logo

الاختلاط بين الرجال والنساء


بتاريخ : الخميس ، 1 رمضان ، 1436 الموافق 18 يونيو 2015
بقلم : تيار الإصلاح
الاختلاط بين الرجال والنساء

بين الماضي والحاضر:

لقد كانتركيز أعدائنا في الماضي على كيفية تغيير المسلمين ليصبحوا أفرادًا بلا هوية، وهذاما عبر عنه القس «زويمر» في المؤتمر التنصيري الذي أقيم في القدس عام (1935م)بقوله: إن مهمتنا ليست تنصير المسلمين، فهذه مهمة لا طائل من ورائها، ولكن مهمتناهي صرف المسلمين عن التمسك بالإسلام، وفي هذا نجحنا نجاحًا باهرًا بفضل مدارسناالتنصيرية، ومناهج التعليم التي وضعناها للعالم الإسلامي(1).

والآنأصبح التركيز الأكبر على تغيير مفاهيم الإسلام وثوابته، وإعادة تفسيره بالشكل الذييخدم أهدافهم.

فإذا ماقرأت تقرير «مؤسسة راند الأمريكية» لعام (2007م)، وهي من أكبر المؤسسات الفكرية فيالعالم، والتي تساهم في صنع القرار الأمريكي، فالتقرير يضع تصورًا محددًا لكيفيةبناء شبكات مسلمة معتدلة بالمفهوم الغربي الأمريكي.

ومن خلالقراءة هذا التقرير نرى كيف أنهم يركزون على أهمية استعادة تفسيرات الإسلام من أيديالتيار الإسلامي وتصحيحها من وجهة نظرهم؛ حتى تتماشى وتتناسب مع واقع العالماليوم، وتتماشى مع القوانين والتشريعات، الدولية في مجالات الديمقراطية، وحقوقالإنسان، وقضايا المرأة.

وكيف أنالتقرير يركز على أهمية إيجاد تعريف واضح ومحدد للاعتدال الإسلامي، وأن يصاغ هذاالتعريف من قبل الغرب، وأن يصبح هذه التعريف هو الأداة والوسيلة لتحديد المعتدلينفي العالم الإسلامي، من أدعياء الاعتدال الذي لا يتوافق مع التعريف الأمريكيوالغربي له.

ومن اللالفتللنظر أن التقرير يؤكد على أهمية استخراج النصوص الشرعية من التراث الإسلامي والتييمكن أن تدعم أطروحات الغرب لإعادة تفسير الإسلام! وأن يُستَخدم بعض الدعاة للقيامبهذا الدور.

ويوصيالتقرير أن تكون الدعوة للاعتدال بعيدًا عن المساجد، وأن تستخدم البرامج التلفزيونية،والشخصيات ذات القبول الإعلامي والجماهيري من أجل تحقيق ذلك(2).

إننا أماممحاولة لإعادة تعريف مفهوم الاعتدال داخل المجتمع المسلم، بحيث لا يستند التعريفمن الآن فصاعدًا إلى مبادئ الوسطية والتراحم التي حثت عليها الشريعة، وإنما أنتتحول هذه المبادئ إلى مجموعة من المُسلَّمات الغربية تقدم للعالم على أنها مبادئأولية(3).

ثم ما زادالطين بلة، هو أن نرى ونسمع من هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا؛ بل وممن يقالأنهم محسوبون على الدعوة الإسلامية، ينادون بذلك، فتراهم لا يحرمون المعازفوالأغاني مثلًا، وتراهم يقيمون المعسكرات المختلطة، وليس ذلك فقط، وإنما أيضًا هذهالمعسكرات المختلطة النساء فيها أيضًا متبرجات، ولا أدري أي إسلام هذا.

إن الذينيفترون الكذب ويدَّعُون أن لهم رسالة ولهم مهمة الأنبياء، حظُّهم من هذا كله أنتكون لهم سُلْطة زمنية ومكانة في قلوب الناس، وأن يكون لهم مذهب وأتباع وأشياع.

لذلكتراهم دائمًا في سبيل الوصول إلى هذه الغاية يتحللون من المنهج الحق، ويستبدلونهبمناهج حَسْب أهوائهم، فيميلون إلى تسهيل المنهج وتسطيحه، ويُعطون لأتباعهم حريةًما أنزل الله بها من سلطان، كالذي خرج علينا يُبيح للناس الاختلاط بين الرجالوالنساء.

ومنالعجيب أن تجد لهذه الأفكار أَنصارًا يؤمنون بها ويُطبِّقونها، لا من عامة الناس،بل من المثقفين وأصحاب المناصب، فكيف تحجب عنهم المرأة، وهي نصف المجتمع؟.

إذن: ماأجملَ هذا الدين ومَا أيسره على الناس، فقد جاء على وَفْق أهوائهم وشهواتهم،ووسَّع لهم المسائل، فالنفس تميل بطبعها إلى التدين؛ لأنها مفطورة عليه، لكن تريدهذا الدين سَهْلًا لا مشقةَ فيه، حتى وإنْ خالف منهج الله.

لذلك تجدمثلًا مسيلمة وسجاح وغيرهما من مُدَّعِي النبوة، يُخفِّفون عن أتباعهم تكاليفالشرع في الصلاة والصوم، أما الزكاة فهي ثقيلة على النفس فلا داعيَ لها، وإلاَّفما الميْزة التي جاءوا بها ليتبعهم الناس؟، وما وسائل التشجيع لاتباع الدينالجديد؟، وهكذا يصبح لهؤلاء سُلْطة زمنية ومكانة، وأتباع، وجمهور(4).

 

موقفالإسلام من الاختلاط:

لقد دلالكتاب والسنة على حرمة الاختلاط، وذلك على النحو التالي(5):

1. قولهتعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَتَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَوَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُالرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَايُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَلَطِيفًا خَبِيرًا (34)} [الأحزاب:33،34]، حيث أمر سبحانه أمهاتالمؤمنين، وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك، بالقرار في البيوت؛ لما في ذلكمن صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد، لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى شرور عدة،كالتبرج والخلوة بالأجنبي، ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاءوالمنكر، وذلك بإقامتهن الصلاة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن لله ولرسوله، صلى اللهعليه وسلم، ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة، وذلك بأن يكنعلى اتصال دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة، اللذين فيهما ما يجلو صدأالقلوب ويطهرها من الأرجاس والأنجاس ويرشد إلى الحق والصواب.

وقد سمىالله مكث المرأة في بيتها قرارًا، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة، ففيهاستقرار لنفسها، وراحة لقلبها، وانشراح لصدرها، وخروجها عن هذا القرار يفضي إلىاضطراب نفسها وقلق قلبها وضيق صدرها وتعريضها لما لا تحمد عقباه.

2. عن أبيهريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها،وشرها أولها»(6)، حيث يرشد هنا النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى ضرورةإبعاد الرجال عن النساء في الصلاة، التي أقرب ما يكون فيها المسلم إلى ربه، حيثتضعف شهوات النفس وتخف وساوس الشيطان وإغواءه، ويكون المسلم فيها والمسلمة أبعد عنمواضع الفتنة والريبة، فكيف في غير الصلاة؟، فهذا يدل على ضرورة منع الاختلاط بينالجنسين في ميادين العمل وغيرها.

 

لماذامنع الإسلام الاختلاط:

يرىالإسلام في الاختلاط بين المرأة والرجل خطرًا محققا فهو يباعد بينهما إلا بالزواج،ولهذا فإن المجتمع الإسلامي مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك.

ويقولدعاة الاختلاط أن في ذلك حرمانًا للجنسين من لذة الاجتماع وحلاوة الأنس التي يجدهاكل منهما في سكونه للآخر، والتي توجد شعورًا يستتبع كثيرًا من الآداب الاجتماعية،من الرقة وحسن المعاشرة ولطف الحديث ودماثة الطبع، ونحن نقول لهؤلاء: مع أننا لانسلم بما ذكرتم، نقول لكم: إن ما يعقب لذة الاجتماع وحلاوة الأنس من ضياع الأعراضوخبث الطوايا وفساد النفوس، وتهدم البيوت، وشقاء الأسر، وبلاء الجريمة، وما يستلزمهذا من طراوة الأخلاق ولين في الرجولة لا يقف عند حد الرقة، بل هو يتجاوز ذلك إلىحد الخنوثة والرخاوة، وكل ذلك ملموس لا يماري فيه إلا مكابر.

كل هذهالآثار السيئة التي تترتب على الاختلاط تربو ألف مرة على ما ينتظر منه من فوائد،وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة فدرء المفسدة أولى، ولا سيما إذا كانت المصلحة لاتعد شيئًا بجانب هذا الفساد.

ويزيدالاختلاط قوة الميل، وقديمًا قيل: إن الطعام يقوي شهوة النهم، والمرأة التي تخالطالرجال تتفنن في إبداء ضروب زينتها، ولا يرضيها إلا أن تثير في نفوسهم الإعجاببها.

ولهذا نحننصرح بأن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، وأن للرجال مجتمعاتهم وللنساءمجتمعاتهن، ولقد أباح الإسلام للمرأة شهود العيد وحضور الجماعة، والخروج في القتالعند الضرورة الماسة، ولكنه وقف عند هذا الحد، واشترط لها شروطًا شديدة: من البعدعن كل مظاهر الزينة، ومن ستر الجسم، ومن إحاطة الثياب به، فلا تصف ولا تشف، ومنعدم الخلوة بأجنبي مهما تكن الظروف، وهكذا.

فعن معقلبن يسار، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لاتحل له»(7).

أما مانحن عليه ليس من الإسلام في شيء، فهذا الاختلاط بيننا في المدارس والمعاهد والمجامعوالمحافل العامة، وهذا الخروج إلى الملاهي والمطاعم والحدائق، وهذا التبذل والتبرجالذي وصل إلى حد التهتك والخلاعة، كل هذه بضاعة أجنبية لا تمت إلى الإسلام بأدنىصلة، ولقد كان لها في حياتنا الاجتماعية أسوأ الآثار.

يقول كثيرمن الناس: إن الإسلام لم يحرم على المرأة مزاولة الأعمال العامة كالرجل جنبًا إلىجنب، وليس هناك من النصوص ما يفيد هذا، فأتوني بنص يحرم ذلك؟!.

ومثلهؤلاء من يقول: إن ضرب الوالدين جائز؛ لأن المنهي عنه في الآية أن يقال لهما: «أف»ولا نص على الضرب!.

إنالإسلام يحرم على المرأة أن تكشف عن بدنها، وأن تخلو بغيرها وأن تخالط سواها،ويحبب إليها الصلاة في بيتها، أفيقال بعد هذا: إن الإسلام لا ينص على حرمة مزاولةالمرأة للأعمال العامة كالرجل جنبًا إلى جنب؟، إن الإسلام يرى أن للمرأة مهمةطبيعية أساسية هي المنزل والطفل، فهي كفتاة يجب أن تتهيأ لمستقبلها الأسرى، وهيكزوجة يجب أن تخلص لبيتها وزوجها، وهي كأم يجب أن تكون لهذا الزوج ولهؤلاءالأبناء، وأن تتفرغ لهذا البيت، فهي ربته ومدبرته وملكته، ومتى فرغت المرأة منشئون بيتها لتقوم على سواه؟.

وإذا كانمن الضرورات الاجتماعية ما يلجئ المرأة إلى مزاولة عمل آخر غير هذه المهمةالطبيعية لها؛ فإن من واجبها حينئذ أن تراعي هذه الشرائط التي وضعها الإسلاملإبعاد فتنة المرأة عن الرجل، وفتنة الرجل عن المرأة، ومن واجبها أن يكون عملهابقدر ضرورتها، لا أن يكون هذا نظامًا عامًا، من حق كل امرأة أن تعمل على أساسه(8).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

مكانةالتربية في العمل الإسلامي، لمحمد قطب (32).

«استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام»، قراءة في تقريرراند (2007م)، المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة.

من مقالفي مجلة البيان عدد (236) بعنوان: المفهوم الأمريكي للاعتدال الإسلامي بقلم د.باسم خفاجي.

تفسيرالشعراوي (15/9370).

مجلةالبحوث الإسلامية، موقف الإسلام من الاختلاط (شبهات وردود)، للدكتور مفرح بنسليمان بن عبد الله القوسي (81/157،161).

صحيح مسلم(440).

السلسلةالصحيحة (226).

رسالة المرأةالمسلمة وواجباتها، للإمام حسن البنا (25:13) بتصرف.