زوجات الإخوة ومشاكل لها حل
«مركب الضراير سارت ومركب (السلايف) غارت»؛ مثل شعبي مصري له انطباعاته في الذهنية المصرية، وهو يعكس العلاقة بين (السلايف) (زوجات الإخوة)، ويصور لنا الحرب الضروس التي قد تشتعل بينهن، وأن زوجة الأخ (السلفة) أخطر من الضرة، وهذا يعمق معاني الكراهية للسلفة قبل معرفتها أصلًا، وبالتالي عندما تتزوج المرأة وتدخل بيت العائلة تصبح متوجسة عند دخول (السلفة) على حياتها، وتحاول بقدر الإمكان تدبير المكائد والحيل لتشويه صورتها، ومحاولة التخلص منها.
وكواقع حي ومثال عملي على هذه المشكلة تحكي إحداهن فتقول: «كنت أتعامل مع "سلفتي" بحب ومودة، ورغم انشغالي في عملي وبيتي، كنت أُحْضِر لها في طريقي الأشياء التي تحتاجها، ولكن الغيرة نشأت لمكانتي عند أهل زوجي، وامتداحهم لي، فبدأت تعد لي المكائد، وتخبر زوجها زورًا أنني أتعالى عليها لكونها غير متعلمة، فكره الأخ أخاه، وكان دائم الشجار مع زوجي لأتفه الأسباب».
بل إن قصص الخلافات والغيرة بين (السلايف) تحكي لنا الأبشع والأفظع من ذلك، فقد طمست الغيرة عقول بعضهن وضمائرهن، وحجَّرت قلوبهن فوصل الأمر إلى قتل ابن سلفتها، انتقامًا منها.
إن الغيرة غالبًا تظهر بين النساء في العائلة الواحدة إذا ما كان هناك مجال للمقارنة أو المنافسة، وأبرز صورها تكون بين (السلايف)؛ لأن كلًا منهن تسعى للتميز والسيطرة وامتلاك قلوب الآخرين، وخاصة الحماة (أم الزوج)، هذه الحقيقة العلمية يؤكدها بعض أساتذة علم الاجتماع، موضحًا أن تنافس (السلايف) بين بعضهن البعض في التباهي بما يملكن من أثاث وملابس أو موارد مالية، وقد يصل أحيانًا إلى الأولاد وتميزهم في مظهرهم وتعليمهم وتربيتهم.
أسباب الظاهرة:
إن هذه الظاهرة لها أسباب عديدة، لعل من أهمها:
أسلوب التنشئة:
إن أسلوب التنشئة يلعب دورًا رئيسًا في صياغة السلوك الإنساني سلبًا أو إيجابًا في علاقة الإنسان بالآخرين، ومن تهيئة البنت وتوعيتها بهذه القيم السلوكية التي ستتعرض لها في مستقبلها، يضاف إلى هذا أن الإعلام مسئول عن تعميق أو تهذيب أو رفض هذا السلوك الذى ينتشر بين الناس ذكورًا أم إناثًا؛ لأن النماذج التي تقدم في المسلسلات والأفلام كثيرًا ما تعمق هذا السلوك السلبي، ومن المؤسف أن بعض الأسر تقف بجوار بناتها ضد (سلايفها)، حتى ولو كانت على خطأ، دون توعية أو تبصير(1).
مشاجرات الأطفال:
الأطفال هم سبب من أسباب المشاكل التي تقع ما بين (السلفات)، فالأطفال عندما يتشاجرون سرعان ما ينتقل هذا الشجار إلى السلفات، وخاصةً إن كانت إحداهن تقلل من قيمة الأخرى، أو تصفها بالإهمال في حق تربية أطفالها.
المقارنة:
وذلك بسبب تميز إحداهن في الجمال الخَلقي أو الخُلقي، أو لزيادة في المال، أو ارتفاع في مستوى النسب، أو درجة التحصيل العلمي، أو حتى للشعور بتفضيل أم الزوج أو والده لواحدة دون الأخرى.
وقد تلعب الحماة (أم الزوج) دورًا كبيرًا في نشوب الخلافات بين (السلفات)، من خلال المقارنة بين ما تفعله كل واحدة منهن، وبالتالي تبدأ الغيرة والمشاحنات، وخاصة إذا أحبّت ابن واحدة منهن وكرهت ابن الأخرى.
الرغبة في نيل المكانة والمنزلة خاصة عند الحماة:
فهناك بعض (السلايف) تعتمد على العلاقة التنافسية للاستحواذ علي الحماة، خاصة إذا كانت الحماة ذات شخصية قوية وحريصة على ألا تفقد ابنها وتصبح خارج نطاق السيطرة, فيحاولن التودد إليها بالتشبه بمظهرها أو مساعدتها في الأعمال التي تقوم بها؛ من أجل أن يسحبوا البساط من تحت أقدام بعضهن البعض, خاصة في المستوى الاجتماعي المنخفض, ولكن إذا ارتفع المستوى الاجتماعي والثقافي فيأخذ التودد إلي الحماة شكل المجاملات.
النميمة ونقل الكلام:
فالنميمة هي نقل الكلام على جهة الوقيعة، أو بقصد الإفساد، وهي من آفات اللسان العظيمة؛ فقد تقطع الأرحام، وتحول بين الإنسان وزوجه، وتفرق بين الأُسر، وتشتت ما بين العائلات، وهي من أخبث وسائل الشيطان للتفريق بين الناس.
وكم قامت من حروب بسبب النميمة، وكلما عظم خطرها واشتدت كبر إثمها وعظم جرمها؛ ولذلك فهي بين الأقارب وذوي الرحم والأصحاب والجيران أشد مما بين البعداء.
واخش النميمة واعلم أن قائلها يُصْليك مِن حرها نارًا بلا شعل
كم فريةٍ صدعت أركان مملكة ومزقـت شــــمل ود غير منفصل
سوء الظن:
فربما تحدثت بعض الزوجات مع سلفتها، وصدر منها كلمة بحسن نية، فتناولها الشيطان وأدارها في عقل سلفتها في صورة قبيحة، فساءت الظنون، وحُملت الكلمة على محمل سيء، أو حُمِّلت ما لم تحتمل؛ فاشتعلت نيران الحقد في القلوب، بسبب سوء الظن الذي نهانا عنه الشرع الحكيم، فقال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث»(2).
على طريق الحل:
من المؤكد أن تجنب وقوع مثل تلك المواقف أو محاولة تهدئة الأجواء أمر يساعد على استقرار الحياة الزوجية نفسها؛ لذا على كل منهما (السلفتين) أن تراعي مشاعر الأخرى، وتعاملها كما تحب أن تعامل من جانبها، ومراعاة عدة أمور قد تجعل الأمور أهدأ وأسهل:
1- الرضا والإيمان بما قدره الله للإنسان من مقومات في شخصيته وفي ظروفه الاجتماعية، من الفقر أو الغنى.
فالمرأة إذا ما تحلت بهذا الوعي، وامتلكت قناعة الرضا بالمقسوم فإنها ستعتزل الغيرة الذميمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس»(3).
2- البعد عن المقارنة بين الزوج وأخيه، فلكل شخص إيجابياته وسلبياته، والأفضل دائمًا شيء نسبي، فما يعجب البعض قد يرفضه الآخرون، وهكذا.
3- الجزء الذى يبدو من حياة كل شخص أمام الآخرين ليس دائمًا الحقيقة، وإن كان فهي دائمًا منقوصة، إذن لا يجب أن نصدر أحكامًا أو نأخذ انطباعات عن أشياء لا نعلمها كاملة.
4- على كل امرأة أن تعتني بشأنها وشأن بيتها بدلًا من أن تضيع وقتها في الانشغال بحياة الآخرين، حتى وإن كانوا من أقرب الناس لها ولأسرتها.
5- حسن معاملة الحماة واحترامها، بغض النظر عن شكل علاقتها ب(السلفة)، سواء كانت قوية أو سطحية، ومهما حاول البعض أن يستخدم تلك العلاقة للتأثير على الزوجة عليها أن تحافظ على علاقة متزنة ومحترمة بوالدة الزوج.
6- يجب أن تكون التصرفات نابعة من الزوجة، وليست ردود أفعال لما تقوله وتفعله (السلفة)؛ بل على المرأة هنا أن تكون قدوة في حسن الخلق، وعدم الاستسلام لفكرة الجذب والشد بينهما.
7- عند زيارة منزل أخ الزوج على المرأة أن تكون مقدمة على الذهاب، ولا تبدي أي امتعاض، فتلك صلة رحم يجب أن تكون فيها الأم والزوجة قدوة لأطفالها وللآخرين أيضًا.
8- احترام خصوصية هذا البيت، فلا تتنقل الضيفة فيه بحرية، فمهما كانت العلاقة قوية أو دافئة إلا أن وجود حدود في التعامل يحافظ على العلاقة ويفيدها أيضًا.
9- عدم الدخول إلى أي غرفة داخل بيت (السلفة) إلا بعد الاستئذان؛ كغرفة المعيشة أو المطبخ أو الحمام، أما غرفة نومها فهي ممنوعة تمامًا إلا في حالات معدودة للضرورة فقط.
تلك الخصوصية يجب أن تكون صفة أساسية في تلك العلاقة، فلا تحاول المرأة لأي سبب أو بأية وسيلة أن تعرف معلومات عن حياة (سلفتها) أكثر من المتاح لها.
10- عدم انتقاد تصرفاتها أو ملابسها أو طعامها، والأفضل قول المجاملة في حدود اللائق دون مبالغة.
11- عدم السؤال لأى سبب عن أمر ليس من شأن المرأة أن تسأل عنه، فيضعها في موقف محرج قد يكون الرد عليه قاسيًا.
12- في حالة حدوث أي مشكلة بين كلا (السلفتين) يجب على كل منهما عدم تصعيد الموقف أو اقحام الزوج في هذا الشأن، وإنما الأفضل هو التعامل بصبر وحكمة؛ لأن تلك علاقة طويلة الأمد، يصعب الاستهانة بها أو التعامل كذلك معها بحدة، فتتصاعد الأزمة وتستمر طويلًا.
13- إدراك أن علاقة كل منهما بالأخرى علاقة متساوية، فكل منهما يجب أن تعامل الأخرى كما تود أن تعاملها (سلفتها)، وتلك أسهل السبل لمعرفة كيفية التصرف خلال المواقف المختلفة(4).
14- على المرأة ألَّا تحاول التدخل في خصوصيات سلفتها إلا إذا سمحت لها بذلك، فلا تقدم لها المشورة إلا إذا طلبت هي ذلك، وكذلك عدم إبداء رأيها في تصرفاتها أو في ملابسها أو طعامها إلا إذا طُلِب منها ذلك.
_________________
(1) مقال: مركب (السلايف) غارت، ولاء يوسف، موقع جريدة الأهرام، العدد:46246.
(2) رواه البخاري (6064)، ومسلم (2563).
(3) رواه أحمد (8095).
(3) حدود التعامل بين (السلايف)، ماجي الحكيم، بتصرف، موقع: اليوم السابع.