logo

الأسرة والذكاء الاصطناعي


بتاريخ : السبت ، 5 ربيع الآخر ، 1447 الموافق 27 سبتمبر 2025
بقلم : تيار الإصلاح
الأسرة والذكاء الاصطناعي

بالرغم من الفرص والمميزات العديدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي للمجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر، نجد أن العالم يواجه الكثير من مخاطر الذكاء الاصطناعي على الإنسان بصفة عامة وعلى الأسرة بصفة خاصة، نتيجة استخدام هذه التكنولوجيا المتطورة من جهات سيئة النية، أو من أفراد لا يحسنون استعمالها، إما أخلاقيًا وإما علميًا، مما يتسبب -بقصد أو بدون قصد- في اضطرابات على مستوى الأسرة والمجتمع.

 

فالذكاء الاصطناعي يحمل تأثيرات كبيرة على الأسرة، بعضها إيجابي وبعضها سلبي، من أبرز المخاطر التي قد تواجهها الأسرة بسبب الذكاء الاصطناعي:

 

1- العزلة الاجتماعية: الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في التفاعل والتواصل قد يؤدي إلى ضعف العلاقات الأسرية، وتقليل التفاعل الحقيقي بين أفراد الأسرة، مما يزيد من الشعور بالوحدة، وزيادة الفجوة بين الأفراد، واستقلال وتباعد وهجر أحيانًا، وانعزال فكري ووجداني.

 

كان الإنسان يعتمد على التفاعل الاجتماعي الواقعي، ولكن مع تقدم الذكاء الاصطناعي، بدأنا نشهد تحولًا في طبيعة هذه التفاعلات، حيث أصبح من الممكن أن يشكل الذكاء الاصطناعي بديلاً رقميًا للأصدقاء أو الإخوة، وحتى الأشخاص المتوفين.

 

حيث يمكن للمستخدمين بناء علاقات عاطفية مع هذه الآلات التي تقدم لهم الدعم والمحادثات اليومية، الفكرة التي تسحب المستخدمين إلى هذه الأنظمة هي أنها تستطيع تقديم رعاية لا مشروطة، تفاعلات دافئة، واستجابات متفهمة.

 

إن مفهوم “الرفقة الرقمية” أصبح منتجًا متاحًا على نطاق واسع، حيث يتم تسويقه من قبل شركات متخصصة، والتي تقدم نسخًا رقمية لأحباء مفقودين، وتساعد الأشخاص في تجاوز فترات الحزن أو العزلة.

 

والحديث عن تطور الذكاء الاصطناعي لم يعد مقتصرًا على قدرات الآلات في مجالات العمل أو التعليم، بل أصبح يشمل أيضًا قدرته على التأثير العاطفي على مستخدميه، مما يجعلنا نقول أن الذكاء الاصطناعي قد يصبح مسببًا للإدمان بسبب قدرته على محاكاة عواطف البشر وجذبهم إلى تفاعلات مستمرة معه، مما يمكن للفرد من الاستغناء التام عن الآخرين؛ وإن كان يعيش معهم في بيت واحد، فلم يعد يشعر بتفاعل أو انسجام أو عواطف تجاههم.

 

ويحذّر المختصون من أن العزلة المفرطة قد تؤدي إلى ضعف في مهارات التواصل الاجتماعي، وتراجع الثقة بالنفس، وتزايد الشعور بالوحدة، ما يفتح الباب أمام اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، كما أن الأشخاص الذين يعيشون لفترات طويلة في عزلة يصبحون أكثر عرضة لتبني أفكار سلبية عن الذات والعالم المحيط.

 

ومن الناحية السلوكية، قد تظهر على الشخص المعزول علامات اللامبالاة، التوتر المفرط في المواقف الاجتماعية، وصعوبة في بناء علاقات جديدة أو الحفاظ على العلاقات القديمة.

 

2- التأثير على الأطفال: الأطفال أصبحوا أكثر دراية بالتكنولوجيا من الكبار، مما يستدعي تدخلًا تربويًا مبكرًا لتوعيتهم بالاستخدامات السليمة للتقنيات الحديثة، حيث يمكن أن يؤدي الاستخدام غير المنضبط إلى مشاكل تربوية وسلوكية.

 

إنّ هناك عدة مخاطر للذكاء الاصطناعي على الأجيال، تتمثل في تقليص التفاعل البشري في المجتمع، حيث يعيش المراهقون في وباء العزلة الاجتماعية بسبب تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يجلس عليها المراهقون لفترة طويلة.

 

إذا كنت تعتقد أن التطبيقات مثل تيك توك قد وصلت إلى أقصى حدود الإدمان الرقمي، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يكشف لنا جانبًا أعمق؛ يمكن لهذه الأنظمة إنشاء محتوى لا نهاية له، يتناسب تمامًا مع تفضيلاتنا الخاصة، سواء كانت سلوكية أو عاطفية.

 

الذكاء الاصطناعي قادر على استنباط رغباتنا الخاصة من خلال التفاعلات اليومية، ويستجيب لها بشكل متسق وشخصي، ما يجعلنا نشعر بالارتياح التام في تفاعلاتنا معه.

 

فالذكاء الاصطناعي أداة قيمة للتعلم في المراحل المبكرة، حيث يمكن استخدامه لتخصيص الدروس وتجارب التعلم بما يتناسب مع الاحتياجات الفردية للأطفال الصغار والمراهقين، كما يمكن أن يساعد المعلمين وأولياء الأمور على إيجاد طرق لإثراء التعليم للأطفال بكل القدرات في مراحل النمو مختلفة، وعلى الرغم من أنه لا يمكن أن يكون بديلًا جيدًا للمحادثات الحية، فإنه يمكنه مساعدة الأطفال في تحسين مهاراتهم اللغوية وحتى تعلم لغات جديدة.

 

وقد يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحفيز الأطفال والتفاعل معهم بطرق جديدة، فليس غريبًا أن يكون تفاعليًا وممتعًا للأطفال، وأن يوفر طرقًا جديدة للاستمتاع واكتشاف عالمهم، وبالنسبة للبعض، قد تكون هذه تجربة تغير حياتهم وتفتح أبوابًا جديدة، وتعزز أداءهم المدرسي وتساعدهم في التحضير لتحديات حياة البالغين.

 

وعلى الرغم من كل الوعود التي تحملها منصات الذكاء الاصطناعي، فإنها يمكن أن تُلحق الضرر بالأطفال والأسر، خاصة أن عالم الإنترنت كبير ومفتوح، ومن طبيعة الطفل أنه فضولي ويحب الاكتشاف، وهذا ما يفتح الأبواب نحو الولوج إلى مخاطر أدوات الذكاء الاصطناعي، ومن أبرز ما يمكن أن يتعرض له الأطفال أثناء خوضهم في الذكاء الاصطناعي:

 

- قد ينشر الكراهية والتحيز والصور النمطية:

بما أن الذكاء الاصطناعي "يتعلم" من كل ما يجده على الإنترنت، فقد تعكس منصات الذكاء الاصطناعي نفس التحيزات التي تهدد بتقسيمنا وعزلتنا، وتُظهر دراسات واسعة النطاق أن المحتوى الذي يُنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي يعزز الصور النمطية والأكاذيب، ويجب على البالغين أن يكونوا جاهزين للحديث مع الأطفال عما يرونه عبر الإنترنت وكيف يمكن أن يعزز المعتقدات والأفعال السلبية.

 

- لصوص الإنترنت:

من المخاطر المقلقة للغاية للأطفال عبر الإنترنت تهديد المعتدين والمحتالين، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي على وجه التحديد أن يُمكّن المحتالين عبر الإنترنت إخفاء هوياتهم الحقيقية والاختباء وراء الشخصيات.

 

وذكر موقع "ناترهب" أن هؤلاء المحتالين يمكنهم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنشاء روايات تحاكي قصص الأطفال، مما يزيد من خطر استمالة الأطفال واستغلالهم، كما أن الألعاب والعوالم الافتراضية التي يُنشئها الذكاء الاصطناعي تقدم فرصًا كبيرة للتفاعل الاجتماعي، ولكنها يمكن أيضًا أن تعرّض الأطفال لسلوك عدواني، ويمكن للمعتدين عبر الإنترنت استخدام هذا المجتمع -الذي يبدو آمنًا- لاستغلال ثقة الأطفال وضعفهم.

 

- انتهاك خصوصية الأطفال وذويهم:

يجمع الذكاء الاصطناعي كمية هائلة من البيانات، فعلى سبيل المثال، عُثر على لعبة واحدة تسجل المحادثات بين الآباء والأطفال وأي شخص آخر قريب، مع إمكانية نقل البيانات من هذه المحادثات إلى أطراف ثالثة، ومن الصعب متابعة التقارير المتعلقة بالألعاب والأجهزة التي قد تنتهك خصوصية عائلتك، ولكن قد يرغب الآباء في تجنب الألعاب التفاعلية التي يمكنها التحدث مع الأطفال (1).

 

أحد سلبيات الذكاء الاصطناعي هي قدرته على التأثير على طريقة تفكير الأطفال وسلوكهم؛ حيث تستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي توجيه محتوى مخصص للطفل مثل المحتوى المثير للجدل أو المحتوى العاطفي، مما يعني أن الطفل قد يرى فقط ما تريد الخوارزميات أن يراه.

 

يُعد هذا الأمر أحد مخاطر الذكاء الاصطناعي لأنه يمكن أن يوجه الطفل إلى أفكار أو آراء معينة بشكل غير واعٍ، ودعم أهداف تجارية أو سياسية.

 

- من المخاطر المقلقة للغاية للأطفال عبر الإنترنت تهديد المعتدين والمحتالين، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي على وجه التحديد أن يُمكّن المحتالين عبر الإنترنت إخفاء هوياتهم الحقيقية والاختباء وراء الشخصيات.

 

- كما أن الألعاب والعوالم الافتراضية التي يُنشئها الذكاء الاصطناعي تقدم فرصًا كبيرة للتفاعل الاجتماعي، ولكنها يمكن أيضًا أن تعرّض الأطفال لسلوك عدواني، ويمكن للمعتدين عبر الإنترنت استخدام هذا المجتمع -الذي يبدو آمنًا- لاستغلال ثقة الأطفال وضعفهم.

 

3- الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الدعم النفسي: بعض الأشخاص بدأوا في الاعتماد على روبوتات الذكاء الاصطناعي للحصول على دعم نفسي بدلًا من اللجوء للعلاج التقليدي، مما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات النفسية بدلًا من حلها، خاصة إذا تم الاعتماد عليه بشكل كامل بدل الدعم البشري أو المهني.

 

يلجأ المستخدمون إلى هذه المنصات لطلب النصيحة أو للتخفيف من التوتر أو لمجرد الفضفضة عند الشعور بالقلق أو الوحدة، بالأخص في حال صعوبة الوصول إلى خدمات الصحة النفسية التقليدية، أو في المجتمعات حيث لا تزال الصحة النفسية محاطة بوصمة اجتماعية.

 

قدرة روبوتات الدردشة على تقديم المساعدة على مدار الساعة يتيح للأشخاص التواصل في أي وقت ومن أي مكان، وهو ما يُعتبر تحوّلًا جذريًا خاصةً للأشخاص الذين يعيشون في مناطق نائية أو يواجهون صعوبة في الوصول إلى مراكز العلاج النفسي التقليدية.

 

رغم أن هذه الأدوات قد تمنح راحة مؤقتة، فهي ليست مؤهلة دائمًا لتشخيص الحالات النفسية أو التعامل معها، فقد تخطئ في فهم السياق، أو تقدّم نصائح غير ملائمة، أو تعجز عن اكتشاف الحالات الحرجة مثل التفكير الانتحاري.

 

كما لا تمتلك التطبيقات الحس الإنساني، فتفتقر إلى التعاطف الفعلي والقدرة على قراءة السياقات النفسية الدقيقة، ونظرًا لاعتمادها على بيانات تدريبية واسعة، قد تكون متحيزة في بعض الأحيان، بالأخص ضد المجموعات المهمشة.

 

يجادل البعض بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتولى التفاعل مع البشر، والرد على استفسارات واستشارات إنسانية، إذا تم إنشاء نسخة قادرة على إنجاز تلك المهمة؛ بل إن تلك النسخة تستطيع أن تجني أموالًا، ويضربون مثالًا بما قامت به ناشطة أمريكية، هي “كارين مارجوري” التي استنسخت نفسها من خلال الذكاء الاصطناعي وحصدت نسختها سبعين ألف دولار، في أسبوعها الأول من خلال التواصل مع المتابعين الذين يقتربون من مليوني شخص، لذا يروج هؤلاء أن هذا التوجه بديل رقمي للوحدة، ويمكن سحب تلك التجربة على العلاقات الاجتماعية والأسرية، فالذكاء قادر على محاكاة الإنسان بكلماته وانفعالاته، المبرمجة سلفًا، وبذلك يوفر دفئًا عاطفيًا اصطناعيًا، يحاكي مشاعر الود والحب الإنسانية الطبيعية، ويطلق هؤلاء على ذلك “الرومانسية السيبرانية”، ويبررون ذلك بأن الذكاء الاصطناعي يقدم إجابات عن أغلب الأسئلة التي تُطرح عليه، ويوفر المتعة والفرجة، ويفتح نافذة على عوالم متعددة ومثيرة، ويمثل مخرجًا لكبار السن وذوي الاعاقات لتفاعل آمن نسبيًا مع العالم الافتراضي، لذا يراه البعض خيارًا جيدًا وبديلًا عن علاقات إنسانية أصبحت ضامرة.

 

المتنفسات التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، لها جوانب إيجابية، خاصة لأفراد الأسرة الذين يعانون من مشكلات صحية ونفسية، في حين أن الوجه الآخر هو تقليص العلاقات الإنسانية داخل الأسرة إلى أدنى مستوى تفاعلي، وحصرها في الرقابة الإلكترونية والتأمين من خلال المتابعة وأجهزة الإنذار، في ظل غياب إدراك أن العلاقات الإنسانية داخل الأسرة، بعيدا عن الذكاء الاصطناعي وآلاته ووسائطه، هو مساحة للتعليم الأخلاقي والسلوكي والتعاطف الوجداني وتبادل المشاعر وإيجاد الطمأنينة الروحية والنفسية، وتفهم الحاجات والاحتياجات الوجدانية التي لن يستطيع الذكاء الاصطناعي المبرمج سلفًا تفهمها، هذا الإدراك المغلوط في تضخيم قدرات الذكاء الاصطناعي، يسعى لإقناع البشر، أن الذكاء الاصطناعي هو كائن حي وعاقل وليس آلة صنعها الإنسان لخدمته ولا تصلح أن تكون بديلًا عنه.

 

دخول التكنولوجيا الرقمية في مجال العواطف والعلاقات الإنسانية في الأسرة، ليس معناه أن يبتلع الذكاء الاصطناعي ما اختص به الإنسان من الاحساس والعاطفة والمشاعر والوجدان، حتى وإن حدثت محاكاة ميكانيكية لبعض من الانفعالات الانسانية، فلن يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يمنح الطفل الدفء والاحساس بالأمان الذي توفره الضمة الحانية من الأم، ولن يستطيع الذكاء أن يمنح السكينة للصغار إذا غاب الأب عن البيت، حتى وإن كانت أجهزة الإنذار تعمل بكفاءة، ستظل للإنسان مساحات محررة في مواجهة الذكاء الاصطناعي، ولن تستطيع الدُمي الناطقة أن تمنح المرأة الشعور بالأمومة مثل ابتسامة الطفل الصغير.

 

هناك أبحاث علمية تسعى لتطوير أنظمة من الذكاء الاصطناعي يمكنها التعرف على مشاعر البشر وانفعالاتهم، ومحاكاتها، لكن الحقيقة أن الإدراك الإنساني يختلف تماما بين أن يشم ويلمس وردة طبيعية يفوح منها عطر الطبيعة، وبين أخرى أنتجت منها المصانع الآلاف، وكذلك المشاعر داخل الأسرة، فلن تكون الدُمية التي تجسد دور الأم بديلا عن الأم، ولن يبدد الروبوت مشاعر القلق مثلما يفعل الوالدين أو الأخ أو الصديق.

 

أما الأهم فهو أن الذكاء الاصطناعي لن يمنح الأخلاق ولن يغرسها في أفراد الأسرة، لأنه ليس حاضنة تربوية، ولكن آلة مبرمجة، يستطيع الإنسان أن يعدل برمجتها إذا شاء ليخلق سعادة مصطنعة ومؤقتة، ومن ثم لن تحتفظ الذاكرة الإنسانية إلا بالروح الكامنة وراء الكلمة واللمسة والنظرة، فنظرة الكاميرا المثبتة في الروبوت ليس فيها أي عمق، على خلاف عين الإنسان التي توحي بما تخبئه النفس.

 

4- الابتزاز الإلكتروني والمخاطر الأمنية: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُستخدم في عمليات الابتزاز الإلكتروني، مما يشكل تهديدًا على خصوصية الأسرة وأمانها الرقمي.

 

ينبع مصدران للقلق من مشاكل التحكم في الذكاء الاصطناعي والمواءمة: قد يكون من الصعب التحكم في آلة فائقة الذكاء أو غرسها بقيم متوافقة مع الإنسان، يعتقد العديد من الباحثين أن الآلة فائقة الذكاء ستقاوم محاولات تعطيلها أو تغيير أهدافها، لأن مثل هذا الحادث سيمنعها من تحقيق أهدافها الحالية، سيكون من الصعب للغاية مواءمة الذكاء الفائق مع النطاق الكامل للقيم والقيود الإنسانية المهمة، في المقابل، يجادل المشككون مثل عالم الكمبيوتر يان ليكون بأن الآلات فائقة الذكاء لن تكون لديها رغبة في الحفاظ على نفسها.

 

مصدر ثالث للقلق؛ هو أن انفجار مفاجئ للذكاء قد يفاجئ الجنس البشري غير المستعد، للتوضيح، إذا كان الجيل الأول من برنامج كمبيوتر قادرًا على مطابقة فعالية باحث الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع يمكنه إعادة كتابة خوارزمياته ومضاعفة سرعته أو قدراته في ستة أشهر، فمن المتوقع أن يستغرق برنامج الجيل الثاني ثلاثة أشهر تقويمية لأداء قدر مماثل من العمل، في هذا السيناريو، يستمر الوقت لكل جيل في الانكماش، ويخضع النظام لعدد كبير غير مسبوق من الأجيال من التحسين في فترة زمنية قصيرة، قفزًا من الأداء دون البشر في العديد من المجالات إلى الأداء الخارق في جميع مجالات الاهتمام تقريبًا.

 

من الناحية التجريبية، إن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن أن تتطور أحيانًا من قدرة ضيقة على المستوى البشري لتضييق القدرة الخارقة بسرعة شديدة.

 

أي تقنية لديها القدرة على إحداث الضرر حينما تستخدم استخدام خاطئ بأنها نهاية الجنس البشري، ولكن مع الذكاء الاصطناعي لدينا مشكلة جديدة، وهي أن الأيدي الخطأ قد تكون في التكنولوجيا نفسها رغم حُسن نوايا مبرمجيها.

 

إن نظام التعلم التلقائي لأجهزة الذكاء الاصطناعي قد تتسبب بسلوك غير مقصود، مما يعني أن أجهزة الذكاء الاصطناعي قد تقوم بإنشاء جيل جديد بنفسها؛ ولكنه قد لا يحافظ على القيم الأخلاقية المتوافقة مع القيم الأخلاقية الإنسانية المبرمجة أصلًا، فمن أجل أن تتحسن هذه الأجهزة تحسّنًا ذاتيًا آمنًا تمامًا... لا يكفي أن تكون خالية من الأخطاء، بل يجب أن تكون قادرة على برمجة أنظمة خلفية خالية من الأخطاء أيضًا، هذه الصعوبات ليست مصدر إزعاج وحسب بل تؤدي إلى كوارث.

 

إن انتشار النصوص والصور ومقاطع الفيديو المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي من الصعب معرفة الحقيقة، وأنه يمكن للدول الاستبدادية استغلال ذلك والتلاعب بالانتخابات، وأنها قد تزيد من قدرات التلاعب المخصصة واسعة النطاق، وأنه يمكن أيضًا استخدامها من قبل الجهات الفاعلة الخبيثة لتفتيت المجتمع وجعله مختلًا وظيفيًا.

 

5- التأثير على القيم الأسرية: الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على القيم الأسرية من خلال تقديم محتوى غير مناسب أو تعزيز أنماط حياة غير متوافقة مع المبادئ الأخلاقية والدينية للأسرة.

 

تطرح كتابات غربية أهمية الذكاء الاصطناعي في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، وترى أن هذا التطور قادر على توفير الدفء لقطاعات من البشر يعانون الوحدة، خاصة من كبار السن، فالذكاء الاصطناعي يوفر الاتصال، والتفاعل، فيطمئن هؤلاء المسنون، فتتبدد وحشتهم، وتتبدد مشاعر الوحدة والانفراد الذي يعانون منه، في حين يؤكد آخرون أن الذكاء الاصطناعي يلازم الإنسان المعاصر منذ لحظة استيقاظه من النوم، مرورا بتناول طعامه، ونظافته، وعمله، وتأمين منزله، ومتابعة الأبناء، وأنه يحقق التواصل بين الآباء المشغولين بالكامل في أعمالهم، وبين أبنائهم، فالذكاء الاصطناعي، من خلال آلاته في التأمين والتتبع والمراقبة والتواصل، يُمَكن الآباء من متابعة تحركات الأبناء وحمايتهم، وتوفير الدعم اللازم في الوقت المناسب، إضافة إلى التواصل الدائم معهم، ومتابعة تقدمهم الدراسي.

 

والحقيقة أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن تفاديه في مجال العلاقات الاجتماعية والأسرية، ونجاحه في الاضطلاع بعدد غير قليل من الوظائف الإنسانية منحه شرعية التوسع والاستحواذ على وظائف جديدة اجتماعية وأسرية، ومن ثم تقليص مساحة التفاعلات البشرية وحصرها في مجالات محدودة للغاية، لم تستطيع الآلات النهوض بأعبائها حتى الآن.

 

هذا التطور يثير تساؤلات فلسفية وإنسانية، حول حدود توغل آلات الذكاء الاصطناعي في الحياة الإنسانية، وأي شيء سوف يتبقى للإنسان بعدما اطلع الذكاء بوظائف الإنسان وواجباته؟

 

من المشكلات التي تهدد الأسرة بسبب الذكاء الاصطناعي، هو فقدان الخصوصية والسرية داخل الأسرة، وبالمفهوم الشرعي “غياب مفهوم الستر” إذ تصبح كل الحركات والسكنات في الأسرة مبثوثة على الانترنت، يمكن مشاهدتها والاطلاع عليها، وهو ما يجعل البيوت لا ستر لها من الداخل في حال حدوث أي اختراق من الهاكرز أو “قراصنة الانترنت”، وبالتالي تنكشف البيوت والأسرار بطرق تؤذي العلاقات الإنسانية والنفسية، ومن ناحية أخرى الانكشاف الحياتي أمام الآلات الذكاء الاصطناعي داخل المنزل من ناحية يخلق إمتنانًا من الإنسان للآلة، فيزيد من اعتماديته عليها، وهو ما يضعف من التواصل الإنساني في الأسرة، ويصرف عاطفة الإنسان ناحية الآلة التي لن تبادله شيئًا من المشاعر، لأنها آلة صلبة ذات قلب حديدي لا حياة فيها.

 

والحقيقة أن التقدم في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتغوله على المساحات الإنسانية، يفرز شعورًا انسحابيًا من العلاقات الإنسانية بشتى أنواعها، فيؤثر الإنسان الوحدة والاختلاء بآلة الذكاء الاصطناعي، فتغيب الروابط الإنسانية، ويتحول الإنسان من كائن اجتماعي إلى ليصبح كائن انعزالي (2).

 

ختامًا:

إن الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فقدان التأثير البشري – ونقص الأداء البشري– في بعض أجزاء المجتمع بالإضافة الى ذلك فان توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يزيد الأنشطة الإجرامية والخداعية، مثل الاحتيال الإلكتروني، والاختراقات السيبرانية، والتضليل الإعلامي، والتلاعب بالأسواق الاقتصادية، وغيرها من الأنشطة غير القانونية وغير الأخلاقية ويمكن للمتسللين والجهات الخبيثة تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لتطوير هجمات إلكترونية أكثر تقدمًا، وتجاوز تدابير الأمن، واستغلال نقاط الضعف في الأنظمة. وللتخفيف من هذه المخاطر الأمنية

 

قد يؤدي الإفراط في الاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى فقدان الإبداع ومهارات التفكير النقدي والحدس البشري، وإن إن الاعتماد المتزايد على الاتصالات والتفاعلات التي يقودها الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انخفاض التعاطف والمهارات الاجتماعية والاتصالات البشرية.

 

من الضروري وضع قوانين رادعه تحمي الأطفال من المحتوى الضار أو الانتهاكات التي قد تحدث عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.

 

لا بد على المدرسة والأسرة إشراك الأطفال في النقاشات حول كيفية استخدام التكنولوجيا، مما يمنحهم صوتًا ويعزز من شعورهم بالمسؤولية (3).

***

---------------

(1) الذكاء الاصطناعي.. هل يمكنك أن تأتمنه على أطفالك؟ الجزيرة نت.

(2) الأسرة والذكاء الاصطناعي/ إسلام أون لاين.

(3) مخاطر الذكاء الاصطناعي على المنظومة الأخلاقية للطفولة/ مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية/ جامعة مؤتة، الأردن.