الروح المعنوية
تعتبر الروح المعنوية، في الحقيقة، هي الصورة الكلية لنوعية العلاقات الإنسانية السائدة في جو العمل؛ لذلك فإن هذه الروح لا يمكن إيجادها عن طريق الأوامر أو التعليمات أو العقوبات، أو رغمًا عن إرادة العاملين.
لذلك فنحن يمكننا الحكم على درجة الروح المعنوية في إدارة ما من خلال صورة العلاقات الإنسانية السائدة في جوها؛ لأنها نتيجة لهذه العلاقات أكثر من أن تكون سببًا لها، فسوء العلاقات الإنسانية يكون مسئولًا عن تدهور الروح المعنوية.
وقد حرص الإسلام على الروح المعنوية في الصف غاية الحرص، كما في غزوة أحد بعد الهزيمة من المشركين, يقول تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب, وهو يحفر الخندق مع الصحابة، حينما بشرهم بفتح الروم وفارس، يذكر المؤمنين, ويرفع روحهم المعنوية في ظرف صعب، وكذا كما حدث في غزوة مؤتة مع الجيش المنسحب مع خالد بن الوليد رضي الله عنه, واستقبله الصحابة بهتاف: يا فُرَّار، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم الكُرَّار.
مظاهر الروح المعنوية:
إن الروح المعنوية, من مسماها, تتضح أنها ذات مدلول معنوي غير ملموس، ولكن يمكن أن يعبر عنها من خلال مجموعة من المظاهر التي تدل عليها، ومن هذه المظاهر:
1. الأرقام القياسية للكفاية الإنتاجية:
ويقصد بها متوسط الإنتاج لفترة زمنية معينة, ومقارنتها بالإنتاج الفعلي، فإذا كان الإنتاج ثابتًا عند حد معقول, وفق النسب المقررة, وتكاليفه تتعادل مع مبيعاته، مع تحقيق شرط الربح, مع قلة العادم والتالف للإنتاج الكلي، كان هذا دليلًا على ارتفاع الروح المعنوية لدى العاملين.
أما إذا زادت التكاليف, وهبط مستوى الأداء، كان ذلك دليلًا على انخفاض الروح المعنوية في المنظمة.
أما بالنسبة للخدمات؛ فإن ارتفاع مستوى الخدمة مؤشر من المؤشرات الهامة لارتفاع الروح المعنوية في المنظمة.
2. الشكاوى والتظلمات:
تمثل كثرة عدد الشكاوى في المنظمة مظهرًا من مظاهر التذمر وانخفاض الروح المعنوية بها، وقد يكون بعضها حقيقيًا، ولكن على الإدارة الواعية واجب الإسراع في بحثها بواسطة المتخصصين؛ للكشف عن حقيقتها, ومعالجة أسبابها, وحتى تعود الروح المعنوية إلى مجراها السابق في الارتفاع.
وليس حتمًا أن تكون كثرة الشكاوى نتيجة لسوء الإدارة، وإنما قد تكون نتيجة لتوتر داخلي في الجماعة.
وليس بالضرورة أن قلة الشكاوى تكون مظهرًا من مظاهر ارتفاع الروح المعنوية, فمن الممكن أن يصاب الأفراد بإحباط شديد نتيجة عدم الإنصات لشكواهم، فيكون رد الفعل الطبيعي هو سلبيتهم.
3. دوران العمل:
يدل زيادة معدل خروج العمال, من القوى العاملة, بالنسبة إلى معدل انضمامهم على أن معنوياتهم منخفضة، حتى في داخل القسم الواحد، فإذا لوحظ أن معدل طلب نقل العاملين بهذه الأقسام مرتفعة كانت مظهرًا من مظاهر انخفاض معنوياتهم.
وثبات القوى العاملة في المنظمة ليس بالحتمية دليلًا على ارتفاع معنويات الأفراد، فمن الممكن أن تكون فرص العمل المتاحة للعاملين خارج منظماتهم محدودة, ومن هنا تقل نسبة خروج القوى العاملة, وتظهر كأنها ثابتة.
4. التنظيمات غير الرسمية [الشللية المعوقة]:
إن التنظيمات غير الرسمية الإدارية [الجيوب] من المظاهر الواضحة للغاية لمدى ارتفاع أو انخفاض معنويات العاملين, فإن وجود هذه التنظيمات لهو مظهر أكيد من مظاهر انخفاض المعنويات.
العوامل التي تساعد على رفع الروح المعنوية:
أظهرت العديد من البحوث الإدارية, على كثير من الموظفين, أن الواقع الذي يرفع من معنوية العامل أو الموظف, أثناء العمل, يعتمد اعتمادًا كبيرًا على العلاقات الإنسانية؛ مهما تغيرت ظروف العمل المادية، فرغبة العامل أو الموظف في العمل لا ترتبط دائمًا بالمادة؛ بل هي تخضع أساسًا لقوة حاجته إلى تكوين صداقات وعلاقات بينه وبين أقرانه في العمل.
ومن أهم العوامل التي تعمل على رفع الروح المعنوية للعامل أو الموظف هي:
أولًا: توفر الكفاءة في إشراف الرئيس:
وهي من الأمور المهمة, وهذا الإشراف يشمل القدرة الفنية، والأسلوب الإنساني الذي يتجه في إدارة أفراده.
فمن الحاجات الأساسية التي تدفع المرءوسين للعمل بحماس شعوره بأنه ينمو في هذا العمل, وتزيد خبراته فيه، فتوجيه رئيسه له وتزويده بتجاربه هما نوع من التدريب.
فأسلوب الإشراف يكون له فاعلية في رفع الروح المعنوية للمرءوس إذا كان بعيدًا عن التخويف والتهديد الذي يعمل على توسيع الهوة بين الرئيس ومرءوسيه.
والإشراف لا بد وأن يشتمل على إتاحة الفرصة للمرءوس للمبادأة, وتشجيعه على تقديم ما يعن له من مقترحات في أعمال الإدارة ونظمها.
هذا ولا بد أن يهتم كثيرًا بتزويد المرءوس بكل المعلومات عن العمل, والتي تعينه على أدائه على خير وجه، فيبين له حدوده, وأساليبه, ووسائل الاتصال, واللوائح والتعليمات المتعلقة به حتى تدخل الثقة في نفسه، ويكون على بينة بجميع ظروف العمل، فإن مثل هذه الخطوة من جانب الرئيس ترفع كثيرًا من معنوية المرءوس, وتدخل في نفسه الطمأنينة إلى وضعه؛ بل وتزيد حبه للعمل.
كما أن على الرئيس أن يبدي تقديره للمرءوس, ويعبر عن فكرته الجيدة عنه بكل أساليب التشجيع متى كان المرءوس يستحق ذلك, فإن حاجة المرءوس إلى التقدير هي حاجة نفسية أساسية للفرد.
ثانيًا: توفير الأمن للمرءوسين:
إن الأمن من الحاجات النفسية الأساسية للفرد, وعدم إشباعها يؤدي إلى إحباطه، ومن ثم انخفاض معنوياته.
وبالنسبة للفرد المرءوس, حتى يشعر بأمنه واستقراره, يجب أن يكون هناك من الضمانات ما يتيح له الاستمرار في العمل دون طرد أو فصل، وكذلك حصوله على مستحقاته المالية وترقياته وفق أسس من العدالة والنزاهة, وعدم تدخل الأهواء الشخصية والمجالات في أسس التقييم، فكما يقولون: العدل أساس الملك.
ثالثًا: الثقة في كفاءة المنظمة وأهدافها:
إن حسن سمعة المنظمة التي يعمل فيها الموظف, وكفاءتها الممتازة, وجودة الإدارة بها لهي من الأمور التي يعتز بها هذا الموظف, وتكون موضع فخر له، وإن هذا الاعتزاز أو الفخر يعمل على رفع روحه المعنوية لانتسابه للعمل في هذه المنظمة؛ ونراه إذا ما داخله هذا الشعور فإنه يتفانى في خدمة هذه المنظمة مدفوعًا ذاتيًا في ذلك.
رابعًا: قيام التوافق بين الفرد وزملائه:
ومن العوامل التي تزيد من ارتفاع روح الفرد المعنوية شعوره بأنه هو نفسه مقبول من جماعة الموظفين الذين معهم، وأنه قد نجح في تكوين علاقات إيجابية، وصداقات ودية بينه وبينهم، فإن مثل هذه العلاقات تجعل جو العمل متصلًا ومستحبًا، فيُقبِل على العمل بروح عالية وهمة كبيرة، والإدارة يمكنها أن تلعب دورًا كبيرًا في خلق هذا الجو، وذلك بالعمل الدائم على نشر الروح الاجتماعية.
ومن الملاحظ أن بعض الرؤساء يعمدون إلى التفرقة بين موظفيهم، كما يشجعون النفاق والتقرب، كما يعمدون إلى عدم العدالة في معاملة الموظفين في نواحٍ مختلفة، ومثل هذا السلوك يؤدي بالمنظمة إلى انخفاض كبير في الروح المعنوية.
______________________________
المصدر:
موقع: مفكرة الإسلام.