logo

وعاشروهن بالمعروف..


بتاريخ : الثلاثاء ، 20 ذو القعدة ، 1440 الموافق 23 يوليو 2019
بقلم : تيار الاصلاح
وعاشروهن بالمعروف..

من المعلوم أن المرأة نصف المجتمع، وهي، في حكم الله وتقديره، تشارك الرجل في تحمل أعباء الحياة، وتعاونه في تحقيق المهام والمعايش، ولقد أنصف الإسلام المرأة وكرمها ورفع مكانتها، وأنزلها منزلة لائقة بها، تتفق مع فطرتها ومهماتها؛ لأنها شريكة في الحياة، وهي إنسان حي له كرامة وشخصية، وأعطاها من الحقوق المناسبة لطبيعتها وتركيبها وإمكاناتها النفسية والبدنية.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فيما رواه الترمذي وغيره: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله»(1).

لقد كانت المرأة في الجاهلية وفي عصور الرومان واليونان تعد من قبيل المتاع، وكان أقارب الزوج المتوفى عند العرب يستولون عليها كرهًا عنها، فقد روى البخاري أنه كان إذا مات الرجل منهم كان أولياؤه أحق بامرأته؛ إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها؛ أي منعوها الزواج، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء:19](2).

وكان من عادات العرب في الجاهلية أيضًا إذا أرادوا فراق امرأة رموها بفاحشة؛ حتى تخاف وتشتري نفسها منه بالمهر الذي دفعه إليها.

وحرم الإسلام وراثة المرأة كما تورث السلعة والبهيمة، كما حرم العَضْل الذي تسامه المرأة، ويتخذ أداة للإضرار بها، إلا في حالة الإتيان بالفاحشة، وذلك قبل أن يتقرر حد الزنا المعروف، وجعل للمرأة حريتها في اختيار من تعاشره ابتداءً أو استئنافًا، بكرًا أم ثيبًا، مطلقة أو متوفى عنها زوجها، وجعل العشرة بالمعروف فريضة على الرجال، حتى في حالة كراهية الزوج لزوجته ما لم تصبح العشرة متعذرة، ونسم في هذه الحالة نسمة الرجاء في غيب الله وفي علم الله؛ كي لا يطاوع المرء انفعاله الأول، فيبت وشيجة الزوجية العزيزة.

فما يدريه أن هنالك خيرًا فيما يكره، هو لا يدريه، خيرًا مخبوءًا كامنًا، لعله إن كظم انفعاله واستبقى زوجه سيلاقيه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19].

وهذه اللمسة الأخيرة في الآية، تعلق النفس بالله، وتهدئ من فورة الغضب، وتفثأ من حدة الكره، حتى يعاود الإنسان نفسه في هدوء، وحتى لا تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهب الرياح، فهي مربوطة العرى بالعروة الوثقى، العروة الدائمة، العروة التي تربط بين قلب المؤمن وربه، وهي أوثق العرى وأبقاها(3).

وقوله: {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف} [البقرة:228]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»(4)، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يتودد إليها بذلك.

قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعدما حملت اللحم فسبقني، فقال صلى الله عليه وسلم: «هذه بتلك»(5)، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها.

وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].

والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكنًا وأمنًا وسلامًا، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنسًا، ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق، كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب، هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.

كي يستأني بعقدة الزوجية فلا تفصم لأول خاطر، وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها، فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك.

عن أبي غرزة رضي الله عنه أنه أخذ بيد ابن الأرقم رضي الله عنه فأدخله على امرأته، فقال: «أتبغضيني؟»، قالت: «نعم»، قال له ابن الأرقم: «ما حملك على ما فعلت؟»، قال: «كثرت عليَّ مقالة الناس»، فأتى ابن الأرقم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره، فأرسل إلى أبي غرزة فقال له: «ما حملك على ما فعلت؟»، قال: «كثرت عليَّ مقالة الناس»، فأرسل إلى امرأته، فجاءت ومعها عمة منكرة، فقالت: «إن سألك فقولي: استحلفني، فكرهت أن أكذب»، فقال لها عمر: «ما حملك على ما قلت؟»، قالت: «إنه استحلفني؛ فكرهت أن أكذب»، فقال عمر: «بلى، فلتكذب إحداكن ولتجمل، فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام»(6).

وما أتفه الكلام الرخيص الذي ينعق به المتحذلقون باسم (الحب) وهم يعنون به نزوة العاطفة المتقلبة، ويبيحون باسمه، لا انفصال الزوجين وتحطيم المؤسسة الزوجية؛ بل خيانة الزوجة لزوجها! أليست لا تحبه؟! وخيانة الزوج لزوجته! أليس أنه لا يحبها؟! وما يهجس في هذه النفوس التافهة الصغيرة معنى أكبر من نزوة العاطفة الصغيرة المتقلبة، ونزوة الميل الحيواني المسعور.

ومن المؤكد أنه لا يخطر لهم أن في الحياة من المروءة والنبل والتجمل والاحتمال ما هو أكبر وأعظم من هذا الذي يتشدقون به في تصور هابط هزيل، ومن المؤكد طبعًا أنه لا يخطر لهم خاطر.. الله.. فهم بعيدون عنه في جاهليتهم المزوّقة! فما تستشعر قلوبهم ما يقوله الله للمؤمنين: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.

إن العقيدة الإيمانية هي وحدها التي ترفع النفوس، وترفع الاهتمامات، وترفع الحياة الإنسانية عن نزوة البهيمة، وطمع التاجر، وتفاهة الفارغ! فإذا تبين بعد الصبر والتجمل والمحاولة والرجاء أن الحياة غير مستطاعة، وأنه لا بد من الانفصال، واستبدال زوج مكان زوج، فعندئذ تنطلق المرأة بما أخذت من صداق، وما ورثت من مال، لا يجوز استرداد شيء منه، ولو كان قنطارًا من ذهب، فأخذ شيء منه إثم واضح، ومنكر لا شبهة فيه: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء:20].

والأسرة القائمة على الزواج العلني، الذي تتخصص فيه امرأة بعينها لرجل بعينه، ويتم به الإحصان، وهو الحفظ والصيانة، هي أكمل نظام يتفق مع فطرة (الإنسان) وحاجاته الحقيقية، الناشئة من كونه إنسانًا، لحياته غاية أكبر من غاية الحياة الحيوانية، وإن كانت تتضمن هذه الغاية في ثناياها، ويحقق أهداف المجتمع الإنساني، كما يضمن لهذا المجتمع السلم المطمئنة؛ سلم الضمير، وسلم البيت، وسلم المجتمع في نهاية المطاف.

وإذا كانت غاية الميل الجنسي في الحيوان تنتهي عند تحقيق الاتصال الجنسي والتناسل والإكثار، فإنها في الإنسان لا تنتهي عند تحقيق هذا الهدف، إنما هي تمتد إلى هدف أبعد، هو الارتباط الدائم بين الذكر والأنثى، بين الرجل والمرأة؛ ليتم إعداد الطفل الإنساني لحماية نفسه وحفظ حياته، وجلب طعامه وضرورياته، كما يتم، وهذا هو الأهم بالنسبة لمقتضيات الحياة الإنسانية، تربية هذا الطفل وتزويده برصيد من التجارب الإنسانية والمعرفة الإنسانية؛ يؤهله للمساهمة في حياة المجتمع الإنساني، والمشاركة في حمل تبعته من اطراد الترقي الإنساني عن طريق الأجيال المتتابعة.

ومن ثم لم تعد اللذة الجنسية هي المقوم الأول في حياة الجنسين في عالم الإنسان؛ إنما هي مجرد وسيلة ركبتها الفطرة فيهما ليتم الالتقاء بينهما، ويطول بعد الاتصال الجنسي للقيام بواجب المشاركة في اطراد نمو النوع، ولم يعد الهوى الشخصي هو الحَكَم في بقاء الارتباط بين الذكر والأنثى؛ إنما الحكم هو الواجب، واجب النسل الضعيف الذي يجيء ثمرة للالتقاء بينهما، وواجب المجتمع الإنساني الذي يحتم عليهما تربية هذا النسل إلى الحد الذي يصبح معه قادرًا على النهوض بالتبعة الإنسانية، وتحقيق غاية الوجود الإنساني.

وكل هذه الاعتبارات تجعل الارتباط بين الجنسين على قاعدة الأسرة هو النظام الوحيد الصحيح، كما تجعل تخصيص امرأة لرجل هو الوضع الصحيح الذي تستمر معه هذه العلاقة، والذي يجعل الواجب لا مجرد اللذة ولا مجرد الهوى، هو الحكم في قيامها، ثم في استمرارها، ثم في معالجة كل مشكلة تقع في أثنائها، ثم عند فصم عقدتها عند الضرورة القصوى.

وأي تهوين من شأن روابط الأسرة، وأي توهين للأساس الذي تقوم عليه؛ وهو الواجب، لإحلال الهوى المتقلب، والنزوة العارضة، والشهوة الجامحة محله هي محاولة آثمة؛ لا لأنها تشيع الفوضى والفاحشة والانحلال في المجتمع الإنساني فحسب؛ بل كذلك لأنها تحطم هذا المجتمع، وتهدم الأساس الذي يقوم عليه(7).

وجاء في تفسير المنار: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: يجب عليكم، أيها المؤمنون، أن تحسنوا عشرة نسائكم؛ بأن تكون مصاحبتكم ومخالطتكم لهن بالمعروف الذي تعرفه، وتألفه طباعهن، ولا يستنكر شرعًا ولا عرفًا ولا مروءة، فالتضييق في النفقة، والإيذاء بالقول أو الفعل، وكثرة عبوس الوجه وتقطيبه عند اللقاء...، كل ذلك ينافي العشرة بالمعروف، وفي المعاشرة معنى المشاركة والمساواة؛ أي عاشروهن بالمعروف وليعاشرنكم كذلك، وروي عن بعض السلف أنه يدخل في ذلك أن يتزين الرجل للمرأة بما يليق به من الزينة؛ لأنها تتزين له، والغرض أن يكون كل منهما مدعاة سرور الآخر، وسبب هنائه في معيشته.

وقد فسر المعروف بعضهم بالنصفة في القسم، والنفقة، والإجمال في القول والفعل، وفسره بعضهم تفسيرًا سلبيًا، فقال: هو ألا يسيء إليها، ولا يضرها، وكل منهما ضعيف، وجعل الأستاذ الإمام المدار في المعروف على ما تعرفه المرأة ولا تستنكره، وما يليق به وبها بحسب طبقتهما في الناس، وأدخل فيه بعضهم وجوب الخادمة لها إن كانت ممن لا يخدمن أنفسهن، وكان الزوج قادرًا على أجرة الخادمة، وقلما يقصر المسلمون فيما يجب للنساء من النفقة؛ بل هم أكثر أهل الملل إنفاقًا على النساء، وأقلهم إرهاقًا لهن بالخدمة، ولكنهم قصروا في أمور أخرى، قصروا في إعداد البنات للزوجية الصالحة بما يجب من التربية الدينية الاجتماعية الاقتصادية الصحية، والتعليم المغذي لهذه التربية، فعسى أن يرجعوا عن قريب.

فإن كرهتموهن لعيب في الخُلق أو الخلق مما لا يعد ذنبًا لهن لأن أمره ليس في أيديهن، أو التقصير في العمل الواجب عليهن في خدمة البيت والقيام بشئونه، مما لا يخلو عن مثله النساء وكذا الرجال في أعمالهم، أو الميل منكم إلى غيرهن، فاصبروا ولا تعجلوا بمضارتهن ولا بمفارقتهن لأجل ذلك {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}، فهذا الرجاء علة لما دل عليه السياق من جزاء الشرط، ومن الخير الكثير؛ بل أهمه وأعلاه الأولاد النجباء، فرب امرأة يملها زوجها ويكرهها، ثم يجيئه منها من تقر به عينه من الأولاد النجباء فيعلو قدرها عنده بذلك، وقد شاهدنا، وشاهد الناس، كثيرًا من هذا، وناهيك به: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:74] .

ومنها أن يصلح حالها بصبره، وحسن معاشرته، فتكون أعظم أسباب هنائه في انتظام معيشته، وحسن خدمته، لا سيما إذا أصيب بالأمراض، أو بالفقر والعوز، فكثيرًا ما يكره الرجل امرأته لبطره بصحته، وغناه، واعتقاده أنه قادر على أن يتمتع بخير منها وأجمل، فلا يلبث أن يسلب ما أبطره من النعمة، ويكون له منها إذا صبر عليها في أيام البطر خير سلوى وعون في أيام المرض أو العوز، فيجب على الرجل الذي يكره زوجه أن يتذكر مثل هذا، ويتذكر أيضًا أنه لا يخلو من عيب تصبر امرأته عليه في الحال، غير ما وطنت نفسها عليه في الاستقبال.

هذا، وإن التعليل في الآية يرشدنا إلى قاعدة عامة، تأتي في جميع الأشياء لا في النساء خاصة، وهي أن بعض ما يكرهه الإنسان يكون فيه خير له، متى جاء ذلك الخير تظهر قيمة ذلك الشيء المكروه، وهي قاعدة عرف العقلاء صدقها بالتجارب، ولأجل التنبيه لها قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} [البقرة:216]، ولم يقل وعسى أن تكرهوا امرأة، ثم إن في الصبر على المكروه واحتماله فوائد أخرى غير ما يمكن أن يكون في المكروه نفسه من الخير المحبوب، فالصابر المحتمل يستفيد من كل مكروه بصبره ورويته، سواء ترتب عليه في ذاته خير أم لا.

والحاصل أن الإسلام يوصي أهله بحسن معاشرة النساء، والصبر عليهن إذا كرهن الأزواج رجاء أن يكون فيهن خير(8).

والمعروف في هذه الآيات معتبر في هذه الأحكام المهمة، وأن المعروف فيها هو المعهود بين الناس في المعاملات والعادات، ومن المعلوم بالضرورة أنه يختلف باختلاف الشعوب والبيوت والبلاد والأوقات، فتحديده وتعيينه باجتهاد بعض الفقهاء بدون مراعاة عرف الناس مخالف لنص كتاب الله تعالى.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من فقهاء الحديث والحنابلة أقوال حكيمة في المعروف، منها أنه يجب على كل من الزوجين من أعمال البيت والأسرة ما جرى العرف به، وأنه إذا كان من المعروف عن بعض البيوت أنهن لا يزوجن بناتهن لمن يتزوج عليهن ويضارهن، كان هذا كالشرط، فلا يجوز للرجل أن يتزوج على المرأة منهن.

نعم، إن ما يتقرر بنص الشرع يصير من جملة المعروف الذي هو ضد المجهول، كما أنه يكون بالضرورة من المعروف الذي هو ضد المنكر، ويبقى تحكيم العرف والمعروف بالمعنى اللغوي العام معتبرًا فيما لا نص فيه بخصوصه، وللأمة فيه عرف غير معارض بنص، ولا يستقيم نظام الأمة على أساس ثابت إذا كان أمر العرف والمعروف فيها فوضى وغير مقيد بأصول وأحكام وفضائل ثابتة، فلا بد من شيء ثابت، وهو ما لا تختلف فيه المصالح والمنافع باختلاف الزمان والمكان وأحوال المعيشة، ولا بد من شيء يحكم فيه العرف وهو ما يقابله; ولذلك جاء الشرع الحكيم بهما معًا، ولا يضر مع هذا اختلاف الناس فيما يعرفون وينكرون.

فليكن المعروف كما قال الجصاص من أئمة الحنفية: «ما يستحسن في العقل فعله، ولا تنكره العقول الصحيحة»، فيكفي المسلمين المحافظة على النصوص الثابتة؛ إذ لا يمكن أن يستنكر المؤمن ما جاء عن الله ورسوله نصًا حتمًا لا اجتهاد فيه، وليكن للجماعة بعده رأي فيما يعرفون وينكرون، ويستحسنون ويستهجنون، يكون عمدتهم فيه جمهور العقلاء والعلماء وأهل الأدب والفضيلة في كل عصر(9).

يقول المراغي: «وعليكم أن تحسنوا معاشرة نسائكم فتخالطوهنّ بما تألفه طباعهن ولا يستنكره الشرع ولا العرف، ولا تضيقوا عليهن في النفقة، ولا تؤذوهن بقول ولا فعل، ولا تقابلوهن بعبوس الوجه ولا تقطيب الجبين.

وفى كلمة (المعاشرة) معنى المشاركة والمساواة؛ أي: عاشروهن بالمعروف وليعاشرنكم كذلك، فيجب أن يكون كل من الزوجين مدعاة لسرور الآخر، وسبب هناءته وسعادته في معيشته ومنزله {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}؛ أي: فإن كرهتموهن لعيب في أخلاقهن، أو دمامة في خلقهن؛ مما ليس لهن فيه كسب، أو لتقصير في العمل الواجب عليهن؛ كخدمة البيت والقيام بشئونه مما لا يخلو عن مثله النساء في أعمالهن، أو لميل منكم إلى غيرهن، فاصبروا ولا تعجلوا بمضارتهن ولا بمفارقتهن، فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين وأوفى إلى الخير، ومن ذلك:

1- الأولاد النجباء: فربّ امرأة يملّها زوجها ويود فراقها، ثم يجيئه منها من تقرّ به عينه من الأولاد النجباء؛ فيعلو قدرها عنده بذلك.

2- أن يصلح حالها بصبره وحسن معاشرته، فتكون من أعظم أسباب سعادته وسروره في انتظام معيشته وحسن خدمته، ولا سيما إذا أصيب بالأمراض أو بالفقر والعوز؛ فتكون خير سلوى وعون في هذه الأحوال، فيجب على الرجل أن يتذكر مثل ذلك، كما يذكر أنه قلما يخلو من عيب تصبر عليه امرأته في الحال والاستقبال(10).

والرجل هو الراعي، وهو المسئول عن هذه الرعية، ولذلك خاطب الله تعالى الأزواج بقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أمر الله سبحانه وتعالى الأزواج بالعشرة الحسنة بالمعروف، وإن العشرة هي المخالطة والممازجة بحيث تلتقي النفسان، ومن طبيعتها أن تكون في ألفة لَا في نفرة، وقد أطلقت العشرة على المعاملة، والمراد بالمعروف أن يعامل الرجال أزواجهم معاملة تليق بأمثالهن، من غير أن يكون منهم ما يستنكر عقلًا أو شرعًا، أو عادة، فهو يؤنسها ولا ينفرها، ويقربها ولا يبعدها، وكان الأمر بالعشرة الحسنة بعد الإشارة إلى ما قد يكون منهن من نشوز وبذاءة وفحش في القول، لبيان أنه لَا يسوغ لرجل أن يفترق لمجرد ظهور النشوز منها؛ بل يعالجها بالرفق، وإزالة أسباب النفرة إن أمكن.

وإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعاشرون أزواجهم على أكمل ما تكون العشرة، ويقربونهن بكل وسائل التقريب، حتى إن ابن عباس كان يقول: «إني أتزين لامرأتي كما تتزين لي».

وقد يكون سبب النفرة من الرجل نفسه، وإنه ليروى في ذلك أن امرأة ذهبت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه تطلب الفراق من زوجها، فرأى عمر الزوج وإذا هو أشعث أغبر، خَلِق الثياب، مستطيل الشعر، فأدرك بثاقب نظره أن النفرة من هذه الحال، فأخلها وأرسله إلى المغتسل فاغتسل، وألبسه ثيابًا حسنة، وأزال شعثه، ثم ناداها فسألها: أمُصِرة على ما تطلب؟ فلما رأت زوجها على حاله الجديدة عدلت عن طلب الطلاق.

وإن معاملة المرأة بالحسنى دليل على كمال الرجولة والْخُلقُ؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»(11).

ثم بين سبحانه وتعالى أنه لا يصح للرجل أن يسترسل في كراهيته إن عرضت له أسباب الكراهية؛ بل يتعرف المحاسن، ولا يقتصر على النظر إلى المساوئ؛ ولذا قال تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.

إن العشرة الحسنة مطلوبة ولو في حال كراهية الزوج لزوجته، فإنه لو أظهر الكره لكانت المباغضة، ولاسترسل في غواية تضله، فيصر على الكراهية، وقد كان في الإمكان أن يرى فيها المسرة بدل المضرة، وأسباب المحبة بدل البغض.

وإن النص الكريم يشير إلى معنى سليم، ويدعو إلى إدراك معان مختلفة كثيرة:

أولها: أن ينظر إلى الحياة الزوجية من جميع نواحيها، لا من ناحية واحدة منها، وهي البغض والحب، فينظر إلى مصلحة أولاده، وإلى نظام بيته، وإلى محاسنها بدل أن ينظر إلى مساويها.

وثانيها: أن يفكر فيمن يعقبها: أهي خير منها أم لا؟

وثالثها: أن ينظر في شأن العلاقة بعين العقل والمصلحة المشتركة لا بعين الهوى المسيطر الجامح.

ورابعها: وهو أعظمها؛ أن ينظر إلى المسألة بالقلب الديني، وأن يتذكر في وقت الكراهية العشرة الحلوة السابقة؛ ولذا قال الله سبحانه وتعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}، والخير الكثير يتكشف للرجل في الأمر المكروه بإحدى حالين: إما بالنظر الثاقب الذي يتغلب فيه العقل على الهوى، وإما بعد فوات الوقت، فيعرف الخير الذي فاته بفعله، فلا يمكن التدارك، ويكون الندم المرير، ولات حين مَنْدم.

وإن هذا النص يشير إلى معنى جليل عام لا يخص الحياة الزوجية وحدها، وهو ألا يبت في الأمور تحت تأثير الكراهة، فإنها عارض وجداني قد يزول، وقد يكون في المكروه الخير الكثير، الذي غاب عنه في وقت إدراكه، فيفوته النفع العظيم تحت تأثير الكراهية، التي قد يبعث عليها أمر حسي عارض، وفي الحديث الصحيح: «لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقًا رضي منها آخر»(12)، والفَرَكُ البغض الكلي الذي تنسى فيه كل المحاسن، وروى مكحول عن ابن عمر أنه كان يقول: «إن الرجل ليستخير الله تعالى فَيُخَار له، فيسخط على ربه عز وجل، فلا يلبث أن ينظر في العاقبة، فإذا هو قد خُيِّر له»(13).

فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف؛ من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال.

ومن أهم حقوق الزوجة ما يلي:

أولًا: الوصية بالنساء خيرًا؛ امتثالًا لقول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء»(14)، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة»(15).

ثانيًا: إعطاؤها حقوقها وعدم بخسها، فعن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت»(16)، وبعض الناس يأخذه الكرم والسخاء مع الأصدقاء وينسى حق الزوجة، مع أن المرء يؤجر على إنفاقه في بيته أعظم من غيره، كما روى ذلك أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك»(17)، وآخرون اتخذوا ضرب زوجاتهم مهنة لهم، فلا يرفع يده عنها، وعائشة رضي الله عنها تقول: «ما رأيت رسول الله ضرب امرأة»(18)، والرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة والمثل، وآخرون اتخذوا الهجر عذرًا وطريقًا لأي سبب؛ حتى وإن كان تافهًا، وربما هجر المسكينة شهورًا لا يكلمها ولا يؤانسها، وقد تكون غريبة عن أهلها أو شابة صغيرة يخشى على عقلها من الوحدة والوحشة.

ثالثًا: تعليمها العلم الشرعي، وما تحتاج إليه من أمور العبادات، وحثها وتشجيعها على ذلك، يقول الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ}  [الأحزاب:34]، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: «نِعْم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين»(19)، وعلى الزوج أن يتابع تعليمها القرآن الكريم والسنة المطهرة، ويشجعها ويعينها على الطاعة والعبادة، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132]، قال صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء»(20).

رابعًا: معاملتها المعاملة الحسنة، والمحافظة على شعورها وتطييب خاطرها، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي»؛ لأن الله ذكره بقوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.

ومن أهم الأمور التي انتشرت في أوساط بعض الأسر المسلمة من المخالفات في تلك المعاملة الحسنة التي أُمرنا بها: بذاءة اللسان، وتقبيح المرأة خِلقةً أو خُلقًا، أو التأفف من أهلها وذكر نقائصهم، وكذلك سب المرأة وشتمها ومناداتها بالأسماء والألقاب القبيحة، ومن ذلك إظهار النفور والاشمئزاز منها.

ومن ذلك أيضًا تجريحها بذكر محاسن نساء أخر، وأنهن أجمل وأفضل، فإن ذلك يكدر خاطرها في أمر ليس لها يد فيه.

ومن المحافظة على شعورها وإكرامها مناداتها بأحب الأسماء إليها، وإلقاء السلام عليها حين دخول المنزل، والتودد إليها بالهدية والكلمة الطيبة، ومن حسن الخلق وطيب العشرة عدم تصيد أخطائها ومتابعة زلاتها؛ بل العفو والصفح والتغاضي، خاصة في أمور تجتهد فيها وقد لا توفق، وتأمّل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا، وخياركم خياركم لنسائكم»(21).

خامسًا: المحافظة عليها من الفساد ومن مواطن الشبه، وإظهار الغيرة عليها، وحثها على القرار في البيت، وإبعادها عن رفيقات السوء، والحرص على ألَّا تذهب إلى الأسواق بكثرة وإن ذهبت فاذهب معها، وألَّا تدعها تسافر بدون محرم، واستشعر أن هذه أمانة عندك، مسئول عنها يوم القيامة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»(22).

سادسًا: إعفافها وتلبية حاجاتها، فإن ذلك يحفظها ويغنيها عن التطلع إلى غيرك، واحرص على إشباع حاجاتها العاطفية بالكلمة الطيبة، والثناء الحميد، واقتطع من وقتك لها، واجعل لبيتك نصيبًا من بشاشتك، ودماثة خلقك، روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عبد الله، ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟»، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: «فلا تفعل، صُم وأفطر، وقُم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا»(23)، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة»، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر»(24).

سابعًا: التأسي بخير الأزواج في مؤانسة الزوجة وحسن العشرة وإدخال السرور على قلبها، روى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل، إلا تأديبه فرسه، ورميه بقوسه، وملاعبته أهله»(25)، ومن أحق منك بحسن الخلق وطيب المعشر ممن تخدمك وتطبخ لك، وتنظف ثوبك، وتفرح بدخولك، وتربي أبناءك، وتقوم بشئونك طوال حياتك؟! ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يسابق عائشة؛ إدخالًا للسرور على قلبها، ويناديها بيا عائشُ؛ تقربًا إلى قلبها، وكان عليه الصلاة والسلام يؤانسها بالحديث، ويروي لها بعض القصص، ويشاور زوجاته في بعض الأمور؛ مثلما شاور أم سلمة في صلح الحديبية.

ثامنًا: تحمّل أذاها والصبر عليها، فإن طول الحياة وكثرة أمور الدنيا لا بد أن توجد على الشخص ما يبغض عليه من زوجه، كأي إنسان؛ خلق الله فيه الضعف والقصور، فيجب تحمل الأذى إلا أن يكون في أمر الآخرة؛ من تأخر الصلاة، أو ترك الصيام، فهذا أمر لا يُحتمل، ولكن المراد ما يعترض طريق الزوج، وخاصة الأيام التي تكون فيها الزوجة مضطربة، وتمر بظرف شهري معروف، وقد كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه، ويقع منهن تصرفات تستوجب الحلم والعفو.

تاسعًا: المحافظة على مالها وعدم التعرض له إلا بإذنها، فقد يكون لها مال من إرث أو عطية أو راتب شهري تأخذه من عملها، فاحذر التعرض له، لا تصريحًا ولا تلميحًا ولا وعدًا ولا وعيدًا، إلا برضاها، قال الله تعالى: {وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} [النساء:4]، وقد كان رسول الله  أمينًا على مال زوجته خديجة، فلم يأخذ إلا حقه، ولم يساومها، ولم يظهر الغضب والحنق حتى ترضيه بمالها! قال تعالى محذرًا عن أخذ المهر الذي هو مظنة الطمع، وهو من مال الزوج أصلًا: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [النساء:20-21]، فما بالك بأموال زوجتك التي تكد وتتعب لتجمعها، وأخذ المال منها ينافي قيامك بأمر القوامة، ووجوب النفقة عليها، حتى وإن كانت أغنى منك، وليحذر الذين يتعدون على أموال زوجاتهم ببناء مسكن أو استثمار ثم يضع مالها باسمه ويبدأ يستقطعه، فإنه مال حرام، وأخذ مال بدون وجه حق، إلا بإذن صاحبه.

عاشرًا: العدل بين الزوجات في البقاء والمكث مع كل زوجة، والتسوية في المبيت والنفقة، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}  [النحل:90]، وقد مال كثير من المعددين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل»(26).

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين زوجاته، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان عليه الصلاة والسلام يراعي العدل وهو في مرض موته، حتى أذن له زوجاته فكان في بيت عائشة، وكان لمعاذ بن جبل امرأتان، فإذا كان يوم هذه لم يشرب من بيت الأخرى الماء.

***

___________________

(1) أخرجه مسلم (1218).

(2) أخرجه البخاري (4579).

(3) في ظلال القرآن (1/ 606).

(4) أخرجه الترمذي (3895).

(5) أخرجه أبو داود (2578).

(6) كنز العمال (45859).

(7) في ظلال القرآن (2/ 620).

(8) تفسير المنار (4/ 373-375).

(9) تفسير المنار (9/ 447-448).

(10) تفسير المراغي (4/ 214).

(11) أخرجه ابن ماجه (1977).

(12) أخرجه مسلم (1469).

(13) زهرة التفاسير (3/ 1623).

(14) أخرجه البخاري (3331).

(15) أخرجه ابن ماجه (3678).

(16) أخرجه ابن حبان (4175).

(17) أخرجه مسلم (995).

(18) أخرجه ابن حبان (488).

(19) أخرجه مسلم (332).

(20) أخرجه أبو داود (1308).

(21) أخرجه أحمد (10106).

(22) أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829).

(23) أخرجه البخاري (1975).

(24) أخرجه مسلم (1006).

(25) أخرجه أبو داود (2513).

(26) أخرجه أحمد (2133).