logo

أبناؤك ليسوا كبعضهم


بتاريخ : الأربعاء ، 27 صفر ، 1437 الموافق 09 ديسمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
أبناؤك ليسوا كبعضهم

يخطئ كثير من الآباء والأمهات حين يعاملون أبناءهم معاملة واحدة مماثلة، أو أن يقوم الوالد بإعطاء نصيحة لصديقه في العمل بوجوب اتباع نفس طريقته في التعامل مع الأبناء، كما يفعل هو مع أبنائه، ثم نسمع شكوى الأم من أن أحد أبنائها ناجح في دراسته؛ بل ومتفوق على جميع أقرانه، في حين أن أخاه سيء الفهم والحفظ ومتأخر دراسيًا، والسبب هو معاملة كل الأبناء سواءً بسواء، ولا شك أن هذا خطأ فادح، يقع فيه كثير من الآباء والأمهات.

إن من حكمة الله عز وجل في هذا الكون أنْ خلق الناس متفاوتين مختلفين في كل شيء، غير متشابهين، ولا يوجد اثنان متطابقان من البشر، حتى التوائم المتشابهة، فثمة اختلاف ولا بد، فإن كان هناك تطابق في الجسد والشكل والمظهر، فهناك، ولا شك، اختلاف في طباع النفس والتكوين الوجداني لكل واحد منهما، فالنفوس وخصائص الشخصيات يستحيل أن تتطابق.

"قد خلق الله الناس مختلفي الطبائع والأمزجة لحكمة يريدها سبحانه، لكي تتنوع الحياة البشرية وتثرى، ولا يكون الناس نسخة واحدة مكرورة، وقد اقتضت حكمة الله أن تكون الحياة البشرية متعددة الجوانب، فسيحة الآفاق؛ واقتضت كذلك أن تكون طبائع البشر متنوعة متعددة؛ ليقوم المجموع البشري بمهمة الخلافة، كل من موقعه وزاويته، وكل بالجانب الأبرز في كيانه، فهذا يصلح للسياسة، وهذا يصلح للحرب, وهذا يصلح للفكر, وهذا يصلح للقول, وهذا ذو طبيعة عملية, وهذا ذو طبيعة نظرية...، وهكذا وهكذا تتعدد الطبائع، وتتعدد الوظائف في مهمة الخلافة الشاملة الهائلة" [منهج التربية الإسلامية، لمحمد قطب (2/ 325-326)].

فإذا ما علم الآباء والأمهات أن أبناءهم مختلفون، وليسوا متماثلين أو متشابهين، فإن ذلك يدفعهم إلى محاولة معرفة مداخل كل ابن؛ حتى يحسنوا التعامل معه بطريقة صحيحة، لا أن يتعاملوا مع جميع الأبناء بنفس الطريقة؛ وبالتالي لن يستطيعوا الوصول إلى إقناع الابن وتصحيح مفاهيمه وتعليمه إلا من خلال معرفة المدخل الخاص به.

وهذا ما بينه الإمام الشاطبي في موافقاته حين قال: «وعلى الجملة، فتحقيق المناط الخاص نظر في كل مكلف بالنسبة إلى ما وقع عليه من الدلائل التكليفية، بحيث يتعرف منه مداخل الشيطان، ومداخل الهوى والحظوظ العاجلة، حتى يلقيها هذا المجتهد على ذلك المكلف مقيدة بقيود التحرز من تلك المداخل، هذا بالنسبة إلى التكليف المتحتم وغيره، ويختص غير المتحتم بوجه آخر، وهو النظر فيما يصلح بكل مكلف في نفسه، بحسب وقت دون وقت، وحال دون حال، وشخص دون شخص.

إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزن واحد، كما أنها في العلوم والصنائع كذلك، فرب عمل صالح يدخل بسببه على رجل ضرر أو فترة، ولا يكون كذلك بالنسبة إلى آخر، ورب عمل يكون حظ النفس والشيطان فيه بالنسبة إلى العامل أقوى منه في عمل آخر، ويكون بريئًا من ذلك في بعض الأعمال دون بعض.

فصاحب هذا التحقيق الخاص هو الذي رزق نورًا يعرف به النفوس ومراميها وتفاوت إدراكها، وقوة تحملها للتكاليف، وصبرها على حمل أعبائها أو ضعفها، ويعرف التفاتها إلى الحظوظ العاجلة أو عدم التفاتها، فهو يحمل على كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها، بناءً على أن ذلك هو المقصود الشرعي في تلقي التكاليف" [الموافقات، للشاطبي (5/ 24-25)].

فالإمام الشاطبي بَيَّن أن الناس متفاوتون؛ بل إن بعض الأعمال الصالحة قد تكون غير مناسبة لبعضهم لعلة ما، وعلى هذا فقد يكون السؤال واحدًا والأجوبة مختلفة؛ لتفاوت النفسيات وخصائص كل إنسان، وعلى هذا فقد كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم على السؤال الواحد بأجوبة مختلفة، في أوقات مختلفة، لأشخاص مختلفين، ففي الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله»، قال: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قال: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» [صحيح البخاري (26)].

وسئل عليه الصلاة والسلام: أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها»، قال: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قال: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» [صحيح البخاري (2782)].

وعن أبي أمامة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: مرني بأمر آخذه عنك، قال: «عليك بالصوم، فإنه لا مثل له» [مسند الإمام أحمد (22149)، وسنن النسائي (2220)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (986)].

إلى أشياء من هذا النمط جميعها يدل على أن التفضيل ليس بمطلق، ويُشعِر إشعارًا ظاهرًا بأن القصد إنما هو بالنسبة إلى الوقت أو إلى حال السائل. [الموافقات، للشاطبي (5/ 26-31) باختصار].

وعليه فإن ما يصلح لابن من الأبناء قد لا يصلح لأخيه، وهذا من فضل الله عز وجل وحكمته، فلو كان هناك اثنان متشابهان تمامًا، فهناك واحد منهما لن يكون له أي احتياج، إذ إن أخاه قد قام بما يمكن أن يقوم به هو، وبناءً على ما سبق فإن لكل ابن طريقة يجب أن يعامله والده بها، حيث إن لكل ابن مدخلًا يجب على الوالدين أن يتعرفا عليه، فقد يكون هذا المدخل وجدانيًا، أو ماديًا، أو غير ذلك.

لذلك فمن الخطأ أن يقوم الآباء والأمهات بفرض نوع معين من الدراسة على الأبناء؛ كدخوله القسم المعين في الدراسة الثانوية، أو اختيار جامعة معينة؛ حتى يصبح كأـخيه، وهكذا، وهذا من الخطأ الفادح، فربما تكون قدرات الابن أقل من أخيه، أو أن هذه الكلية نظرية بحتة، وهذا الابن يحب الكليات العملية، على غير ميول أخيه.

ثم إنه من الخطأ مقارنة أحد الأبناء بالآخر؛ لأن هذه المقارنة لا تنتج إلا الحسد والحقد والشحناء والتباغض بين الأبناء، إنما تكون المقارنة بين حاله السابق وحاله اللاحق الذي كان عليه، ثم نثني على إيجابياته.

يجب على الآباء والأمهات أن يتعرفوا على ما يحبه الأبناء، وما يريدونه ويفرحون به، فهذا هو المدخل لإقناع الأبناء والانصياع إلى والديهم، وهو السبيل الناجع لتوجيه الأبناء إلى ما ينفعهم، وما يتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم.