logo

هذا ما جناه علي أبي


بتاريخ : الجمعة ، 26 رجب ، 1436 الموافق 15 مايو 2015
بقلم : تيار الإصلاح
هذا ما جناه علي أبي

كان الطفل يلعب داخل المنزل، يلهو ويلعب ويجري بين أرجاء المنزل، في داخله طاقة، يتمنى لو أنه يطير بها من شدة فرحه بألعابه وأدواته، ثم فجأة، وعن غير قصد، يكسر النافذة الزجاجية الجديدة، حين ركل الكرة نحوها،

تَسَمَّر الطفل في مكانه ثوانٍ قليلة مرت عليه كأنها سنة كاملة، فجأة، جاء إليه والده بعد أن سمع صوت تَكَسُّر الزجاج، وسأل: من فعل ذلك؟ فأجاب الطفل، وهو يرتجف، مشيرًا بإصبعه إلى نفسه، فلم يتمالك الوالد أعصابه، فتناول عصًا غليظة من الأرض، وأقبل على ولده يشبعه ضربًا.

أخذ الطفل يبكي ويصرخ، والوالد قد صُمّت أذناه عن سماع صراخ وعويل وتوسلات ابنه، وبعد أن توقف الأب عن الضرب، جرّ الولد قدميه إلى فراشه، وهو يشكو الإعياء والألم، فأمضى ليلته يتوجع ويتألم؛ ولكن دون أن يُسْمِع أحدًا؛ وذلك خوفًا من والده.

أصبح الصباح، وجاءت الأم لتوقظ ولدها، فرأت يديه قد تورمت، فصاحت في الحال، وهبّ الأب منتفضًا إلى حيث الصوت، وعلى ملامحه أكثر من دهشة! وقد رأى ما رأته الأم، فقام بنقله إلى المستشفى، وبعد الفحص قرر الطبيب أن اليدين مسممتان، وتبين أن العصا التي ضرب بها الطفل كانت فيها مسامير قديمة أصابها الصدأ، ولم يكن الأب ليلتفت إليها لشدة ما كان فيه من ثوران الغضب؛ مما أدى ذلك إلى أن تغرز المسامير في يدي الولد، وتسرّب السمّ إلى جسمه، فقرر الطبيب قطع يدي الطفل حتى لا يسري السم إلى سائر جسمه، فوقف الأب حائرًا لا يدري ما يصنع؟ وماذا يقول؟

أخبره الطبيب أنه لابد من اتخاذ قرار قطع كف الطفل بأسرع وقت؛ حتى لا يتسرب السم إلى باقي اليد فيضطر إلى قطعها كلها، أو إلى باقي الجسم، وعندها قد يموت الطفل.

لم يجد الأب حيلة إلا أن يوقّع على إجراء العملية؛ فقطعت كفا الطفل، وبعد أن أفاق من أثر التخدير نظر، وإذا يداه مقطوعتان، فتطلّع إلى أبيه بنظرة متوسلة قائلًا: أبتاه، أقسم لك بالله أني لن أكسر شيئًا بعد اليوم أبدًا، فأرجوك يا أبي رد إلي يدي(1).

"إن بعض الآباء لا يعرفون إلا معاني القسوة والغلظة في تعاملهم مع أبنائهم، فإذا دخل أحدهم إلى بيته قام الجالس، واعتدل القاعد، واستيقظ النائم، وقطب الباسم، ولا يعرف غير السوط أو العصا لغةً للتفاهم، وإذا نُصِحوا؛ تذرعوا بأنَّ الشدة من قواعد التربية وأسسها الهامة.

برقٌ ورعد، بطش وفتك، إذا حضروا غاب الكلام، وخيَّم على البيت الظلام، وتوارى من على شفاه الصغار الابتسام، كلٌ يراجع حاله، هل خالفتُ شيئًا من النظام؟

وهؤلاء لا يتذكرون من بيت الشاعر "أبي تمام" إلا قوله: وقسا ليزدجروا، ولا يكملون البيت الذي خلَّده معناه الرائع، وما تضمنه من أوضح معاني الضبط التربوي، والتوازن الحكيم في كيفية ومقدار استخدام القسوة مع من نقوم برعايتهم وتربيتهم.

 

وقسا ليزدجروا، ومن يكُ حازمًا              فليقسُ أحيانًا على من يرحمُ

 

فحد القسوة حصول الزجر، أي كف الابن ومنعه من السلوك الخاطئ، وما زاد على ذلك فيدخل في إيذاء الأبناء الذي حرمه الله تعالى؛ نظرًا لآثاره السيئة عليهم.

إن دور الأب أن يأخذ بيد أبنائه لجعلهم رجالًا أصحاب قيم، وشخصيات ذات قيمة وأهداف، وهو المانح الأكبر لثقة الأبناء بذواتهم؛ إذ يتوقع الطفل دائمًا من أمه أن تمدحه لأنها تحبه، أما إذا مدحه الأب أو أشعره بأهميته، أو كلفه بعمل على وجه الثقة فيه، فإن الابن يرى أنها حقيقة، وأن والده فعلًا فخور به، واثق بقدراته، وعندما يشعر الطفل بأهميته لدى والده؛ فإنه يشعر بأهميته لدى الآخرين، فيحاول أن ينتج أشياء ذات قيمة، ويصبح خلَّاقًا، ويكافح من أجل الحفاظ على هذا الاهتمام؛ فتتكون لديه الثقة بالنفس"(1).

"إن العقوبة في مفهوم التربية الإسلامية عقوبةٌ هادفة وموجهة، ليس المقصود منها الانتقام من المخطئ أو إلحاق الضرر به، وإنما هي تستهدف خيرَ الأبناء وصلاحَهم، وتكون مشفوعةً بالرحمة والشفقة، ومنضبطةً بضوابطَ مشروعة لا تنفصل عنها، وهي في حالة التطبيق تأخذ شكل التدرج والبدء بالعقوبة الأخف فالأشد"(2).

 

فن معاقبة الأبناء:

إن كثيرًا من الأباء والأمهات إذا ما عوتبوا في شدة معاقبة أبنائهم، وأن عليهم أن يُخففوا من تلك العقوبات؛ بل وأن يتسامحوا مع أبنائهم، أجابوا: أن هذا لا يشفي غليلهم.

لابد وأن "نفرق بين التأديب والتعذيب؛ فالهدف من التأديب هو تقويم السلوك، وهذا يحتاج إلى صبر، ومتابعة، وحوار، واستمرار في التوجيه، أما أن نصرخ في وجهه، أو أن نضربه ضربًا شديدًا، فهذا تعذيب وليس تأديب، إننا عندما نعاقب أبناءنا فإننا لا نعاقبهم بمستوى الخطأ الذي ارتكبوه، وإنما نزيد عليهم في العقوبة؛ لأنها ممزوجة بالغضب؛ وذلك بسبب كثرة الضغوط علينا، فيكون أبناؤنا ضحية توترنا وعصبيتنا من الحياة؛ ولهذا نحن نندم بعد عقابهم على تعجلنا أو عدم ضبط أعصابنا"(3).

إننا إذا نظرنا إلى طرق معاقبة الله عز وجل للمخطئين، فسنجد أنها تقوم على مبدأ التأديب ومحاسبة النفس، وجعل المخطئ يحدث نفسه ويؤنب نفسه على ما فعل، وذلك عن طريق العقوبة التخييرية؛ فمثلًا جعل الله عز وجل كفارة اليمين، أو الإيلاء، أو النذر: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، وذلك على التخيير، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

إن هذا الأسلوب الرباني هو الأسلوب الأمثل في معاقبة الأبناء، فإذا ما أخطأ الطفل خيرناه بين عقوبات متعددة مناسبة، وبذلك نجعل الحوار الداخلي للطفل بينه وبين الخطأ الذي ارتكبه، وليس بينه وبين والديه، وكذلك أيضًا نكون قد حافظنا على قدر ومنزلة ورهبة الوالدين في نفوس أطفالنا.

___________________________________________

(1) موقع الشبكة الدعوية، بتصرف من مقال: أرجوك يا أبي أعد إلي يدي، للأستاذ محمود القلعاوي.

(2) موسوعة التربية العملية للطفل، هداية الله أحمد شاش.

(3) موقع: مجلة الرائد الأسري، مقال بعنوان: معاقبة الأبناء تأديب أم تعذيب.

(4) موقع: صيد الفوائد، مقال بعنوان: أسلوب ذكي لمعاقبة الأبناء، د. جاسم المطوع.