logo

المرأة والعمل السياسي


بتاريخ : الثلاثاء ، 18 محرّم ، 1441 الموافق 17 سبتمبر 2019
بقلم : تيار الاصلاح
المرأة والعمل السياسي

عندما نأتي للحديث عن المرأة ودورها في الحياة العامة تجد مجموعة من الألفاظ المعلبة غربيًا والمستوردة علمانيًا، من بيئات لا تتفق مع معتقداتنا ولا ثقافتنا ولا تقاليدنا، فنسمع من يهرف بما لا يعرف عن المساواة بين الجنسين، والمشاركة السياسية للمرأة، وعن الحضور الفعال للمرأة، وتقاسم الأدوار والتمثيل المشرف...، إلى غير ذلك من هذه التفاهات الحمقاء والقضايا الرعناء.

ألفاظ معسولة ولكن مضمونها يخالف جمالها، يزخرفون القول تغريرًا، ويتباكون ادعاءً، ويتقربون تزلفًا ودهاءً.

قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النحل: 97]، {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]، أليس هذا مساواة، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] أليس هذا عدل ورحمة.

لكنهم ينشدون أمورًا أخرى خبيثة يروجون لها من أجل خداع الناس واستمالة قلوبهم؛ من أجل بث سمومهم ونشر أكاذيبهم، والتمكين للفكر الاستعماري في مجتمعاتنا التائهة في سكرة الحياة، حتى أضحت منزوعة الهوية، مشتتة الأفكار، فاقدة البوصلة.

وتحت شعار الدفاع عن المرأة ورفع الظلم والقهر، ومحاربة الاستعباد والازدراء والتهميش والتمييز والعنصرية والتسلط والذكورية والاضطهاد، رأينا من يتباكى على المرأة المسلمة، التي لا يتاح لها تولي رئاسة البلاد، في حين لا يطالب برفع الظلم عن الأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوصليبي، ولا يُرى للمرأة المسجونة، ظلمًا وعدوانًا، الحق في الحياة، وإنما كل ما يشغل هؤلاء الصعاليك هو ما يرسمه لهم أسيادهم في الغرب، فهم أذناب ما يخططه الراعي الرسمي لهم، فهو ولي نعمتهم.

موازين مختلة ومقاييس فاسدة وعقول فاجرة ترنو إلى إفساد المجتمع من خلال إفساد المرأة، أرادوا للمرأة أن تكون كل شيء على ألا تكون أمًا أو مربية وصانعة أبطال، أرادوا إخراجها إلى عالم السياسة والاقتصاد والمال، أرادوا أن ينزعوا عنها أهم وأشرف وظيفة لها.

وهؤلاء المفسدون يتخذون سلاح التلبيس والتمويه في شعاراتهم وفي أطروحاتهم، فربما يروجون لأمور ليصلوا إلى مرادهم من الإفساد، تارة باسم التقدم، وتارة باسم التطوير، وتارة باسم الإصلاح، وتارة باسم الحقوق، وتارة باسم الحريات، يحاولون بها خداعَ أكبرِ عدد ممكن من المسلمين، وتهدئةَ قلوب القلة التي قد تفضحُهم وتشوشُ عليهم وتكشفُهم للناس، مستغلين جميع وسائل الإعلام لإيصال أفكارهم إلى المجتمعات والشعوب، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لَّا يَعْلَمُونَ (13)  وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)} [البقرة:11-15].

هم دعاة للفساد ودعاة للاختلاط، كثيرون في الصحف والإذاعات وغيرها، لا ينبغي أن يغتر بهم، فالمرأة لها شغل كامل، لها شغل في بيتها مع زوجها ومع أولادها، ولها شغل في مدرستها في التعلم والتعليم، ولها شغل في المستشفى في الطب والتمريض للنساء، لها شغل كثير لم تعطل، ولكن كذب دعاة الفساد، كذب دعاةٌ قولهم: إن نصف المجتمع معطل، هذا من التلبيس والخداع والدعوة إلى الفساد.

ومن قال إنها معطلة، ما كانت معطلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ليس هناك إذاعة ولا هناك تبرج ولا هناك فساد، وهي مشغولة في بيتها بصنع الطعام، بتربية الأولاد، بالعناية بالأولاد، بتعلم دينها والتفقه في دينها... إلى غير ذلك، فهي غير معطلة، لها شغلها وللرجل شغله.

لها شغلها في بيتها وتربية أولادها والقيام بخدمة زوجها، ولها شغلها في التعلم والتعليم والمشاركة في تدريس البنات والنساء والتعلم، لها شغلها في الأشياء الأخرى؛ كطب النساء... إلى غير ذلك، فهي عليها أن تعمل في حدود مملكتها، في حدود ما يجوز لها(1).

المرأة والسياسة:

السياسة هي رعاية شئون الأمة داخليًا وخارجيًا، وتكون من قبل الدولة والأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عمليًا، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة، والسياسة تشمل: مباشرة رعاية الشئون عمليًا من قبل الحاكم، ومحاسبة الدولة من قبل الأمة، والاهتمام بمصالح المسلمين وقضاياهم والنصح لهم، وتشمل كذلك العمل ضمن كتلة لاستئناف حياة إسلامية.

ويختلف حكم العمل السياسي بالنسبة للمرأة حسب شكله ومجاله، ففيما يتعلق بمباشرة رعاية الشئون عمليًا أو ما يسمى بالحكم، فإن الإسلام لا يجيزه للمرأة على الإطلاق, لما روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا بلغه أن فارسًا ملكوا ابنة كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»(2)، وإخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنفي الفلاح عمن يولون أمرهم امرأة هو نهي عن توليتها؛ إذ هو من صيغ الطلب، وكون هذا الحديثِ جاء إخبارًا بالذم لمن يولون أمرهم امرأة بنفي الفلاح عنهم، فإنه يكون قرينة على النهي الجازم، وتكون تولية المرأة حرامًا.

والمراد توليتها الحكم؛ أي الخلافة وما دونها من المناصب، التي تعتبر من الرعاية العملية للشئون؛ لأن موضوع الحديث هو ولاية ابنة كسرى ملكًا، فهو خاص بموضوع الحكم الذي جرى عليه الحديث، وليس خاصًّا بحادثة ولاية ابنة كسرى وحدها، كما أنه ليس عامًّا في كل شيء، فلا يشمل غير موضوع الحكم، ولا بوجه من الوجوه.

ونجد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يستعمل امرأة في أمر من أمور الحكم، ولم يرو عنه عليه الصلاة والسلام أنه ولى امرأة ولاية قط، وعلى هذا سار الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم والمسلمون من بعدهم حتى هدمت الخلافة العثمانية؛ بل إننا نرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غضب أشد الغضب حين اشتم من زوجته نوعًا من التدخل في أمور الحكم, فقد روي أن عمر رضي الله عنه استعمل عياض بن غنم على الشام، فبلغه أنه اتخذ حمامًا واتخذ بوابًا، فكتب إليه أن يقدم عليه، فقدم، فحجبه ثلاثًا ثم أذن له، وألبسه جبة صوف، وأمره أن يرعى ثلاثمائة شاة.

ولم يزل يعمل به حتى مضى شهران، فاندس عياض إلى امرأة عمر رضي الله عنها، وكان بينه وبينها قرابة، فقال: «سلي أمير المؤمنين فيم وجد علي؟»، فلما دخل عليها عمر رضي الله عنه قالت: «يا أمير المؤمنين، فيم وجدت على عياض؟»، قال: «يا عدوة الله، وفيم أنت وهذا، ومتى كنت تدخلين بيني وبين المسلمين؟»، فأرسل إليها عياض: «ما صنعتِ؟»، فقالت: «وددت أني لم أعرفك, ما زال يوبخني حتى تمنيت أن الأرض انشقت فدخلت فيها»(3).

ومن هنا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تباشر شئون الحكم، وأنه لم يرد مثل ذلك في تاريخ المسلمين، إلا في هذا الزمن الذي ابتلينا فيه بتقليد شرائع الكفر والقوانين الوضعية، ومنها جواز مشاركة المرأة في الحكم والتشريع(4).

قرار المرأة في البيت:

الأصل في ذلك قوله تعالى مخاطبًا نساء النبي صلى الله عليه وسلم: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، قال ابن كثير: «هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك»(5).

والحكمة في ذلك هي إتاحة الفرصة للمرأة للاضطلاع بدورها العظيم المناط بها شرعًا، وهو تربية الأولاد ليكونوا رجالًا صالحين عابدين مجاهدين، وللقيام بشئون الزوج ولرعاية بيته، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والمرأة راعية في بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم»(6)، فإذا ما أخلَّت المرأة بهذه المسئولية انخرقت سفينة المجتمع، فربما غرقت أو أوشكت.

لذا وجب على الحكام والعلماء أن يُلزموا المرأة بأداء دورها الشرعي، مستلهمين في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا»(7).

لكن للمرأة أن تخرج من بيتها، ويكون هذا الخروج ممثلًا لحركة طارئة من حيث الأصل، ومنضبطًا بالشرع من حيث الممارسة، وبما لا يخل بقاعدة (القرار)، ومن ذلك:

1- الخروج للعبادة:

كالصلاة في المسجد؛ لحديث ابن عمر: «إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فائذنوا لهن»(8)، رغم أن صلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد، وكصلاة العيدين؛ لحديث أم عطية قالت: «كنا نؤمَر بالخروج في العيدين، والمخبأة والبكر»، قالت: «الحُيّض يخرجن فَيَكنَّ خلف الناس يكبرن مع الناس»(9)، وفي رواية البخاري: «أمرنا أن نخرج العواتق وذوات الخدور»(10).

وتخرج المرأة للحج؛ لقوله تعالى: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]، وهو شامل للرجال والنساء، على أن يكنَّ مع محرم؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور»(11).

2- الخروج في خدمة المجاهدين:

كما جاء في حديث الرُّبَيِّعِ بنت مُعَوِّذ قالت: «كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة»(12)، قال ابن عباس: «قد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة»(13).

3- الخروج للبيعة:

وهو ليس بالمعنى المعروف حاليًا من المشاركة في الانتخابات، أو الترشيح للمجالس النيابية؛ بل هو خروج ضرورة حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لتوثيق العهد على امتثالهن لأوامر الإسلام، وقد حدث ذلك مرات عديدة، كما حصل في بيعة العقبة الثانية، وكبيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العيد، ومبايعة أم عطية في نسوة، وقد جاء في التنزيل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الممتحنة:12].

4- الخروج لحوائجهن:

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «قد أذن لَكُنَّ أن تخرجن لحوائجكن»(14)، نقل الحافظ في «الفتح» عن ابن بطال قوله: «فقه هذا الحديث أنه يجوز للنساء التصرف فيما لهن الحاجة إليه من مصالحهن»(15)؛ أي مصالحهن الدينية والدنيوية؛ كطلب العلم، وزيارة الزوج في المعتكف، وللقيام بأعباء الحياة، قالت أسماء بنت أبي بكر: «كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ»(16).

5- الخروج للعرس:

هو مشروع للنساء؛ لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيانًا ونساءً مقبلين من عرس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ممثلًا: «اللهم أنتم من أحب الناس إليَّ»، يعني الأنصار(17).

نلاحظ مما ذكرته أن الإسلام رغم أنه وسع للمرأة حركتها خارج المنزل للقيام بالمهمات المنوعة، لكنه لم يجعل من بينها المشاركة في أي عمل سياسي، إضافة إلى أنه وضع لها ضوابط في ذلك الخروج، من أهمها:

1- ألَّا يؤدي خروجها إلى خلل في أداء واجباتها الأصلية في مقرها، وهو المنزل؛ أي لا بد من استحضارها لقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33].

2- الالتزام بالحجاب؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:59].

3- الالتزام بغض البصر: قال تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31].

4- عدم التبرج: لقوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، ولقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31].

5- عدم التعطر أو إصابة البخور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «... والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس ليجدوا من ريحها فهي زانية»(18)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة»(19).

6- عدم الاختلاط بالرجال في أماكن التجمعات العامة، وقد وردت في ذلك أحاديث، منها فصل النساء عن الرجال في المساجد وفي صلاة العيد؛ بل وفي الطرقات؛ لحديث أبي أسيد الأنصاري أنه اختلط الرجال بالنساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: «استأخرن؛ فإنه ليس لَكُنَّ أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق»، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به(20).

ومعلوم أن مشاركة المرأة في أي من الولايات العامة لا بد لها فيه من الاختلاط بالرجال وحضور المجالس العامة؛ بل والاختلاء ببعض الرجال بسبب متطلبات العمل السياسي.

وأما قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ليس مقصورًا على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول جمهور المفسرين.

قال ابن كثير: «هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك»(21).

وقال القرطبي: «معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، فكيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والكفاف عن الخروج منها إلا للضرورة»(22).

وقال الشيخ حسنين مخلوف: «الزمنها، فلا تخرجن لغير حاجة مشروعة، ومثلهن في ذلك سائر نساء المؤمنين»(23).

وقال العالم الإنجليزي (سامويل سمايلس)، وهو من أركان النهضة الإنجليزية: «إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما تنشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية؛ لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة، ومزق الروابط الاجتماعية».

وقالت الخبيرة الأمريكية الدكتورة (إيدا أولين): «إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة؛ فزاد الدخل، وانخفض مستوى الأخلاق، إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم، أي إلى البيت والقرار فيه، هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه»(24).

السؤال من وراء حجاب:

ومداره على قوله تعالى: {وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53].

حيث تؤكد هذه الآية عدم جواز الاختلاط، والذي لا بد منه في العمل السياسي؛ إذ تبين أن سؤال الرجل للمرأة ينبغي أن يكون من وراء حجاب، وأن ذلك عامٌّ، وليس مقصورًا على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت أقوال المفسرين مبينة تمامًا لهذا المعنى من الآية.

قال ابن جرير الطبري: «وإذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب، يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن، ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن»(25).

قال ابن كثير: «حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة؛ فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء)»(26)، ثم قال: «وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب»(27).

قال أبو عبد الله القرطبي: «في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يُستفتَيْن فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة؛ بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة؛ كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها»(28).

قال الشوكاني: «أي من وراء ستر بينكم وبينهن...، وفي هذا أدب لكل مؤمن وتحذير له من أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له، والمكالمة من دون حجاب لمن تحرم عليه»(29).

المرأة والولايات العامة:

المعوَّل عليه في هذه المسألة هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولَّوْا أمرهم امرأة»، وعند أحمد في المسند: «لا يفلح قوم تملكهم امرأة»(30)، و«ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة»(31).

وجميع ألفاظه بصيغة العموم؛ فهو عام الدلالة، وليس فيه أدنى حجة لمن قصره على سبب وروده، ومعلوم لدى الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، وما ورد من بعض الولايات للمرأة؛ كولايتها على بيت زوجها، وما سوى ذلك فهي ولايات مقيدة ومخصوصة من العموم المذكور، ولعلنا هنا نكشف أبرز ما يتعلق بهذه المسألة ضمن النقاط التالية:

(1) إن الذي دعا أولًا إلى تولية المرأة الولاية العظمى (رئاسة الدولة)، والولايات العامة الأدنى (رئاسة الوزارة، الوزارة، النيابة، القضاء) هم العلمانيون، أفرادًا ومؤسسات، منسجمين في ذلك مع منهجهم القائم على كسر حصون خصوصية المرأة، وفتح السبل على مصاريعها لجعلها في مساحة مكشوفة للجميع.

(2) إن الذي تولى كِبْر هذه الدعوة هي الأنظمة العلمانية التي تسلطت بقوة الإرهاب على رقاب المسلمين؛ فأصدرت التشريعات التي تحقق تلك المآرب، ولا يزال المسلمون يعانون من هذه المأساة التي خلفت خللًا في توازن البنيان الاجتماعي.

(3) إن القوى العالمية التي وراء تلك الدعوة هم اليهود والنصارى والمشركون، ويمارسون ذلك في اتجاهين:

أ- الضغط على الأنظمة في العالم الإسلامي لاستصدار تشريعات تتيح للمرأة تلك الولايات السياسية.

ب- تسخير الإعلام بكافة وسائله على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية للوصول إلى تحقيق هذا الغرض.

(4) إن متولي الولايات العامة، وخاصة الولاية العظمى، لا بد له من مواصفات معينة ذكرها العلماء في تصانيفهم، وقد ذكر منها الفراء عشرة، والماوردي سبعة.

قال الفراء وهو يعدد تلك المواصفات: «السادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة...، العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال ليهتم بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعوِّل على التفويض متشاغلًا بلذة أو عبادة»(32).

ومعلوم أن المرأة لا تستطيع الاضطلاع بهذه المسئولية؛ لضعف بدنها وشدة تأثرها العاطفي، وتخوفها من مواجهة الأزمات، وتقهقرها إزاء تحمل وقع الصدمات.

ومعلوم أن الجهاد لا يضطلع بقيادته إلا أصحاب الخبرة العسكرية، وأولو العقول الراجحة النقية، والقلوب الصامدة القوية، وذوو الدهاء والروية، ومن هم أهل لحضور مواقع القتال وساحات الوغى الدموية.

وقد اتفق أصحاب العقول السوية أن المرأة ليست لذلك أهلًا، لا من حيث الخلقة ولا من حيث التخلُّق؛ ولذلك اشترط الماوردي فيمن يحق له تولي الإمامة العظمى الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو.

إضافة إلى ذلك، فإن المرأة بسبب ما يطرأ عليها من العوارض الخلقية؛ كالحيض، والحمل، والنفاس فإنها لا تستطيع مباشرة أمورها العادية بسهولة ويسر، فكيف بمباشرة أمور أمة بكاملها، وقد ذكر الماوردي في شروط الإمامة: سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض(33).

إن هذا الحديث الصحيح يشير بوضوح إلى أن الفلاح يفتقده القوم الذين يولون أمرهم امرأة، فهل الفلاح مفقود قبل توليتهم لها، أم بعد توليتهم لها، أم من قبل ومن بعد؟ وقد ورد الحديث عند البخاري وغيره بلفظ: «لن يفلح»، وعند أحمد في أحد رواياته بلفظ: «ما أفلح»(34).

إن المتمعن في اللفظ: «ما أفلح» ستنكشف له الحكمة المخبوءة من اختيار هذا التعبير النبوي المندرج في جوامع الكلم؛ إذ إنه يلقي الضوء على حال هؤلاء القوم الذين ضعفت فيهم الهمم، وقعدت بهم أسباب التخلف، واستوطنهم الوهن؛ فما بات رجالهم قادرين على القيام بأعباء نهوض أمتهم، فانحط بهم ركبهم في وديان التردي إلى أن أصبحوا على مستوى أدنى من همم نسائهم في البذل والعطاء والعمل؛ فصار نساؤهم روادهم وقادتهم، فحالهم ذلك ليس من الفلاح في شيء؛ إذ لم يصبح نساؤهم رؤساءهم إلا لأن القوم (ما أفلحوا).

فإذا ما تسلم النساء دفة القيادة وحُزنَ مواقع (الولايات)، بما فيها (الولاية العظمى) ادلهمَّ الخطب، وعظمت المصيبة، وازداد تداعي الأمة في منحدرات التراجع والتقهقر، وأصبح القوم عن (الفلاح) في منأى؛ فهم لم يكونوا قبل ذلك مفلحين؛ إذ ولوا أمرهم امرأة، وما هم بعده سيكونون مفلحين؛ فقوله: «ما أفلح» وصف لحالهم فيما كانوا فيه، وقوله: «لن يفلح» وصف لحالهم فيما هم مقبلون عليه، وهم في الحالين ليسوا بمفلحين، فتأمل!

جاءت لفظة «قوم» في الحديث غير معرَّفة؛ أي نكرة في سياق النفي فهي تعُمُّ، وفقه ذلك أن أي قوم يولون أمرهم امرأة ليسوا مفلحين، بغض النظر عن عقيدتهم أو جنسهم أو بلادهم أو زمانهم؛ فهو أمر مضطرد على الدوام.

وسر ذلك أن وصول المرأة إلى هذا المركز الأول لم يأت من فراغ؛ بل هو محصلة عامة لوضع المرأة في ذلك المجتمع الذي سلك طريق الانفتاح الاجتماعي غير المنضبط بأي ضابط يضمن إطار ثباته، أو يحدد مساحة تموج حركته، فلا شك أن المجتمع الذي طوح برجاله عن مواقع المسئولية، وأحل بدلهم نساءه هو مجتمع قد تخلت نساؤه عن القيام بواجباتهن المنزلية التربوية، وخرجن لممارسة الحياة العامة؛ أي أن البنية الأساسية لذلك المجتمع قد تخلخلت، ولبناته المكونة له قد انفرط عقدها ووهن تماسكها، وهذا يعني أنه في طريقه إلى التأخر، وأنه يختط سبيل التقهقر، بما يئول به في النهاية إلى الانهيار ثم الاندثار.

ويدل على صحة ما ذهبنا إليه أن جميع الدول التي سادت فيها النساء، سواء في الدول النصرانية أو اللادينية؛ بل وحتى الدول الإسلامية، قد أصابها هذا التفكك الأسري، ولكن ما أصاب الدول النصرانية أو اللادينية هو أكثر بكثير مما أصاب الدول الإسلامية؛ وسبب ذلك أن المرأة في تلك المجتمعات قد تخلت عن مهامها البيتية بالكلية؛ مما جعلها تتيه في صحراء العلاقات الآثمة؛ حيث تستنفد طاقاتها البناءة في الهدم الاجتماعي.

وهذا لا يعني أنها تنكص عن حيازة الشهادات العلمية أو المشاركات السياسية؛ بل هي تفعل ذلك: أولًا لإثبات ذاتها في هذه المجالات الجديدة عليها، وثانيًا لصرف الأنظار عن النتائج الوخيمة التي نجمت عن تركها لوظيفتها الأساسية، وقد أصبح معلوم لدى تلك المجتمعات وبعد تجاربها المريرة في هذا المضمار أنه ليس بالإمكان أن تجمع المرأة بين وظيفتها التربوية إزاء الأجيال الصاعدة وبين ممارسة المهام التي أرادت تقمصها عنوة.

إنها بالتأكيد لن تستطيع فعل ذلك، رغم الدعم اللامحدود الذي تحظى به من كافة المعنيين العلمانيين في جميع أنحاء العالم؛ ولذلك فإن أي (قوم) يصل بهم الحال إلى أن تتولى أمرهم امرأة لا بد لهم من الولوج عبر هذا النفق اللانهائي.

إنه نفق الانخذال الاجتماعي والتزعزع الأسري؛ ولذلك فإنهم ليسوا في ساحة (الفلاح) بحال.

إن لفظ «ولوا أمرهم» تناول طبيعة الصلاحية الممنوحة، سواء كانت مطلقة؛ كالحكم الديكتاتوري، أو مقيدة؛ كالحكم الديمقراطي، فاللفظ شامل لهما جميعًا.

باستثناء الولايات العامة التي ذكرتها فللمرأة أن تتولى ولايات أخرى في مختلف مجالات الحياة، وفق الشروط التي ذكرتها بشأن خروج المرأة من المنزل، فيمكن أن تكون مديرة مدرسة بنات، أو رئيسة مستشفى نسائي، أو مسئولة جمعية نسائية، وما شابه ذلك.

أقوال العلماء في تولي المرأة الولايات العامة:

قال ابن حزم: «ولا تحل الخلافة إلا لرجل من قريش»، ومنع ما سوى ذلك، ومنهم الصبي والمرأة، فقال: «وأما من لم يبلغ والمرأة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث)»؛ فذكر الصبي، ثم ساق حديث أبي بكرة بلفظ: «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة»(35)، وقال: «وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة»(36).

وقال الجويني: «فما نعلمه قطعًا أن النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة»(37)؛ فإذا كان لا مدخل لهن في التخير فمن باب أولى ألا يكون لهن مدخل إلى منصب الإمامة؛ ولذلك عندما ذكر الإمام الجويني شروط الإمام قال: «ومن الصفات اللازمة المعتبرة الذكورة والحرية، ونحيزة العقل والبلوغ»(38).

وقال أبو حامد الغزالي وهو يعدد شروط الإمام: «الرابعة: الذكورية؛ فلا تنعقد الإمامة للمرأة وإن اتصفت، بجميع خلال الكمال وصفات الاستقلال، وكيف تترشح امرأة لمنصب الإمامة وليس لها منصب القضاء ولا منصب الشهادة في أكثر الحكومات»(39).

وقال البغوي: «اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إمامًا ولا قاضيًا؛ لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عن القيام بأكثر الأمور؛ ولأن المرأة ناقصة، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال»(40).

وقال ابن قدامة: «جملته أنه يشترط في القاضي ثلاثة شروط: أحدها الكمال، وهو نوعان: كمال الأحكام، وكمال الخلقة، أما كمال الأحكام فيعتبر في أربعة أشياء: أن يكون بالغًا، عاقلًا، حرًا، ذكرًا»، ثم رد على ابن جرير في عدم اشتراطه الذكورية فقال: «ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)؛ ولأن القاضي يحضره محافل الخصوم والرجال، ويحتاج فيه إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة، والمرأة ناقصة العقل قليلة الرأي، ليست أهلًا للحضور في محافل الرجال».

ثم قال: «ولا تصلح للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأةً قضاء ولا ولاية بلد فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخلُ منه جميع الزمان غالبًا»(41).

قال العز بن عبد السلام: «ولا يليق بالرجال الكاملة أديانهم وعقولهم أن تحكم عليهم النساء لنقصان عقولهن وأديانهن، وفي ذلك كسر لنخوة الرجال مع غلبة المفاسد فيما يحكم به النساء على الرجال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)»(42).

وقال ابن تيمية: «فإن الأئمة متفقون على أنه لا بد في المتولي من أن يكون عدلًا أهلًا للشهادة»(43).

وقال الخطابي: «المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء»(44).

قال الإمام الصنعاني: «فيه دليل على عدم جواز تولية المرأة شيئًا من الأحكام العامة بين المسلمين، وإن كان الشارع قد أثبت لها أنها راعية في بيت زوجها»، ثم قال: «والحديث إخبار عن عدم فلاح من وُلِّي أمرهم امرأة، وهم منهيون عن جلب عدم الفلاح لأنفسهم؛ بل مأمورون باكتساب ما يكون سببًا للفلاح»(45).

وقال القرافي: «لم يسمع في عصر من الأعصار أن امرأة وليت القضاء، فكان ذلك إجماعًا؛ لأنه غير سبيل المؤمنين...، وقياسًا على الإمامة العظمى»(46).

قال سيد سابق: «فلا يصح قضاء المقلد ولا الكافر ولا الصغير ولا المجنون ولا الفاسق ولا المرأة»(47).

قال الدهلوي: «اعلم أنه يشترط في الخليفة أن يكون عاقلًا، بالغًا، حرًا، ذكرًا، شجاعًا، ذا رأي وسمع وبصر ونطق، وممن سلَّم الناسُ بشرفه وشرف قومه، ولا يستنكفون عن طاعته...، وإذا وقع شيء من إهمال هذه رأوه خلاف ما ينبغي، وكرهته قلوبهم وسكتوا على غيظ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لما ولوا أمرهم امرأة»، ثم ذكر الحديث(48).

 قال مصطفى السباعي: «إني أعلم، بكل صراحة، أن اشتغال المرأة بالسياسة يقف الإسلام منه موقف النفور الشديد، إن لم أقل موقف التحريم، لا لعدم أهلية المرأة لذلك (كذا)؛ بل للأضرار الاجتماعية التي تنشأ عنه، وللمخالفات الصريحة لآداب الإسلام وأخلاقه، وللجناية البالغة على سلامة الأسرة وتماسكها، وانصراف المرأة عن معالجة شئونها بكل هدوء وطمأنينة»(49).

وبعد، فهذه أقوال علماء على مر الدهور والعصور تبين بجلاء ووضوح أن المرأة المسلمة لا محل لها في المشاركات السياسية؛ لما يترتب على ذلك من ضياع للمسئوليات المناطة بها؛ بما يؤدي إلى انفراط العقد الاجتماعي، وتداعي البناء الإسلامي(50).

الفطرة تؤكد ذلك:

وبالفطرة ندرك الفروق بين المرأة والرجل بصفة عامة، وجاء العلم اليوم ليكشف الفروق الرئيسة بين الرجل والمرأة في النواحي الجسمية والنفسية، ولكن الله أعلم بكل الفروق، فأنزل تشريعه رحمة بعباده ولصالحهم في الدنيا والآخرة.

إذا كانت هذه بعض الفروق بين الرجل والمرأة، فإنها كلها لا تنقص من قدر المرأة في الإسلام ولا من كرامتها، فكرامة المرأة وقدرها تنبع من طاعتها لله في شرعه، وكرامة الرجل وقدره تنبع من طاعته لله في شرعه، ليعرف كلٌّ منهما حدوده التي حدّها الله دون التمرد عليها بتأويل فاسد أو تجاهل لنصوص ثابتة.

وإذا كانت هذه بعض الفروق فإن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل في أمور أخرى واضحة؛ فالشعائر فرض على المسلم والمسلمة، وطلب العلم فرض على المسلم والمسلمة، وتبليغ رسالة الله ودينه فرض على المسلم والمسلمة، كلٌّ في ميدانه وفي نطاق مسئوليته، كلٌّ قدر وسعه الصادق، وللمرأة ميادين للعمل ليست للرجل، وللرجل ميادين للعمل ليست للمرأة، ويمارس الرجل مسئولياته وحقوقه في النهج الذي رسمه الله له وبيّنه وفصَّله، وتمارس المرأة مسئولياتها وحقوقها في النهج الذي رسمه الله لها وبينه وفصله.

استشكال:

كل المروّجين لمبدأ مساواة المرأة بالرجل يأخذون قصة أم سلمة في الحديبية، حين شكا إليها زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم همه من أن الصحابة لم ينصاعوا لأمره بالتحلل وفك الإحرام، فأشارت عليه أن يخرج فيستدعي الحلاق فيحلق شعره وينحر هديه، واستحسن الرسول صلى الله عليه وسلم رأيها.

ولا أدل على ذلك من أن أم سلمة نفسها لم نعد نراها، هي أو غيرها، مشاركة للرجال سواء بسواء في مجالس الشورى والسياسة وغيرها.

أم سلمة رضي الله عنها كانت زوجة أعانت زوجها برأيها، ولم تكن سياسية مارست السياسة في المجتمع، ولا نجد في كتب السيرة والتاريخ لها دور المرأة التي خاضت ميادين السياسة كما يدعو بعضُهم النساءَ إليه اليوم.

ومن النساء اليوم ومن الدعاة من يستدل على حق المرأة ومساواتها للرجل في النشاط السياسي، (وهذا يتبعه المساواة في غير السياسة)، من أن من النساء من هنَّ موهوبات مبدعات مثل الرجل أو أكثر، لا خلاف حول ذلك، فالله يضع المواهب في الرجال والنساء على حكمة له.

لا ننكر أن من النساء من هن موهوبات في هذا الباب أو ذاك، وأنه من حقهن ممارسة هذه الموهبة في الطب والتدريس والأدب والعلوم وغير ذلك، ولكن الاختلاف هو في أسلوب الممارسة، فهناك فرق بين النساء اللواتي يتولين التدريس للذكور أو للإناث فقط، أو يمارسن التدريس مع الرجل في نفس المدرسة سواء بسواء كالرجل، أو أن يمارسن التدريس في أجواء النساء فقط، وأسلوب الإسلام واضح جلي، وكذلك في الطب وفي مختلف العلوم والميادين.

فالمرأة تمارس مواهبها من خلال ضوابط شرعية، ومن خلال التزام منهج رباني متكامل وليس من خلال قواعد متفلتة.

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه في دار الأرقم، فهل كان النساء يختلطن مع الرجال في دار الأرقم كالرجال سواء بسواء، حيث كانت تدور شئون الدعوة كلها؟

وانتداب أسماء رضي الله عنها عند الهجرة، وكانت هذه المهمة هي نقل الطعام والأخبار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الحماسة أخذت ببعضهن حتى جعلت من هذا العمل دليلًا على مشاركة المرأة في النشاط السياسي كالرجل سواء بسواء، أو جعلت هذا العمل لا يقف عند النشاط السياسي والمشاركة فيه، ولكنه صناعة للحياة كلها، وما زالت المرأة تقوم بمثل هذا الجهد في مجتمعات كثيرة خاضعة لأعراف المجتمع مع كل حالة.

كل هذه الأمثلة لم تقع إلا في مرحلة لم يكتمل فيها التشريع المنزل من عند الله، فلم يكن الحجاب آنذاك قد فرض، وكثير من حدود المرأة والرجل لم يكن تَنَزّل بها تشريع أو اكتمل.

ويقول ابن عثيمين: «المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء؛ مثل: أن تعمل في تعليم البنات، سواء أكان ذلك عملًا إداريًا أو فنيًا، وفي بيتها أعمال كثيرة...، وأما العمل في مجالات تختص بالرجال فإنه لا يجوز لها أن تعمل؛ حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال، وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها»(51).

ولا بد من أن نعي أن إثارة حقوق المرأة اليوم ومساواتها بالرجل إثارة تحمل الفتنة والتضليل؛ ذلك لأن مشكلة المسلمين اليوم ليست مساواة المرأة بالرجل، فالمرأة نفسها تحتاج إلى بناء وإعداد، والرجل يحتاج إلى بناء وإعداد، وقضايا الأمة كلها يجب أن تُدرس وتُحدد المشكلات ومواطن الخلل، ثم يوضع نهج عام وخطة كاملة لمعالجة جميع المشكلات.

أما أن نخفي مشكلاتنا الكبيرة ونبرز مساواة المرأة بالرجل فأمر غريب، يتنافى وأبسط قواعد المنطق وواجبات الإصلاح ومنهاج الإسلام.

ولقد طُبّقت مساواة المرأة بالرجل في السياسة وغيرها في بلدان عربية وإسلامية، فماذا قدَّمت هذه المساواة لبلادهم؟ وماذا جنت البلاد غير الهزائم والذل والهوان؟ ولم تأخذ من الحضارة إلا زخرفًا كاذبًا، لم يهب القوة للأمـة ولا العزة والمنعة، ولا القدرة على حماية الأرض والنفس والعرض.

لقد أشغلنا الغرب بقضايا كثيرة أخذت وقتنا وجهدنا وأموالنا، واستنفدت طاقاتنا، حتى وقفنا عاجزين لا وزن لنا(52).

***

______________

(1) دعوى مشاركة المرأة للرجل في مختلف جوانب الحياة، موقع الشيخ ابن باز.

(2) أخرجه البخاري (4425).

(3) تاريخ المدينة، لابن شبة (3/ 818).

(4) المرأة والعمل السياسي في الإسلام، مجلة الوعي (العدد:276).

(5) تفسير ابن كثير (3/ 482).

(6) اللؤلؤ والمرجان (1199).

(7) أخرجه البخاري (2493).

(8) أخرجه مسلم (137).

(9) أخرجه مسلم (11).

(10) أخرجه البخاري (974).

(11) أخرجه البخاري (1861).

(12) أخرجه البخاري (2883).

(13) أخرجه مسلم (1812).

(14) أخرجه البخاري (5237).

(15) فتح الباري (1/ 250).

(16) أخرجه البخاري (5224)، ومسلم (2182).

(17) أخرجه مسلم (2508).

(18) أخرجه أبو داود (4173).

(19) أخرجه مسلم (143).

(20) أخرجه أبو داود (942).

(21) تفسير ابن كثير(3/ 482).

(22) الجامع لأحكام القرآن (14/ 179).

(23) صفوة البيان لمعاني القرآن، ص531.

(24) المرأة بين الفقه والقانون، ص252-259.

(25) جامع البيان في تفسير القرآن (22/ 28).

(26) أخرجه الترمذي (1171).

(27) تفسير ابن كثير (3/ 505).

(28) الجامع لأحكام القرآن (14/ 227).

(29) فيض القدير (4/ 298).

(30) أخرجه أحمد (20438).

(31) أخرجه أحمد (20508).

(32) الأحكام السلطانية، لأبي يعلى الفراء، ص28.

(33) الأحكام السلطانية، ص6.

(34) المصدر السابق، ص27-28.

(35) المحلى (9/ 438-439).

(36) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 179).

(37) غياث الأمم، للجويني، ص48.

(38) المصدر السابق، ص65.

(39) فضائح الباطنية، ص180.

(40) شرح السنة (10/ 77).

(41) المغني، لابن قدامة (10/ 36).

(42) قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 210).

(43) مجموع الفتاوى (28/ 259).

(44) فتح الباري (13/ 128).

(45) سبل السلام (8/ 8279).

(46) الذخيرة (10/ 22).

(47) فقه السنة (3/ 315).

(48) الحجة البالغة (2/ 149).

(49) المرأة بين الفقه والقانون، ص156-160.

(50) المرأة المسلمة والمشاركة السياسية.. أقوال الأعلام من علماء الإسلام، مجلة البيان (العدد:206).

(51) من الأحكام الفقهية في الفتاوى النسائية، ص62.

(52) مع قضية المرأة والعمل السياسي، موقع: صيد الفوائد.