logo

قواعد إدارة الإبداع


بتاريخ : الاثنين ، 18 شوّال ، 1436 الموافق 03 أغسطس 2015
بقلم : د. محمد بن علي شيبان العامري
قواعد إدارة الإبداع

يمثل الابتكار والإبداع أحد الضرورات الأساسية في إدارة الأعمال والمؤسسات؛ إذ إن الزمان في تصاعد، والحاجات والطموحات هي الأخرى في نمو واتساع، فلا يعد كافيًا أو حتى مرضيًا أداء الأعمال في المؤسسات، على اختلاف أنماطها وأنواعها، بالطرق الروتينية التقليدية؛ لأن الاستمرار بها يؤدي إما إلى الوقوف، وهو بالتالي تراجع عن الركب المتسارع في المضي إلى الأمام، أو الفشل.

لذلك فإن المؤسسات الناجحة، ومن أجل ضمان بقائها واستمرارها قوية مؤثرة، يجب ألَّا تقف عند حدّ الكفاءة، بمعنى أن تقتنع بالقيام بأعمالها بطريقة صحيحة، أو تؤدي وظيفتها الملقاة على عاتقها بأمانة وإخلاص, على الرغم من أهمية هذا الشعور وسموّه، وإنما يجب أن يكون طموحها أبعد من ذلك؛ فترمي ببصرها إلى الأبعد، وبآمالها إلى الأسمى؛ حتى تكون متألقة، أفكارًا وأداءً وأهدافًا، وبتعبير آخر حتى تكون مؤسسة خلاّقة مبدعة، ويصبح الابتكار والإبداع والتجديد هي السمات المميزة لأدائها وخدماتها.

قد يمكننا تعريف الإبداع بأنه: أفكار تتصف بأنها جديدة ومفيدة ومتصلة بحل أمثل لمشكلات معينة، أو تطوير أساليب أو أهداف، أو تعميق رؤية، أو تجميع أو إعادة تركيب الأنماط المعروفة في السلوكيات الإدارية في أشكال متميزة ومتطورة تقفز بأصحابها إلى الأمام، إلا أن التعريف وحده لا يحقق الإبداع ما لم يتجسّد في العمل؛ لذا قد يمكن أن يقال أن الإبداع الحقيقي هو في العمل المبدع لا في التفكير، وإن كان العمل المبدع يسبقه تفكير مبدع.

ولذا فإن عملية الإبداع تمر في الغالب بأربعة مراحل هي:

- الإعداد.

- الاختيار.

- الإلهام.

- مرحلة التحقق.

ولذلك يجب التأكيد أنه ينبغي أن تتسم الأفكار الخلاقة بالعملية أيضًا؛ حتى يصح أن تكون فكرة خلاّقة، وإلا فإن مجرد الفكرة السامية بلا إمكانية للتحقيق ناقصة؛ لأنها لاحظت الحدود المثلى للفكر، والفكر يسمو ويتألق، ولا يحدّده مكان أو زمان أو طاقة أو خبرة, بخلاف العمل والعملية فإنها مراحل يجب أن تنسجم مع الزمان والمكان والطاقة والقدرة على إنجازها حتى تصبح ممكنة.

التفكير الخلاّق.. والآخر المنطقي:

كل عمل ناجح بحاجة إلى ثلاثة أصناف من الأفراد:

1- المديرون.

2- العاملون.

3- المبدعون.

وما لم يحصل توافق وانسجام بين هذه الأصناف الثلاثة لا يأخذ العمل مسيره إلى التقدّم والنجاح؛ فالأول والثاني يقوّمان العمل، والثالث يميّزه عن غيره بالخصائص والأوسمة.

ومن هنا فإن القرار الإداري هو العلة التي تقف وراء النجاح والفشل, وللتفكير الإنساني الدور البارز في طابع القرارات الإدارية، وفي الغالب فإن القرار العقلاني يحدّد إما على أساس منطقي أو إبداعي.

فالتفكير المنطقي يتدرّج حسب قانون الأسباب خطوة فخطوة؛ حتى يتوافق مع القواعد المنطقية؛ لذا فإنه لا يتجاوز الأعراف والتقاليد والأنظمة المفروضة والأساليب المألوفة في الغالب؛ لأن المنطق يفرض على صاحبه مراعاة توازن الفكر مع العمل مع كسب الأرباح مع الخسائر الأقل، ونحو ذلك من موازنات ضرورية لسلامة الإدارة.

أما التفكير الإبداعي فهو قد يتجاوز الأعراف والتقاليد، ويخرق المألوف بشجاعة وإقدام، فلا يخضع لقواعد ثابتة، أو قرارات محكمة؛ لذا فإنه في الغالب يخيف ويوقع المتعايشين معه بالحذر والارتباك، كما هو معروف في طبيعة البشر من تخوفهم من كل جديد؛ لذلك فإن الفكر الخلاّق قد لا يعدم أن يجد من يخالفه بشدة، وينسب إليه النواقص, حتى يثبت مصداقيته وصحته بعد حين، والأمر الذي يهوّن الخطب هو أنه بعد النجاح سيشكّل انتصارًا كبيرًا لأصحابه، ويزيد من مصداقيتهم وكفاءتهم.

ولا يخلو الأمر من تعارض بين النمطين في التفكير، والحلّ الأمثل هو الجمع بين النمطين، وأفضل طريقة لذلك هو فسح المجال لكلا الفكرين في العمل، ولأفرادهما بالمواصلة.

اكتشاف العناصر المبدعة:

لقد أصبحت إدارة الإبداع، ومنذ الخمسينات من القرن الماضي، مشكلة هامة من مشكلات البحث العلمي في العديد من الدول والمؤسسات, فبعد أن حلّت الآلة في المصانع والإدارات والمؤسسات لم تعد الحاجة إلى العضلات البشرية بتلك الأهمية، وإنما نحت الضرورة إلى الطاقة المفكرة الخلاقة؛ إذ تجاوزت تقنيات الآلة الزمان والمكان في السرعة على الإنجاز في المصانع والشركات الصناعية والتجارية، فضلًا عن الإتقان والجودة، كما تجاوزت معرقلات التواصل والارتباط ونقل المفاهيم والمؤثّرات في المؤسسات البشرية والفكرية, بما جعل الاستغناء عن الكثير من الطاقات والكفاءات العضلية والوظيفية أمرًا طبيعيًا.

وفي المقابل ازداد الطلب أكثر فأكثر على النشاط الابتكاري والإبداعي الفذ، فبات من الضروري على كل مؤسسة إيجاد قدرات خلاّقة في أفرادها، تعينها على مواكبة التطور السريع كضرورة اهتمامها في تطوير القدرات المبدعة لبذل المزيد حتى تبقى في القمة دائمًا.

ومن هنا ينبغي، دائمًا، التوجّه إلى صفات الأفراد وخصوصياتهم لاكتشاف الطاقات المبدعة فيهم؛ حتى لا نحرمها من العناية، ولا نحرم العمل من فرص أفضل للتقدم, وتتمثل صفات المبدعين بجملة من المظاهر في السلوكيات والأنشطة اليومية في البيت، ومكان العمل، والشارع، والنادي، وغيرها من مواقع النشاط.

هذا وقد حدّد بعض علماء النفس الصفات الإبداعية في الأفراد في عدّة مظاهر نذكر منها ما يلي:

1- النهم إلى المعرفة والاستطلاع الشخصي وفي التجمّعات: يميل المبدعون غالبًا إلى الفضول الإيجابي، والبحث، وعدم الرضا عن الأوضاع الراهنة طلبًا للتجديد والتطوير.

2- الالتزام بهدف سام، والتفاني في العمل من أجل الوصول إليه.

3- القدرة على تقديم الأفكار والاقتراحات المقنعة أو الخطط البديعة.

4- التلقائية، والمرونة في التعامل، والثقة في النفس في العلاقة مع الأفراد والتعاطي مع الأزمات.

5- تشجيع تبادل الرأي والمشاركة فيه، والنقد الذاتي, ويتنزه الفرد المبدع في الغالب عن السلبية والتزلّف والنفاق؛ لأنها مساوئ تتنافى مع شعوره بالثقة، وتفكيره المتحرّر، وطموحه العالي إلى الكمال، وتحسين الأوضاع وتوجيهها إلى الأفضل، لذلك فإن المبدعين في الغالب يتسمون بالصدق والبحث عن الحقيقة، فيرفضون مواراتها أو تجاوزها، فقد ينتقدون المستويات الأعلى إذا وجدوا خللًا في أدائهم أو سلوكهم، كما يطرحون البدائل الإيجابية ويساهمون فيها، فلا يكتفون بالنقد لمجرّد النقد بلا تفاعل ومشاركة في تحسين الأوضاع.

كما لا يبطنون شيئًا ويظهرون خلافه؛ لأن هذه صفات تنشأ من النقص والعجز، وهو أمر يتنافى مع الإبداع.

6- قراءة الماورائيات لدى الاستماع إلى محاضرة أو خطبة، أو قراءة فكرة ومراقبة عمل أو سلوك، وعدم الوقوف إلى حدّ الظاهرة من دون تحليل وتعمّق.

7- الاستقلالية؛ إذ إن المبدعين يتميّزون، في الغالب، بالتحرّر من النزعة التقليدية، والتصورات الشائعة، ليس حبًا بالخروج عن المألوف دائمًا؛ بل لتطلّعهم الدائم وطموحهم العالي في التفكير والتعبير ورسم الأهداف، ومن الواضح أن لبعض التقاليد والنمطية أهميّتها وحكمتها التي تستدعي احترامها وعدم تجاوزها.

وفي نفس الوقت قد تتحكم بعض النمطيات الجامدة في علاقات العمل، فتشكل مانعًا قويًا أمام الطاقات الإبداعية؛ لذلك فإن الأفضل هو مراعاة الإبداع بمشاركته في الأدوار العملية حتى يختمر أكثر بالتجارب، ويصبح أكثر إنتاجًا وأفضل ثمارًا.

فالتجربة والخبرة لهما الدور البارز في صياغة عقلية المبدعين الناجحين، وإضفاء سلوكهم بالمزيد من التدبير والتوازن؛ لكي لا يشطوا عن الأعراف الصحيحة والتقاليد القيّمة.

لذا قد يتّسم بعدم النظامية وتجاوز المقرّرات، وإن كان في الواقع لا يريدها أو يهتم لتغييرها، إلا أن روحه المتطلّعة وتفكيره المتفوّق يحدوان به إلى الأسبقية في كل شيء، وحقًا أن الفرد المبدع قد تضيّعه اللوائح الجامدة، والعلاقات الروتينية الصلبة, والإنصاف أن كلا النمطين من الأفراد صاحب حق في مجاله؛ لأن الإداري يهتمّ للمزيد من النظام والتسلسل المنطقي في العمل، وهذا قد يخرّبه المبدع في تحرّره، ولكن في نفس الوقت فإن تقييد المبدع بروتين وقواعد إدارية مغلقة قد تكبت فيه المزيد من الطاقات والتطلّعات، وهذا خسارة للجميع.

ولعلّ أفضل طريقة للجمع بين الأمرين هو تحرير الطاقات المبدعة في أعمال أكثر تحرّرًا وانفتاحًا من الأعمال والوظائف التي تقوم على قواعد العمل ونظام الإدارة، فإن في هذا تسوية للمشاكل مع الأفراد الإداريين الذين اعتادوا على النمطية في إنجاز الأدوار، في نفس الوقت كسب المزيد من الإمكانات والفوائد التي يعول عليها الفرد المبدع إلى العمل.

8- القدرة العالية على تفهّم المشكلات، ومناقشتها بسعة صدر، والتعامل معها بإيجابية وحكمة، فلا تعود الأزمات المستعصية على المبدعين بالإحباط أو الشعور بالفشل والنقص في أغلب الأحيان, بخلاف الكثير من الأفراد الذين تزيدهم الأزمات تراجعًا ونكوصًا إلى الوراء، أو شعورًا شديدًا بالإحباط فينهزمون في ذواتهم أولًا ثم أمام خصومهم ومنافسيهم.

9- وضوح الرؤية وصلابة الموقف وثبات القدم.

10- الشخصيات المبدعة تنظر إلى الزمن كمورد إنتاجي يجب استثماره في تحقيق المزيد من الانتصارات، وتنظر دائمًا إلى الأمام للسبق والتقدم، ولا تجعل للماضي أو الحاضر قيودًا عليها، إن بعض الأفراد يعيش في قيود الماضي وأزماته، وآخرون يعيشون في قيود الحاضر وأزماته، فينشغلوا في هموم اليوم متناسين آمال الغد، وهذا خطأ كبير يعود عليهم بالفشل في آخر المطاف.

قواعد الإبداع:

إن الإبداع يبدأ من الإنسان؛ لذلك تجد الكثير من المبدعين قد انطلقوا من بيئة ضيقة ومحدودة.

كما أن الرؤية الإيجابية للنفس هي سبب النجاح، ونذكر هنا أربع عشرة قاعدة تقود إلى الإبداع، وهي:

القاعدة الأولى: قاعدة الرغبة:

هناك طريقة عندما تكون هناك رغبة.

القاعدة الثانية: أجج رغبتك في النجاح:

إذا وصلت رغبتك في الحصول إلى الحكمة درجة رغبتك في الحصول على الحياة في لحظة الغرق ستحصل على الحكمة. (سقراط)

كيف تحكم أن هذا الشيء غير ممكن؟ الجواب: جرب.

"لو تعلقت همة أحدكم بالثريا لنالها". حديث شريف.

القاعدة الثالثة: وضع هدف:

يجب أن يكون لك هدف واضح إن لم يكن لديك هدف.

القاعدة الرابعة: ارفع مستوى أهدافك:

أن يكون هدفك عاليًا، إن لم ترض إلا بالقمة فستصل إليها.

القاعدة الخامسة: التعلم:

تقف الحياة عندما يقف التعلم.

قد أعذرك إذا لم تكن تعلم، ولكن لا أعذرك إذا لم تتعلم ما يجب أن تعلم.

القاعدة السادسة: العمل:

إن أعظم غايات الحياة الدنيا ليست المعرفة؛ بل العمل. "توماس هكسلي".

القاعدة السابعة: ركّز على ما يمكنك فعله لا على ما لا يمكنك فعله:

"قبل أن تبحر حدد نقاط الوصول".

القاعدة الثامنة: تحديد البداية والاستمرار حتى النهاية:

لكل أمر عظيم لا بد من بداية، ولكن الاستمرار حتى النهاية هو المجد الحقيقي. "فرنسيس دروبي"

القاعدة التاسعة: كن مرنًا:

غيّر طريقتك، إذا استمر فعلك بنفس الطريقة فستجني دائمًا نفس النتيجة.

القاعدة العاشرة: العودة من جديد:

ليست العبرة بعدد المرات التي سقطت فيها أرضًا؛ بل بعدد المرات التي استطعت أن تقف فيها ثانيًا. "ريتري بيتول"

القاعدة الحادية عشرة: أنت المسئول عن قرار الإيقاف:

إن الآخرين بإمكانهم إيقافك بشكل مؤقت، ولكن الشخص الوحيد الذي يستطيع إيقافك دائمًا هو أنت.

القاعدة الثانية عشر: لا تستعجل النتائج:

الحياة كثمرة الشجرة، عندما تنضج تسقط بمفردها.

القاعدة الثالثة عشر: استمرار النجاح:

إن التميز لا يبقى وحيدًا بمفرده، فمن المؤكد أنه سيجتذب له جيرانًا. "كونفوشيوس"

القاعدة الرابعة عشر: اللحظة هي مسئوليتك وحياتك، فاستفد منها لصنع المستقبل:

تذكر أن الوقت لا يعود للوراء، فإن لم تتعلم كيف تصبح حياتك فأنت من سيعود للوراء.

__________________

المصدر: موقع مهارات النجاح للتنمية البشرية.