عقيدة الأسرة المسلمة في رمضان بين الهدم والبناء
إن شهر رمضان الكريم هو شهر التقرب إلى الله رب العالمين، شهر يُقبل فيه الناس على القرآن، والصلاة، والمساجد، وفعل الطاعات، والتزود من الحسنات، فهو شهر رحمة ومغفرة.
في هذا الشهر تزداد أواصر العقيدة الإسلامية بين المسلمين؛ وذلك لقربهم من ربهم، وتعلقهم بدينهم، فكان لا بد من الطبيعي أن تزداد أواصر تلك العقيدة التي ازدادوا قربًا منها في رمضان، وازدادوا تمسكًا بها في رمضان، فكان من الطبيعي جدًا أن تقوى رابطة العقيدة بين المسلمين، فلا ينظرون إلى النوع أو اللون أو الجنس أو العرق أو المصر، إنما إلى العقيدة المسلمة.
وقد علم أعداء هذا الدين أن قوة هذه الأمة إنما هو في تمسكها بدينها، وتحركها بعقيدتها؛ لذا فهم لا يدخرون أي وسع في هدم تلك العقيدة، وخاصة في هذا الشهر الكريم، الذي يزداد فيه المسلمون تمسكًا بعقيدتهم وقربًا من ربهم.
وهؤلاء المحاربون لدين الله لم يختاروا فئة معينة من المسلمين، أو شريحة بعينها فقط دون الأخرى، إنما خاطبوا الجميع، بمعنى أدق، إنما أرادوا الأسرة المسلمة كلها، المرأة والرجل، الابن والبنت، وأما عن كيفية محاربة العقيدة الإسلامية للأسرة المسلمة فإن هؤلاء الأعداء أصبحوا بارعين في زحزحة الأسرة المسلمة عن عقيدتها، وخاصة في رمضان، فهناك البرامج التي تسمى ترفيهية أو برامج كوميدية، وهي تحتوي على كل ما يخالف مُسلّمات تلك العقيدة المسلمة، فضلًا عن مكارم الأخلاق، فهذه البرامج قائمة على ترويع المسلم لأخيه المسلم، إلى درجة قد تصل في بعض الأحيان إلى حد تيقن الموت، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم لأخيه المسلم، وهذه المواقف إذا حدثت لبعض ضعاف القلوب أو بعض المرضى المعينين فإنما ستودي بحياتهم فورًا.
وهناك أيضًا بعض البرامج الكوميدية التي تقوم على اختلاق مشكلة خطيرة بين المرأة وزوجها، مفادها أن الزوج قد تزوج على زوجته، وهي تشاهده وهو يسير أمامها بزوجته الجديدة المخادعة.
وهذا كذلك من أخطر ما يكون؛ حيث إن فيه استهزاء صارخ برابطة الزوجية، والتي هي من أقوى الروابط التي يجب الحفاظ عليها، وعدم المساس بها أبدًا، حيث إن قوام الأسرة المسلمة قائم على هذه الرابطة، إلا أن مثل هذا البرنامج يجعل الاستهزاء بمثل تلك الرابطة بهذه الطريقة أمر لا بأس به، ويجلب الفكاهة والضحك.
وهم بذلك يوهنون تلك العلاقة المقدسة؛ بل وقد يحدث أن تنفك تلك العلاقة بين الزوجين بسبب هذا الموقف المفبرك، ولكن هذا لا يحدث مع من يستضيفونهم؛ لأنهم يختارون تلك الطبقة العالية، تلك الطبقة الباردة الدم، مثل طبقة امرأة العزيز وعزيز مصر، حالهم دائمًا في تلك الأمور التي تمس الأسرة وكرامتها وعرضها: أعرض عن هذا واستغفري لذنبك، وكأن شيئًا لم يحدث، وإنما مكمن الخطر فيمن يتلقى هذه البرامج ويحاول أن يطبقها مع زوجته، وهم من المسلمين العاديين متوسطي الحال، وهؤلاء غير باردي الدم أو متبلدي الإحساس، وهنا تقع الطامة والمصيبة، التي لا يستطيع كثير من أبالسة الجن أن يقوموا بها، ألا وهي التفريق بين المرء وزوجته؛ بسبب فكاهة سخيفة رآها في برنامج سخيف ساخر.
ثم هناك كذلك المسلسلات التي يجعلونها خصوصًا في رمضان، فهناك مسلسل يتحدث عن العلاقات الجنسية للرجل والمرأة بعدما طعنوا في السن، وأصبحوا أجدادًا، ومسلسل آخر يتحدث عن الفتى الفقير الذي يحب جارته الفتاة بسيطة الحال مثله، وكيف أن الزمان يجور عليهما ولا يُكتب لهما أن يكونا معًا، فيلجأ إلى أعمال العنف والبلطجة حتى يظفر بما يريد، وغير ذلك من المسلسلات التي تسير على نفس المنوال، كلها تدعو إلى إزالة الحدود التي وضعها الإسلام بين الذكر والأنثى، إن هذه المسلسلات التليفزيونية تدعو إلى الفحش في العلاقة بين الرجل والمرأة، بين الشاب والفتاة، وهو ما يترسخ فورًا في أذهان الأطفال، والغلمان، والجواري، والفتيان، والفتيات، والشباب، والشابات، والرجال، والنساء، ثم يتحول بعد ذلك إلى شيء عادي، يمكن تطبيقه على أرض الواقع.
ثم بعد ذلك هناك البطولة الرياضية، التي تسمى بطولة كأس العالم، والتي تُلهي الملايين من شباب المسلمين؛ بل وشابات ونساء المسلمين كذلك، فهذه البطولة تأتي في شهر رمضان، وموعد مبارياتها يتزامن مع موعد صلاة التراويح في كثير من الأحيان، وكذلك يتزامن أحيانًا موعد تلك البطولة مع اعتداء العدو الصهيوني المحتل على أهلنا في فلسطين، حيث يقوم بالقصف وقتل أهلنا هناك في غزة، وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، وهدم المنازل فوق رءوسهم.
تخيل كل هذا يحدث والأسرة المسلمة مجتمعة أمام التلفاز، إما تشاهد برنامجًا من تلك البرامج (الكوميدية)، أو تتابع مسلسلًا من المسلسلات التليفزيونية، وتشاهد مباراة في (بطولة كأس العالم)، ولا بأس بتضييع صلاة التروايح!، ولا بأس بقتل إخواننا على أيدي العدو الصهيوني!، فأين عقيدة الولاء والبراء؟، أين عقيدة الحب في الله والبغض في الله؟، أين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم: »مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى« [صحيح مسلم (2586)]، وأين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» [صحيح مسلم (2585)].
إن الأسرة المسلمة يجب عليها أن تكون متداركة لكل ما يراد لها، ويحاط بها من فتن وشبهات، فالمؤمن كيّس فطن، وليس إنسانًا ينساق وراء كل ناعق وكل فاسق، فلا بد لهذه الأسرة المسلمة أن تسير على نهج ربها، وأن تتمسك بعقيدتها، وما تقتضيه تلك العقيدة منها.