logo

ما هي الرسالة وما الرؤية؟


بتاريخ : الجمعة ، 15 جمادى الأول ، 1436 الموافق 06 مارس 2015
بقلم : د. صلاح صالح الراشد
ما هي الرسالة وما الرؤية؟

حكي عن حكيم عربي قال: «ليس للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئًا نناضل من أجله».

أولًا: تعريف الرسالة:

الرسالة لغة: الواسع والشيء اللطيف أو الطفيف، والخطاب المرسل إلى فرد أو جماعة، والكتاب المشتمل على قليل من المسائل تكون في موضوع واحد.

الرسالة اصطلاحًا: هي المهمة أو الدور، وهي ما تود أن تسير عليه في الحياة، تقول لشخص: ما رسالتك في الحياة؟، أو ما دورك في الحياة؟، أو ما مهمتك في هذه الحياة؟، وهي عن شيء عام وطريق دائم.

ثانيًا: تعريف الرؤية:

الرؤية لغة: النظر بالعين والقلب، والرؤيا ما رأيته في المنام، والرؤية: الإبصار، ومنه رؤية هلال رمضان لأول ليلة منه.

والرؤية اصطلاحًا: هي النتيجة النهائية التي تسعى شخصيًا لصنعها، يعني هي ما تود الوصول إليه.

الرؤية كلمة عامة للأهداف، بما أن الأهداف تنقسم إلى بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى. * الرسالة = مهمة.

* الرؤية = خطة قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى.

مقارنة بين الرسالة والرؤية:

الرسالة:

-  غير محددة بهدف؛ مثال: "رسالتي أن أُعلِّم الناس"، فذلك شيء لا ينتهي، فأنت تعلم الناس حياتك كلها.

- اتجاه ليس له حسبة.

- غاية.

-  تحس وتستشعر.

-  نوعية.

الرؤية:

- مقصد وهدف تصل إليه، مثال: "رؤيتي أن أكون مديرًا"، شيء محدد ويجب أن ينتهي، فبعد أن تكون مديرًا تكون قد أنهيت مهمتك.

-    نتيجة تقاس وتحسب.

-    وسيلة.

-    تعد وتقاس بالعقل.

-    كمية.

وقد وردت الرؤية والرسالة في القرآن الكريم بالمعنى الذي نريد هذا مرارًا، منها في قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِين} [الفتح:27].

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب بالعودة إلى مكة المكرمة، وكان يخطط لذلك، فرأى بعدها رؤيا في المنام، فصدق الله عليه الرؤيا بالتحقيق، ومثلها في قصة يوسف عليه السلام قوله: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف:100].

وغالبًا ما تطلق الرؤيا على المنام، لكنها تبدأ أو تنشأ في الخيال.

ووردت الرسالة في قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِين} [الأعراف:79]، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67]، وفي مواقع أخرى كثيرة.

إذًا هكذا نكون قد عرفنا الرسالة والرؤية، فدعني أحدثك عن الشخص الذي عنده رسالة ورؤية، وعن الشخص الذي لا يحمل رسالة ولا رؤية.

الشخص الذي يحمل رسالة ورؤية كمثل قبطان السفينة، ينقل البضائع بين البلدان، ويعرف الموانئ الجيدة من الموانئ الغير جيدة، كما أنه يعرف أماكن القراصنة، ويعرف متى تأتي العواصف، وكيف يتصرف معها إذا أتت، ويعرف كيف يدير البحارة والاتصال بهم، وهكذا هو واضح في اتجاهاته ومقاصده، بينما الشخص الذي لا رؤية له ولا رسالة كمثل قبطان السفينة الذي لا يدري اتجاهه، ولا يعرف عن القراصنة شيئًا، ولا دلالة له في الأجواء البحرية أو إدارة البحارة؛ فهو أحيانًا يتمتع بالهواء الطلق، لكنه أحيانًا يتعرض لقرصنة، وأحيانًا ينزل في ميناء أهله مضرون، وأحيانًا يخسر بعض رجاله بسبب العواصف التي لا يعرف كيف يتعامل معها.

إن الشخص الذي لا رسالة ولا رؤية له معرض لهزات اجتماعية، ونكبات مالية، واضطرابات نفسية؛ فأغلب الذين لا رؤية ولا رسالة لهم يدركون هذا الكلام متأخرًا، إن كل يوم يمر عليه هو محسوب عليه، بينما صاحب الرسالة والرؤية كل يوم يمر عليه محسوب له، إن قبطان السفينة الواضح في اتجاهه ومقصده يكون الوقت لصالحه؛ لأنه كلما مر الوقت قرب من هدفه وحقق رسالته.

إن كل إنسان يحمل رسالة واضحة فهو عظيم، وكل إنسان ليس له رسالة فهو مشرد، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الجماعة وعلى الدولة وعلى الأمة.

لما وضع نيل أرمسترونج قدمه على القمر في عام 1969م، عادت بالناس الذكريات لكلمة جون كينيدي، رئيس الولايات المتحدة، عندما قال في بداية الستينات: «قررنا أن ننزل القمر في نهاية هذا العقد»، فبمجرد ما رسم كينيدي لأمته هذه الرؤية تطور الأمر، وسخرت السبل، ووطئ أرمسترونج بقدمه القمر.

إن أعظم فتح شهدته الدنيا الفتح الأعظم لمكة، عندما خرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة، لم يكن في قرارة نفسه أنه لن يعود؛ بل كان يعلم يقينًا أنه عائد يومًا ما، ولما استقرت في نفسه هذه الرؤيا الواضحة قال له تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص:85]، ولم يمض يوم إلا وهو يرى بوضوح عودته إلى منبع الرسالة، فرأى في المنام رؤيا دخوله إلى مكة، فأقره الله تعالى قائلًا: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح:27].

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أوضح الناس في رسالته ورؤيته، فتراه عندما يُسأل عن هدفه أو دوره أو رسالته أو مقصده يجيب بسرعة ناطقة من صميم نفسه الشريفة، وعمق روحه العفيفة: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» [صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/464(].

أنواع الناس في الرسالة والرؤية:

الناس أربعة أنواع في الرسالة والرؤية:

1- من لهم رسالة ورؤية: فهؤلاء يعرفون مسارهم وتخصصهم فيه، ولديهم أهداف واضحة، فهؤلاء العظماء المؤثرون، السعداء، الأقوياء، المنتجون، الواضحون، مثلهم مثل الأنبياء والرسل والقادة، الذين غيروا في أمتهم ومجتمعاتهم، وأروع الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرته مليئة بالمثل الصحيح والقويم، وأروع القادة والإصلاحيين العمرانيين عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما.

2- من لهم رسالة دون رؤية: فهؤلاء يعرفون مسارهم، لكن ليس لديهم خطة مكتوبة، فهم صالحون، نافعون، والقادة والمربون، وهؤلاء جيدون غير أنهم غير واضحين في تحقيق الرسالة، ليس لديهم خطة ومتابعة، وفيهم جمع كبير، ربما الأكبر، من المتدينين والمشايخ، وهؤلاء عادة ما يحققون السعادة دون النجاح.

3- من لهم رؤية دون رسالة: فهؤلاء يعرفون ما يريدون دون أن يحددوا مسار حياتهم، مثلهم مثل العاملين في مؤسسات هادفة، والتجار المركزين في تجارتهم فقط من أجل المال والنجاح، وهؤلاء جيدون في الخطوط الثانية، في سير الحياة، لكن عادة ما يحققون النجاح ولا يحققون السعادة.

4- من لا رسالة ولا رؤية لهم: فهؤلاء لا يعرفون مسارهم في الحياة، ولا يعرفون ما يريدون، فهم أنواع، منهم الحائرون، فهؤلاء عليهم تحديد مساراتهم وتخطيط حياتهم، وهناك نوع غائب في معطيات الدنيا، غائص في اللذات فحسب، ليس لحياته سوى البحث عن المتعة.

إن المتعة شيء جميل للإنسان، لكنها ليست غايته، وليست هي مطلبه الوحيد.

إن الرسالة مرتبطة ارتباطًا عميقًا بالسعادة، والرؤية مرتبطة ارتباطًا عميقًا بالنجاح، ولك الخيار لو شئت أن تجمع بين الرسالة والرؤية لتحصل على السعادة والنجاح معًا.

_______________

المصدر: كتاب "كيف تخطط لحياتك"، للدكتور صلاح صالح الراشد