logo

لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد


بتاريخ : الأحد ، 15 ذو القعدة ، 1436 الموافق 30 أغسطس 2015
بقلم : م. يوسف مزهر يحيى عباس
لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد

في عصرنا الحالي ظهر العديد من الأمراض والفيروسات الخبيثة؛ مثل: الكوليرا والسل، التي تصيب جسم الإنسان، وربما تودي بحياة الشخص المريض إذا لم يعالج منها علاجًا كاملًا أو يحتاط لها بسبل الوقاية اللازمة.

ولكن هناك عدة أنواع من الأمراض والفيروسات الخبيثة التي قد تلحق ضررًا بالغًا بمجمل الكيفية والأساليب التي يدير بها كل إنسان وقته، وتعتبر المماطلة أو التسويف واختلاق الأعذار من أكثر هذه الأمراض خطورة؛ بل وتعد العدو الأول لإدارة وتنظيم الوقت، الحقيقة أن لا أحد يحب المماطلة واختلاق الأعذار، فهو وباء على حياتهم، فما هو التسويف؟ ولماذا نماطل؟ وكيف نتوقف عن اختلاق الأعذار؟

ما هي المماطلة؟

كلمة تصف واحدًا من أكثر الأمراض المنتشرة التي عرفتها الإنسانية، وهي واحدة من أكثر العادات مكرًا وغدرًا.

وإذا قمنا بتعريف المماطلة فسنجدها هي: أن تقوم بمهمة ذات أولوية منخفضة بدلًا من أن تنجز مهمتك ذات الأولوية العالية، أو الميل لتأجيل وأداء المهام والمشروعات وكل شيء حتى الغد أو بعده بقليل، وفي مرحلتها النهائية عن طريق اختلاق الأعذار، ونظرًا لأنه يتم تأجيل كل شيء فإنه لا يتم أداء أي شيء، وإن تم أداءه فإنه سيجيء مبتورًا وناقصًا وغير مكتمل، مثلًا تتناول كوبًا آخر من الشاي بدلًا من أن تعود إلى عملك أو مذاكرتك بالتعذر بأنك محتاج إلى كوب آخر حتى تستعيد انتباهك، تجلس لمشاهدة التلفاز بينما ينبغي عليك الذهاب لإنجاز أحد أهم أنشطتك، وتتعذر بأن هناك متسعًا من الوقت لإنجاز ما نريد فيما بعد، وعقب فترة الحضانة تلك بمدة قصيرة للغاية يبدأ فيروس التسويف في الانتشار، ويبدأ الإنسان ينتقل من أزمة لأخرى، وتكون المحصلة عدم إنجاز أو إتمام أي شيء بالكفاءة والدقة المطلوبتين.

هل أنت مماطل؟

لتحديد ما إذا كنت قد أصبت بمرض المماطلة أم لا نطرح عليك بعض الأسئلة التالية، التي تحدد الإجابات عليها درجة خطورة المرض واستفحاله:

هل أنا من أولئك الأشخاص الذين يخترعون الأسباب أو يجدون الأعذار لتأجيل العمل؟

هل أكون محتاجًا دائمًا للعمل تحت ضغوط شديدة لكي أكون كفئًا ومنتجًا؟

هل أتجاهل اتخاذ تدابير صارمة لمنع تأجيل أو تأخير إنجاز أي مشروع؟

هل أفشل في السيطرة على المشكلات غير ذات العلاقة بالمهمة والمعوقات الأخرى التي تمنع استكمال المهمة؟

هل أشعر أحيانًا بأنني لا أهتم بإنجاز العمل؟

هل أكلف الزملاء بأداء عمل من الأعمال التي لا تروق لي؟

هل أترك المجال للمواقف السيئة حتى تستفحل بدلًا من التصدي للمشكلة في الوقت المناسب؟

إن غلبت الإجابة على هذه الأسئلة بكلمة (دائمًا) فإن الفيروس سيكون قد انتشر في كل أنحاء الجسد، وإن كانت الإجابات الغالبة هي (بعض الأحيان) فلا يزال هناك متسع من الوقت لتناول الدواء الشافي، أما إن غلبت الإجابة بكلمة (قليلًا) فإن الفيروس لا يزال يمر ببدايات فترة الحضانة، ولكن ومهما كانت الإجابات ستجد كلًا منا يماطل في هذا الجانب أو ذاك، وذلك لسبب بسيط هو أن معظم البشر يماطلون أيضًا، فعلى سبيل المثال هناك العديد من المديرين الذين يستعدون لاجتماعات مهمة في لحظة أو قبل دقائق قليلة من موعد الاجتماعات، وأيضًا يوجد العديد من الطلاب وتلاميذ المدارس ممن لا يعكفون على استذكار دروسهم إلا خلال الليلة التي تسبق الامتحان النهائي، يتقدم البعض لشغل وظيفة من الوظائف بعد انتهاء موعد التقديم، إن كل هذه الأمثلة تعد نماذج من أشكال المماطلة واللامبالاة المتعددة.

صفات المماطلين واللامباليين:

يتسم المماطلون بصفات سلبية عدة من أهمها:

- أنهم يرغبون في فعل شيء ما؛ بل ويتخذون قرارًا بهذا الشأن.

- عادة ينتهي بهم الأمر لعدم أداء أي شيء؛ لأنهم لم يتابعوا تنفيذ قراراتهم.

- يدركون، ولو جزئيًا، النتائج السلبية لعدم قيامهم بتنفيذ قراراتهم؛ أي أنهم يعانون.

- يمتلكون مواهب عالية لاختراع الأعذار لعدم إنجاز ما كان يجب عليهم إنجازه، وذلك في محاولة لكبت ما يسمونه بتأنيب الضمير.

- يغضبون بسرعة، ويتخذون قرارات جديدة.

- لا ينفذون هذه القرارات الجديدة أيضًا، وبهذا يماطلون أكثر.

- يستمرون في تكرار الأشياء نفسها، ويسيرون في الدائرة ذاتها حتى تنشأ أزمة لا يستطيعون حلها؛ ومن ثم لا يجدون أمامهم إلا خيارًا واحدًا وهو إنجاز ما بدءوه.

إن أسوأ ما في المماطلة والتسويف هو تحويلها لنمط من الحياة قد لا نشعر به؛ وذلك بسبب تحويلها إلى عادة، إلا أنها بكل أسف عادة سلبية لا تؤدي إلا لمزيد من الضغوط والمشكلات والصعوبات.

أعراض التسويف أو المماطلة:

يمكن توقع ومنع ومحاربة المماطلة، وذلك بتطبيق آليات عدة، هناك سلوكيات وأفعال تكون أعراضًا لمرض المماطلة، والتي يجب أن تنتبه إليها دائمًا وتتفاداها:

- ترك العنان للتفكير بحيث تأخذنا الأحلام أو الذكريات بعيدًا عن العمل أو المذاكرة؛ مثل: التفكير في الإجازة، أو استرجاع ذكريات سابقة، أو التفكير بالنوم.

- الاستجابة طواعية للعوائق التي تحول دون إنجاز العمل؛ مثل: سيل المحادثات التليفونية اليومية، الزيارات المتكررة التي يقوم بها الأهل والأصدقاء نتيجة لعدم تحديد موعد مسبق، متابعة التلفاز لفترات طويلة...

قد يحدث أحيانًا أننا لا نترك هذه المعوقات تحدث فحسب؛ بل قد نشعر بالسعادة لوقوعها أحيانًا لأنها تأخذنا بعيدًا عن عناء العمل والواجبات المدرسية؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تزايد الارتياح النفسي لمثل هذه المعوقات، والوقوع تحت سيطرتها.

- قضاء فترات طويلة في تناول القهوة والشاي، أو وجبة الغداء، أو الذهاب في مشوار طويل يستغرق كثيرًا من الوقت.

- تركيز الاهتمام على إنجاز الأعمال الثانوية والغير مهمة بدلًا من التركيز على ما يجب إنجازه فقط.

- قضاء وقت طويل لإنجاز مهمة بسيطة لا تستدعي كل ذلك الوقت.

- الخوف من الفشل يكون أحيانًا أحد الأسباب التي تدفع الفرد إلي المماطلة.

الخوف من الفشل:

الخوف هو أكثر الأعراض وضوحًا وأكثرها تكرارًا، ويساعد على التفشي السريع لفيروس المماطلة، وعندما لا ينجز الإنسان عمله أو يقوم بتأجيله يومًا بعد آخر فإنه يسعى في واقع الأمر لحماية نفسه، وإذا لم يحاول فإنه، وبكل وضوح، لن يفشل إلا أنه في الوقت ذاته لن يتمكن من إحراز أي نجاح، ويجب ألا يغيب هذا عن بالنا ولو للحظة واحدة.

إن الفشل في مواقف سابقة لا يعني أننا سوف نفشل مرة أخرى، فإن الحياة تتغير دائمًا ويجب النظر إلى الأخطاء السابقة كمصادر مهمة لمعلومات في غاية الثراء، وعليه يجب أن نتذكر القول المأثور: "لا خوف ولا خجل من عثرة الحجر"، إن المخيف والمخجل هو التحرك أو التعثر على الحجر نفسه مرتين.

الأضرار الحقيقية للمماطلة:

- من أكثر مضيعات الوقت خطورة.

- يخرج خطتك عن مسارها.

- يراكم العمل.

- قد يحرمك من النجاح، حيث أننا غالبًا ما نؤجل الأعمال الصعبة، المتعبة، غير المحببة، والثقيلة على النفس.

والآن ربما نتساءل: ما الذي يدفعنا للمماطلة واختلاق الأعذار بعد كل هذه الأضرار المترتبة عليه؟ ما الذي يدفعنا إلى تأجيل الأمور المهمة والتي يمكن أن تحدث تغييرًا في حياتنا؛ مثلًا لِمَ لا نذاكر ونحن نعرف أن دخول الجامعة يتطلب تقديرًا عاليًا، وذلك مع رغبتنا في دخولها!!

لماذا نماطل ونختلق الأعذار؟

هناك أسباب كثيرة تدفعنا لذلك، منها:

- الكسل: حين تقول لنفسك: «أنا الآن غير مستعد لإنجاز هذا العمل»، إذن لماذا لا أؤجله؟

- الأعمال غير المحببة تدفع الإنسان إلى التأجيل، وهو السبب الأكثر شيوعًا.

- الخوف من المجهول، إننا نعتبر كل مهمة نكلف بها من المجهول إذا لم نبدأ بها، فإذا بدأنا بها زال الخوف.

- انتظار ساعة الصفاء والإبداع، وهي لا تأتي وحدها، يجب أن نبدأ ونبحث عنها.

- الأعمال الصعبة والكبيرة تشجع الإنسان المماطل على تركها ريثما يتاح وقت أطول لإنجازها.

- التردد والرغبة الملحة في أن يكون الشخص مصيبًا دائمًا.

- الخوف من أن تخطئ.

- البحث عن الإنجاز المطلق والأمثل، والذي لن يتحقق.

كيف نقضي على المماطلة والتسويف:

أهمية وضع الأهداف:

أسهل طريقة لمعالجة المماطلة هي ألا ندعها تبدأ من الأساس، ولكن ماذا نفعل إذا تسللت إلى حياتنا؟ إن الأشخاص الناجحين في حياتهم هم ممن يتحدثون بوضوح وبساطة عن أهدافهم، وبذلك تكون أهدافهم قابلة للتحقيق بأسرع ما يمكن؛ لأنهم قد حددوا أهدافهم بطريقة دقيقة متسلسلة ومقسمة إلى أجزاء؛ مما يجعل عملية إنجاز أهدافهم تسير بأسرع مما نتصور.

لكي نحدد أهدافنا بشكل قاطع ونهائي يجب النظر في هذه الأسئلة.

- ما هي أهدافنا؟ مثال على ذلك: "أنا أريد أن أحصل على مجموع عالٍ لأستطيع الالتحاق بالجامعة، وبالتخصص الذي أريد، وهو هندسة الحاسب الآلي".

- هل نرغب حقيقة في تحقيقها؟ "هل أنا جاد في رغبتي في الحصول على معدل عالٍ؟".

- ما هو الزمن الذي ينبغي أن نستغرقه كل يوم أو كل أسبوع لتحقيق أهدافنا؟ "كم ساعة أضعها لدراسة المواد وحل الواجبات؟".

- هل نحن جديرون بتحقيق أهدافنا؟ "هل أنا قادر على العمل لتحقيق هذا الهدف؟ هل أنا أستطيع المثابرة على متابعة دروسي لأحصل على نجاح بتفوق؟"، وتذكر أنك تمتلك قدرات على تحقيق أهدافك أكثر مما تظن وتتوقع.

- هل تساورنا مخاوف أو قلق أو تناقضات تتعلق بتحقيق جزء من خطتنا للوصول إلى أهدافنا؟ "هناك بعض المسائل الرياضية أو الفيزيائية... لم أفهمها، أنا لدي خوف شديد وأتعرض للقلق من قاعة الامتحان، والداي يريدان أن أدخل كلية الطب".

- ما هي أكبر العقبات في رأينا التي تحول دون تحقيق أهدافنا؟ وهي تختلف من شخص لآخر، وغالبًا ما تكون عقبات داخلية نابعة من الشخص نفسه أو من داخل المؤسسة.

- هل نحن على استعداد لبذل كل ما لدينا من طاقة ومقدرة لتجاوز هذه العقبة؟ إذا كانت الإجابة بلا فلنطرح السؤال التالي: هل أرغب حقيقة في الوصول لهذا الهدف؟ وإن كانت الإجابة مرة أخرى بلا أيضًا فإننا ننصح عندها بعدم تضييع أي وقت، وأن تختار هدفًا آخر.

مثال على ذلك: يحدث أحيانًا بأننا نختار الهدف الأفضل والمثالي وليس الهدف المناسب لقدرات الشخص أو المؤسسة، واختيارنا لهدف آخر ليس مشروعًا فحسب؛ بل في غاية الذكاء طالما سيوفر الوقت والجهد، فيجب أن نشرع في العمل على الفور.

اقض على المماطلة:

بعد أن وضعنا أهدافنا يجب أن نفكر رأسًا في التنفيذ، وهنا تظهر قدرة الإنسان على اختلاق وتأليف الأعذار، وأسوأ ما تتميز به عملية اختلاق الأعذار هو أننا وعند لحظة اختلاق العذر نبدأ في الاقتناع بأنه حقيقي، إنها آلية دفاع طبيعية وتلقائية عن النفس تحمي عشقنا لذواتنا، خاصة عندما تحركنا القوة الدافعة، وتأمرنا لأن نكون مثاليين، كما أن عقلنا الباطن يبدع ويتفنن في اختلاق الأعذار وبمهارة فائقة، كيف يمكننا أن نتخلص من عملية اختلاق الأعذار؟

- وضع وقت محدد للإنهاء من كل مهمة.

- خذ على نفسك عهدًا، وقل لنفسك لن أختلق الأعذار لتأجيل الأعمال.

- تعاهد مع نفسك بأنك لن تقوم من مكانك حتى تنتهي من الجزء الذي قررت أن تنهيه لهذا اليوم.

- اكتب قائمة بالأشياء التي تؤجلها دائمًا، حلل هذه القائمة، لاحظ وجود نمط معين من هذه الأعمال.

- شجع نفسك واسألها: ما المشكلات التي سوف أسببها لنفسي حين أؤجل هذا العمل؟ اكتب تلك المشكلات في قائمة، الآن هل تريد فعلًا أن تعيش وسط كل هذه المشكلات؟ اجعل لنفسك حافزًا يدفعك لإنجاز هدفك، أعد لنفسك مكافأة عند الانتهاء من العمل، مثلًا كإجازة خاصة إضافية، أي شيء أنت تحبه.

أفضل طريقة للتعامل مع المهام التي تؤجلها دائمًا هي أن تبدأ بها فورًا، أخيرًا لا تتردد وتذكر أن إنجاز مهام عديدة جيدة خير من محاولة إنجاز مهمة واحدة مثالية، تذكر أيضًا حكمة "لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد"، فابدأ العمل الآن، وانجز العمل.

______________

المصدر: موقع مهارات النجاح للتنمية البشرية