كيف تغرس في ابنك عقيدة الإسلام؟
عندما ننظر إلى هذا المصمم الذي يصمم الملابس، أو يصمم الأشكال الهندسية، أو يقوم بتعديل وتركيب الصور الفوتوغرافية، ونرى كيف يقوم بهذه الأفعال، وينتج بعدها ما كان يريده في عقله ومخيلته، حين ننظر إلى هذا الأمر نتمنى أن لو كان بمقدورنا أن نكون مصممين للسلوك البشري، بمعنى أننا نتمنى لو كانت لدينا القدرة على تعديل سلوك أبنائنا بنفس السرعة التي يقوم بها مصمم الأشياء المادية؛ ولكن هذا مستحيل وغير معقول، وإنما تتغير سلوكيات أبنائنا من خلال هذا الجهد البشري، الذي يبذله الآباء والأمهات في سبيل تحقيق غاية تقويم سلوك الأبناء.
ولا بد أن نشير إلى أمر مهم، وهو أنه لا ينبغي أن يفهم من محاولة تقويم سلوك الأبناء أننا نريدهم كما يريد هذا المصمم للأزياء؛ أي كما هو متخيل للصورة في ذهنه، وإنما المقصود بتقويم سلوك الأبناء هو تنمية الإرادة داخلهم، وتهيئتها لكي يعيشوا بكامل قواهم المعنوية والمادية، ويتطور سلوكهم دائمًا للأحسن والأفضل، حيث لو كان الهدف هو تقويم سلوك الأبناء كما هو متصور في ذهن الأب أو الأم؛ أي كما هي سلوكياتهم، لأنتجوا أبناءً مثلهم تمامًا، وهذا ما لا نريده، إنما نريد أن ننتج جيلًا أفضل من الذي سبقه، جيلًا يستطيع أن يتحرك بأمته إلى ما يرضي المولى عز وجل.
إن تقويم سلوك الأبناء، وتغيير أخلاقهم نحو الأفضل، لا يأتي إلا بعد أن يعرف الابن أن هناك خطأً وصوابًا، ثم بعدها يقتنع الابن أن هذا الصواب هو الحق الذي ينبغي أن يكون، وأن هذا الخطأ هو الباطل الذي ينبغي الابتعاد عنه، وهذا لن يكون إلا بعقيدة؛ لأنها هي التي تبني في الوجدان وفي صميم النفس الأخلاق والأفكار، وبالتالي فإن الابن المسلم المثالي هو الذي يترسخ في ذهنه وفكره وعقله الجانب العقدي، فهو بالنسبة إليه الأساس الذي من خلاله ينطلق إلى تهذيب أخلاقه وتغيير سلوكياته.
وهنا يأتي السؤال المهم، وهو: كيف نغرس العقيدة في أبنائنا؟ وكيف نجعلهم يحبونها؟ بل كيف نخاطبهم بها؟
إن كثيرًا من الآباء والأمهات لا يعرفون حتى كيفية قراءة العقيدة من الكتب، ولا يستطيعون فهمها من الدروس والخطب، فضلًا عن أن يستطيعوا إيصالها إلى الأبناء، وهذا أمر شائع جدًا، وخطير جدًا في نفس الوقت، فهو منذر بضياع الدين، وفساد الأخلاق، وذهاب الدنيا وضياعها بالتالي.
إن ترسيخ العقيدة في نفوس الأبناء يأتي من خلال التركيز على محبة الله تعالى لأجل إحسانه إلى عباده، وهذه المحبة لا ينكرها أحد؛ لأن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها.
فيُحدث الأب أو الأم الابن عن نعم الله الكثيرة وآلائه الوفيرة، ويربط بينها وبين وجوب التزام المسلم بعبادة الله سبحانه، ثم يبين له أنه ينبغي عليه أن يتخلق من خلال هذه العبادات بأخلاق الإسلام، فيقول له: "إن الله سبحانه وتعالى هو الخالق، الرازق، الكافل، الحافظ، المنعم، المتفضل، القريب، المجيب، الرحيم، الودود، فحياءً منه واعترافًا بفضله وشكرًا لنعمته يلتزم المسلم بما يحبه ويرضاه.
إن الله سبحانه هو الجليل العلي الكبير العظيم، فتوقيرًا لجلاله، وخشوعًا لعظمته، وإنابة لوجهه يلتزم المسلم بما يحبه ويرضاه.
إن الله سبحانه هو العليم المحيط المطلع على سر العبد ونجواه، الخبير بظواهره وخفاياه، المصاحب له في كل ما هجس في خاطره، وفي كل ما كسبت يداه، وهو في الوقت ذاته القاهر المهيمن الجبار، الذي لا مهرب منه ولا فوت، ولا مجير عليه ولا راد لحكمه، كما أنه الحسيب الذي يجزي على السيئة بالعدل، ويجزي على الحسنة بالفضل، فخشيةً لجبروته، وطمعًا في ثوابه، وخوفًا من عقابه يلتزم المسلم بما يحبه ويرضاه.
إن من القلوب ما يذوب خجلًا وحياءً أن يطلع منه الرازق، الكافل، الحافظ، المنعم، المتفضل، القريب، المجيب، الرحيم، الودود على ما لا يحب ويرضاه.
ومنها ما يرتعد توقيرًا وتعظيمًا لجلال الله العلي الكبير، العظيم الجليل أن يطلع منه على ما لا يحبه ويرضاه.
ومنها ما يمنعه الخوف من العقاب، والطمع في الثواب أن يقدم على ما لا يحبه الله ويرضاه.
وكلها إنما تلتزم هذا الالتزام نتيجة للمعرفة الصحيحة بحقيقة الألوهية" [مقومات التصور الإسلامي، سيد قطب (219)].
وهكذا يستطيع الابن أن يتعرف على الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، ويثني عليه سبحانه تعالى بما هو أهل له، ويؤمن إيمانًا جازمًا بأن الله تعالى هو الرزاق وهو الخالق، فيصير الإيمان بالله ربًا أمرًا راسخًا في قلب الابن، مؤثرًا في نفسه، متحركًا في واقعه، وليست نظرية باردة يحفظها في ثلاجة ذهنه.
ويجب على الآباء والأمهات أن يقوموا بإحياء الآثار الإيمانية لهذه الأسماء والصفات من أعمال القلوب؛ كالحب والبغض، والخوف والرجاء، والرغبة والرهبة، والإنابة والخشوع، وغيرها، في نفس الابن حتى يقر في قلبه أنه لا حياة إلا بالعقيدة، فيعيش لها، ويدافع عنها، ويموت في سبيلها؛ ذلك لأنه يُؤْثر حب الله على ما عداه، وهذا الحب يدفع الابن إلى الإعراض عن حب غير الله، وهذا الإعراض عن حب غير الله يعطي الابن قوة الرفض النفسي للشرك وعبادة غير الله، والبراءة من الشرك وأهله.
كما يمكن للآباء والأمهات أن يصلوا إلى هذا الرفض الشركي، وأن يغرسوه في نفوس الأبناء من خلال وصية لقمان لابنه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13].
هذه هي عقيدة الإسلام، التي من خلالها يستطيع كل من الآباء والأمهات أن يقوموا بتغيير سلوكيات الأبناء، وتقويم أحوالهم وأخلاقهم، ودفعهم نحو الأفضل والأحسن؛ وبالتالي تحقيق رسالة الإسلام على أرض الواقع، ونرى هذا الدين واقعًا نعيش فيه ونحيا به.