أيتها الأم .. قبل فوات الأوان
تعيش الفتاة المسلمة في كنف والديها آمنة مطمئنة، طفلة صغيرة مدللة، وفتاة رقيقة مهذبة، ينظر إليها والداها دائمًا بنظرة الحب والحنان، ودائمًا يعتبرانها تلك الفتاة الصغيرة التي لا تفقه من أمر دنياها شيئًا إلا ما علمها إياها والداها.
حتى إذا ما أنهت الفتاة الدراسة المدرسية، وانتقلت إلى الدراسة الجامعية فإن كثيرًا ما تتغير نظرة الآباء والأمهات لها؛ بل وللفتى أيضًا في تلك المرحلة بالذات.
فالابن الذي لا هم له إلا اللعب، والصحبة التي يتنزه معها كل ليلة، ولا يستقطع من وقته لأجل بيته ووالديه، هذا الولد في نظر والديه ما زال طفلًا لا يمكن الاعتماد عليه، حتى إذا ما دلف إلى الجامعة تغيرت تلك النظرة، وأصبح ذلك الشاب الذي يجب أن يحمل جزءًا من أعباء تلك الأسرة، وأن يساهم مع والديه في ذلك.
هذه هي النظرة التي ترسخت في أذهان كثير من الآباء والأمهات، وإن كانت نظرة خاطئة؛ لأن الولد لا بد وأن ينشأ على تلك المعاني والمفاهيم منذ سن التمييز، حتى يصبح رجلًا في سن قريبة، وإلا فلن يكون أبدًا هذا الشخص الذي ينتظر منه والداه النفع والمؤازرة.
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه
وكذلك الأمر بالنسبة للفتاة، فالأم لا تعتني بفتاتها ذلك الاعتناء الذي يجعلها تعي وتفهم ما حولها بشكل صحيح، وإنما هي تعطيها من المعلومات ما يجعلها تتخطى المرحلة التي تمر بها، بداية من بلوغ سن التمييز، مرورًا بما يعتريها من تغييرات جسدية، وكذلك تعليمها متى تجب عليها الصلاة ومتى لا تجب، ومثل هذه الأمور، لكن الأم تغفل عن أمور لا تقل أهمية عن مثل تلك الأمور السابقة.
والأم، غالبًا، لا تتذكر تلك الأمور المهمة إلا على أعتاب الجامعة؛ ذلك لأنها ترى ابنتها حينها تلك الفتاة العروس، التي أصبحت على أعتاب حياة جديدة، حياة الجامعة، والتي ترى الأم فيها دليلًا على أن الفتاة يمكن لها الزواج والارتباط بزوج، فهي لا ترى ابنتها عاقلة راشدة إلا على أعتاب الجامعة، وحينها ترسل لها تلك النصائح والأمور المهمة، التي كان ينبغي أن تقال لها عندما بلغت سن التمييز وأصبحت من النساء.
ذلك لأن الفتاة حين تتلقى تلك النصائح في هذه السن، التي تعتقد هي أيضًا أنها قد كبرت، ولا تحتاج إلى نصيحة أحد، وأنها تستطيع التمييز بين الخطأ والصواب، غالبًا ما ستقابلها بالعناد والعصيان؛ لأنها لم تتعود على مثل تلك النصائح التي تقيد حريتها، وتضيق عليها في ملبسها وفي شكلها، وبالتالي لن يكون لهذه النصائح، في مثل تلك السن، أي وقع على الفتاة، إلا إذا كانت من بيت تربت فيه على الأخلاق والقيم الإسلامية الصحيحة.
إن الأم لا بد وأن تفهم أن من أصعب الأمور التي تمر بها في حياتها هي تغيير خطابها مع ابنتها، حيث لم يعد ينفع معاملتها معاملة الأطفال، فلا تزيد الأم تلك الصعوبة بتغيير هذا الخطاب على وقت الجامعة، بعد أن ترسخ في ذهن الفتاة الكمال والعقلانية، وغير ذلك من المعاني التي تعطيها نوعًا من الكفاية الذاتية، التي لا تحتاج معها نصائح من أحد، أو توجيهات من قريب أو بعيد.
إن الوقت المناسب لتوجيه الفتاة المسلمة ونصحها هو ذلك الوقت الذي تشعر فيه الأم بتغير في تصرفات ابنتها أو ميولها، أو ظهور علامات البلوغ التي تأتي فجأة لتنبه الأم أن ابنتها قد كبرت.
ولا بد أن تعلم الأم أن هذا التغير الذي طرأ على ابنتها يصاحبه تغير في العواطف والأحاسيس والمشاعر والاهتمامات، فليس على الأم فقط تعليم ابنتها أمور الحلال والحرام فقط، وإنما يجب عليها أن توجه ابنتها وتنصحها وتؤهلها لما ينتظرها في مرحلة المراهقة، المليئة بالمعاناة والأزمات والمشاعر المتضاربة؛ حتى تكون الفتاة على بينة من أمرها، تعرف ما يجب عليها فعله تجاه ما يعتريها من تلك الأمور، وكيف تتصرف، وفق تعاليم دينها، في مثل تلك الظروف.
إن الفتاة تمر بتغيرات عاطفية تتزامن مع تغيرات جسدية، وهذا إعلان أن هذه الفتاة لم تعد طفلة تلهو وتلعب؛ بل هي فتاة ناضجة تستعد للقيام بدور الزوجة والأم؛ لذا يجب على الأم أن تُفهم ابنتها أن هذه التغيرات العاطفية، وتلك الأحاسيس الجديدة يجب أن تصب في هذا الهدف وهذا الدور، فالله سبحانه وتعالى جعل ميل كل من الفتاة والشاب إلى بعضهما هو السبيل لإنشاء الأسرة، وعمارة الأرض، وتحقيق مراد الله عز وجل في خلافة الإنسان، ولكن هذا لا يعني أن تسمح الفتاة لكل عابر سبيل أن يعبث بمشاعرها؛ بل عليها أن تُبقي هذه المشاعر مصانة، وأن تحفظها لزوجها في المستقبل.
كذلك يجب على الأم في تلك السن، التي تبلغ فيها البنت سن التكليف، أن تُعلم ابنتها أنها قد أصبحت في عداد النساء، ولم تعد طفلة بعد، وأن هناك ضوابط في التعامل مع أبناء العمومة وأبناء الأخوال، خاصة إذا كانت في بيت عائلي، يعيش فيه أبناء العائلة جميعًا، ولا تتذرع بأنهم قد تربوا مع بعضهم البعض، أو أنهم كالأخوة والأخوات، كل هذا مما يدمر الفتاة مستقبلًا، فإذا ما استمرت الفتاة في الاختلاط بصورة غير شرعية مع أبناء عمومتها، أو أبناء أخوالها، فإن هذا الحاجز النفسي بين الفتاة وبين الفتى عمومًا سينكسر منه الكثير والكثير؛ وعليه، إذا ما التحقت الفتاة بالجامعة فإنها سرعان ما تجد الحديث مع الشباب أمر طبيعي، وإذا ما قيل لها: إن هذا أمر محرم، فإنها تستنكر هذا، حتى ولو كان هذا التوجيه من الوالدين؛ ذلك لأنها قد عايشت تلك التجربة في بيتها، ولم ينكر عليها والداها.
يجب على الوالدين، والأم خاصة، أن تهتم بابنتها في كل كبيرة وصغيرة، وأن تقترب منها وتصاحبها، خاصة عند بلوغ سن التكليف، وأن تعلمها أمور الحلال والحرام، وأن توجهها إلى ما يصلح شأنها، وأن تتعامل مع أحاسيسها وعواطفها بكل حذر، وبكل رفق، ومن أول ظهور هذه الأحاسيس والميول وتلك التغييرات العاطفية والجسدية، وأن تبين لابنتها كيفية توجيه تلك العواطف والأحاسيس، ولمن توجه، وكيف تحافظ عليها وتصون نفسها.