logo

الجفاء بين الأزواج


بتاريخ : الخميس ، 19 ذو الحجة ، 1442 الموافق 29 يوليو 2021
بقلم : تيار الاصلاح
الجفاء بين الأزواج

عن عائشة، قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ قالوا: نعم! قالوا: لكنا والله ما نقبل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة؟» (1).

لا شك أن المشاعر فيض لا ينضب، لكن قد تساعد قسوة الظروف، وسوء التعامل مع المشاعر في أن تكبت هذا النبع وتغطيه، تغلفه بقسوة لتبرد الحياة وتصبح بلا لون ولا طعم ولا روح، هنا نستطيع أن نقول إن العواطف جفت، والحياة الزوجية أكثرُ حياة تقوم على المشاعر وعلى المودة والرحمة، فحينما تفتقد المودة تبقى الرحمة، وحينما تفتقد الرحمة يفتقد المعنى الحقيقي للزواج، ويصبح الزوجان منفصلين عاطفيًا برغم أنهما تحت سقف واحد.

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، فهذه آية من آيات الفطرة الإلهية هي أقوى ما تعتمد عليه المرأة في ترك أبويها، وإخوتها، وسائر أهلها، والرضا بالاتصال برجل غريب عنها تساهمه السراء والضراء، فمن آيات الله تعالى في هذا الإنسان أن تقبل المرأة بالانفصال من أهلها ذوي الغيرة عليها، لأجل الاتصال بالغريب، تكون زوجًا له ويكون زوجًا لها تسكن إليه ويسكن إليها، ويكون بينهما المودة والرحمة أقوى من كل ما يكون بين ذوي القربى، فكأنه يقول: إن المرأة لا تقدم على الزوجية وترضى بأن تترك جميع أنصارها وأحبائها لأجل زوجها إلا وهي واثقة بأن تكون صلتها به أقوى من كل صلة، وعيشتها معه أهنأ من كل عيشة، وهذا ميثاق فطري من أغلظ المواثيق، وأشدها إحكامًا.

وإنما يفقه هذا المعنى الإنسان الذي يحس إحساس الإنسان، فليتأمل تلك الحالة التي ينشئها الله تعالى بين الرجل وامرأته يجد أن المرأة أضعف من الرجل، وأنها تقبل عليه تسلم نفسها إليه، مع علمها بأنه قادر على هضم حقوقها، فعلى أي شيء تعتمد في هذا الإقبال والتسليم؟ وما هو الضمان الذي تأخذه عليه، والميثاق الذي تواثقه به؟ ماذا يقع في نفس المرأة إذا قيل لها: إنك ستكونين زوجًا لفلان.

إن أول شيء يخطر في بالها عند سماع مثل هذا القول، أو التفكر فيه، وإن لم تسأل عنه هو أنها ستكون عنده على حال أفضل من حالها عند أبيها وأمها، وما ذلك إلا لشيء استقر في فطرتها وراء الشهوة، وذلك الشيء: هو عقل إلهي، وشعور فطري أودع فيها ميلًا إلى صلة مخصوصة لم تعهدها من قبل، وثقة مخصوصة لا تجدها في أحد من الأهل، وحنوا مخصوصًا لا تجد له موضعًا إلا البعل، فمجموع ذلك هو الميثاق الغليظ الذي أخذته من الرجل بمقتضى نظام الفطرة الذي يوثق به ما لا يوثق بالكلام الموثق بالعهود والأيمان، وبه تعتقد المرأة أنها بالزواج قد أقبلت على سعادة ليس وراءها سعادة في هذه الحياة، وإن لم تر من رضيت به زوجا، ولم تسمع له من قبل كلاما، فهذا ما علمنا الله تعالى إياه، وذكرنا به -وهو مركوز في أعماق نفوسنا- بقوله: إن النساء قد أخذن من الرجال بالزواج ميثاقًا غليظًا، فما هي قيمة من لا يفي بهذا الميثاق، وما هي مكانته من الإنسانية؟ (2).

وقد أفسد على الناس تلك المودة والرحمة، وحجبهم عن الموعظة بالحكمة، وأضعف في نفوس الأزواج ذلك السكون والارتياح؛ غرور الرجال بالقوة وطغيانهم بالغنى، وكفران النساء لنعمة الرجال وحفظ سيئاتهم، وتماديهن في الذم لها والتبرم بها، وما مضت به عادات الجاهلية في بعض المتقدمين وعادات التفرنج في المعاصرات والمعاصرين، وقلد به الناس بعضهم بعضًا، فالله سبحانه وتعالى ذكرنا أولًا بنعمته علينا في أنفسنا لنزيح عن الفطرة السليمة ما غشيها بسوء القدوة واتباع الهوى، ونشكرها له سبحانه بالمحافظة عليها بتمكين صلة الزوجية واحترامها وتوثيقها، وثانيًا بهذا الدين القويم الذي هدانا إلى ذلك، وحد لنا كتابه الحدود ووضع الأحكام مبينًا حكمها وأسرارها، مؤيدًا لها بالوعظ السائق إلى اتباعها (3).

وينشأ الجمود العاطفي من حالة التعود على الآخر واعتياد وجوده، فطول العشرة يجعل الحياة الزوجية نمطًا روتينيًا مقولبًا؛ حيث حفظ كل منهما الآخر، وأصبح الرمز يحل مكان الحرف، فالعين واليد والبسمة تحل محل الكلمة، وهذا من نتاج طول العشرة ومعرفة كل منهما أبجديات الآخر، فيقل الكلام ويستبدل بمعانٍ ووسائل أخرى.

عن عائشة قالت: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: «أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة»، فأغضبته يومًا، فقلت: خديجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني قد رزقت حبها» (4)، إشارة إلى أن حبها فضيلة حصلت.

الحب عطاء، فهو شيء لا نمنحه حتى نجده ابتداء في نفوسنا، ولا نشعر بحلاوته إلا إذا ذاقه الآخرون منا، فإذا عم الحب بين الشريكين ترابطت الأسرة، وارتقت الحياة الزوجية للأفضل، ولا يمكن أن تنمو شجيرات الحب إلا إن تخلينا عن الأنانية وحب الذات والتهافت على المنفعة الشخصية، ونكران الذات والانغماس في إسعاد الآخرين.

كلًا من الزوجين مسئول عن إشباع حاجة الآخر للحب؛ بل وعليه أن يبدع في استخدام الأساليب المحققة لإشباع الحاجة للحب الصريح.

وكما أن المرأة بطبيعتها الرقيقة والحساسة والعاطفية تحتاج إلى مفردات الحب والغزل والدلال، والتي تشعرها بخصوصيتها في قلب الزوج الحبيب؛ كذلك أيضًا الرجل يكون أكثر طلبًا وأشد حاجة إلى هذا النوع من الحب من المرأة نفسها.

لا بد من التأكيد على أنه لا بديل عن الكلمة الرقيقة في أي حال من الأحوال، فالأذن تتوق لسماع الكلمة الحلوة الطيبة، وتؤكدها اللمسة الحانية، وتغلفها النظرة الودودة؛ لتكتمل الصورة ويتم التفاعل الصحيح والصحي.

من طبيعة الرجل العاطفية أنه يحب أن تشعره زوجته أنه قد شغفها حبًا، وأنها تحب أن تنال منه ما يحبه هو، فالرجل يتأثر بذلك جدًا، وهذا مما يعينه على غض بصره وعدم التفكير في غيرها.

قال عمر رضي الله عنه: النساء ثلاث، والرجال ثلاثة: فامرأة عاقلة عفيفة مسلمة هينة لينة، ودود ولود، تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقليل ما تجدها، وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك، والأخرى غل قمل، يجعلها الله في عنق من يشاء، ثم إذا شاء أن ينزعه نزعه.

والرجال ثلاثة: رجل عاقل عفيف بر مسلم، ينتظر الأمور ويأتمر فيها أمره إذا أشكلت على عجزة الرجال وضعفتهم، ورجل ليس عنده رأي فإذا نزل به أمر أتى ذوي الرأي والقدرة فاستشارهم، فإذا أمروه بشيء نزل عند رأيهم، ورجل حائر بائر، لا يأتمر الرشد ولا يطيع المرشد (5).

وعن أبي موسى الطائي الأعرابي قال: تذاكر نسوةٌ الأزواجَ، فقالت إحداهن: الزوجُ عز في الشدائد، في الرخاء مساعد، إن رضيتُ عطف، وإن سخطتُ تعطف، وقالت الأخرى: الزوج لما أعانني –أهمني- كافٍ، ولما شفني -أمرضني ونحلني- شافٍ، رشفه كالشُّهد، وعِناقه كالخلد، لا يمل عن قرب ولا بُعْد، وقالت الأخرى: الزوج شِعار حين أبرد -الشعار ما يلبس على الجلد-، يسكن حين أرقد، ومني لذتي شف مفرد -تحرك-، وما عاد إلا كان العَوْد أحمد، وقالت الأخرى: الزوج نعيم لا يُوصَف، ولذة لا تنقطع ولا تخلف (6).

فالزوجة الصالحة خير صاحب وأفضل رفيق، وقد وصف الله تبارك وتعالى النساء الصالحات قائلًا: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} [النساء: 34].

فالمرأة الصالحة سبعة وجوه؛ فهي: المُعاشِرة للزوج، والمربِّية للأولاد، والأمينة على المال، والكاتمة للسر، والمعاونة، والمطعمة، والساعية للإسعاد.

الشعور بالجفوة بين الزوجين سبب كل أزمة منزلية، ومبدأ كل خلاف، فقد تتصاعد المشاكل بين الأزواج وتظهر علامات العبوس في الوجوه ويشعر كل من الزوجين بمحنته وعدم راحة باله بمجرد التعرض لمشكلة ما –المشاكل العارضة قد تحدث يوميًا -.

يتعنت كل برأيه ويرفض رأي الطرف الآخر، ويترك للشياطين فرصتها التي تسعى إليها بكل ما أوتيت من حيل للإفساد والتفريق، فهي لا ترجو الصلاح ولا الاستقرار للمسلمين وسعيها الأول هو أن تفرق بين الزوجين وتعظم قدر المشكلة في عيونهم يقول الله تعالى في سورة البقرة: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102]، فتلك غايتهم وهذه شباكهم وخطتهم لذلك الهدف.

فتظل الزوجة أو الزوج يذكر كل منهما المشاكل السابقة لدى الآخر بمجرد التعرض لمشكلة ولو صغيرة، ويبدأ كل منهما بتذكر سيئات الآخر وسقطاته، ناسيًا كل حسنة أو خير أو جميل قد قام به من قبل تجاهه.

ويشعر كل منهما أثناء المشاكل أنه يعاني من الجفاء لدى الطرف الآخر، ويصعد هذا الشعور لديه وينميه عنده بعدة وسائل؛ منها أن يعيش في قوقعته داخل البيت تاركًا الحوار مع الطرف الآخر، أو يكبر عنده الجفاء عندما ينظر لغيره من الأسر، وكأنها الأسرة السعيدة الناجحة، متصورًا الفشل في أسرته وعدم متانة بنيانه ... لكنه لو دقق وعمق تفكيره ولو قليلًا لعرف وظهرت له الحقيقة التي قد تغيب عليه.

أن متانة وقوة الأسرة ونجاحها ليست قاصرة على المظاهر ولكن تظهر في جواهر أفرادها، {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109].

فالتعلق بالله تعالى يكسر كل الحواجز ويقرب القلوب لبعضها مجددًا فيها الحياة، فإذا اهتم كل من الآخر بصلاح قلوب أسرته، وبتقوى الله تعالى، والقرب منه سبحانه لعرف أن في ذلك طريقًا للسعادة والوصال المتبادل، ولخرج من دائرة السراب التي يضع نفسه فيها كفريسة لفكرة الجفاء!

ربما تكون فعلًا نظرة كل من الزوجين إلى الآخر نظرة جافة، وقد يصح هذا الاحساس في بعض المواقف وبعض الأساليب، لكنه عارض ليس مستمرًا، وقد يواكب الخلافات، وقد لا ينتهي بمجرد انتهاء المشكلة، لكنه يتغير، فلا داع للاستمرار نفسيًا والتمادي في هذا الإحساس.

إن أسباب مشكلات الأزواج التي تفتح الأبواب للجفاء كثيرة، وقد يأتي كل ذلك نتيجة غياب المنهج الإسلامي في العلاقة التي بين الزوجين، والتي تنظم أحوال الأسرة بأكملها، فالمرأة الواعية هي التي تستفيد من كل خلاف، فتحاول قدر استطاعتها ألا تعود إليه أبدًا، فالمؤمنة كيسة فطنة، ولا بد أن تتخذ من المصالحة وسيلة جديد للترابط والتوافق فتعض عليها بالنواجذ لتتحدى من خلال ذلك الجفاء بل تبادله بوصال.

أيضًا شيء هام وهو ترك الأزواج للمشكلات التي تواجههما دون الجلوس ووضع منهج محدد للتغلب عليها مما يضخم ويعصف أمواج هذه المشكلات طوال حياتهما، وذلك سبيل لموجة جفاء قد تكون طويلة بينهما، فإن وضع المنهج المحدد والجلوس سويًا قد يغلق طريق الاحساس بالجفاء لدى الطرفين.

ولا بد أن يلجأ كل منهما فيما يتعلق بتلك المشاكل بالتمسك بالجوهر الإسلامي والأخذ بما جاء في القرآن والسنة ثم عرض المشكلة على هذا المنهج والخضوع والاحترام لرأي الدين فيها.

وقد علمنا ديننا العظيم بعض الطرق ربما تكون من مفاتيح الخير بين الزوجين أو تكون من سبل التواصل منها وطرد الجفاء:

1- البشاشة من الطرفين لدى الآخر، فالوجه البشوش قادر على تغيير الأمر من حال إلى حال، يقول صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» (7)، فكيف لو كانت هذه الابتسامة من أحد الزوجين تجاه الآخر؟

2- محاولة الحوار والمشورة في أحوال البيت والأولاد أو في أي شيء آخر، ورجاء -أثناء المشورة- أن يتسع الصدر في السمع ويبدي الاهتمام لرأي من أمامه دون الرد بالكلمة الحادة أو الهزلية التي قد تفسد جوهر الحوار.

3- الهدية المتبادلة بين الزوجين ولو قليلة، والمتبادلة بينهم وبين الأبناء، فالهدية كما نصح رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رسول للمحبة وقال فيها «تهادوا تحابوا» (8).

4- اهتمام كل من الزوجين بالآخر، فلا تهتم الزوجة بالأبناء على حساب الزوج، ولا يفرط الزوج في بعض مسؤولياته الأسرية تجاه زوجته أو أبنائه أو ضيوفه أو أهل زوجته أو أقاربها أو غير ذلك.

5- عدم الاهمال من قبل أحد الزوجين في أداء حقوق الطرف الآخر، حتى لا يتصاعد الشعور بالجفاء.

6- تغيير الزوجة نفسها، فالتربية الخاطئة للزوجة قد تكون مشكلة كل ذلك، فقد تكون نشأت في بيت أبيها متخذة والدتها قدوة لها، فرأت أمها في صورة الرقيب أو الشرطي لزوجها مستحوذة على كل شيء فتقوم هي الأخرى بدور أمها مع زوجها مما يضخم ويسبب انهيار العلاقة بينهما.

إن البعد وتطويل فترة الخلاف بين الزوجين يزرع فجوة بينهما فخير الزوجين من يبدأ بالوصل ويقبل على الطرف الآخر ويصالحه ويصفح عنه وخيرهم عند الله تعالى من يبدأ بالسلام (9).

قواعد هامة في الحفاظ على الحب والمودة:

ولقد وضع العلماء بعض القواعد التي من شأنها أن تعزز مشاعر المودة والرحمة بين الزوجين، وذلك من خلال:

- المصارحة بين الزوجين في كل أمور حياتهما.

-عدم تفسير صمت الزوج بأنه عزوف عن مشاركة الزوجة والتحدث إليها.

 -لا يجب التسرع بالحكم على الزوج إلا بعد تبادل وجهات النظر.

- الابتعاد عن خوض أحاديث مع الزوج في أمور لا تتناسب مع طبيعته، وعدم الإلحاح في الضغوط في الأمور المالية بشكل مستمر.

- الاهتمام بالمظهر والأناقة، وتوفير مناخ جذاب ومريح وهادئ في المنزل من خلال الحرص على نظافته وجماله.

- الاحترام المتبادل، ومعرفة احتياجات الطرف الآخر وما يسعده.

- الحفاظ على الخصوصية وكتمان الأسرار، والابتعاد عن كل ما يغضب.

- الحوار والحديث الصريح هما أسرع طريقة للوصول إلى التفاهم والسعادة المنشودة.

رغم بساطة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وانشغاله الشديد، فإن حياته مع أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن تميزت بالحب الراقي البسيط في مواقف الحياة المختلفة، التي تعتبر أسوة لكل الأزواج والزوجات، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى»، قالت: من أين تعرف ذلك؟، فقال: «أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا، وربِّ محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا، وربِّ إبراهيم»، قالت: أجل، والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك (10).

قال الطيبي رحمه الله هذا الحصر في غاية من اللطف؛ لأنها أخبرت إذا كانت في غاية الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا يغيرها عن كمال المحبة (11).

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الاستدلال بهذا الحديث على أن مثل هذا -من ترك ذكر الاسم، وبسط الوجه، وترك السلام، والإعراض- هو الذى يباح عند المغاضبة بين المسلمين، والوجه عليه في أمور الدنيا، ولا يحل ذلك بعد ثلاث، وأما ما زاد على ذلك من الاجتناب وقطع الكلام جملة، فهذا لأهل الفسوق والمعاصي تأديبًا لهم؛ ولهذا ترجم البخاري على هذا الحديث وحديث المتخلفين: باب ما يجوز من الهجران لمن عصى، وأدخل حديث المتخلفين الثلاثة، ونهى النبي عليه السلام عن كلامهم، وذكر خمسين ليلة، ثم ذكر هذا الحديث ليس مما يجوز لغيرهم (12).

ومما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل تجديد العلاقة مع زوجاته؛ إظهاره المحبة والوفاء لزوجاته، وترخيم الاسم عند مناداتها من باب التودد، كما كان ينادي عائشة بــ(ياعائش)، وتتبُّع مواضع شرب زوجاته وأكلهن، والتنزه معها، والتحدث إليها، فقد روى مسلم أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها وغيرها (13).

------------

(1) أخرجه مسلم (2317).

(2) تفسير المنار (4/ 377).

(3) تفسير المنار (2/ 316).

(4) أخرجه مسلم (2435).

(5) تاريخ المدينة لابن شبة (2/ 771).

(6) بلاغات النساء (ص: 89).

(7) أخرجه الترمذى (1956).

(8) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (594).

(9) الجفاء مشكلة الأزواج/ شبكة المسلم.

(10) أخرجه البخاري (5228)، ومسلم (2439).

(11) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (20/ 210).

(12) إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 446).

(13) جفاء المشاعر بين الزوجين المشاكل والحلول/ المنتدى الإسلامي العالمي للتربية.