logo

الأسرة في زمن كرونا


بتاريخ : الثلاثاء ، 23 ذو القعدة ، 1441 الموافق 14 يوليو 2020
بقلم : تيار الاصلاح
الأسرة في زمن كرونا

يبدو أن هذه الأزمة خُلقت لتكون فرصة لاستعادة الأسرة مفهومها القديم في الترابط الأسري الوثيق، وهي خطوة لنا في التواصل والانسجام مع أبنائنا عن قرب، والاجتماع معهم لفترة طويلة، وهذا ما يساعد في غرس وتعزيز القيم والآداب التي تلاشت في مجتمعاتنا في الفترة الأخيرة، خاصة مع تنامي التكنولوجيا الحديثة وتدخلها السافر في تغيير نمط الحياة العامة والخاصة، وتطويع العقول لثقافات دخيلة واستغلال العقول في الترويج للباطل وتزييف الحق.

إن الوجود الدائم في المنزل في ظل التباعد الاجتماعي وفق ما اقتضته الظروف الراهنة ينبغي ألا يؤثر على العلاقة الزوجية، وذلك في ظل وجود الأزواج في المنزل معًا طوال الوقت تقريبًا، ما يتطلب أهمية إرساء أطر تفاهم بين الزوجين، الأمر الذي من شأنه تعزيز العلاقات الزوجية وتقويتها وفتح حوارات بين أفراد الأسرة تسهم في تعزيز منعتها ومنعة أفرادها، وتوفير علاقة أسرية صحية وسليمة بينهم، وخلق حالة من القيم العائلية الإيجابية النموذجية لتحويل التحديات إلى فرص؛ وليكون استثمار أمثل للوقت دونما عناء أو ضياع.

نحتاج لتعظيم القيم العائلية في كل الأوقات وخصوصًا في زمن كورونا؛ فحالة التصالح والقرب العائلي ضرورية لخلق جو عائلي مليء بالبهجة والسرور والتخطيط للمستقبل على سبيل الخروج من جو الكآبة والملل؛ ولهذا فالميل العاطفي ضرورة للسعادة والهناء.

بل إن البعض رأى فيه فرصة لإعادة صياغة العلاقات الأسرية فيما بينها، وتوزيع الأدوار كما يجب، أو بتعبير آخر فرصة للتعرف على بعض من جديد، لأن زحمة الحياة ومشاغلها ألهت أفراد الأسرة عن أدوارهم الحقيقية وبعدت المسافات بينهم.

تواجد الوالدين في العزل المنزلي يخلق حالة من الشعور عند الرجال تحديدًا بأن المرأة تعمل أشغالًا شاقة؛ وخصوصًا إن كانت عاملة أصلًا؛ فيشرع بمساعدتها في قضاء أعمال البيت؛ وهذه المساعدة تكون من القلب لخلط العاطفة كشعور قلبي مع التعب البدني المطلوب لإنجاز يوميات العمل المنزلي.

ويراعى الجانب العمري للأبناء، بحيث يمكن تنمية مهاراتهم وتعزيزها، والحرص على عدم إعطاء حيز كبير من وقتهم للتكنولوجيا، والحرص على دخولهم المواقع المخصصة للتعليم والمتابعة معهم، والاجتماع لمناقشة نفسياتهم، وأيضًا لا بد من وضع برامج للترفيه والمسابقات؛ ليخرج الأبناء من هذه الأزمة بنفسية سليمة.

وتختلف العلاقات الأسرية من أسرة إلى أسرة، وتعتمد طبيعتها على العلاقة بين الزوجين ومدى انسجامهما؛ لذا ننصح بضرورة تفادي المشاحنات الأسرية عبر توفير أجواء إيجابية تخفف من التوتر مع ضرورة احترام الخصوصية بين أفراد الأسرة، وتوفير أجواء بعيدة عن الرتابة والروتين في المنزل في ظل الظرف الحالي، فالأسرة الذكية ستتمكن من خلق أجواء مختلفة.

وللحفاظ على العلاقات الزوجية خلال فترة الحجر الصحي ينصح الخبراء بالحد من متابعة أخبار الفيروس بشكل متواصل والاكتفاء بنصف ساعة في الصباح والمساء، والحصول على المعلومات حول انتشار الفيروس من وزارة الصحة، والتواصل عبر الهاتف ومنصات التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء والأقارب للحصول على دعم اجتماعي.

ويُنصح بالحصول على قسط كاف من النوم خلال الليل لتقوية جهاز المناعة، وتناول غذاء صحي جيد، ناهيك عن ممارسة الرياضة خاصة في حديقة المنزل أو المساحات المفتوحة في البيت للحصول على هواء نقي، والأمر لا يقف هنا بل عليك تقسيم يومك بين الأشياء التي تريد القيام بها كتخصيص وقت للقراءة ووقت لمشاهدة التلفاز ووقت للاستماع لشريكك، وتحديد موعد جلوس العائلة سوية على مائدة الطعام وغيرها من الأمور التي تغني يومك.

وتوزيع الأدوار لكل فرد من الأسرة مثلًا من يذهب لابتياع حاجيات المنزل، ومن ينظف المنزل ومن يطبخ، أما من يتوجب عليه العمل من المنزل ويرغب في الحصول على جو هادئ مناسب للعمل عليك التفرد بغرفة والعمل فيها بعيدًا عن صخب العائلة، وبخصوص الأطفال يتوجب على الأهل أن يكونوا بديلًا عن المدرسة كمتابعة دروسهم وربما مشاهدة برامج تعليمية سوية.

ويرى الباحثون أن التباعد الاجتماعي المفروض على الجميع نتيجة للاحتراز من وباء الكورونا، والامتناع عن الزيارات بين الأهل وأسرهم وبين الأصدقاء فعليًا؛ قد فرض نوعًا آخر من التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي وفرت إلى حدٍ ما مهام الاطمئنان على بعضنا البعض، في حين أن هذا التباعد القسري مع الآخرين كان له نوع آخر من التقارب بين أفراد الأسرة الواحدة، بل ربما نستطيع القول إنها قوّت العلاقات بين الأب وأولاده ومشاركته لهم في الحوار والمناقشات واللقاءات على طاولة الطعام، والمشاركة معًا في الأنشطة، بعدما كان الجميع قبل الكورونا لاهيًا بنفسه وأعماله وزياراته التي قد تحرمه من الالتقاء بأفراد الأسرة في الأيام العادية.

بل ما نلمسه الآن أن الأقرباء أصبحوا أكثر حرصًا على السؤال عن أقاربهم، عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، القريبين أو البعيدين، وهذا ما قوى العلاقات والروابط الأسرية.

وتشير بعض الدراسات إلى أن معدل الجرائم والعداوة قل معدلها عن السابق، وكذلك المشاحنات بين أفراد الأسرة الواحدة، وما يقال عكس ذلك فهي شائعات يراد بها تضليل الناس.

استراتيجيات التكيف مع المرحلة:

إنّ استراتيجيات التكيف في هذا المجال تتضمن استراتيجيات إيجابية، معرفية وعاطفية وسلوكية، من خلال التركيز على تغيير الأفكار السلبية والتحكم بالانفعالات والمشاعر السلبية، والقيام بأفعال سلوكية تملأ وقت الفراغ بكل ما هو مفيد للفرد مما يساعده على  الابتعاد عن المشكلة الأساسية والتي هي الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي وربما تركه المؤقت للعمل، وقضاء الوقت في البيت مع العائلة، كما أن التكيف يبين للفرد الاستجابات الطوعية والإرادية للموقف الذي يعيش فيه حاليًا، فيجعله مدركًا بشكل عقلاني لكل ما يمر به دون أن تتحكم به نوازعه اللاواقعية، التي قد تجرّه إلى أماكن لا تحمد عقباها من الضغوط النفسية التي قد تؤدي لاضطرابات نفسية محددة أهمها القلق والتوتر والاكتئاب.

وبما أن القلق يتزايد في حياة الأفراد خاصة مع الظروف الطارئة، فاستراتيجيات التكيف تستخدم بشكل فعال عندما تفشل استراتيجيات أخرى كالقيام بمهمات معينة، وحينها قد يشعر الفرد بتعب جسمي عام وعدم القدرة على ضبط انفعالاته، وقد تؤدي هذه العوامل إلى تقليص القدرة على العمل المنتج.

ويمكن أن تظهر تفاعلات التوتر والقلق والاكتئاب بطرق متنوعة جسدية ونفسية وعاطفية وسلوكية لأي فرد على الشكل التالي:

الأعراض الجسدية: الصداع، شد الرقبة، مشاكل الجهاز الهضمي، إلخ… مشاكل النوم، انخفاض الشهية، انخفاض الطاقة، والتعب، إلخ.

الأعراض النفسية والعاطفية: المخاوف المتعلقة بالفيروس وانعدام الأمن، الشعور بالارتباك من الأحداث والعجز، الأفكار التي لا تعكس الواقع دائمًا، الرؤية السلبية للأشياء أو الأحداث اليومية مشاعر الإحباط وعدم الأمان والحزن والغضب، إلخ.

الأعراض السلوكية: صعوبة في التركيز، التهيج والعدوان، البكاء، الانسحاب والعزلة، صعوبة في اتخاذ القرارات، زيادة استخدام الكحول والمخدرات أو الأدوية، إلخ.

وبشكل عام، من الممكن التغلب على ردود الفعل على التوتر والقلق والاكتئاب من خلال بعض الطرق السلوكية والتغيير في العادات اليومية والأفكار، ومع ذلك، قد يستمر بعض من القلق لدى البعض لأسابيع أو أشهر، وحتى أكثر، فيما يلي مؤشرات على تدهور الحالة الصحية، وقد تعني هذه المؤشرات أن الفرد لم يعد قادرًا لوحده على التحكم بمخاوفه بشكل يومي وأنّه بحاجة لمساعدة نفسية متخصصة.

حماية النفس:

تجدر الإشارة إلى ضرورة قيام الفرد بكل ما يمكنه القيام به لحماية نفسه وعائلته، بما في ذلك ممارسات النظافة والتباعد الاجتماعي، فالعمل هو ترياق للقلق، وفي الواقع هناك الكثير مما يمكن للأفراد القيام به لحماية أنفسهم وعائلاتهم؛ مثل غسل اليدين بشكل متكرر وشامل، وتطهير الأسطح عالية اللمس، وتجنب المرضى، والتأكد من تأمين الإمدادات اللائقة من المواد الغذائية غير القابلة للتلف وغيرها من اللوازم، والبقاء في المنزل قدر الإمكان.

 حماية المجتمع:

لا بد لكل فرد القيام بدوره في حماية مجتمعه، سواء من خلال مساعدة الجيران الأكثر ضعفًا أو البقاء في المنزل، كما يمكن للفرد أيضًا اتخاذ إجراءات لمساعدة مجتمعه، سواء كان ذلك من خلال مساعدة جار مسن في الحصول على مواد البقالة أو التبرع بالدم.

والبقاء في المنزل هو بحد ذاته مساعدة للغير، ولأن الأشخاص عديمي الأعراض يمكنهم حمل ونشر الفيروس، فالخيارات التي يتخذها الأفراد حول المكان الذي يذهبون إليه يمكن أن تحدد الفرق بين الحياة والموت لشخص آخر، من هنا وجب التفكير “خارج أنفسنا” وضرورة فهم أن قيود الصحة العامة ليست شخصية.

إن القيام بذلك يمكن أن ينقذ الأرواح في نهاية المطاف.

التفكير الإيجابي:

أن يدرب الفرد نفسه على الرعاية الذاتية من خلال تشجيع التفكير الإيجابي، وكل شخص يمارس الرعاية الذاتية بشكل مختلف، ولكن من المهم ممارسة الاسترخاء والتأمل واليقظة لإعطاء الجسم فرصة للاستقرار وإعادة التكيف مع حالة الهدوء.

وكذلك من خلال إبقاء الأمور في نصابها عندما يكون مرهقًا، وعدم تخيل أشياء غير موجودة، ورؤية الأشياء أسوأ مما هي عليه في الواقع، وتخيل مواقف والقلق بشأنها، وافتراض أن شيئًا سيئًا سيحدث.

قبول ما لا يمكنك تغييره:

من المهم بنفس القدر أن ندرك أن بعض الأشياء هي ببساطة خارج سيطرتنا خلال هذا الوقت، سواء أحببنا ذلك أم لا، بالنسبة للمشكلات التي لا يمكن التحكم فيها أو تغييرها حقًا؛ فلا بد من استخدام استراتيجيات التكيف التي تركز على المشاعر والتي تساعد على إدارة هذه المشاعر، على سبيل المثال، قد لا يتمكن الفرد من التحدث بشأن صحة والديه المسنين، ولكن يمكنه التفكير في استراتيجيات لكيفية التعامل مع هذه العواطف التي لا يمكن تجنبها ومنعها من إرباكه، من هذه الاستراتيجيات المفيدة تدوين ما يزعج في دفتر يوميات، وما إلى ذلك. 

استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية، وتكرار الأفكار الإيجابية يوميًا لتثبيتها بدلًا من تلك السلبية، هذه طرق رائعة للحفاظ على الهدوء، وبعض الناس يفضل إدارة مشاعره من خلال أخذ استراحة قصيرة من مخاوفه في شكل قراءة كتاب أو لعب لعبة أو مشاهدة برنامج تلفزيوني، أو الطبخ أو ربما الصراخ في وسادة.

محاولة الحفاظ على الروتين:

ضرورة الحفاظ على روتين لجميع أفراد الأسرة وخاصة للأطفال، مع أوقات قراءة مقررة وقصص وأنشطة أخرى، وذلك من خلال تحقيق أكبر قدر ممكن من الحياة الطبيعية لهم، هذه الاستراتيجية مهمة للبالغين أيضًا، حيث يكون هناك روتين يومي للقيام بأنشطة مختلفة مثل التنقلات والاستمتاع ومواعيد الطعام.

المبادرة إلى الاستيقاظ المبكر: من المهم تحديد وقت معقول للاستيقاظ في الصباح، حتى بالنسبة للمراهقين.

برنامج تعليمي: من المهم تحديد وقت مهمي لأداء الوظائف التعليمية، فالفائض في الوقت لا بد من استثمار جزء منه في التعلم والتثقيف، لا سيما مع انتشار منصات التعليم عن بُعد والتي يسرت الكثير من الأمور وذللت العديد من العقبات لكل من يبحث عن التعلم.

فمن المهم تحديد ساعة للتعلم الافتراضي في ذلك اليوم، ووضع تذكير عبر الهاتف قبل عشرة دقائق من بدء التعليم.

أما أطفال الحضانات والمدارس الابتدائية، فيمكن تحديد مضامين تعليمية يومية بالتشارك مع الأهل، كراريس تعلّم وكراسات ملائمة لجيل الأطفال، القراءة المشتركة لمضامين إثرائية، التعلم التجريبي (زراعة النباتات في الأصص على الشرفة، والتعلم عن النباتات).

نشاط رياضي: من المهم تحديد ساعة في اليوم لنشاط رياضي مفضل، فعندما لا تتمكنون من الخروج من المنزل، يمكنكم الاستفادة من الكثير من الدروس والأنشطة التي تبثها المواقع المتخصصة، وتنفيذ هذه التمارين والنشاطات في صالون المنزل.

ويجب التأكد من أن هذه النشاطات تتلاءم مع قدرات الأطفال وسنهم.

نشاط عائلي: من المهم تحديد ساعة في النهار لنشاط مشترك.

يمكنكم إعداد وجبة عائلية حيث يتم منح كل فرد في الأسرة دورًا ما في كل مرحلة (تخطيط قائمة الطعام، التحضير، تحضير المائدة، تنظيف المائدة من الأطباق)، واللعب في الحديقة، وألعاب الطاولة، والألعاب القديمة.

ترتيب المنزل: في كل يوم تناط بأحد أفراد الأسرة مهمة واحدة على الأقل، بحسب قدراته، في حيز المنزل: فرز الجوارب، أو كنس الأرض، أو إخراج الأطباق من غسالة الصحون، أو طيّ الغسيل الجاف.

المحافظة على الهدوء والطمأنينة:

سيتفاعل الأطفال مع ردود أفعال والديهم اللفظية ويتبعونها، فما يقوله ويفعله الوالدين بشأن الفيروس، وجهود الوقاية الحالية، والأحداث ذات الصلة يمكن أن تزيد أو تقلل من قلق الأطفال، وهنا لا بد من التأكيد للأطفال أنهم والعائلة على ما يرام، تذكيرهم بأنهم والكبار في مدرستهم موجودون للحفاظ على سلامتهم وصحتهم، مساعدتهم على التعبير عن مشاعرهم وإعادة صياغة مخاوفهم في المنظور المناسب، قضاء وقت أطول معهم، فقد يحتاج الأطفال إلى اهتمام إضافي من قبل الوالدين، وقد يرغبون في التحدث عن مخاوفهم  وطرح أسئلة حول ذلك.

ومن المهم أن يعرف الأطفال أن لديهم شخصًا يستمع إليهم، وإشعارهم بالمحبة ومنحهم الكثير من المودة والعطف.

ويجدر بالأهل تعريف الأبناء على أعراض الفيروس ولو بشكل مبسط، والتأكد من تقديم الحقائق فقط كي لا تؤدي المبالغة لمستوى عالٍ من التوتر، وتذكير الأطفال بأن البالغين يعملون على معالجة هذا الأمر، من خلال منح الأطفال الإجراءات التي يمكنهم اتخاذها لحماية أنفسهم.

في غياب المعلومات الواقعية، غالبًا ما يتخيل الأطفال مواقف أسوأ بكثير من الواقع.

كما يجدر بالأهل في الوقت ذاته عدم تجاهل مخاوف الأطفال، والشرح لهم أنه في الوقت الحالي هناك عدد قليل جدًا من الأشخاص في هذا البلد مصابون بـالفيروس التاجي.

التكيف مع الحجر الصحي المنزلي:

للحفاظ على التوازن بين العمل وردود الفعل، من الضروري وضع خطة أو جدولة وقت للوالدين والأولاد لتناول الطعام، ووقت للعمل، والاستراحات، والاستجمام، والأنشطة الأخرى، والقيام بأعمال منزلية، وما إلى ذلك.

يمكن بهذه الطريقة إدارة نظام البيت والحصول على بعض الوقت الحر.

ومن الممكن قضاء وقت كذلك في العبادة والصلاة في بداية اليوم، حيث يكون هذا الوقت هو الوقت المناسب للعبادة معًا كعائلة.

فالتكيف الصحي هو القيام بكل ما يمكن للفرد لحماية نفسه وعائلته، بما في ذلك ممارسات النظافة والتباعد الاجتماعي والتحقق من مدى استعداده للبقاء في المنزل.

والتكيف المعرفي يتناول التفكير الإيجابي والتركيز على ما هو لدى الفرد الآن، وتحفيز العقل من خلال الأنشطة المختلفة.

أما التكيف السلوكي (النشاطي) فهو القيام بعدد من الأنشطة والمهام المحفزة من خلال التركيز على روتين يومي معين ولكنه روتين مرن وقابل للتعديل.

والتكيف العاطفي يركز على تمارين الاسترخاء والتنفس العميق والتقليل من التعرض لوسائل الإعلام، واختيار الأخبار بعناية من أجل تحديد ما يقلق والعمل على الحد منه، والحصول على الدعم الاجتماعي من خلال البقاء على تواصل مع الآخرين عبر شبكة التواصل الاجتماعي (1).

استراتيجيات عملية من أجل بناء علاقات زوجية ناجحة:

الاستراتيجية الأولى (التغيير): فدائمًا ننصح بضرورة التغيير من نمط الحياة، والتخلص من الروتين القاتل، فقد جاءت هذه الأزمة فغيرت كثيرًا من العادات السلبية، بل إنها غيرت فينا كثيرًا من الأشياء، ولعل هذا التغيير فرصة من أجل التقارب العاطفي والتلاحم الأسري، وفرصة من أجل العودة إلى الله تعالى بالتضرع والعبادة والدعاء، وفرصة للمحاسبة، وهيكلة الأولويات، وتصحيح الخطأ، والانطلاق الصادق إلى البر والخير والمحبة والمعروف.

الاستراتيجية الثانية (التغافل)، فعندما يكون الجو ملبّدًا بالمخاوف والتوتر والقلق والأخبار السلبية، فليس هناك وقت للبحث وراء الزلات أو الهفوات أو تتبع بعض التحليلات السلبية والوساوس الواهية.

الاستراتيجية الثالثة (الإيجابية)، فوراء كل محنة منحة، ووراء كل فشل تجارب، ووراء كل ابتلاء مغفرة ورحمة ونور وبصيرة، ولعل التعامل مع هذه الأزمة بنظرة إيجابية يسهم في إيجاد جو أسري أمن، فالأزمة مؤقتة كما دلت عليها الدراسات، ولن تدوم إلى الأبد، فلا تتخذ هذه الأزمة مبررًا للخلافات والنزاعات.

الاستراتيجية الرابعة (التفاؤل)، فمهما كانت الأحوال، دائمًا الأشواك في البداية والأزهار في النهاية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل، ويأمر بالفأل، ويحث أصحابه على هذه الخصلة الكريمة.

والاستراتيجية الخامسة (التأمل)، فالتأمل في أحوال الغير ومعدلات الطلاق خلال هذه الفترة، يكتشف أن الحالات تكاد أن تكون معدومة، نظرًا للصعوبات والعوائق نحوه، فالطريق إلى الفراق مسدود، والأبواب إلى الطلاق مقفلة، ولعل هذا القرار خفف من الخلافات الزوجية، أو حرك جوانب الرحمة بين الزوجين، أو دفع الزوجين إلى التفكير في حلول أخرى من أجل التخلص من النازعات والمشكلات، ففي ظل أزمة فيروس كورونا المستجد، أصبحت هذه الأزمة الهم الأول أكثر من أي مشكلات أخرى أسرية أو اجتماعية.

الاستراتيجية السادسة (الخصوصية)، فلا يعني الحجر المنزلي التدخل في خصوصيات الطرف الآخر، ولعل هذا التدخل السلبي يشعل نار الخلافات القديمة منها والعقيمة، فامنح الطرف الآخر مساحة من الخصوصية، حتى يشعر بالاستقلالية الذاتية والحرية في الحركة والتحدث والتعامل.

الاستراتيجية السابعة (التقارب)، فهناك التقارب الجسدي والقلوب متآلفة وأخرى قد تكون متنافرة، كما أن هناك التقارب العاطفي والأجساد متباعدة، كأن يكون الزوج في منطقة والزوجة في منطقة أخرى، حال بينها حائل، فأجمل الحالات إذا اجتمع القرب الجسدي، كشعور الزوجين بالأمن والأمان والسكن، مع القرب العاطفي، أي القلبي بالمودة والمحبة والرحمة، وهناك من يتخذ هذا القرب العائلي فرصة لترويض النفس وتربيتها، واجتماع الأسرة على موائد العلم والبر والعبادة، فليس القرب الجسدي يعبر بالاختناق والتنافر والاختلاف، وإنما يعبر بالحب والمودة والانسجام.

الاستراتيجية الثامنة (التجمل)، يفضّل أن تكون العلاقات الزوجية في هذه المحنة تتجمل بالتخلي عن النزاعات والخلافات والجدال العقيم والتصرفات السلبية، كما أنها تتجمل بالتحلية كعملية لتجميل العلاقات، وتزين الروابط بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة والحوار الهادف، وتقديم التضحيات، والعمل معًا من أجل بيئة آمنة راقية متناغمة، التجمل بكل مفرداتها المعنوية أو الحسية، مثل العطر والذوق واللون والرومانسية.

الاستراتيجية التاسعة (الصبر)، ما أعطي عبد خصلة أجمل وأفضل وأعظم من الصبر، والصابر على هذه الأزمة له أجر شهيد، وليس لمن صبر على المصائب جزاء إلا الجنة.

الاستراتيجية الأخيرة (الدعاء)، إن كانت أبواب الأرض مقفلة فأبواب السماء مفتوحة دائمًا، فأكثروا من التضرع إلى الله بالدعاء (2).

_______________

(1) تكيف الأسرة مع الحجر الصحي المنزلي في زمن فيروس كورونا/ مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية (العدد: 63) بتصرف شديد.

(2) حجر «كورونا» يشعل خلافات أسرية بين الأزواج/ الإمارات اليوم.