logo

الإجازة الصيفية ربيع قرآني لأبنائنا


بتاريخ : الأربعاء ، 2 ذو القعدة ، 1443 الموافق 01 يونيو 2022
بقلم : تيار الاصلاح
الإجازة الصيفية ربيع قرآني لأبنائنا

تلك الطاقات الفذة، والقدرات الهائلة على الحفظ لدى صغارنا، لماذا لا نحسن توظيفها، ونضع مكانها آيات الله، ومحكم قرآنه، بدلًا من التفاهات، وغث المعاني، خاصة أنهم قد حصلوا على إجازتهم الصيفية في مدارسهم، وأصبحوا يعانون من الفراغ؟

قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن البيت الذي يتلى فيه القرآن اتسع بأهله وكثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين، وإن البيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله عز وجل ضاق بأهله وقل خيره وخرجت منه الملائكة وحضرته الشياطين (1).

خلق الإنسان سابق على تعليم القرآن، لكن لما كان تعليم القرآن أعظمَ مِنَّةٍ من الله عز وجل على العبد، قدمه الله على خلق الإنسان، فقال سبحانه: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ القُرْآنَ (2) خَلَقَ الإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ البَيَانَ (4)} [الرحمن: 1– 4].

 وفي ذلك يقول أبو حيان: ولما عدّد نعمه تعالى، بدأ مِن نِعَمه بما هو أعلى رُتبها، وهو تعليم القرآن، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به، ولما ذكر تعليم القرآن ولم يذكر المعلم، ذكره بعد في قوله: {خَلَقَ الإنْسَانَ}، ليُعلم أنه المقصود بالتعليم (2).

إن السلوك السوي للفرد لا يمكن أن يغرس وينمو في شخص لم يخالط عقله وقلبه القرآن الكريم، ذلك لأن القرآن يجمع عليه أمره في الاعتقاد، ويرسخ فيه ملكة الرقابة الذاتية في السلوك، يقول تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]، فيصبح سلوكه قويمًا، ومعاملته حسنة.

والطفل الذي تلقى القرآن منذ الطفولة، يمتاز في كل أحواله عن الطفل الفاقد لهذا الخير، فالقرآن يعطي قوة نفسية، ومتانة في الأخلاق تظهر في المحن، والابتلاءات.

فالقرآن ينشئ العقلية العلمية الموضوعية التي لا تقبل نتائج بغير مقدمات، ولا تخضع إلا للحجة والبرهان، وهو مدرسة لتعلم الفضائل السلوكية، وتجنب القبائح والرذائل، وكذلك يعلم المرء الدراسة والتخطيط، والاهتمام بالنظر، والتفكر والتأمل.

واعلم أن حفظ القرآن أسهل على الطفل منه على الكبير، لأن ذاكرتهم كالصفحة البيضاء.

لماذا نحفظ القرآن:

1- التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم: فقد كان عليه الصلاة والسلام يحفظه، ويراجعه مع جبريل عليه السلام ومع بعض أصحابه.

2- التأسي بالسلف: قال ابن عبد البر: طلب العلم درجات ورتب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله، فأول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه (3).

3- حفظه ميسر للناس كلهم، ولا علاقة له بالذكاء أو العمر، فقد حفظه الكثيرون على كبر سنهم؛ بل حفظه الأعاجم الذين لا يتكلمون العربية، فضلًا عن الأطفال.

4- حفظ القرآن مشروع لا يعرف الفشل، فحين يبدأ المسلم بحفظ القرآن الكريم بعزيمة قوية ثم يدب إليه الكسل والخمول فينقطع عن مواصلة الحفظ؛ فإن القدر الذي حفظه منه لا يضيع سدى، بل إنه لو لم يحفظ شيئًا فإنه لن يحرم أجر التلاوة، فكل حرف بعشر حسنات.

5- حملة القرآن هم أهل الله وخاصته كما في الحديث، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله أهلين من الناس» قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: «هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته» (4)، وكفى بهذا شرفًا.

6- حامل القرآن يستحق التكريم، ففي الحديث: «إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه» (5)، فأين المشمرون؟

7- الغبطة الحقيقية تكون في القرآن وحفظه، ففي الحديث: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار» (6).

8- حفظ القرآن وتعلمه خير من متاع الدنيا، ففي الحديث: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع ومن أعدادهن من الإبل» (7)، وتذكر أن الإبل في ذلك الزمان أنفس المال وأغلاه.

9- حافظ القرآن هو أولى الناس بالإمامة، ففي الحديث: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» (8)، وتذكر أن الصلاة عمود الدين وثاني أركان الإسلام.

10- حفظ القرآن الكريم رفعة في الدنيا والآخرة، ففي الحديث: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين» (9).

11- حافظ القرآن يقدم في قبره، فبعد معركة أحد وعند دفن الشهداء كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع الرجلين في قبر واحد ويقدم أكثرهم حفظًا (10).

12- وفي يوم القيامة يشفع القرآن لأهله وحملته، وشفاعته مقبولة عند الله تعالى، ففي الحديث: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» (11)، فهنيئًا لمن يشفع له هذا الكتاب العظيم في ذلك اليوم العصيب.

13- حفظ القرآن سبب للنجاة من النار، يقول أبو أمامة: احفظوا القرآن فإن الله لا يعذب بالنار قلبًا وعى القرآن (12).

14- إن حفظه رفعة في درجات الجنة، ففي الحديث: «يقال -يعني لصاحب القرآن-: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها» (13)، قال ابن حجر الهيتمي: الخبر خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب، لأن مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها (14).

15- حافظ القرآن مع السفرة الكرام البررة، ففي الحديث: «مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة» (15)، فيا له من شرف أن تكون مع من قال الله فيهم: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)} [عبس: 13- 16] (16).

لماذا لا يحرص ولي الأمر على أن يلتحق أبناؤه وبناته بالمراكز الصيفية التي تُحفِّظ القرآن الكريم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (17).

 كثير من الشباب الذين فسدوا، أو بعض الشباب الذين ليس لهم دور في الحياة؛ كان سبب فسادِهم أن لهم أبًا لديه فرط حنان عليهم، فيقوم يصلي وهم نائمون، يجلس يقرأ ورد القرآن وهم تائهون، فعزل الأب نفسه عن أبنائه؛ إذا صلى صلى هو ونام الأبناء، وإذا قرأ قرأ هو ونام الأبناء، فكل الأعمال الصالحة يقوم بها بنفسه، وقال: الأولاد ما زالوا صغار وكذا، بينما علماء التربية يقولون: إذا جلست مع من هم في سن صغيرة وكلمته كلام الكبار، فإن هذا الكلام يؤثر عليهم، ويجعلهم كالكبار.

ولقد رأينا نماذج والله طيبة، رأينا أبناءً ختموا القرآن الكريم في هذا الزمن الصعب، وجدنا من أبناء المسلمين من يختم القرآن الكريم، وجدنا في هذا الزمن الصعب من أبناء المسلمين من لا يطَّلع على التلفزيون أصلًا، ولا يعرف التلفزيون ولا الدش ولم يجلس أمامه لمشاهدته؛ لأنه عنده موقف من التلفزيون، لا لسبب آخر، فحفظ الله شباب الإسلام والمسلمين، لكن ربما لكل قاعدة شواذّ، وهذه مسؤولية الدعاة أن يُحذِّروا من وسائل الاتصال الحديثة -الكمبيوتر والإنترنت والجوَّالات- لأن هذه الأشياء لو استُخدمت في طاعة الله تبارك وتعالى، لكان الخير كل الخير والله، لكن للأسف الشديد فإن وسائل الاتصال الحديثة يغلب عليها الشر، ولا حول ولا قوة إلا بالله (18).

القواعد العامة لحفظ القرآن الكريم:

القاعدة الأولى: الإخلاص سر التوفيق:

إذا عمل الإنسان وبذل الجهد وطبق ما يلزم تطبيقه وأتقن عمله؛ ولكن لم يكن هناك إخلاص في عمله؛ يكون العمل ناقصًا، لذلك نجد كثيرًا من المصلحين الغربيين من المكتشفين من الذين نفعوا البشرية بأفكارهم ولكنهم فقدوا الإخلاص النابع من الإيمان بالله تعالى؛ نجدهم انتحروا وبكل بساطة، ولذلك علينا أن نتذكر قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف: 103- 104]، إذًا هم سعوا واجتهدوا؛ ولكن سعيهم ضلّ بسبب فقدانهم للإيمان والإخلاص.

مؤلف المنظومة المشهورة الشاطبية في القراءات السبع، كان يطوف بها حول الكعبة مئات بل آلاف المرات ويقول: يا رب إن كنت قد قصدت بها وجهك فاكتب لها البقاء، ولم يكتف بهذا بل كتبها في قرطاس ووضعها في قارورة وختم عليها وألقاها في البحر، ثم دعا الله تعالى أن يبقيها إن كان يريد بها وجهه تعالى، ودارت الأيام وإذا بصياد يصيد السمك ويرى القارورة بين السمك فيفتحها، فيجد بها ورقة بها قصائد في القراءات، فيقول في نفسه: والله لا يعلم بها إلا الإمام الشاطبي، وحينما دخل على الإمام وذكر له ما وجد في البحر قال له الإمام: افتحها واقرأ ما فيها، فبدأ الصياد يقرأ:

بـدأت باســم الله في النظم أولا      تبارك رحمان رحيم موئلا

وثنيت صلى الله ربي على الرضا     محمد المهدي إلى الناس مرسلا

وإذا بالصياد يقرأ والإمام الشاطبي يبكي، وحكى له قصة القصيدة، ولذلك نجد الآن وفي كل مكان من طلاب علم القرآن يحفظونها، وهي مشهورة تذهب إلى إندونيسيا، الهند، مصر، الشام، تركيا، وفي كل مكان لأن صاحبها أخلص في عمله إذًا الخلاصة للقاعدة الأولى: ما قصد به وجه الله تعالى دام واتصل.

القاعدة الثانية: الحفظ في الصغر أفضل للبشر:

هذه نشأت من أصل قاعدة ربانية موجودة في الكون مسلمة لا شك فيها؛ أن الصغير يحفظ أكثر من الكبير، القاعدة تقول: أن الإنسان عندما يولد يكون الحفظ عنده في القمة، ولكن فهمه قليل جدًا، والحفظ يرتفع جدًا، وكلما كبر كلما ارتفع الفهم وقل الحفظ، وهكذا بمرور السنوات، يتساوى عنده الحفظ والفهم، ثم يبدأ يقل الحفظ أكثر ويزداد الفهم أكثر.

إذًا القانون السائد كلما كبر الإنسان قل الحفظ، ولكن ماذا يخرق هذا القانون؟ هناك شيء اسمه العامل الخارجي، إذا وجد فإنه يضرب جميع القوانين، فيصبح الحفظ بعد الأربعين سهلًا جدًا جدًا، فما هو هذا العامل الخارجي؟

هذا العامل هو: الرغبة، التصميم، الإرادة، العزم، قوة الهمة، الهمة العالية، إذا وجدت هذا في نفسك فإنه يشعل العزيمة والقوة لتنفيذ ما يريد.

ما الذي يدفع مغنيًا أن يقف على خشبة المسرح 14 ساعة متتالية وهو يغني، وذلك ليدخل اسمه في موسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ عامل خارجي.

الحفظ في الصغر كالنقش على الحجر، والحفظ في الكبر ممكن إذا وجد الحافز والعامل على ذلك.

القاعدة الثالثة: اختيار وقت الحفظ:

وقت الحفظ هو وقت السحر قبيل الفجر، يقول الإمام ابن جماعة أحد علماء الإسلام المربّين الرائعين يقول: أجود الأوقات للحفظ الأسحار، وأجودها للبحث الإبكار، وللتأليف وسط النهار، وللمراجعة والمطالعة الليل.

الإنسان عندما يستيقظ في السحر يكون الدماغ جاهزًا للحفظ، أما في آخر النهار إضافة إلى الشواغل الكثيرة، ستجد صعوبة في الحفظ، أو يأخذ وقت أطول وتركيز أكثر، أما في السحر هو أفضل الأوقات، ولا بد أن يسبقه نوم؛ لأنه إذا لم يسبق هذا الوقت النوم يشعر الإنسان بالتعب الشديد، فالعقل اللاواعي يعمل طوال الليل.

فمن مميزات العقل الواعي أنه يهدأ ليلًا ويرتاح، أما العقل اللاواعي فلا ينام ولا يرتاح، يعمل طول الوقت ليلًا ونهارًا، وهو لا يفرق بين الخيال والواقع.

إذا استطاع العقل أن يتحكم بالطاقة الجسدية والنفسية ويوجهها عند ذلك تستطيع أن تعمل كل شيء، العقل اللاواعي يتحكم بحسب ما يدخله العقل الواعي إليه من معلومات.

القاعدة الرابعة: اختيار مكان الحفظ:

علي أن أحفظ القرآن الكريم في المكان الذي أحفظ فيه عيني وأذني ولساني، فإن منافذ الذاكرة ثلاثية، لو أن عندي حوضًا للماء وفيه ثلاث مصبات تصب فيه من أماكن متفرقة، فإذا فتحت المصبات الثلاثة بالماء يمتلئ الحوض ماءً، وإذا فتحتها باللبن يمتلئ لبنًا، وكذلك قلبك حوض مداخله ومصباته العين والأذن واللسان، فكل ما يدخل عن طريقها إلى القلب يمتلئ به، فإذا دخلت المعاصي نكت في القلب نكته سوداء، وإن كانت طاعات يمتلئ القلب نورًا وهكذا.

فإذًا علينا أن نحفظ في المكان الذي نحفظ فيه سمعنا من الغيبة، ألسنتنا من النميمة، وأبصارنا مما حرم الله تعالى.

ومن اللطائف في اختيار مكان الحفظ، ففي تركيا في بعض المراكز لتحفيظ القرآن الكريم، غرفًا صغيرة جدًا، مترين في مترين، بناها العثمانيون القدامى، ولها سقف عالي للتهوية، قالوا إنها مخصصة للمتسابق للمراجعة، وللذي عليه ورد معين يريد أن ينهيه، وهذه فكرة قديمة من 400 سنة تقريبًا.

القاعدة الخامسة: القراءة المجودة والمنغمة:

التجويد يثبت الحفظ بطريقة أقوى وأوسع، القراءة الاعتيادية جدًا للقرآن الكريم لا تصح، ينبغي لي أن أجمل صوتي وأنغمه، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود» (19).

إذن إذا أردت أن تحفظ فاقرأ بالحد الأدنى من مخارج الحروف من الغنة والإدغام والمد والذي يعتبر تركه لحنًا جليًا، ذلك سيثبت الحفظ، الدماغ يرتاح على النغم والإيقاع.

ولكن علينا أن نعلم أن هناك خطوط حمراء وخطوط خضراء هذا في الشرع، تمتع بالطرب في حدود الخطوط الخضراء، فإذا تجاوزت شرعنا وديننا هذا لا يجوز.

القاعدة السادسة: الاقتصار على طبعة واحدة من المصحف ولا يغيره:

حافظ على المصحف المحدد، لكيلا يتشتّت ذهنك وتختلط عليك مواقع الآيات، لأنّها تختلف من طبعة إلى أخرى، ولأن ذلك يؤدّي إلى حسن التصوّر الذهني للمحفوظ، فيُعِينُ على الحفظ، فالصورة تنطبع في الذاكرة.

القاعدة السابعة: تصحيح القراءة مقدّم على الحفظ:

إذا أردت أن تحفظ الآيات عليك أن تقرأها على شيخ متقن الحفظ ولا تعتدّ بنفسك، فلا بد أن يكون لك أخطاء، وتصحيح التلاوة يجعل الطالب يحفظ أسرع بكثير من الذي لا يصحّح قبل الحفظ، ثم إنك عندما تصحّح الحفظ تحفظ بما لا يقل عن 30 % من الصفحة قبل الحفظ مجرد التصحيح يفتح ذهنك وبحضور الشيخ، فيتجاوز 30% من الصفحة.

القاعدة الثامنة: عملية الربط مقدم على الحفظ:

الربط مهم جدًا في كل جزء من أجزاء السورة، أي ربط الآيات بالمعاني، مثلًا ربط الآية بخيال، جائز، ففي قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: 19]، جاز لك أن تتخيل كافرًا يضع إصبعيه في أذنه كلما سمع القرآن هكذا، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27]، صورة تتخيلها، بلغة مؤثرة لك أن تربطها بطريقة ما، ما دام النص يعطيني خيال أوسع.

فالذي شخصيته بصرية يركز على شكل المصحف والآيات، أما السمعي فيركز على صوت القارئ وهكذا.

القاعدة التاسعة: الـتكرار:

عملية التكرار تحمي الحفظ من التفلت والفرار، التكرار نوعان:

أولهما: بمعنى امرار المحفوظ على القلب سرًّا.

الثاني: التكرار الصوتي وبطريقة مرتفعة يوميًا.

والتكرار للقرآن الكريم هو أساس كل شيء، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيًا من الإبل في عقلها» (20).

القاعدة العاشرة: الحفظ اليومي المنتظم خير من الحفظ المتقطع:

ابدأ بالقليل وبعد التعود زود الكمية قليلًا، فإذا داومت على الحفظ تتنشط الذاكرة، وقد تجد طريقة في الحفظ أفضل ومناسبة لك، بعض العلماء قالوا لا مانع إذا أعطى الحافظ لنفسه استراحة يوم أو يومين إذا وجد نفسه قد تعب من الحفظ.

من الأشياء المهمة في هذا الموضوع ألا تحفظ وقت الضجر والملل، انتبه لأن الحفظ ينسى في هذا الوقت؛ فلا بد من التنشيط.

القاعدة الحادية عشر: اقتران الحفظ بالعمل ولزوم الطاعات وترك المعاصي، وأضيف بيتًا من الشعر معروف تأكيدًا على هذه القاعدة عندما قال الشافعي رحمه الله:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي   فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرنـــي بـأن العـلم نـــــورٌ     ونور الله لا يؤتى لعاصـي

القاعدة الثانية عشر: المراجعة:

الناس نوعان: إما حفاظ للقرآن كاملًا، وإما حافظ لأجزاء محددة.

الحفظ الجزئي يحتاج إلى قراءته دومًا، بحيث لا يمر عليك الأسبوع إلا وقد مررت على كل حفظك خذ هذه قاعدة لك.

نتمنى من الحفاظ والحافظات أن يتواصلوا ويتابعوا معًا مراجعة القرآن الكريم، وهكذا، يجب علينا أن نتواصل حتى يذكر بعضنا بعضًا.

القاعدة الثالثة عشر: الفهم الشامل يؤدي إلى الحفظ المتكامل وهو فهم معنى الآيات فهمًا بحيث يؤدي إلى ترابط المعنى.

القاعدة الرابعة عشر: الالتجاء إلى الله بالدعاء وطلب العون منه، عامل مهم لتسهيل حفظ القرآن، فلا ننسى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لمعاذ: «والله إني لأحبك يا معاذ، فلا تنسى إن تقول دبر كل صلاة، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (21).

التاءات الخمس:

هي ملخص الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم.

إذا كان عندك محاضرة أو درس في مراكز التحفيظ، يمكنك أن تشرح لهم طريقة التاءات الخمس:

1- التهيئة النفسية: عليك أن تهيئ نفسك من الليل إذا أردت أن تحفظ القرآن الكريم، وقبل أن تنام هيئ نفسك، ومن التهيئة النفسية أن تختار المصحف المحبب لديك، وأنصح إخواني المؤمنين أن يهدوا بعضهم بعضًا المصاحف المميزة.

2- التسخين: أنت في الصباح حين تسخن السيارة قبل أن تذهب إلى عملك قد تحتاج إلى دقائق ليصل الزيت في مجاري الموتور بشكل جيد، فنحن في دماغنا نحتاج إلى عملية تسخين من 6- 8 دقائق، اقرأ شيئًا من الحفظ الماضي، أو على الحاضر كرره بصوت مرتفع هذا العمل يعطيك تشويقًا أكثر لتحفظه.

3- التركيز: بواسطة  التركيز على هدف معين وبشكل متواصل وبدون أي شرود ذهني تستطيع أن تحقق أي هدف تصبو إليه، بغض  النظر عن أي شيء آخر كـ(الظروف، والعقبات) على هذا الأساس فإن التركيز هو مفتاح النجاح، والتركيز نوعان:

أ – أفقي    

وهو تركيز الانتباه والوجدان على شيء واحد محدد مع استبعاد غيره من الأشياء.

ب – بؤري

وهو نوع من التأمل الذي يجعل من الممكن اكتشاف المحفزات ذات الصلة بسرعة، ويسمح لنا بالقيام بالمهام بعناية وكفاءة في حياتنا اليومية.

4- التكرار وقد سبق ذكره.

5- الترابط: ربط الآيات بعضها ببعض ليسهل حفظها ويستساغ فهم معانيها (22).

فيا حفظة كتاب الله، أينما اتجهتم فعين الله ترعاكم، فأهل القرآن هم الذين لا يقدمون على معصية ولا ذنبًا، ولا يقترفون منكرًا ولا إثمًا، لأن القرآن يردعهم، وكلماته تمنعهم، وحروفه تحجزهم، وآياته تزجرهم، ففيه الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، فلتلهج ألسنتكم بتلاوة القرآن العظيم، ولترتج الأرض بترتيل الكتاب العزيز، وليُسمع لتلاوتكم دوي كدوي النحل.

 

-----------

(1) إحياء علوم الدين (1/ 274).

(2) البحر المحيط في التفسير (10/ 54).

(3) جامع بيان العلم وفضله (2/ 1129).

(4) أخرجه ابن ماجه (215).

(5) أخرجه أبو داود (4843).

(6) أخرجه البخاري (7529).

(7) أخرجه مسلم (803).

(8) أخرجه مسلم (673).

(9) أخرجه مسلم (817).

(10) انظر سنن الترمذي (1036).

(11) أخرجه مسلم (804).

(12) شرح السنة للبغوي (4/ 437).

(13) أخرجه الترمذي (2914).

(14) فصل الخطاب (3/ 360).

(15) أخرجه البخاري (4937).

(16) لماذا نحفظ القرآن/ محمد صالح المنجد.

(17) أخرجه البخاري (5027).

(18) أبناؤنا والإجازة الصيفية/ ملتقى الخطباء.

(19) أخرجه البخاري (5048)، ومسلم (793).

(20) أخرجه البخاري (5033).

(21) أخرجه أبو داود (1522).

(22) طرق إبداعية في حفظ القرآن الكريم/ صيد الفوائد، بتصرف.