عصبية الطفل الأسباب والعلاج
لا شك أن العصبية تكون بشكل عام عند معظم الأشخاص، كبارًا كانوا أو صغارًا، ولكن تختلف عصبية الكبار وأسبابها ودوافعها، عن عصبية الأطفال الصغار، ومرحلة الطفولة حتى مرحلة ما قبل المدرسة، ولا شك أن هناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى العصبية عند الأطفال، بالإضافة إلى كثير من الدوافع التي تؤدي في النهاية إلى نشأة الطفل العصبي، فما هي تلك الدوافع والأسباب التي تصنع العصبية لدى الأطفال؟ وما هي أهم الحلول للقضاء على تلك العادة السيئة منذ الصغر؟
إن معظم المشكلات النفسية للأطفال هي مشكلات مكتسبة من الواقع الخارجي، وليست فطرية أو موروثة؛ مما يعطي دفعة إيجابية للأسرة؛ فما دام أن السلوك مكتسب، إذًا يمكن أن يعدل ويعالج؛ لأنه من الخارج، والعصبية من ضمن المشكلات النفسية والسلوكية المكتسبة للأطفال، فالعصبية والعناد والكره وما شابه ذلك، هي رسائل يرسلها الطفل لوالديه كنوع من الشكوى وإثارة الانتباه في الوقت نفسه من شيء في نفسية الطفل لا يستطيع أن يعبر عنه الطفل بالكلام؛ كالمشاعر والأفكار والآلام والآمال والاحتياجات، بالإضافة إلى تسجيل اعتراضه على سلوك معين؛ وبالتالي على الأب والأم قراءة الرسالة، والانتباه إليها جيدًا، والاستعداد للرد عليها، ومحاولة حل المشكلات إذا وُجدت.
ودائمًا ما يكون لدى الطفل قابلية للتغيير والتعديل؛ لأن الأصل أن يكون الطفل مبدعًا وإيجابيًّا وصالحًا، بالإضافة إلى أن كل طفل يتمنى أن ينجح وأن يكون محبوبًا ومتفوقًا، ولكن قد يفتقد المهارات التي تحقق له ذلك، كما أنه قد يفتقد المساعدة في بعض الأحيان بسبب غفلة الأب والأم عنه، فنحن من نصنع سلوكيات أبنائنا، سواء الإيجابية أو السلبية؛ فالأب يشترك مع الأم في صناعة شخصية الطفل العصبية من خلال أسلوب التربية المستخدم مع الطفل، ودائمًا يقال في الأمثال: أرني طفلك، أقل لك من أنت؛ أي: أخبرني أيها الأب عن أسلوبك في التربية، ومن خلاله أتوقع تكوين شخصية أطفالك في المستقبل.
وعلى الآباء ضرورة مساعدة الأطفال للقضاء على هذا السلوك السيئ حتى لا يستمر معه، ويكون سمة وعلامة أساسية في تكوين الشخص حتى الكبر؛ لأنه إذا استمر على هذه العصبية سيكون مراهقًا عصبيًّا، ثم شابًّا عصبيًّا، ورجلًا عصبيًّا، إلى أن يكون زوجًا عصبيًّا، وبالتالي ستستمر العصبية في أولاده وأحفاده والأجيال المتعاقبة بشكل متوارث، لافتًا إلى أن العصبية تكون في الكبار قبل الصغار، والأب قبل الابن، وهذا ليس دلالة قوة، بل دلالة ضعف في الشخصية، ودليل على وجود شيء ما خاطئ في نفسيته، وهذا ما يؤكده الحديث الشريف في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفْسَه عند الغضب» (1).
مظاهر العصبية لدى الطفل:
للعصبية سمات يستطيع الآباء من خلالها أن يتعرفوا على طفلهم ما إذا كان عصبيًّا أم لا؛ هناك أعراض جسدية تظهر على مستوى جسده، وأعراض نفسية، وأعراض عقلية، وليس بالضرورة أن تظهر العصبية الجسدية في "النرفزة" فقط؛ وإنما تظهر أحيانًا في الأزمات العصبية، وبعض حركات الجسد التي لا يمكن التحكم بها، بالإضافة إلى سرعة تحريك جفن العين، واهتزاز الكتف الأيمن بصورة مستمرة.
ومن مظاهر العصبية عند الطفل العدوان الجسدي: مثل ايذاء جسم شخص آخر بالضرب أو العض أو الركل بالقدم أو الدفع الشديد.
العدوان اللفظي: وهنا يستخدم الطفل الألفاظ النابية والصراخ والتهديد وكل ما يخيف الآخرين.
التخريب: مثل التكسير وبعثرة الأشياء، وإيذاء نفسه أو إيذاء من حوله حتى الحيوانات الأليفة.
وأيضًا من مظاهر العصبية الجسدية: توتر الطفل دائمًا في الجلوس والقيام بسبب أو بدون سبب، ويصل إلى أن يكون سهل الاستثارة، كما أن الطفل يكون كثير البكاء، وهذا مما يدلل على توتره الدائم، وغيرها من الأعراض الجسدية التي يعبر بها الطفل عن حالة العصبية مثل:
1- مص الأصابع: يعتبر مص الأصابع في الشهور الأولى لنمو الطفل عملية طبيعية يلجأ إليها كل الأطفال، ولكن الخطورة تقع إذا استمر ذلك حتى سن العاشرة مثلًا، وفي هذه الحالة تعتبر هذه الحركة عرضًا من أعراض العصبية، وقد يصاحب ذلك أحلام يقظة أو سرحان أو اكتئاب.
2- قضم الأظافر: وهي عادة قوامها اللجوء من جانب الأولاد والبالغين إلى عض الأظافر النامية في أصابع اليدين، ومحاولة قضمها، وهي من العادات التي يصعب استئصالها، وهذه الحركة تدل على انفعال الغضب أو الشعور بالحرج، وهو من ظواهر وأعراض التوتر النفسي والعصبي، وقد يكون نتيجة عدم قدرة على التكيف مع البيئة، أو عدم مواجهة بعض مواقف الحياة، وهذه الحركة تزداد كثيرًا عند التلاميذ أيام الامتحانات.
3- هناك حركات غير طبيعية يلجأ إليها بعض الأطفال تدل على العصبية ومنها مثلًا: تحريك الساق وهزه بشكل شبه متواصل، تحريك رمش العين بشكل مستمر، وتحريك الأنف ذات اليمين وذات اليسار، تحريك الرقبة، وتحريك الفم أو الأذن وعندما تتأصل هذه الحركة في الطفل فإنها في الواقع وسائل للتخلص من التوترات العصبية الناتجة عن اضطرابات نفسية شديدة.
أسباب عصبية الطفل:
إن أهم ما يشغل الأسرة في الوقت الحديث هو كثرة الشكوى من عصبية الأطفال، إلا أنها لها عدة أسباب؛ منها أسباب عضوية خاصة بجسده، وأسباب أسرية خاصة بالأسرة نفسها، وأسباب تربوية خاصة بتربية الطفل وكيفية التعامل معه، وأسباب نفسية خاصة بنفسية الطفل ذاته.
الأسباب العضوية التي تزيد من العصبية عند الأطفال:
زيادة إفراز الغدة الدرقية، ونقص الحديد، وفقر الدم في الجسد، بالإضافة إلى النوم متأخرًا والاستيقاظ متأخرًا، كما أنه أحيانًا يعاني الطفل من مشكلة تأخر الكلام؛ وبالتالي لا يتحمل الاستهزاء به فيقوم بتحويل طاقة الغضب هذه إلى عصبية.
يشعر الطفل بالغضب أحيانًا نتيجة شعوره بالإرهاق والتعب نظرًا لحاجته لساعات نومٍ أطول من حاجة الإنسان البالغ؛ وذلك لأن دماغ الطفل وجسده يتطوران بشكلٍ أسرع، كما يُؤدي جدوله اليومي المزدحم بالنشاطات الدراسية والعائلية وغيرها إلى زيادة شعوره بالتعب، ومن الأسباب الشائعة لعصبية الطفل أيضًا شعوره بالجوع نتيجة انخفاض نسبة السكر في الدم؛ لذلك يجب الحرص على توفير الحاجات الجسمية الأساسية للطفل لتحسين مزاجه والسيطرة على سلوكه العصبيّ.
الأسباب النفسية:
الصراعات الزوجية القائمة بين الزوج والزوجة، والتي ينعكس تأثيرها على الطفل؛ لأن الطفل بشر يحس ويشعر، ويفهم ويبصر، ويلاحظ ما يحدث في المنزل من صراعات عائلية، فخيال الأطفال واسع جدًّا، لدرجة أن الطفل يتخيل نهاية العالم أمام عينه بسبب ما يحدث بين أبيه وأمه، وبسبب فقدانه الأمن والحنان من الطرفين يقوم بالتعبير عن إحساسه بالعصبية، لافتًا إلى أن الانفصال بين الزوجين أكثر الأشياء تأثيرًا على الأطفال؛ لأن الزوجين عادة ما يكونان مدركين نهاية المطاف، لكن الطفل لا يدرك ما يحدث، إلا أنه يتصور نهاية العالم ونهاية حياته.
كما أن من أكثر الأسباب التي تنشئ وتنمي العصبية في الأطفال: الطلاق غير المبرر، وخاصة لو تعمد الأب تغيير صورة الأم عند الولد أو العكس؛ وذلك لأن الشخصية الإنسانية تُبنى على عاملين أساسيين، هما: الأب والأم؛ ولذلك إذا حدث طلاق، يجب مراعاة الأطفال؛ لأن كل ضربة يوجهها كل طرف للآخر تؤثِّر على الطفل قبل أن تصل إلى الطرف الآخر.
إن الجو الأسري السلبي الذي يكتنفه مشكلات الوالدين يؤدي إلى حالات من التهور والعدوانية والعصيان لدى الأبناء، يشعرون بمستويات عالية من الضيق النفسي والتوتر والعصبية.
وجدير بالإشارة إلى أن الأب الذي يعاني من العصبية والتوتر ينقل هذه المظاهر إلى أطفاله، لأن الطفل في حقيقية الأمر يلاحظ سلوك أبيه وينقل تصرفاته، وبذلك فإنه يتعلم أساليب جديدة للاستثارة الانفعالية، وكذلك الأم الثائرة الغاضبة الحانقة تعلم أطفالها العصبية والتهور والرعونة بدلا من أن تعلمهم مجابهة الحياة بتروّ وهدوء دون انفعال أو عصبية مبالغ فيها، والأم التسلطية تصبح مصدرًا من مصادر الإحباط للطفل فيقاومها كلما تمكن من ذلك، بعكس الأم المرنة الهادئة التي يحبها الطفل ويثق فيها، وبالتالي يخضع لمشيئتها، وينفذ مطالبها بكل قناعة وهدوء واطمئنان.
يمكننا أن نستنج من ذلك أن كل الحالات الانفعالية السلبية والإيجابية من عملية التأثر بالآباء باعتبارهم مصادر السلطة، وعندما يكبر الطفل ينقل هذه الانفعالات والأساليب ويبدأ في تعميمها، ومن هنا فإن التربية الحديثة تؤكد على تربية الآباء قبل تربية الأبناء، تربية المعلمين قبل التلاميذ الصغار.
وإذا كانت القسوة تؤدي إلى عصبية الأطفال وتوترهم فإن التدليل المبالغ فيه، والإفراط في الحماية يؤديان إلى عصبية الأطفال وانفعالاتهم المَرَضِيَّة وتوترهم الدائم، ذلك لأن التدليل يُنمِّي في شعور الطفل صفة الأنانية ويجعله دائم التمركز حول ذاته، وكأن ذاته هذه هي محور الكون ومركز اهتمام البيئة، فيتعلم ضرورة الاستجابة لطلباته ورغباته دون تأخير أو تأجيل، ويثور ويغضب إن لم تُجَب طلباته ورغباته...
ويمكن أن يعاني من العصبية والتوتر الطفل الذكي باعتبار أن المستوى الفكري لديه يفوق أشقاءه وأقرانه فيدرك ويستوعب كل ما يقال له بشكل أسرع وأعمق، ويمكن ملاحظة أنه كلما استرسل المعلم في الشرح والتكرار شعر هذا الطفل بالملل والضيق والتبرم لأنه يستوعب بسرعة ملحوظة، فنراه يستخف بالدراسة وحتى في المنزل لا يبذل جهدًا كبيرًا في التحصيل والاستذكار..
ومن المعروف أن الطفل الذكي كثير الأسئلة مما يعرضه للسخرية واشمئزاز الأهل أو المعلم، مما يؤدي إلى إيجاد حالات توتر وضيق وقلق نفسي، والإحباط، فيلجأ إلى أسلوب العصبية والعدوانية، وللأسف فإن كثيرًا من الأهل يوصمون طفلهم العصبي بالجنون، علمًا بأن عصبية الطفل هذه ناتجة أساسًا عن إفرازات تربيتهم الخاطئة له ولأشقائه، وعلمًا أن مثل هذا الطفل قد يكون مبدعًا باعتباره حساسًا وذكيًا، وهاتين سمتين للمبدعين عندها يكون ضحية «التخلف الأهلي» إن جاز التعبير- هذا ويمكن للمدرسة الكشف عن الأطفال الأذكياء والموهوبين بإجراء اختبارات تكشف عن السمات النفسية التي تتوافر بدرجة كبيرة في مثل هؤلاء الأذكياء وهي على سبيل المثال لا الحصر استقلال التفكير- دقة الملاحظة- قوة الذاكرة- سرعة الفهم وعمقه- القدرة على الابتكار والتجدد- الثقة بالنفس وعدم التردد- قوة الإرادة والمثابرة- الحساسية الزائدة للأشياء- الرغبة في التفوق وبذل الجهد- سرعة النمو التحصيلي- القدرة الفائقة على مواجهة الصعاب والعراقيل.
القلق: عندما يتعرّض الطفل للمواقف التي تُسبّب له القلق أو الخوف لا يتمكّن من التعامل معها بشكل صحيح، فيُعبّر عن مشاعره عن طريق الغضب أو الرفض، وغالبًا ما تكون مشاعر القلق لديه شديدةً دون أن يعترف بها، فلا يُدرك الوالدان سبب نوبة العصبية التي يُظهرها الطفل.
الشعور بالعجز: يحصل الطفل على الكثير من التوجيهات والتعليمات والنصائح خلال يومه مما يُشعره بأن خياراته محدودة، ويُولد لديه شعورًا بالضعف والإحباط والعجز، فيستجيب الطفل لهذه المشاعر بالغضب؛ لذا يُنصح بمنح الطفل الحرية في بعض الاختيارات في حياته اليومية لإعطائه شعور صحي بالقوة والسيطرة والتقليل من نوبات الغضب لديه.
الصدمة والإهمال: يتصرف الطفل بعدائية وعصبية شديدة داخل المنزل وخارجه نتيجة شعوره بالإهمال عندما لا يحصل على قدرٍ كافٍ من الاهتمام والرعاية من قِبل والديه، ممّا يُفقده الشعور بالأمان فيلجأ للفت انتباه الكبار غير المباليين به من خلال العصبية والتعبير عن الغضب، كما قد يتعرض الطفل لصدمةٍ بسبب بعض التغيرات التي تحدث في حياته، أو بسبب ظروف المنزل غير المستقرة، أو بسبب تعرضه لخسارة ما، وكل ذلك يشكل ضغطًا عاطفيًا عليه ويُشعره بالحزن، وبما أن الطفل يكون غير قادر على التعامل مع مشاعره أو فهمها والتعبير عنها بالكلمات فإنه يُصبح عصبيًّا.
التأثر بسلوك الأهل: يتخذ الطفل والديه قدوةً له، حيث إنّه يُراقب تصرّفاتهم وطريقة استجابتهم للمواقف المختلفة ويقلدها عندما يتعرض لمواقف مشابهة لاعتقاده بأنها الطريقة الطبيعية للاستجابة، ومن الجدير بالذكر أن الغضب شعور طبيعي ليس من الضروري كبحه، ولكن من المهم الانتباه والتفكير بالتصرّفات التي يقوم بها الآباء أثناء شعورهم بالغضب؛ كي لا يبدأ الطفل بالتعبير عن مشاعره بطريقةٍ مماثلة.
التحديات العاطفية: قد يتعرّض الطفل لضغوطٍ عاطفيةٍ في حياته؛ كالتنمّر من قِبل أقرانه في المدرسة، فتُشكّل هذه الضغوط التي يمر بها تحدياتٍ مُرهقة لا يعرف الطفل كيف يتصرف حيالها، فينعكس ذلك على شخصيته وتصرفاته ليغلب عليها طابع العصبية؛ لذلك من المهم الاستماع للطفل ومعرفة أسباب غضبه لمساعدته على حلها وتغيير طريقته في الاستجابة للآخرين، ومن الجدير بالذكر أن الطفل الذين تكون شخصيته أكثر حساسيةٍ، أو عاطفة، أو حركة غالبًا ما يمر بتحدياتٍ عاطفية أكثر من غيره، حيث يكون أكثر عرضةً للتأثّر بالمواقف العاطفية التي يتعرض لها، كما يحتاج لبذل طاقةٍ أكبر للسيطرة على مشاعره.
اضطراب طيف التوحد: إذ يتسبب بنوعٍ من فقدان الأمان، وتقليل قدرة الطفل على التعبير عن المشاعر، نتيجةً لما تُسبّبه من ضعفٍ في اللغة ومهارات الاتصال.
صعوبات التعلم: حيث يُعاني الطفل بسببه من صعوبة تعلم بعض المواد، كالمسائل الرياضية، فيجعله ذلك مُحبطًا وسريع الانفعال.
اضطراب المعالجة الحسية: أو اضطراب خلل التكامل الحسي، حيث يكون الطفل شديد الحساسية أو غير حساس للمحفزات، ممّا يُثير لديه مشاعر القلق، والتشتت، والارتباك، فيتعرض لانهيارات عصبية مفاجئة.
اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط: حيث يُعاني الطفل المصاب بهذا الاضطراب من صعوبة للامتثال للأوامر والتوجيهات ويُظهر رد فعل عصبي وعدائي تجاهها.
دور الأسرة في التخلص من العصبية:
إن هناك أسبابًا تربويةً تساعد على زيادة عصبية الطفل في الصغر؛ كطريقة الأب والأم، وأسلوب تربية الطفل ينعكس على شخصيته، والتعامل معه بطريقة متدنية؛ مثل استخدام القسوة في التعامل مع الطفل والتعذيب، والنقد والتوبيخ والتجريح، خاصة أمام إخوته وأصدقائه، ونوجه سؤالًا لكل أب: ماذا تنتظر من طفل تضربه بالسوط، أو طفل يُحبس في غرفة مظلمة بدون أكل وماء، أو طفل يلاقي كل أنواع التعذيب التي من الممكن أن يراها في صغره، أو حتى طفل لا يسمع من والديه إلا الانتقاد في كل دقيقة؟ كل هذا يؤدي في النهاية إلى انهيار الابن نفسيًّا ومعنويًّا، ولا يجد طريقة للتعبير عن انهياره غير العصبية.
يجب مساعدة الآباء لأطفالهم في التخلص من هذا السلوك السيئ؛ من خلال تحسين العلاقات الأسرية والزوجية، وبث روح التسامح والتعاون، ونبذ التعصب، والعمل على نشر الهدوء والاطمئنان داخل الأسرة، بالإضافة إلى العمل على التخلص من العصبية عن طريق إتقان فن التربية بالقصة، عن طريق قراءة القصص المتنوعة على الطفل قبل النوم، وإظهار الاختلاف بين القصص؛ كأن تحكي الأم لطفلها قصة ولد هادئ يمتلك صفات جميلة، ويكون اسم البطل في هذه القصة قريب من اسم طفلها، ونفس السن ونفس السمات والخصائص والبيئة المحيطة به؛ بحيث يتقمص الطفل شخصية هذا الطفل الهادئ الإيجابي؛ وبالتالي تتحول شخصيته من الشخصية العصبية إلى الهادئة الإيجابية المبادرة (2).
كيفية التخلص من عصبية الطفل:
تجنب إثارة غضب الطفل: يمكن تجنب إثارة غضب الطفل عند طلب فعل الأشياء التي لا يرغب بها أو التوقف عن فعل الأشياء التي يحبها من خلال توجيه الأوامر واتباع أسلوب آخر معه، إذ يقول الدكتور فاسكو لوبي الأخصائي في علم النفس أنه يمكن تحديد وقت لإنهاء مهمات معينة للطفل واختصار الطلبات عليه بخطوة واحدة، ومعظم الأطفال يصابون بالغضب في أوقات مثل وقت حل الواجبات المدرسية، ووقف اللعب، والنوم.
وضع قوانين للتصرف مع الطفل: تُعتبر التصرفات مثل الاستهزاء والإيذاء الجسدي مرفوضةً في العديد من البيوت، فمن المهم الاتفاق على قواعد من أجل ضبط سلوك الطفل في المنزل وخارجه، وكتابة هذه القواعد وتوضيحها له، فتكسير أغراض البيت أو التهجّم على الآخرين عند الغضب تُعدّ تصرفات غير مقبولة يترتّب عليها عواقب وخيمة.
تعليم الطفل طرقًا للتنفيس عن غضبه: يُفضل عدم الاكتفاء بنهي الطفل عندما يسيء التصرف، حيث يُنصح بوضع قوانين يجب أن يلتزم بها عندما يغضب، فبدلًا من نهيه عن ضرب أخيه على سبيل المثال، يُمكن أن يقترح عليه الأبوان حلولًا أخرى للتنفيس عن غضبه مثل الابتعاد عن أخيه أو التعبير له بالكلام، ويجب التحاور مع الطفل حول ما يُمكنه أن يمارس من نشاطات عندما يغضب، وتعليمه طرق حل المشكلات دون انفعال، ومن الجدير بالذكر أن إعطاء الطفل مساحةً خاصةً ووقتًا حتّى يهدأ قد يكون فعالًا أكثر من إصدار العقوبات في حقّه.
ممارسة الأنشطة مع الطفل: تساهم الأنشطة المختلفة مثل المشي، وقيادة الدراجة الهوائية، والركض، والهرولة في ضبط عصبية الطفل بشكل فعال، كما تساعده على التخفيف من التوتر، والقلق، والاكتئاب، وتزيد من قدرته على التحكم بأعصابه والتخلص من عصبيته، كما أن ممارسة الأنشطة مع الطفل وقضاء الوقت بشكل يومي معه يساعد على جعله يتصرف بشكل إيجابي، حتى وإن كان من الأطفال الذين لديهم فرط في الحركة والنشاط، فذلك يساهم في خلق شعور جيد عندهم تجاه أنفسهم.
وفي النهاية فإن الحد من عصبية طفلك تعتمد على منظومة متكاملة من الأفعال والتصرفات سواء المباشرة أو غير المباشرة، ويجب عليك عدم ترك طفلك لمشاهدة التلفاز والكرتون العنيف، ثم تطلب منه أن يصبح أكثر هدوءًا، وأيضًا ليس منطقيًا أن تعنف طفلك بعلو صوتك الدائم عليه وتطلب منه أن يخفض صوته المزعج، فاهتم باكتمال المنظومة العلاجية ككل من أجل سلامة طفلك الصحي والسلوكي والاجتماعي (3).
-----------
(1) أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609).
(2) عصبية الأطفال أسبابها، وأعراضها، وعلاجها/ منتديات الألوكة.
(3) 10 حلول ناجحة للتعامل مع الطفل العصبي/ إضاءات.