logo

كيف نتحدث مع أبنائنا في هذا الأمر؟


بتاريخ : الجمعة ، 17 جمادى الأول ، 1437 الموافق 26 فبراير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
كيف نتحدث مع أبنائنا في هذا الأمر؟

أولًا: لماذا نتحدث؟:

يشتكي كثير من الآباء والأمهات، والأبناء كذلك، من عدم قدرتهم على الحديث في الأمور الجنسية مع أبنائهم، أو مع آبائهم وأمهاتهم، ولعل السبب الصريح في ذلك هو الآباء والأمهات، فلماذا لا يتحدث الآباء والأمهات مع أبنائهم في مثل تلك الأمور، وهي من الأمور المهمة جدًا في حياة الابن، والتي لا شك سيمر بها، فهي أمر واقع لا بد من مواجهته لا التجافي عنه.

إن النفس البشرية بها الكثير من الغرائز التي خلقها المولى عز وجل بها، وجعلها طبيعة فيها، وهناك ترتيب لهذه الغرائز، فهي قد تقدم غريزة على أخرى، فمثلًا تقدم غريزة حب الحياة على غريزة حب الجاه والسلطان، وهكذا، ومن الأمور المفاجئة أن غريزة الجنس عند النفس البشرية، في بعض الأحيان، مقدمة على غريزة حب الحياة، والدليل على ذلك ما رواه الإمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعًا، فقال لهم: «ما تجدون في كتابكم»، قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبيه، قال عبد الله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة، فأتي بها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له ابن سلام: ارفع يدك، فإذا آية الرجم تحت يده، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجِما، قال ابن عمر: فرجما عند البلاط، فرأيت اليهودي أجنأ عليها». [رواه البخاري (6819)، ومسلم (1699)].

وأجنأ عليها، أي أكب عليها يحميها من الحجارة، فلم يلهه الموت ومفارقة الحياة عن انشغاله بتلك التي زنى بها ومحاولة حمايتها، وهذا دليل على أن غريزة الجنس قد يقدمها البعض على غريزة حب الحياة.

وكذلك في قصة الخليل عليه السلام وزوجته سارة مع ملك مصر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله عز وجل؛ قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:89]، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء:63]، وقال: بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلًا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة قال: يا سارة، ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأُخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأُطلق، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، فدعا بعض حجبته، فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان، إنما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر». [رواه البخاري (3358)، ومسلم (2371)].

فهذا الملك عندما حاول أكثر من مرة كان يعلم أنه مقدم على أمر لا شك سيصيبه بمكروه، ومع ذلك فقد غامر، وهذا دليل على أن حب الجنس قد يغامر المرء في سبيله ولو كانت نتيجته مثل هذا.

فإذا كانت الغريزة الجنسية داخل الإنسان بهذه القوة وهذه الجسارة، فلا بد من التعامل معها وترويضها، خاصة وأن دفعة الجنس داخل أبناءنا في فترة المراهقة يكون لها أثر رهيب في الضغط على أعصاب الأبناء وتصرفاتهم، ومما يزيد من هذا الضغط على الأبناء فقدانهم الأمل في الزواج المبكر، أو في وقته المناسب، فضلًا عن كل تلك الإغراءات المحيطة بهم من كل مكان، وكذلك القدوة السيئة في المجتمع الذي نعيش فيه.

إن "الجنس، ككل طاقة حيوية في كيان الإنسان، خلقه الله ليعمل، ورتب له وهيأ له من المشاعر والأفكار في داخل النفس ما يوائم ويواكب الطاقة الجسدية، ليسيرا معًا متوازيين متساندين متلاقيين كما يحدث في كل المسائل الحيوية الأخرى، ثم رتب له وهيأ له، في منهجه المنزل، من التنظيمات والتوجيهات والتشريعات ما يحقق أهدافه في أسلم وضع، وأنظف وضع، كطريقة الإسلام في كل شيء.

ليست إذن مشاعر الجنس وأفكاره بدعًا بين المشاعر والأفكار، وليست خصائص الجنس الجسدية بدعًا بين خصائص الجسد، وليس الجنس كعملية حيوية بدعًا بين العمليات الحيوية التي يقوم بها الإنسان؛ من طعام وشراب وإفراز...الخ.

ومن هنا لا يضع الإسلام حاجزًا نفسيًّا خاصًّا أمام الجنس، غير ما يضعه لغيره من ألوان النشاط البشري، لا في طريقة الحديث عنه، ولا فيما يصرح به منه أو يمنع.

أي: بعبارة أخرى، ليس الجنس في ذاته موضوعًا "محرمًا" في الإسلام, ولا يمارس الإسلام أي لون من ألوان "الكبت" فيما يتعلق بالجنس". [منهج التربية الإسلامية، محمد قطب (2/ 450-451)].

"وطريقة الإسلام في معالجة الجنس، كطريقته في معالجة كل الدوافع التي خلقها الله لتعمل لا لتكبت ولا لتعطل، أنه يقرها بادئ ذي بدء نظيفة في ذاتها، محببة؛ بل مطلوبة، بل مستنكرًا تحريمها وكبتها وإغلاق الطريق دونها: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32]، {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27].

«أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». [رواه البخاري (5063)، ومسلم (1401)].

ثم إن الإسلام يقيم أمام الدوافع الفطرية كلها، وليس الجنس بدعًا بينها، حواجز لا تغلق مجراها، ولكن ترفعها وتضبط منصرفها، أشبه بالقناطر تقام أمام التيار، لا لتغلق المجرى، ولكن لترفع مستوى التيار، وتضبط منصرفه، ثم تتيح له، بعد رفعه، أن يصل إلى مجالات أخرى لم يكن ليصل إليها من قبل وهو في مستواه الأدنى.

نفس الشيء يصنعه الإسلام مع دوافع الفطرة، يقيم لها "ضوابط" لا تكبتها، بمعنى أنها لا تستقذرها، ولكن تحدد لها المنصرفات المسموح بها. [منهج التربية الإسلامية (2/ 454-455)].

هكذا يتعامل الإسلام مع الغريزة الجنسية، بالتوجيه الصحيح لها، وليس كبتها والتجافي عنها وعدم الحديث فيها؛ بل يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا أصدقاء لأبنائهم، وأن يجعلوا الصلة التي تربطهم بالبيت أقوى وأشد من الصلة التي تربطه بالمجتمع خارج البيت، ويجب أن تكون صلة المودة والمحاورة الهادئة الهادفة، بين الولد وأبيه وبين البنت وأمها، كافية للمكاشفة التي يمكن من خلالها الحديث في مسائل الجنس بكل أريحية وثقة متبادلة، حتى لا يلجأ الابن إلى أي شخص من هذا المجتمع الخارجي، الذي لا يميز بين الصحيح والفاسد، وبين الخطأ والصواب، وربما وقع الابن بين براثن المفسدين، فأفسدوا أخلاقه ونكسوا فطرته.

فلا مفر إذًا من التحاور مع الأبناء والحديث معهم عن التربية الجنسية الصحيحة، التي لا يجرمها الإسلام ولكن يهذبها، ومن أهم الأمور، التي يجب على الوالدين أن يراعياها في التعامل مع مثل هذه الأمور، ضبط ردة الفعل إذا وقع الأبناء في أحد الأخطاء تلك، فمثلًا الوالد يرى صورًا عارية تحت سرير ابنه المراهق عندما كان يبحث عن مفتاحه، فماذا يكون العمل؟.

أحسب أن كثيرًا من الآباء والأمهات سينهالون على أبنائهم بالتوبيخ، والتقريع، والزجر، والتقليل من قيمته وقلة حيائه، وربما وصل الأمر إلى الضرب والمخاصمة والتجريح بالكلام كلما رآه، وهذا يضخم المشكلة ويجعلها تتفاقم، ولا يقدم أي حل.

أما إذا كانت المواجهة الهادئة من خلال الحوار، الذي يبدأ بسؤاله برفق وبابتسامة تنبأ عن حزن دفين: لماذا تخفي هذه الصور تحت سريرك؟، ولا شك أن الابن سيصمت، وحينها يقول الوالد: أنا أدرك يا بني، كما تدرك أنت، أن النظر إلى مثل هذه الصور حرام... أليس كذلك؟، وحينها سيجيب الابن: بلى، وهكذا يسير الحوار حتى يستطيع الوالد أن يستخلص من الابن عهدًا ووعدًا بعدم العودة، وهذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك الشاب، الذي أتى إلى النبي يريده أن يرخص له في الزنا.

ثانيًا: كيف نتحدث؟:

عندما أتى الشاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يرخص له في جريمة الزنا، وعلى الرغم من شذوذ فكرة الشاب وبعدها عن الفطرة السليمة؛ بل ومحاولة الصحابة إسكاته وزجره، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما لبث إلا أن طلب من الشاب أن يقترب منه، وهي أولى خطوات كسر الحاجز النفسي بين الشاب وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فَقُرْب المسافة بين الأشخاص يُمكِّن من توفير جو مناسب للحوار، أما المسافة البعيدة فهي لا تصلح إلا لإصدار الأوامر وإملاء التعليمات.

ثم بدأ النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الحوار الهادئ، والمقرون بالحجة العقلية، فالشاب عندما أتى ليأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا كان يعلم أن الزنا حرام، وإلا لما طلب الترخيص في ذلك؛ لأجل هذا لم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم الآيات التي تدل على حرمة الزنا، فالشاب عالم بالحرمة، ولذلك أتى لأجل الرخصة، وإنما استخدم النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الحجة القائمة على الفطرة، وهي عدم تقبل أي إنسان أن يفرط في عرض أمه أو أخته أو عمته أو خالته.

فهكذا يكون الحديث مع الأبناء إذا ما وقعوا في مثل هذه الأمور، ويجب على الآباء والأمهات أن يبينوا للأبناء أن هذه الرغبة، التي تكون في داخل النفس، هي رغبة طبيعية فطرية، ولكن ينبغي أن تنضبط بضوابط هذا الدين العظيم.

فيمكن للوالد أن يخبر ابنه أن "الإحساس بهذه الرغبة هو إحساس بأمر فطري في نفس الإنسان، يجب ألَّا اصطدم معه، وأن أجعل هذا التفكير في حدوده التي لا تقعد بي عن عمل، ولا تنزوي بي إلى ركن يتسلل إليَّ منه الشيطان، وأفهم فهمًا مدركًا أن الإسلام لا يمنعني من إفراغ ما أحسه، وأن أشبع هذه الرغبة، ولكن بطريقها المحدد، وفي وقتها الذي أستطيع تحمل تبعاته، إنه ليس من حقي أن أفرغ هذه الطاقة في أي مكان، وبأية طريقة كانت، ومع أية فتاة شئت.

إن هناك طرقًا للوصول إلى هذا الأمر، ينظمها ديني تحقيقًا لهدفه النظيف، الذي لا أهضم فيه حق غيري، ولا أعتدي على أعراض الناس، ولا أدنس نفسي في وحل الخطيئة.

وأعلم، وأنا أفكر في هذا الجنس، أنني بشر من عقل وجسم وروح، ويجب ألا تجرني رغبة جنسية إلى نسيان ذاتي، وإني باختيار وقدرة على ضبط نفسي ورغباتها، وأستجيب لعقل راشد وروح إيمانية عالية، يسدان لهذا الجسم ورغباته الطريق، إنني أختلف عن الحيوان الهائم المعدوم الاختيار والتصرف.

وأدرك أن رغبتي هذه لها وقت محدد، تتوافر فيه ظروف معينة، أستطيع في ظلها أن أتحمل تبعة ما أنا مقدم عليه، فلا بأس أن أأجل هذه الطاقة، وأصرف نفسي بالصبر والعمل الجاد المثمر، وأن أسد فراغ وقتي بما يصلح ويفيد.

اعتساف الطريق لن يؤدي إلى تحقيق رغبتي كما يريدها ربي، إن هذا الاعتساف وتعجل الخطوات قد يؤدي إلى مشكلات نفسية واجتماعية لا أستطيع مواجهتها.

فإذا ما سرت إلى إشباع هذه الرغبة بطريقها المرسوم فإني حينئذ أصل إلى ظل وارف، وماء عذب، وحياة هادئة، ومتعة نظيفة، وحرية هناك مطلقة.

فالواجب عليَّ، إذا لم يحن الوقت، أن أدخر هذه الطاقة، والتي يأجرني الله عليها، فإن الإسلام محتاج إليها حاجته لكل الطاقات الأخرى، متناسقة في إطار العقل والجسم والروح.

إنه الشمول حتى في العواطف، إنه الالتزام حتى في الشهوات، إنه استسلام حتى في المشاعر والأحاسيس، إنه الانقياد للتوجيه والامتثال للأمر والنهي.

فالإسلام يقر بالجنس والرغبة الجنسية، ولا يعدها عيبًا ونفرة وكرهًا، ولا يطلب من المسلم أن يترفع عنها؛ بل يحثه عليها وعلى إشباع رغبته الفطرية، ويطلبها منه في إطارها الذي يرسمه له هذا الدين؛ بل إن الإسلام يسمو بهذه الرغبة ويجعلها طريقًا للأجر والمثوبة". [طريق البناء التربوي الإسلامي، عجيل جاسم النشمي (77:75) بتصرف].

والجنس ليس لونًا واحدًا، ولا درجة واحدة، وإنما للجنس أشكال كثيرة، فهناك الشهوة العارمة، وهناك الأشواق الحارة الملتهبة، وهناك الأشواق الطائرة المرفرفة، التي تنبع من القلب ولكنها قد تمر في طريقها على الجسد، وهناك إشراقة الروح الحالمة التي لا تعرف الجسد مطلقًا، فهي تعشق الجمال خالصًا حتى من الإطار الذي يصب فيه.

فلا يمكن أبدًا أن نحصر الجنس في شكل النهم الحيواني المسعور، وإنما هو كل ما سبق، والإسلام لا ينكر الجنس ولا ما يرف حوله من مشاعر وأحاسيس؛ لأن منهج الإسلام هو الاعتراف بكل الطاقات البشرية داخل الإنسان، والتعامل معها نظيفة وفي وضح النهار، لا التعامل معها على أنها مستقذرة وفي جنح الظلام.

إن الإسلام قد وضع لنا بعض الأسس في كيفية تعامل الآباء والأمهات مع الأبناء في المسائل الجنسية، فلقد تضمن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة آدابًا وتوجيهات كثيرة في مجال التربية الجنسية، وهذه الآداب والتوجيهات تعد من أفضل المداخل للحديث مع الأبناء في تلك المسائل الجنسية؛ كالحديث معهم في مسائل الاستنجاء، وآداب الغسل وموجباته، وكذلك الطهارة والوضوء للصلاة، كل هذه الأمور تفتح الحديث في المسائل الجنسية ببساطة وسلاسة ودون حرج.

هناك بعض الآباء والأمهات يعتقدون أن الحديث في مثل تلك المسائل الجنسية، وتعليم الأبناء الطريقة الصحيحة في التعامل مع القضايا المتعلقة بالجنس هو أمر غير جائز، أو غير لائق، وهذا فهم خاطئ تمامًا؛ بل هو أمر جائز؛ بل في أحيان كثيرة قد يكون واجبًا؛

وذلك لأن عدم إعطاء الأبناء المعلومات الكافية عن القضايا المتعلقة بالجنس سيدفعهم إلى محاولة الحصول على هذه المعلومات من جهات أخرى قد تكون مشبوهة، فيؤثر ذلك في أخلاقهم وسلوكياتهم ونفسياتهم كذلك.