التنمية البشرية وتطبيقاتها في مجال تربية الأطفال
عندما نربي الأطفال فنحن نؤسس المجتمع، لأنهم اللبنة التي سيعتمد عليها المجتمع ككل، وإن أردنا مجتمعًا متميزًا متطورًا لا بد من أن نبني جيلًا من الأطفال المتميزين الواثقين في قدراتهم وأنفسهم، فـ التنمية البشرية وتربية الأطفال وجهان لعملة واحدة هي خلق طفل ناجح واعي يستطيع التكيف مع المجتمع والتأثير فيه دون أن يرهق أسرته أو يضر نفسه.
فكم من أم تشتكي من سوء معاملة طفلها معها أو عناده وعدم طاعته للأوامر، وكم من أب استنفذ كل طرق العقاب مع أبنائه، حتى صار لديهم حالة من التبلد وانكسر عندهم حاجز الخوف من الأب، فلم يعد العقاب يؤتي ثماره ولم يعد هناك وسيلة للسيطرة عليهم، كل هذه الأعراض يمكن التغلب عليها عن طريق التنمية الذاتية للأطفال.
علاقة التنمية البشرية وتربية الأطفال
هناك علاقة طردية بين التنمية البشرية وتربية الأطفال، فعند القيام ببناء قيمة الذات عند الأطفال ومساعدتهم على الشعور بأنهم قادرون على التعامل مع ما يأتي في طريقهم من مواقف منذ الولادة، يتعلم الأطفال مهارات جديدة بمعدل مذهل. وإلى جانب تلك القدرات الجديدة، يكتسبون أيضًا الثقة في استخدامها وينشئون نشأةً سليمة.
وعندما يكبر الأطفال، سيكونون أسوياء بالدرجة الكافية التي تؤهلهم للتعامل مع كافة الأمور والمشكلات، فمن الصعب أن نجد طفلًا ذاته متطورة يعاني من العلل النفسية، أو العقد، أو لديه حالة من الكرة للوالدين.
ولكي يتطور الأطفال، يجب أن يثقوا بقدراتهم الخاصة، وفي نفس الوقت يعرفون أن بإمكانهم التعامل مع أي مشكلة لم ينجحوا في اجتيازها؛ من خلال تجربة التمكن والتعلم من الفشل، فهكذا ستتطور لديهم الثقة بالنفس بشكل صحي، فليس عيبًا أن يفشل الطفل مرة واثنين وثلاثة، ولكن العيب أن يستسلم للفشل.
توماس إديسون مخترع المصباح الكهربائي الشهير، تم فصله من المدرسة لأنهم رأوا أنه طفل فاشل وغبي، ولكن إيمان أمه به وقيامها بتطوير ذاته وتنمية شخصيته حولاه 180 درجة، فأصبح مخترع عبقري خلده التاريخ ورغم فشله عشرات المرات في اختراع المصباح، إلا أنه كان يتعلم مع كل محاولة فاشلة يقوم بها حتى استطاع أخيرًا اختراع المصباح الذي لولاه لعشنا في ظلام دامس.
طرق تنمية مهارات الأطفال
سأذكر لكم 12 طريقة يمكن من خلالها إعداد الأطفال؛ ليكونوا قادرين على تحقيق أقصى استفادة من مهاراتهم ومواهبهم.
يجب أن تكون قدوة لهم في الثقة بالنفس:
الأطفال يتأثرون بما يرون أو يسمعون، لذا عليك أن تكون قدوة حسنة لهم، لديك ثقة عالية بالنفس حتى لو كنت لا تشعر بذلك! عليك أن تحاول فمجرد رؤيتك وأنت تتعامل مع المواقف بتفاؤل والكثير من الحكمة والاستعداد يعد مثالاً جيدًا للأطفال.
وهذا لا يعني أن عليك أن تتظاهر بالمثالية. ولكن لا تعترف بقلقك لهم ولا تركز عليه في حديثك معهم، فقط ركز على الأشياء الإيجابية التي تقوم بها للاستعداد لمواجهة الموقف.
لا تنزعج من الأخطاء:
ساعد الأطفال على معرفة أن كل شخص يرتكب أخطاء حتى أنت نفسك أحيانًا تقع في الخطأ، ولكن الشيء المهم هو التعلم منها حتى لا نكررها، أخبرهم أن الأشخاص الواثقون لا يضعون الخوف من الفشل عقبة في طريقهم، وهذا ليس لأنهم متأكدون من أنهم لن يفشلوا أبدًا، ولكن لأنهم يعرفون كيف يتعلمون من أخطائهم وفشلهم السابق.
شجعهم على تجربة أشياء جديدة:
بدلاً من تركيز كل طاقاتهم على ما يتفوقون به بالفعل، ويجيدون عمله، شجعهم على تعلم شيء جديد فمن الجيد أن ينوع الأطفال في أدائهم؛ لأن تحقيق مهارات جديدة يجعل الأطفال يشعرون بالقدرة والثقة في أنهم يتمكنون من معالجة أي شيء يأتي في طريقهم، دون الاعتماد على الوالدين، وهذا بدوره يعزز الثقة بالنفس لديهم.
اسمح للأطفال بالفشل:
من الطبيعي أن ترغب في حماية طفلك من الفشل، ولكن التجربة والخطأ هي الطريقة التي يتعلم بها الأطفال، وحتى إذا حاولت أن تنقل له خبراتك وتجاربك السابقة، عليك أن تتركه يحاول ويفشل.
لأن القصور في تحقيق الهدف يساعد الأطفال على اكتشاف أنه هذا ليس قاتلاً، بل هو أمر طبيعي يمكن أن يحدث لأي شخص في أي عمر، كما يمكن أن يحفز الفشل الأطفال أيضًا على بذل المزيد من الجهد، الأمر الذي سيخدمهم جيدًا مثل البالغين.
الثناء والمثابرة:
عليكم أحبائي بالثناء على تصرفاتهم وتعليمهم المثابرة وعدم الاستسلام عند الإحباط الأول أو النكسة الأولى في حياتهم؛ لأن هذه مهارة من أهم مهارات الحياة الهامة، لأن الثقة واحترام الذات لا يتعلقان بالنجاح في كل شيء طوال الوقت، بل يتعلقان بالمرونة الكافية للاستمرار في المحاولة، وعدم الشعور بالأسى إذا لم تكن تلك المحاولة هي الأفضل.
مساعدة الأطفال في العثور على شغفهم:
من أكثر الأشياء التي تعزز ثقة الأطفال بأنفسهم، استكشافهم لاهتماماتهم الخاصة؛ لأن هذا يساعد الأطفال على تنمية الشعور بالهوية، وهو أمر ضروري لبناء الثقة عندهم. وبطبيعة الحال، عندما سيشعرون بأن مواهبهم تنمو وتثقل، سيعطيهم هذا دفعة قوية لثقتهم بأنفسهم.
تحديد الأهداف:
يجب أن نتفق جميعًا أن تحديد الأهداف، الكبيرة والصغيرة، وتحقيقها يجعل الأطفال يشعرون بالقوة، لذا عليك أن تساعد طفلك على تحويل رغباته وأحلامه إلى أهداف عملية؛ من خلال تشجيعه على إعداد قائمة بالأشياء التي يرغب في تحقيقها. ثم تدربه على تقسيم الأهداف طويلة الأجل إلى معايير واقعية يمكن تنفيذها، ومن ثم تقوم بالتحقق من اهتماماته، ومساعدته على تعلم المهارات التي سيحتاج إليها كي يحقق تلك الأهداف.
الاحتفال بالجهد بالمبذول والفخر بهم:
إن الإشادة بإنجازات الأطفال أمر رائع، فهي تخلق لديهم نوع من الدعم النفسي، لذا من المهم إعلامهم بأنك فخور بجهودهم بغض النظر عن النتيجة، لأن تطوير أي مهارات جديدة يتطلب عملاً شاقًا، وقد لا تكون النتائج فورية دائمًا.
لذا دع الأطفال يعرفون جيدًا أنك تقدر العمل الذي يقومون به مهما كان حجمه، سواء كانوا أطفالًا صغارًا يبنون بيوتًا على الرمال، أو مراهقين يعلمون أنفسهم العزف على الجيتار.
أعطهم مهام وتوقع منهم أن ينجحوا فيها:
الأطفال قد يشكون أحيانًا، لكن اعلم جيدًا أنهم يشعرون بمزيد من التواصل والقيمة عندما يتم الاعتماد عليهم للقيام بوظائف مناسبة لأعمارهم، بدايةً من التقاط الألعاب من على الأرض إلى إعداد الأطباق، إلى حمل الأشقاء الأصغر سنًا، وحقيقةً تعد الأنشطة المنزلية وأنشطة ما بعد المدرسة رائعة ومثالية لإكساب الطفل مهارات حياتية هامة.
احتضان النقص لديهم:
نحن – كبالغين – نعلم تمام العلم أن الكمال لله وحده سبحانه وتعالى، وأنه لا يوجد شخص على وجه الأرض يتسم بالكمال؛ دائمًا ما يكون هناك شيء ناقص؛ لذا من المهم أن يتلقى الأطفال هذه الرسالة في أقرب وقت ممكن، ومن الضروري أن يعلموا أن الله سبحانه وتعالى وزع النعم على عباده بالتساوي.
فمن لديه المال قد يفتقد الأبناء، ومن لديه الصحة قد يفتقد المال وهكذا. يجيب أن نساعد الأطفال على معرفة ذلك وأن الكمال الذي يرونه على التلفزيون أو في مجلة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأحد الأصدقاء ليس كما يبدو دائمًا.
وفكرة أن الآخرين دائمًا سعداء وناجحون ويرتدون ملابس رائعة هي فكرة خيالية ومدمرة. بدلاً من ذلك، ذكّرهم بأن كونهم لم يصلوا لمرتبة الكمال، فهذا مؤشر على أنهم بشر طبيعيون وبخير تمامًا لأننا خلقنا هكذا.
إعدادهم للنجاح وعدم تحميلهم أكثر مما يحتملوا:
تعتبر التحديات جيدة للأطفال، لكن يجب أن تتاح لهم أيضًا الفرص التي يمكنهم من خلالها التأكد من نجاحهم، لذا عليك أن تساعد طفلك على الانخراط في الأنشطة التي تجعله يشعر بالراحة والثقة الكافية لمواجهة التحدي الأكبر، ولا تفرض عليه أنشطة تكون أكبر من سنه وقدراته.
اظهار حبك لهم في كل الأحوال
دع طفلك يعرف أنك تحبه مهما كان الأمر، تحبه عند الفوز أو الخسارة في اللعبة الكبيرة، تحبه عندما يحصل على الدرجات الجيدة أو السيئة في المدرسة، حتى عندما تكون غاضبًا منه.
تأكد من أن طفلك يعرف أنك تعتقد أنه رائع في كل أحواله، وليس فقط عندما يفعل أشياء رائعة؛ لأن هذا سيعزز من قيمته الذاتية حتى عندما لا يشعر بالرضا عن نفسه لن يدخل في جلد الذات وغيرها من المعيقات؛ لأنه يعلم أن هناك من يحبه ويدعمه.
كل هذه المهارات التي ذكرتها لكم عند تطبيقها ستساهم بشكل كبير في التنمية البشرية وتربية الأطفال، ولن تعانوا مع أبنائكم خلال مراحل حياتهم؛ لأنكم هكذا ستكونون قد قمتم ببناء الشخصية السوية الرائعة للطفل.
المصدر: مدونة تطوير الذات والتنمية البشرية