تغلب على ضعف الثقة بالنفس
(لا شيء كالإنجاز يحقق الذات، ويورث صاحبه التميز) [الدكتور عبد الكريم بكار]
هل تعرف من هو يزيد بن المهلب؟ إنه أمير من أمراء المسلمين في دولة بني أمية، تغير الدهر عليه فأودع
السجن، ولكنه استطاع الفرار منه، وبينما هو وفتاه يسيران في وسط القفار والصحارى، فإذا بهما يقابلان راعٍ ومعه بعض الشياه، فقال يزيد لفتاه: استسقنا من هذا اللبن.
فذهب الفتى إلى الراعي، واشترى منه بعض اللبن، فأمر الأمير فتاه أن يعطي الراعي ألف درهم، فقال الفتى للأمير: ولكنه لا يعرفك أيها الأمير، فقال له الأمير: ولكني أعرف قدر نفسي، فهيا عزيزي القارئ لكي تعرف حق نفسك؛ فتُنزِلها منزلها، وتعطيها حقها.
أمانة عظيمة:
إنها مشيئة الله في الأرض، أن يجعلك أنت مستخلف منه سبحانه في هذه الأرض، وذلك ما عبر عنه المولى، عز وجل، في كتابه العزيز حين قال: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30].
ولم يقتصر تكريم الله، تبارك وتعالى، لك عند ذلك الحد، بل تعداه ليأمر ملائكته بالسجود لك، تعظيمًا لقدرك، وإعلاءً لشأنك، فما كان منهم إلا السمع والطاعة، كما يقول ملك الملوك في كتابه الكريم: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} [البقرة:34].
بل زاد الكريم من تكريمه لك؛ فعاقب الشيطان اللعين الذي أبى السجود لك باللعن والطرد من الجنة؛ فقال عز وجل: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ } [الحجر:34،35]، فهل بعد ذلك تكريم، وهل فوق ذلك تقدير؟!.
والعلم يقرر:
وبعد هذا الاستخلاف الرباني لك عزيزي القارئ، فإن الله، عز وجل،قد أودع في جسمك من القدرات ما لا يُعد ولا يحصى، ودعنا نترك المجال للدكتور زغلول النجار ليخبرنا عن جانب من تلك القدرات الفذة حين يقول:
"لديك أيها الإنسان 600 عضلة، تشكل 40% من وزنك، ولديك 206 عظمة، تشكل 18 % من وزنك، أما المفاصل فتحوي أفضل سائل ملين بلا منازع على سطح الأرض، ثم انظر إلى يديك، واعلم أن بإمكانها أن تتحرك 58 حركة، وبها 25 مفصل، واعلم أن العلماء لم ولن يستطيعوا اختراع روبوت أو إنسان آلي يعمل عمل اليد أبدًا.
بقى أن تعلم أن 90% من المعلومات من حولنا يتم استقبالها عن طريق العينين، وأن هذه الرموش ترمش بمعدل مرة إلى مرتين كل ثانية، بالإضافة إلى أن العدسة تغير تركيزها ألف مرة عند تغيير شدة الضوء".
فهذا غيضٌ من فيض تلك القدرات التي أودعها الله، عز وجل، فيك أنت عزيزي القارئ؛ حتى تعمر بها الكون، وتكون بحق خليفة الله في أرضه.
شتان ما بينهما:
ولكن ديننا دين الوسط والاتزان والاعتدال؛ فلا تظنن أن الثقة بالنفس نوعٌ من الغرور؛ فشتان ما بينهما، فكما يقول الشيخ عائض القرني في كتابه لا تحزن: "الثقة بالنفس فضيلة كبرى، عليها عماد النجاح في الحياة، وشتان بينها وبين الغرور الذي يعد رذيلة، والفرق بينهما أن الغرور اعتماد النفس على الخيال وعلى الكبر الزائف، والثقة بالنفس اعتمادها على مقدرتها، بعد اعتمادها على الله، عز وجل، على تحمل المسئولية، وعلى تقوية ملكاتها وتحسين استعدادها".
كما أنه لا يعني كون المرء عارفًا بقدر نفسه، شاعرًا بتكريم الله له، أن يكون متكبرًا على غيره، متعاليًا عما سواه، فليس ذلك من خلق المؤمن الذي تربى على قول النبي، صلى الله عليه وسلم: »الكبر بَطَر الحق، وغمط الناس«(1). صحيح مسلم (91).
من أنا؟:
وحتى تصل إلى ثقة قوية بذاتك، فلابد أولًا أن تعرف ذاتك، وأن تتعرف على إمكاناتك، ولا نقصد بالتعرف على الذات أن تنظر إليها نظرة سطحية، بل نعني بذلك أن تنظر نظرة عميقة، فكما يقول روبرت سافيدج: “كي تصل إلى القمة فلابد أولًا أن تغوص في أعماق الأشياء"، وهكذا إن أردت أن تعرف نفسك، فلابد أن تغوص في أعماقها.
وحتى تصل إلى ذلك العمق، فعليك أن تسأل نفسك: ما هي صفاتي الشخصية؟، وما هي نظرتي لنفسي؟، وكيف أتمنى أن أكون؟، وما الذي أخشى أن أكون؟، وحاول أن تستشير ذوي الخبرة من المقربين منك في إجابة تلك الأسئلة، ولكن تذكر أنه ما من أحد من البشر يعرف عنك أكثر مما تعرف أنت عن نفسك.
ماذا أريد؟:
وحينما تجيب على تلك الأسئلة وتغوص في أعماق نفسك، وتسبر غوار ذاتك، لابد أن تنتقل للسؤال الذي يليه، وما هو هدفي في الحياة؟، وليس معنى ذلك أن تكتب أهدافك وتظن أن الأمر قد انتهى، بل المعنى أن تعرف ما هي الاحتياجات التي تريدها لكي تصل إلى الهدف، ويبدأ الجزء الأهم الذي سوف يبني ثقتك بنفسك، ألا وهو التنفيذ بل قل النجاح في ذلك التنفيذ بإذن الله.
ماذا بعد الكلام؟:
1. اصنع لنفسك سجلًّا للمعجزات التي وهبك إياها ربنا، عز وجل، سجِّل في هذا السجل على الأقل عشرة أشياء من القدرات التي وهبك الله إياها، وزد عليها تدريجيًّا، وسجِّل فيه أيضًا خمسة إنجازات حققتها في حياتك.
2. اصنع ملفًّا خاصًّا لأهم نقاط قوتك التي تراها في نفسك أو يراها فيك الآخرون، واسأل من تثق بهم عن أهم نقاط قوتك التي يرونها فيك، وسجِّل على الأقل خمسًا منها في هذا الملف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهم المراجع:
1. إذا كان النجاح لعبة فهذه هي قوانينها، د.شيري كارتر سكوت
2. بصائر في الشخصية، د.عبد الكريم بكار
3. لا تحزن، د.عائض القرني
4. موقع الدكتور زغلول النجار www.elnaggarzr.com
5. سير أعلام النبلاء، الذهبي