logo

أين أطفالكم؟


بتاريخ : الجمعة ، 27 شعبان ، 1437 الموافق 03 يونيو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
أين أطفالكم؟

الطفل هو هدية من المولى عز وجل إلى كل أب وأم، فالمولى عز وجل: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:49-50]، فإذا منَّ الله

عز وجل على الوالدين بطفل فعليهما أن يحفظا هذه الهبة والمنة والهدية، وأن يبذلا كل ما في وسعها لأجل تربية صحيحة نقية مؤثرة في هذا الطفل.

 

وإذا ما نظرنا إلى واقع أطفال المسلمين اليوم، فإننا سنجد أن أطفالًا كُثرًا في الإجازة الصيفية لا هم لهم سوى الشارع وصالات الألعاب الإلكترونية، وهكذا غالبًا تمر الإجازة الصيفية على كثير من أطفال المسلمين.

 

وهنا يأتي السؤال المهم: أين أطفالكم من المساجد؟، فالأب يذهب إلى المسجد، وقد يرى ابنه يلعب وهو في طريقه إلى المسجد، فلا يكلف نفسه أن يصحبه معه إلى بيت الله، والأم ترى ابنها وهو يذهب يوميًا إلى صالات الألعاب الإلكترونية، ولا تكلف نفسها أن تأمره بالذهاب إلى المسجد؛ لأجل الصلاة وحفظ القرآن وتعلم الآداب الحسنة.

 

وفي الحقيقة قد يكون السبب في ذلك هو عدم فهم الأب والأم لدور المسجد في تنمية الطفل وتأثيره عليه، وأيضًا قد يكون السبب هو ضجر أهل المسجد من وجود الأطفال؛ لأنهم يشوشون عليهم صلاتهم، وحينها يعزف الأب عن مصاحبة طفله معه إلى المسجد.

 

إن المسجد ليس مكان للعبادة فقط، إنما هو مكان يلتقي فيه المسلمون لأداء عبادتهم، وكذلك يتشاورون في أمورهم التي تخص شئونهم العامة، وفيه يسأل الجار عن جاره، وفيه توصل الأرحام، وفيه يتعلم الصغير من الكبير، وفيه يتعلم الكبار والصغار أحكام الدين، وفيه يحفظ الكبير والصغير كتاب رب العالمين، فالمسجد هو ملتقى رباني يجتمع فيه المسلمون ليرتقوا فيه إيمانيًا وتربويًا، ويتواصلوا فيما بينهم.

 

فإذا نشأ الطفل في مثل هذه الأجواء، فلا شك أن هذا سيؤثر على عقلية الطفل وعلى مدى ارتباطه بالمسجد وبتعاليم دينه، ففي المسجد سيتعلم الطفل توقير الكبير، والاقتداء والنظام حين يصطف وراء الإمام، سيتعلم الطفل الانضباط وطاعة الأوامر من أول مرة، فحينما تقام الصلاة ينصاع المصلين جمعيًا إلى الأمر بالإقامة والتراص في صفوف متساوية.

 

أما السبب الثاني لعدم اصطحاب الأب ابنه معه إلى المسجد، وهو ضجر المصلين من وجود الأطفال؛ لأنهم يشوشون على صلاتهم، فهذا يمكن تلافيه من خلال تعليم الطفل آداب المسجد، واحترام الكبير وتوقيره وطاعته.

 

وعليه فإن الطفل الذي يمكن اصطحابه إلى المسجد هو الطفل الذي بلغ سن التمييز، الطفل الذي علمه والداه أن هذا المكان له قدسية خاصة، وأنه لا يسمح فيه باللهو واللغو واللعب والصياح والضوضاء، وبالتالي يدخل الطفل إلى المسجد وهو مهيأ نفسيًا وفكريًا، فإذا ما وجه إليه نقد من أي أحد، نتيجة لتصرفاته الخاطئة في المسجد، علم الطفل أن هذا كان بسبب تعديه على حرمة المسجد، وأنه لم يطع والديه في هذا الشأن، وليس الأمر أن هذا الشخص الذي انتقد الطفل يكرهه؛ لأن هذا راسخ في أذهان كثير من الأطفال اليوم؛ بل ومازال راسخًا في أذهان كثير من الشباب، على هيئة ذكريات أليمة مع بعض رواد المسجد، الذين كانوا يوبخونهم وهم أطفال، وما ذلك إلا لأن هؤلاء الأطفال لم يعلموا قدسية تلك الأماكن، ولم يتعلموها من والديهم.

 

فإذا ما علمت الأسرة مكانة المسجد ودوره في التأثير على شخصية الطفل، وعلم الطفل من أسرته قدسية المسجد ومكانته في الإسلام، كان لهذا الطفل أن يكون ملازمًا لوالده في ذهابه إلى المسجد.

 

لكن قد يطرأ سؤال مهم، وهو: كيف أجعل طفلي يحب المسجد؟

 

وفي الحقيقة هو سؤال مهم، فكثير من الآباء، على النقيض تمامًا من الصنف الأول الذي تحدثنا عنه، لا يهمل أبناءه، ولا يتركهم في صالات الألعاب الإلكترونية, ولا في الشارع، وإنما هو دائم الذهاب بهم إلى المسجد، ولكنه يخطئ خطًا فادحًا حينما يجعل الطفل يمل من المسجد.

 

وهذا الملل إنما يأتي من تحامل الأب على ابنه، فتجد الأب يأخذ طفله معه إلى صلاة التراويح، وهي صلاة طويلة، والطفل قد لا يتحمل ذلك، ومع ذلك يصر الوالد على ذلك، كذلك يأخذ الطفل معه إلى صلاة الجمعة، وقد تطول الخطبة، وقد يضجر الطفل، وكذلك في الحج والعمرة، وهذه من التصرفات المبالغ فيها من الآباء تجاه أطفالهم؛ ذلك لأن الطفل بتلك الطريقة سيمل من المسجد؛ بل قد يصل الأمر إلى حد الكره، لا قدر الله.

 

وعليه فيجب على الوالد أن يصحب ابنه المميز إلى المسجد، بعد أن علمه احترام المسجد وآداب الصلاة، وألا يصحبه معه في الأوقات التي تطول فيها الصلاة أو المكوث في المسجد؛ حتى لا يمل الطفل، وعلى الوالد أن يختار لابنه شابًا متميزًا يهتم به، ويحفظه القرآن، ويربطه بالمسجد، ويعلمه تعاليم دينه، ولعل هذه من أقوى الأشياء التي تجعل الطفل يحب المسجد، وخصوصًا إذا كان هذا الشاب له أسلوب متميز في محاورة الأطفال والتعامل معهم.

 

كذلك ينبغي لك أيها الوالد أن تُبَيِّن لولدك فضل وأجر الصلاة في المسجد، وأخبره بأنالمشي إلى الصلاة يرفع الدرجات ويحط الخطايا، وأن له بكل خطوه عشرحسنات، وأنه يكتب من المصلين من حين خروجه من البيت إلى أن يرجع، وأنافضل الناس في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، وأن كل خطوه يمشيها العبد إلىالصلاة تحسب صدقه.

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا؛وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء, ثم خرج إلى المسجد, لا يخرجه إلا الصلاة, لميخط خطوة إلا رفعت له بها درجة, وحطت عنه بها خطيئة, فإذا صلى لم تزلالملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه ما لم يحدث, تقول اللهم صل عليه, اللهمارحمه, ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة» [متفق عليه, وهذا لفظ البخاري].

 

ولا تنس الدعاء له, واحذر الدعاء عليه, فلا شك أن لجوء العبد إلى الله،وتضرعه إليه، وسؤاله أن يرزق ولده حب الصلاة، والمحافظة عليها في وقتها،وأدائها في المسجد؛ من الأسباب التي أمرنا بالأخذ بها، فالدعاء بظهر الغيبوأمامه أحيانًا يكون دافعًا للولد نحو المحافظة على الصلاة, وحب أدائها فيالمسجد، واحذر من الدعاء عليه؛ فقد نهينا شرعًا عن فعل ذلك.

 

ولا شك أن كثيرًا من المساجد في الإجازة الصيفية تنشط فيها كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم، وما يتبعها من أنشطة ترفيهية وتربوية وتعليمية، وهذا ما يجب على كل أب وأم أن يهتما به، وأن يقوما بإرسال أولادهما إلى تلك المحاضن الربانية، التي ترتفع بمستوى الطفل إيمانيًا وتربويًا؛ بل وعلميًا أيضًا، لا أن يتركا أطفالهم للشارع ولصالات الألعاب الإلكترونية، فيتعلموا عدم الاحترام وعدم الانصياع لوالديهم، ويتعلموا ما يضرهم ولا ينفعهم.

 

هذا نداء إلى كل أب وكل أم بأن يعلموا أطفالهم طريق المسجد، فمن المسجد تخرج القادة، ومن المسجد تخرج العلماء، ومن المسجد تخرج المفكرون، ومن المسجد انتصر المسلمون.