سيرة الأم المسلمة (ص: 79).

(6) التقصير في تربية الأولاد للكاتب (ص: 41-47).

(7) صيد الخاطر (ص: 453).

(8) صيد الخاطر (ص: 454).

(9) أخرجه البخاري (893).

(10) الجواب الكافي (ص: 73).

(11) أخرجه البخاري (5425).

(12) أسباب دنو الهمة/ الدرر السنية

(13) سلسلة علو الهمة (4/ 2).

(14) أخرجه البخاري (6412).

(15) صيد الخاطر (ص: 492).

(16) أخرجه أبو داود (4297).

(17) صيد الخاطر (ص: 447).

(18) أخرجه ابن خزيمة (2105).

(19) مدارج السالكين (3/ 122).

(20) أدب الإملاء والاستملاء (ص: 142).

(21) جامع بيان العلم وفضله (1/ 429).

(22) الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1/ 188).

(23) أخرجه الطبراني في الكبير (614).

(24) فيض القدير (6/ 378).

(25) أخرجه البخاري (1968).

(26) همة المرأة المسلمة- شبكة الألوكة.

(27) أسباب دنو الهمة- الدرر السنية.