logo

ساعدها في تجاوز تلك المحنة


بتاريخ : السبت ، 16 صفر ، 1437 الموافق 28 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
ساعدها في تجاوز تلك المحنة

تمر كل النساء ممن منّ الله عليهن بنعمة الإنجاب بظروف صعبة وحياة أصعب، وكذلك تمر بعض النساء اللاتي يبتليهن الله عز وجل بتعبٍ شديد، أو مرض عنيد، بظروف صعبة كذلك، وحياة تحتاج إلى جهد جهيد ومساعدة ولا شك.

في مثل هذه الظروف تحتاج المرأة إلى مساعدة زوجها، وليست مساعدة طارئة ليوم أو يومين، لا، إن هذه المساعدة ممتدة حتى يزول هذا العارض الذي ألم بها، أو حتى يمن الله عليها بالشفاء أو إنجاب الأولاد.

فالمرأة في بداية الحمل، وعندما يمر عليه الأيام تلو الأيام فإن الجنين في رحمها يكبر، ويستولي بذلك على غذائها وقوتها وصحتها، ويأخذ من دمها، فهي تحتاج إلى الرعاية أكثر من كونها منوطًا بها رعاية غيرها، كالزوج مثلًا، وكلما أخذ الحمل في الزيادة واقترب من موعد الولادة كلما احتاجت إلى المساعدة أكثر، وهنا يظهر بجلاء أهمية دور الزوج في مثل هذه الظروف.

إن المرأة كائن ضعيف بطبيعة خلقته، وهي كذلك عندها حساسية عالية لمشاعرها ومشاعر الآخرين كذلك، وعندما تجتمع هاتان الصفتان في المرأة فلا بد من التعامل معها بحرص وعناية شديدة، فهي لن تتحمل أي جرح لمشاعرها، أو أي تكليف زائد عن طاقتها، خاصة إذا كانت تمر بما ذكر من الصعاب؛ كحمل أو مرض أو تعب شديد.

إن المرأة وهي تمر بمثل تلك الظروف، وخاصة ظروف الحمل وآلام المخاض ووجع الولادة، وما يتبع ذلك من سهر، وقيام الطفل بالرضاعة من أمه، وكأنه في الحقيقة يشرب من قوتها وعصبها؛ بل ومن دمها، فكأنها تعطيه حياتها، وتضحي من أجله بروحها.

إن آلام المخاض والولادة وحدها كفيلة بأن تجعل كل أنثى تفكر مليًا في مسألة الإنجاب، ومع ذلك فإنه نادرًا ما نجد امرأة ترفض الإنجاب لعدم تعرضها لآلام المخاض والولادة، في حين أنه لما أجريت بعض التجارب التي تحاكي آلام المخاض والولادة على الرجال، لم يستطع أي من الرجال التي أجريت عليهم التجربة الصمود أمام تلك الآلام.

ففي محاولة لمعرفة مدى تحمل الرجال للآلام التي تتعرض لها النساء عند الولادة، ابتكر مجموعة من المخترعين الصينيين جهازًا لمحاكاة هذه الآلام، وأُخْضِع لها عددٌ من الرجال، وأجريت التجارب في برنامج عُرِض على أحد القنوات التلفزيونية الصينية على عشرين رجلًا، كان عليهم المرور بتجربة الولادة من خلال عشر مستويات للألم، على مقياس مدرج من خمسين إلى خمسمائة، تمثل مختلف مراحل الولادة، يتم في كل منها زيادة شدة الصدمات الكهربائية الموجهة إلى منطقة البطن.

ولم يتمكن معظم الذين خضعوا للتجربة من الصمود لأكثر من ثلاثين ثانية؛ بل إن بعض الرجال قد ملأ صراخهم المكان، وعبروا في نهاية التجربة عن تقديرهم واحترامهم للأمهات، اللواتي يتحملن كل هذه الآلام أثناء الولادة.

يذكر كذلك أن مدة التجربة لا تتعدى الثلاثين ثانية، في حين أن المرأة غالبًا ما تمر في فترة مخاض تمتد لعدة ساعات وربما أيام.

هذه هي آلام المخاض والولادة، آلام لا يستطيع حتى الرجال تحملها، والذين قد خصهم الله تعالى ببنية جسدية أقوى من المرأة، وقوة تحمل للمشاق والتعب كذلك، ومع ذلك لا يستطيعون تحمل آلام المخاض والولادة.

فلا شك أن هذه الآلام الخاصة بالمخاض والولادة هي من أشد المحن التي تمر بها المرأة، وكذلك إذا ألم بها تعب شديد أو مرض عنيد، وهنا يجب على الزوج أن يساعدها في تجاوز تلك المحنة، وهو في ذلك يتمثل دور الفارس النبيل والإنسان المخلص الوفي لحبيبته وزوجته، فضلًا عن أنه يكون متمثلًا في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم.

فالنبي صلى الله عليه وسلم، رغم كل هذه المسئوليات التي ألقيت على عاتقه، وما كُلِّف به من حمل رسالة الإسلام وأداء الأمانة والبلاغ المبين، وما كلف به أيضًا من قيادة الأمة المسلمة والقيام على شئون المسلمين، والاستماع إلى كل مسلم يريد إجابة عن سؤال، أو يريد قضاء أمر ما، إلا أن كل هذا لم يثنه عن الاهتمام بزوجاته وبيته وأولاده؛ بل وأولاد أولاده.

فعندما سُئِلت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: «كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة» صحيح البخاري (676).

فهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يساعد أهله في البيت وترتيب شئونه؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم بقضاء بعض حوائجه بنفسه، فعن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: «يخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجل في بيته»، وفي رواية قالت: «ما يصنع أحدكم في بيته؛ يخص النعل، ويرقع الثوب، ويخيط».

وقيل لعائشة رضي الله عنها: ماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: «كان بشرًا من البشر؛ يفلي ثوبه، ويحلب شاته». صحيح الأدب المفرد (204).

فإذا كان هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ومع زوجاته، وهو أكثر الناس حملًا للأمانة ولمسئولية الأمة وواجب الدعوة والتبليغ، ومع ذلك فهو لم يقصر أبدًا في حق بيته وأزواجه، وكان يكون في خدمة أهله، ولم تعلل السيدة عائشة هذه المساعدة من النبي صلى الله عليه وسلم على تعب أزواجه، وإنما كان ذلك من حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم.

أما إذا اجتمع مع احتياج المرأة إلى من يساعدها في بيتها، تعبها أو حملها أو مرضها، فكانت مساعدة الزوج لها أولى وأوجب، فليس من المروءة أبدًا أن يرى الزوج زوجته وهي تحمل في بطنها جنينها، ثم مع ذلك متعبة منهكة لا تستطيع حتى القيام بأقل واجباتها المنزلية، ثم هو يذهب ويتركها طوال نهاره وأكثر ليله ويعود متأخرًا إلى بيته ولا يهتم أبدًا بها، ولا يحاول حتى أن يقوم بعمل موازنة بين عمله وبين مساعدة زوجته، والاهتمام بها في تلك المحنة التي تمر بها.

وللأسف فقد شاهدت ورأيت تلك المحنة بعيني وسمعتها بأذني، فالمرأة في شهور حملها المتأخرة، وهي ضعيفة جدًا؛ بل إنها تحتاج إلى نقل دم كل بضعة أيام، وهي في أمس الحاجة إلى من يساعدها ويقف بجانبها، ومع ذلك فإن الزوج يذهب كل يوم باكرًا إلى عمله الخاص، والذي يمكن أن يقوم به غيره، ولا يعود إلا قرب موعد النوم، فلا يسأل عن زوجته ولا يهتم بها، وفي هذا مخالفة شديدة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك وصيته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استوصوا بالنساء خيرًا». صحيح البخاري (5186)، صحيح مسلم (1468).

وفي مقابل ذلك فإني رأيت من الرجال من يتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع زوجته، وينفذ وصيته، ومساعدته لها في تجاوز محنتها، فهي امرأة حامل، وقد سبب لها هذا الحمل الكثير من المتاعب، فهي لا تقوى حتى على خدمة نفسها، من إعداد الطعام وترتيب المنزل والاهتمام بالأولاد، فما كان من هذا الرجل إلا أن وازن بين عمله وبين خدمة أهله والوقوف بجانبهم، فكان في ذلك أقوى الأثر في تقوية أواصر المحبة بينهما، فضلًا عن مساعدة الزوجة نفسيًا في تجاوز تلك المحنة.