logo

أبناؤنا والتلفاز


بتاريخ : الأربعاء ، 21 جمادى الأول ، 1439 الموافق 07 فبراير 2018
بقلم : تيار الاصلاح
أبناؤنا والتلفاز

إن أخطر أنواع الإعلام الحديث هو التلفزيون؛ إذ زاحم الأسرة في توجيه أبنائها وبناتها وذلك بجاذبية مدروسة، وغزو مستورد، وشياطين الإنس تؤزّه لهدم كل فضيلة.

وإذا علمنا أن كثيرًا من الأسر قد تخلت عن دورها نهائيًا في مهمة التربية العقدية والفكرية، وأسلمت أبناءها للتلفزيون يصنع بهم ما يحلو له؛ من التوجيه وغرس المفاهيم والعقائد المغايرة، في كثير من الحالات، لعقائدنا وحضارتنا؛ لقدّرنا حجم التغير الذي حل بنا، والخطر الذي يتهددنا.

فعند مشاهدة الطفل للتلفاز يتلقى الكثير من المعلومات والقناعات، سواء كانت المادة التي يشاهدها جيدة أو رديئة، وهنا يجب الحذر؛ لأنه في غمرة انشغال الوالدين قد يقعا في خطأ كبير، وهو ترك الأبناء لساعات طويلة أمام التلفاز، سواء للتخلص من إزعاجهم أو بغرض تمضية الوقت، وهذا لا شك له أضرار كبيرة على الطفل.

لقد بات الأطفال على قدر كبير من الوعي والثقافة بمعطيات العصر، وأصبحوا يطالبون بالكثير مما لم يكن السلف يفكر فيه أو يخطر لهم على بال، ويبدو أنه من الضروري اللجوء إلى إشباع رغبات الأطفال في الاطلاع على بعض الوسائل الإعلامية، عبر فلترة ما يقدم لهم.

ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: «أما برامج الصغار وبعض برامج الكبار فإنها تبث روح التربية الغربية، وتُرَوِّج التقاليد الغربية، وترغب بالحفلات والأندية الغربية»(1).

سلبيات متابعة الأطفال للتلفاز:

هناك العديد من المحاذير الشرعية والأمور السلبية التي تنطلق من الوسيلة الجذابة، ومن بين الأمور السلبية العديدة التي ينطوي عليها متابعة الأطفال لبرامج التلفزيون، وخاصة الرسوم المتحركة:

1- إعاقة النمو المعرفي الطبيعي: ذلك أن المعرفة الطبيعية هي أن يتحرك طالب المعرفة مستخدمًا حواسه كلها أو جلها، ويختار ويبحث ويجرب ويتعلم: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا} [النمل:69]، لكن التلفاز يقدم المعرفة دون اختيار ولا حركة(2).

2- ضياع الوقت وإهداره فيما لا ينفع: إن ما يعرض على شاشة التلفاز، من برامج الأطفال وما يصاحبها من إغراءات ومغامرات وقصص الخيال وغيرها، مما يسحر عقل الطفل ونظره، وقد نجحت في سلب كثير من أوقات الأطفال، خاصة في تلك السنين الأولى التي ينضج فيها عقل الطفل ونموه.

إن شاشة التلفاز فعلًا أخذت من أوقات أطفالنا الشيء الكثير، وأصبحوا أسرى لما يبث من مشاهد وبرامج على تلك الشاشة الجذابة، وصار ذلك الوقت مما يحسب سلبًا على صحتهم وفكرهم وحياتهم بشكل عام، ونحن بذلك الوضع نشارك في إيقاع الظلم على أطفالنا وأوقاتهم الثمينة خاصة، ونحن نعلم عن قيمة الوقت، وحرص شريعتنا الغراء على الاهتمام به، وأن المؤمن مسئول أمام الله عنه ومجازًا به، فكيف إذًا نربي أطفالنا على هذه القيمة الهدامة وهي: ضياع الأوقات فيما لا ينفع، ونحن نعلم أن أمامهم مستقبلًا يريد منهم جل أوقاتهم، وأمة ترقب من يتواصل مع منجزاتها ومشاريعها البناءة.

3- نشوء الأمراض النفسية والجسدية: إن مواجهة الطفل لشاشة التلفاز لأوقات طويلة يعرضه لأمراض نفسية وجسدية متعددة، وتختلف هذه الأمراض باختلاف مدة مكوث الطفل أمام الشاشة وقربه وبعده منها، وتأثره لما يعرض فيها من عدمه، ومن تلك الأمراض حصول القلق والاكتئاب والشيخوخة الكبيرة، والتي تنتج من التعرض للموجات الكهرومغناطيسية المنبثقة من شاشة التلفاز، إضافة إلى ما يحصل من أضرار جسمية؛ كزيادة الوزن، وترهل العضلات، وآلام المفاصل والظهر.

4- زيادة معدل الخوف: وذلك نظرًا لزيادة المشاهد المرعبة على شاشة التلفاز (دماء - جرحى – قتلى – أسلحة - حيوانات مفترسة – أشباح... إلخ)، وكل ذلك يولد لدى الطفل شعورًا بالخوف المتكرر والدائم أحيانًا، وينزع منه الأمان الذي يستحق أن يتمتع به؛ بل هو حق واضح على الوالدين خاصة، والمجتمع بشكل عام، أن يمنحوه أطفالهم، ومكوث الطفل أمام هذه الشاشة باستمرار يجعله يُؤمن بطبيعتها، وأنها حتمية الحصول؛ فتؤثر على مسيرته المستقبلية وشخصيته القادمة، الأمر الذي يصاب، من خلال ذلك الشعور، بالازدواجية في الشخصية، والعقد النفسية المتكررة، وهي تنمي فيهم أيضًا الصفات السلبية؛ كالحقد، والكراهية، وحب الانتقام.

5- فقدان الثقة لدى الطفل: إن الطفل وهو يشاهد تلك الأفلام، التي أخذت طابع العنف والاستبداد والقتل والخيانة، تكوّن له نظرة سلبية تجاه أسرته ومجتمعه؛ مما يؤدي إلى نزع كل أواصر الثقة وحبال الظن الحسن مع الجميع، ويبدأ يتلبس بلباس الشك معهم، وهذا يعني أيضًا أن كراهيته لكل ما حوله قد تتكون من خلال ذلك الشك والظن السيئ بأفراد مجتمعه، وقد يتسبب الوالدان في حصول ذلك الشعور السيئ، وهما بذلك يناقضان أهم أعمالهم الموكولة إليهم تجاه التربية؛ ألا وهو بناء الثقة في نفوس أطفالهم، وإشعارهم بأهميتهم، وإبعادهم عن أجواء الشك وإساءة الظن.

6- تبلد مشاعر الطفل وعدم مبالاته لكل من حوله: وعدم الاكتراث بكل ما يقدم له من أهله أو أقرانه، ودوام إحساسه بعدم أهمية ما يُفعل لأجله أو ما يواجهه في حياته.

إن ما يراه الطفل من صور ومشاهد على شاشة التلفاز تساعد على جذب كل حواسه وآلياته ساعات طويلة، وعلى فترات مختلفة، ومن صور ذلك التبلدِ وعدمِ المبالاة عدمُ سماعه لمناداة والديه له، وعدم إحساسه بكل ما يقع حوله أو يتحرك، إضافة إلى عدم اهتمامه بأدواته وأغراضه الشخصية، وعدم ترتيبه لها، وفوضويته في حياته.

7- الإقدام على تناول التدخين أو المخدرات أو السموم وغيرها: ففي كثير من المشاهد التي تعرض، وللأسف الشديد، تظهر التدخين على أنه حل سريع ومهم للقضاء على المشاكل النفسية والهموم الاجتماعية، وهناك أيضًا من المشاهد ما يعرض المخدرات بأنواعها، وكيفية بيعها وشرائها وترويجها، وأيضًا كيفية تعاطيها، وما يصور من أنّ من يتناولها يعيش في عالم آخر سعيد، وكل تلك المشاهد يتقبلها عقل ذلك الطفل بدون وعي مسبق أو حصانة قبلية، أو حتى تحذير أو تعليم من الوالدين يوازي ما يراه الطفل من تلك المشاهد؛ فيحصل ما لا يُحمد عقباه، وقد يصبح ذلك الطفل أسيرًا للمخدرات والسموم، وقد أثبتت الدراسات أن من أهم طرق الانحراف، لدى الفتيان والفتيات، في طريق المخدرات هو شاشة التلفاز وما يعرض فيها.

8- التسبب في إيجاد فجوة كبيرة بين الوالدين والطفل: إذ إن تأثير شاشة التلفاز على وقت الطفل المشاهد يكمن في بقائه لفترات طويلة أمامها؛ الأمر الذي يجعل مشاكسات الطفل وعبثه في حياته وأثاث المنزل تقل بنسبة كبيرة، وهذا مما يريح الوالدين، وخاصة الأم، في مسألة المتابعة في المنزل والتنظيف، إلا أن هذا يسبب الكثير من المشاكل بين الوالدين وطفليهما؛ كعدم اهتمام كلا الطرفين بالآخر، وعدم فهم نفسية الوالدين لطفلهما، وقلة الوعي والحصانة التربوية من الوالدين للطفل، وهذا كله يزيد من مساحة البعد بينهما.

9- ومن آثار شاشة التلفاز السلبية على الطفل إثارة الغرائز لديه مبكرًا: وهذا سببه مما يعرض في أفلام الرسوم المتحركة من قصص العشق والغرام، واللباس الفاضح، وصور الضم والقبلات بين عناصر الفيلم ذكورًا وإناثًا، وكل تلك الصور والمشاهد يتشبع بها عقل الطفل، ويبدأ في تقليد ما يرى مع إخوانه وأخواته في المنزل، أو في لباسه وتصرفاته ومعاملاته، وهذا ينشئ خطرًا عظيمًا على ناشئة الأمة؛ وذلك بعنايتهم بكل ما هو سافل أو منحط، حتى لا تكاد تجد بينهم من يسمو بنظرته أو يرقى باهتمامه.

10- إفساد اللغة العربية لدى الأطفال: إن ما يعرض من صور ومشاهد على شاشة التلفاز يصحب دائمًا بلغة هشة؛ إما أن تكون لهجة بلد معين ليست حتى بلهجة بلد ذلك الطفل، أو عربية مكسورة في الأداء والقول، ومن المؤسف أن تجد اهتمامات منتجي تلك الأقلام باللغات المحلية والدارجة على ألسنة الناس، وتغافلهم عن اللغة العربية الفصحى؛ وهذا مما يؤدي أيضًا إلى انحراف لسان الطفل، إضافة إلى انحراف فكره وتوجهه واهتماماته.

11- أن يتربى الطفل على العادات السيئة، والأنماط المشينة، والأخلاق المنحطة: من خلال متابعته الدائمة لشاشة التلفاز؛ ومن تلك العادات والأنماط السهر على المعاصي والآثام، وعشق الفنانين والفنانات، والتعلق السيئ بالأفكار الهدامة، وتتبع العناوين المغرضة، والتي يدعو أكثرها إلى التفسخ من الدين، وضرورة الانحلال من تعاليمه وعقائده، فينشأ الطفل على تربية مهزوزة ومزدوجة، تكون آثارها وخيمة على الطفل وعلى أسرته ومجتمعه.

12- حب الطفل لأدوار الخطر وعشقه لروح المغامرة: وتنتج تلك المشاعر مما يراه من مشاهد متعددة، تحكي قصص الجواسيس ورجال المخابرات والشرطة والأفلام البوليسية المختلفة، فيبدأ الطفل بتكرار ما يشاهده وفعله على أرض الواقع، بدون تفكر في التبعات وعواقب الأمور؛ مما يؤدي إلى خطر عظيم، سواءً كان ذلك الخطر موتًا أو إصابة بليغة أو أضرارًا بالآخرين وممتلكاتهم، وهذا ما نعانيه الآن من شباب الأمة وواقعهم؛ المتمثل في قصص التفحيط، والغرام المتبادل، وسرقة المنازل، وحوادث القتل... إلخ، تلك المناظر المؤثرة.

13- تجميد عقل الطفل عن التفكير والإبداع، وتعطيل خياله عن الاختلاط وحب الاستطلاع: ذلك أن من المعلوم لدى أهل التربية هو أن عقل الطفل باستطاعته أن يبدع ويفكر وينتج أيضًا؛ لصفائه من المدخلات السلبية والأفكار المنحرفة، وما يعرض على شاشة التلفاز، وخاصة للطفل، بكل الأفلام الكرتونية، التي ترسل رسائل سلبية لعقل الطفل؛ في أن الخيال له حدود، وأن الاختراع لا يستطيعه إلا القليل، وأن العمل صعب ومكلف، وأن نتاجه قليل، وكذلك تلك المشاهد التي تبرز الغباء وتحسنه لهم بصور طريفة ومضحكة، فيتربى عقل ذلك الطفل على ما يستقبل من رسائل غاية في الخطورة، وهو بذلك يصبح طفلًا غير منتج، وليس له القدرة في أن يفكر أو يبدع.

14- حرمان الطفل من اللعب: وذلك نتيجة ضياع وقته كله أمام شاشة التلفاز، وهذا يؤدي إلى ضيق صدر الطفل وكرهه لأصدقائه، ورفضه لهم المشاركة في اللعب معهم، وحب الانطواء والعزلة، وسعيه وراء كل ما يبعث للراحة والدعة، وحبه للكسل والخمول، ونبذه للعمل والسعي والحركة.

لذلك أدى غيابُ اللعب نتيجة طول أوقات الجلوس أمام التلفاز إلى نكسة في نمو قدرات الأطفال، وأصبح طفل التلفاز يتميز بسلبية متزايدة، وقدرة أقل على تحمل الإحباطات الصغيرة، وتدنٍّ في المثابرة، فلا يتحمل الانهماك في عمل يبدو على شيء من الصعوبة في البداية؛ بل إنه في حاجة دائمة إلى الإثارة والتشويق، فنجده يحجم عن تحمل البداية البطيئة على أمل الفوز بمكاسب لاحقة.

15- الانطواء على الذات: وصعوبة تعامله مع التجارب والأحداث التي تواجهه في حياته؛ حيث تصبح متابعة البرامج التلفزيونية وأفلام الكرتون شكلًا اجتماعيًا مقدمًا على التعامل مع المحيط الخارجي من أصدقاء وإخوة؛ ما ينمي الانطواء، خاصة مع ما يرافق غضب الأطفال من أهلهم أو إخوانهم إذا حاولوا تغيير المحطة التي يتابعونها.

وينتج عن ذلك عدم قدرته للمواجهة مع الآخرين، وانعدام قدرته على حل المشاكل الحياتية التي تواجهه بين الفينة والأخرى، وذلك كله بسبب ركونه إلى المشاهدات التلفزيونية، والتي بعثت فيه الأمراض المتعددة والمختلفة، الصحية منها والنفسية والاجتماعية وغيرها.

16- زعزعة عقيدة الطفل في الله: فالرسوم المتحركة لها أثر عظيم في زعزعة عقيدة الطفل في ربه، عبر تلميحات خبيثة، أهدافها واضحة للجميع، واشتمال بعض الأفلام الكرتونية على الكثير من الأخطاء العقدية الخطيرة التي قد يعتادها الطفل ويعتقد صحتها، وهذا كثير جدًّا فيها؛ كظاهرة الانحناء للغير، حتى تكون الهيئة أقرب ما تكون للسجود والركوع، ومن ذلك اشتمالها على السحر، فربما يصورون الساحر على أنه رجل أو امرأة مليء بالطيبة ومحبة الخير للناس، ويساعد المظلومين، وقد بلغ تأثير مثل هذه المشاهد إلى أن أطفالنا يرددون الكثير من عباراتهم بشكل خطير، نخاف فيه أن يطلب الأبناء من الآباء تعلم السحر.

17- تشويه صورة المتدينين: سواء قصدوا أو لم يقصدوا، ويظهر هذا جليًّا في برنامج (بباي) مثلًا، والذي يصور رجلين أحدهما طيب وخلوق والآخر شرير، يصورون ذلك الشرير على صورة رجل ملتحٍ، قاصدين في ذلك تشويه صورة المتدينين من المسلمين، وذلك في استخدام أحد رموز الدين والالتزام، ألا وهي اللحية، فهم يصورون الملتحي هذا بأنه شرير ومختطف وسارق، ويحب الشر ويقوم بالتفجير ويلاحق النساء، أو بمعني آخر إرهابي، فلماذا صور الرجل الشرير رجلًا ملتحيًا؟ ولماذا استخدم رمز الدين لدى المسلمين؟ ولماذا لم يجعل ذلك الشرير حليقًا والطيب ملتحيًا؟ تساؤلات تطرح يمكن أن يجيب عنها منتجو تلك الرسوم من اليهود، فيجب أن نتنبه لذلك.

18- التمثل والقدوة: حيث يصبح أبطال الكرتون الخياليون والبعيدون كل البعد عن نماذج التراث الإسلامي، هم القدوة الأولى للأطفال والنشء، ما يبعدهم عن أي نموذج حسن من نماذج سير الأمة.

19- نشر التبرج والسفور: وتنبيه الطفل لبعض الأمور المخلة بالأخلاق، وهذا كثير جدًّا في الرسوم المتحركة التي يُترك لها الطفل بالساعات الطوال، ويمكن القول: إنه لا يكاد يوجد برنامج كرتوني، يعرض الآن على التلفاز، يخلو من عري أو غزل أو ملاحقة الفتيات، ولا عجب فهذا ما يحتويه مجتمعهم، وهذا ما يريدونه من العالم، مشاهد تحتوي على صدور بادية، وأفخاذ عارية، وغزل بين الجنسين، وتعبير عن المحبة في جو رومانسي عجيب وملاحقة الفتيات، وتقديم الهدايا لهن لكسب مودتهن، وترك الأشغال والأعمال بمجرد ما يرى الفتاة.

إن عرض مثل تلك المشاهد دون رقيب يجعل الطفل يعتاد مثل هذه الصور والمظاهر؛ بل قد تُربي الطفل على تلك الأعمال المنافية لديننا وأخلاقنا(3).

20- إشباع الشعور الباطن للطفل بمفاهيم الثقافة الغربية: إن الطفل عندما يشاهد الرسوم المتحركة، التي هي، في غالبها، من إنتاج الحضارة الغربية، لا يشاهد عرضًا مسليًا يضحكه ويفرحه فحسب؛ بل يشاهد عرضًا ينقل له نسقًا ثقافيًا متكاملًا؛ حيث إن الرسوم المتحركة المنتجة في الغرب مهما بدت بريئة ولا تخالف الإسلام، إلا أنها لا تخلو من تحيز للثقافة الغربية.

لذلك يجب علينا أن نعي خطورة هذه الشاشة الجذابة على عقول أطفالنا وأوقاتهم واهتماماتهم، وأن نقدر حاجتهم لها بقدر ما يشبع رغباتهم في المشاهدة، وألا نستهين بما تقدمه لهم من برامج وعروض مختلفة(4).

كيف نقدم وسائل إعلام آمنة لأطفالنا:

إن أهم شيء في هذا الأمر هو إلقاء الضوء على نقطة خطيرة جدًا، وهي تلقي أبنائنا لكمية كبيرة من المواد المتلفزة، التي لا نقوم برصدها أو تنقيحها معهم؛ لتمييز الجيد من الرديء، والوقوف على حجم المفاهيم أو القيم المغلوطة التي قد تكون وصلت إليهم من خلالها؛ مما قد يؤثر على شخصياتهم بشكل كبير مع مرور الوقت؛ لذا فمن الضروري أن نأخذ في اعتبارنا بعض الاحتياطات في تعامل أبنائنا مع التلفاز؛ لذا يجب الاهتمام بالآتي:

1- تعميق التربية الإسلامية في نفوس الأطفال: فالحق أبلج، والباطل لجلج، ومتى وجد الطفل الفكرة الصحيحة وقعت في نفسه موقعًا طيبًا، ذلك أنه وُلد على الفطرة، والإسلام هو دين الفطرة، والأفكار المنحرفة لا تسود إلا في غياب الفكرة الصحيحة، فإذا جرى تقديم منظور إسلامي عن طريق تثقيف الأطفال وتعليمهم عن القيم الإسلامية ودستور الحياة الإسلامي، فإنهم سيكتسبون موقفًا مبنيًا على تقييمٍ ناقد لوسائل الإعلام من وجهة نظر إسلامية، ويمكن تقديم هذا النوع من التربية ذات التوجه الإسلامي في الأسرة والمدرسة، وكذلك في المرافق الموجودة في المجتمع.

2- تقليل مدة مشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة: إن مشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة، وللتلفاز عمومًا، ينبغي ألا يتجاوز متوسطها 3 ساعات أسبوعيًا، هذه المدة المتوسطة تعلم الطفل كيف يختار بين البدائل الموجودة، وتعلمه الاتزان والتخطيط وكيفية الاستفادة من الأوقات، كما أنها، إذا أُحسن الاختيار، تدفع عنه سلبيات التلفاز والرسوم المتحركة المذكورة آنفًا.

3- إيجاد البدائل التي تعمق الثقافة الإسلامية: وذلك بدعم شركات إنتاج الرسوم المتحركة التي تخدم الثقافة الإسلامية، وتراعي مقومات تربيتها، ولا تصادم غرائز الطفل؛ بل توجهها وجهتها الصحيحة.

4- محاولة إيجاد بدائل: كالتنزه في الأوقات التي يعرض فيها المسلسل، تشجيع المواهب الذاتية، وتشجيع الأبناء على الإبداع، وغيرها.

5- توفير الحصانة للمجتمع ضد الإعلام الوافد والموجّه لإفساد عقائد الأمة وسلوكها، وذلك عن طريق ما يلي:

أ- تقوية المرجعية الإيمانية، وربط الناس بعقائدهم وقياداتهم العلمية والفكرية، وتجميع الناس على الأعمال الصالحة.

ب- تنمية الوعي الإعلامي خاصة والثقافي عامة، وتبصير المجتمع بأهداف الرسائل الإعلامية المغرضة، مع استحداث بدائل أفضل منها إعدادًا وإنتاجًا وأداءً.

ج- السعي لتنمية وتقوية أجهزة الإعلام البشرية والتقنية الفنية؛ بما يساعد على مواجهة الخطر الذي يهدد الأمة من خلال الوسائل والأجهزة المعادية لها(5).

6- أن نحدد مع الطفل معايير واضحة لمشاهدة التلفاز: فنتفق معه على وقت محدد، ونتفق على طبيعة المواد التي سيشاهدها، ونغرس بداخله معنى أن الله يرانا، ومطلع علينا في كل وقت وحال، فنعلمه مثلًا أنه إذا رأى مشهدًا غير مناسب على شاشة التلفاز، سواء في الفواصل الإعلانية أو غيرها، أن يدير وجهه أو يغمض عينيه؛ لأن الله يراه، ولا يرضى بذلك المشهد؛ وبالتالي يكبر الطفل على مراقبة الله عز وجل، وليس على ترقب وجود والديه أو غيابهما؛ فنحميه بذلك من نفسه، ومن أضرار كثيرة قد يتلقاها عبر التلفاز أو الإنترنت، ونبني معه، بهذا السلوك، جسورًا من الثقة المتبادلة منذ نعومة أظفاره.

7- يجب أن نكون على علم وإحاطة بطبيعة المواد التي يشاهدها أبناؤنا، فنحدد هل هي مناسبة أم لا؟ فليس كل ما يعرض في قنوات الأطفال مناسبًا لهم أو متوافقًا مع قيمنا ومبادئنا وتعاليم ديننا، ومن الجميل أيضًا أن نتفاعل مع أطفالنا فيما يشاهدونه، فنشاركهم المشاهدة، ولو مرة أو مرتين في الأسبوع، ونتناقش معهم حول ما شاهدناه: ماذا استفادوا منه؟ وماذا لم يعجبهم؟، ونستخلص معهم الدروس والعبر، فنكون استمتعنا بالقرب من أطفالنا، وأسعدناهم، وأفدناهم بنقاش ثري، وعلمناهم كيف تكون لهم رؤية ورأي فيما يشاهدونه، فلا يكونون مجرد متلقٍ سلبي.

وإذا كان للوالدين رغبة في مشاهدة بعض المواد المتلفزة مع أبنائهم، فليكونا مطمئنين مسبقًا إلى أن هذه المواد مناسبة لأطفالهم، وأنها لن تعود عليهم بأي ضرر، فينتقون الراقي من الأفلام والمسلسلات الاجتماعية، وبإمكانهم أيضًا استخدام برامج خاصة لاقتصاص بعض الأجزاء أو المشاهد غير اللائقة.

وجدير بالذكر هنا أن المنتجات الفنية، في مجتمعاتنا العربية، تحتاج إلى الاهتمام بشكل أكبر بالبعد الأسري في محتواها ومضمونها، بحيث تكون ملائمة لاجتماع كل أفراد الأسرة عليها، وبحيث تتناول الأهداف والقيم الاجتماعية التي تعود على المجتمع بالنفع والفائدة.

ومراقبة أبنائنا لله عز وجل كفيلة بأن تحميهم من الانزلاق في تصفح المواقع الإباحية، خاصة في مرحلة المراهقة، أو من الدخول في الشات وتكوين علاقات مع شباب وفتيات مجهولين.

إذن، حصن طفلك بتعليمه مراقبة الله عز وجل في كل أحواله، وهذه المراقبة كفيلة بحفظه، بإذن الله، في غيابك وحضورك، فلتجعل شعاره الدائم: الله ناظري، الله شاهدي، الله مطلع علي.

إذن، مما سبق نخلص إلى عدة نقاط هامة يجب أن تكون واضحة تمامًا أمام أعيننا في رحلتنا لتربية أبنائنا:

1- عزل الطفل عن المجتمع ليس الحل لحمايته من أي تأثيرات سلبية؛ لكن الصواب هو دمجه في المجتمع، وتشجيعه على تكوين علاقات وصداقات مع أقرانه، مع إرساء معايير واضحة لاختياره ودعمه الدائم، وتصويب المفاهيم وتوضيح الخطأ والصواب أولًا بأول؛ مما يؤدي إلى اكتساب الطفل لخبرات حياتية هامة، ومجموعة من القيم والمبادئ والسلوكيات القويمة التي تستمر معه بإذن الله طوال حياته.

2- حث الطفل على تنظيم وقته، والتعامل مع التلفاز على أنه سلاح ذو حدين، وأنه يجب استخدامه فيما يعود عليه بالنفع، مع إرشاده إلى معايير وضوابط الاختيار فيما يشاهده على التلفاز.

3- غرس قيمة مراقبة الله عز وجل في جميع أفعاله، خاصة عند مشاهدة التلفاز.

4- الحوار ثم الحوار ثم الحوار هو صمام الأمان لتربية أبنائنا، ولتكوين علاقة فعالة معهم، نوجههم من خلالها بالحب والتفاهم والصداقة(6).

***

__________________

(1) قضية الأحداث، ص6.

(2) وسائل الاعلام والأطفال، ص3.

(3) الآثار المترتبة على الرسوم المتحركة، موقع: صيد الفوائد.

(4) أطفالنا وشاشة التلفاز، موقع: صيد الفوائد.

(5) أبناؤنا والتلفاز ما بين السلب والإيجاب، موقع: المسلم.

(6) المجتمع والتلفاز والإنترنت أهم تحديات تواجهنا في تربية أبنائنا، موقع: لها أون لاين.