كيف تتعامل مع الناس بذكاء؟
تلعب العلاقات الاجتماعية دوراً هامَّاً وفعَّالاً في جعل حياة الإنسان غنيةً وإيجابيةً أكثر. فعندما يعيش الإنسان وحيداً وبعيداً عن الجميع، سيشعرُ وكأنَّه معزولٌ عن العالم وليس له أيُّ أحد؛ أمَّا الإنسان الاجتماعي فيتعامل في حياتهِ مع أصنافٍ عديدةٍ من الناس الذين يملكون صفاتٍ قد تتوافق معه، وقد لا تتوافق معه.
هناك مقولةٌ مشهورةٌ أيضاً تقول: "عامل الناس كما تُحب أن تُعامَل"، والمقولة تقصد أنَّه إذا كنت تحبُّ أن يعاملك الناس باحترام، فبادلهم الاحترام أنت أيضاً، وإياك أن تتوقَّع منهم أيَّ مبادرةِ لطفٍ عند معاملتك لهم بشكلٍ سيء؛ لأنَّ البشر لا يحبُّون الإنسان الذي لا يتعامل بأدبٍ وبشكلٍ جيد مع الآخرين.
ولكي تتعامل مع الآخرين بذكاء، سنقدِّم إليك بعض النصائح الهامَّة لتتعامل مع الناس بالشكل الصحيح والفعَّال.
1. ابدأ العمل من ذاتك: كما قُلنا منذ قليل: "عامل الناس، كما تُحب أن تُعامَل"، نعم، إنَّها القاعدة الأولى والأهمُّ لكي تتعامل مع أيِّ نوعٍ من الناس، والمقصود هنا أنَّك إن أردت أن يقف الآخرون إلى جانبك في شتَّى ظروفك؛ فإنَّ من واجبك معاملتهم بلطفٍ ومساعدتهم عندما يحتاجون إليك، وقد يتطلَّب ذلك تغيير وجهة نظرك أو سلوكاتك الخاصة تجاههم. لتُحقِّق هذه القاعدة الهامَّة، عليك التفكيرُ فيما يُفكِّرُ ويرغبُ به الآخرون تماماً، وذلك لكي تشعر بهم مثلما ترغبُ أن يَشعروا بك؛ وأيضاً عليك التحدُّث معهم بالطريقة نفسها التي تُريد أن يتحدَّثوا إليك فيها.
2. توقَّع كلَّ شيءٍ بشكلٍ منطقيٍّ وواقعي: عندما تتعامل مع الآخرين بطريقةٍ مناسبةٍ وجيدةٍ وملائمة، فمن الطبيعي حصولك على معاملةٍ مماثلة. ولكن من الأفضل عدم توقُّع ذلك بشكلٍ سريع، فقد يستغرق الأمر أياماً أو شهوراً، إذ يتطلَّب ذلك الكثير من الوقت والصبر؛ وعليك أيضاً توقُّع بقاء بعض الأشخاص على حالتهم نفسها وعدم تغيُّر أفكارهم أو تصرفاتهم.
عليك أن تنتظر أي شيءٍ من البشر، وتبعاً لهذه التوقعات سيكون بإمكانكَ اتخاذ قرارٍ متعلِّقٍ بما إذا كُنتَ ترغب باستمرار هذه العلاقات أم لا، أو إذا كنت تريد نسيانها وفتح مجالٍ لعلاقات جديدة؛ لأنَّ أسلوب تعاملهم لا يليق بشخصٍ مثلك.
3. عامل الناس المُزعجين بذكاء: قد تُصادف في حياتِك اليومية بعض الناس الذين قد يتسبَّبون بإزعاجك أو إحباطِكَ بطريقةٍ ما، وقد يأتي هذا الانزعاج من صديقكَ الذي دائماً ما يُشعِرك بالغيظ إمَّا بطريقة كلامهِ، أو عند تأخُّره عن موعدهِ معك.
وربَّما يكون مصدر هذا الانزعاج الأشخاص الذين قد يُفقدونك السيطرة على أعصابك. ولكي تتعامل معهم بذكاء، عليك أن تتأنَّى وتتروَّى أولاً، ثمَّ أن تأخُذ نفساً عميقاً وتزفره قبل أن تقوم بأيِّ ردِّ فعلٍ آخر؛ هذا يحميك من الوقوع في أيِّ مشكلةٍ في أثناء الحديث معهم، ويجعلُكَ أكثر هدوءًا ونضجًا، ويدفعك إلى إجراء باقي المحادثات مع الآخرين بصورةٍ لبقة.
4. احرص أن يكون الانطباع الأول عنك جيداً: إنَّ أغلب البشر بشكلٍ عام يُقوِّمون الشخص بناءً على الانطباع الأول الذي يأخذونه عنه، فالنظرة الأولى هامَّةٌ جداً؛ لأنَّها تبقى عالقةً في عقول وأذهان الآخرين لوقتٍ طويلٍ، وقد لا تتغيَّر مطلقاً. لذا عليك استغلال أهمية الانطباع الأول الذي يأخذه الناس عنك، والذي غالباً ما يكون انطباعاً عاطفياً، ومن خلالهِ تنال ما تحب أو لا تنال شيئاً؛ فترك انطباعٍ سيءٍ عند الآخرين أمرٌ مربكٌ حقّاً، وبالأخص إن كان ذلك الشخص هامَّاً بالنسبة إليك، وتريد تقوية العلاقة فيما بينكما.
وفي أغلب الأحيان، يحدث ذلك دون شعورك أو إدراكِك بماذا قمت، إلا بعد فوات الأوان.
إنَّ الانطباع الأول الذي تتركهُ لدى الآخرين غالباً ما يكون الانطباع الأخير الذي يأخذونه عنك، لذا عليك التحكُّم بتصرُّفاتك مع الآخرين بشكلٍ أكبر وأفضل؛ لأنَّه من الصعب تغيير نظرتهم لك وفكرتهم عنك بعدها.
5. قدِّر نفسك، وسيتقبَّلُك الآخرون: هناك القليلُ من البشر يعلمون أنَّ الأشخاص يُشكِّلون فكرتهم عن الإنسان من خلال رأيه الخاص عن نفسه، حيث يقول الأديب رالف والدو إمرسون: "يحظى المرء بالنصيب الذي يهيئ نفسه لأخذه"، ولذلك من الجيد اتخاذ المكانة وتبنِّي الشخصية التي تناسبك، والتي تُريدها أنت بين الناس، وعندها سيُجبَرون على احترامِكَ؛ لأنَّك قدَّرتَ نفسك بالشكل الذي تتمنَّاه.
باختصار: عندما تتعامل مع الناس على أنَّك مجرَّد شخصٍ ما في هذا المجتمع، فإنَّ العالم سيتعامل معك بالدرجة ذاتها؛ ولكن إن اخترتَ أن تكون ذا شأنٍ عظيم، فإنَّ الناس لن يكون لديهم خيارٌ آخر، وسيعاملونَك على أنَّك شخصٌ له شأنٌ فعلاً.
6. تجنَّب الحكم المباشر على الآخرين: يحكُمُ الآخرون بشكلٍ عامٍ على القيمة والمكانة التي تضعُها أنت لنفسك، وليس على ذلك فحسب، بل أيضاً على طريقةِ حكمكَ على باقي الأشياء وتقويمك لها.
فمثلاً: عندما يتحدَّث شخصٌ ما أمامك عن الوظيفة التي كان يعمل فيها باستحقارٍ واستهزاءٍ وتقليلٍ من شأن مَن كان يعملُ لديه، ستعتقد عند سماعك حديثه أنَّه لن يكون باستطاعتهِ أن يُصبح شيئاً هامَّاً في هذه الحياة.
لذا عليك تذكُّرُ هذه الحكمة الأساسيَّة: "لا تحكم على الآخرين فورًا، حتَّى لا يحكم الآخرون عليك على الفور أيضًا".
7. تجنَّب انتقاد الآخرين: من الأشياء الهامَّة التي ربَّما تُساعدك في تحسين نموذج التعامل مع الأشخاص، هو معرفتك للحقيقة التي توضح أنَّ البشر لا يحبُّون مَن يوجِّه إليهم الانتقاد أمامهم مباشرةً، حتَّى وإِن كانوا منافسين لك في العمل أو في أيِّ مكانٍ آخر.
فمَن كان يرغب بترك بصمةٍ جيدةٍ وطيبةٍ لدى الآخرين، عليه تحسين صورته أمامهم، والابتعاد عن التكلُّم بشكلٍ سلبي عن الآخرين، وتجنُّب الانتقادات التي تنمُّ عن وجود الكراهية والمزاج السلبي.
8. تجنَّب التصنُّع أمام الآخرين: لكي تنجح في التعامل بذكاءٍ مع الأشخاص، عليك الحرص على التعامل معهم بشكلٍ طبيعيٍّ وبأسلوبٍ نابعٍ من قلبك، والابتعاد تماماً عن التصنُّع والتمثيل؛ لأنَّ أغلب الناس لا يحبُّون الشخص الذي يتصنَّع ويختلق الأمور الكاذبة، حيث يكتشف بعضهم تمثيله ويبتعدون عنه بسرعة.
9. استخدِم لغة الجسد في التواصل مع الناس: يتّفِقُ العلماء والباحثون على أنَّ للغة الجسد أهميةٌ كبيرةٌ في العديد من المواقف بين الأشخاص، ومن الجدير بالذكر أنَّ كثيراً من الناس يفتقرون إلى معرفة كيفية قراءة لغة الجسد عند الآخرين، حيث أنَّها تظهر بشكلٍ خاصٍ عن طريق مراقبتك وملاحظتك للتلميحات التي تظهر مباشرةً على الشخص الذي تتواصل معه.
هناك ما يُعرَف بالإشارات غير الشفهيَّة، والتي تُعدُّ من أكثر العمليات تعقيداً، والتي تعتمد على الصوت والنبرة والطبقة المتعلقتان به، وحركات الجسد أيضاً. كما أنَّ هناك ما يسمَّى بالجسد المتكلِّم أو الناطق، حيث أنَّ ما تحاول إخفاءه في كلامك أو عينيك، يظهِرُهُ جسدك مباشرةً بواسطة الإيماءات والإشارات التي تصدر عنه.
10. حوَّل عدوّك إلى صديق: في بعض الأحيان، قد تأتيك أوقاتٌ تتسرَّعُ فيها وتُظهِر كلَّ ما في داخلك من غضبٍ وحقدٍ وغيظٍ أمام شريكك أو صديقك، وتستخدم في ذلك الصوت المرتفع، والأسلوب العدواني.
هذه الوسائل هي التي تتسبَّب ببعد الآخرين عنك، وتجنُّبَهُم لأيِّ حديثٍ معك. يقول رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق وودرو ويلسن: "إذا جئتني معلناً المبارزة، أعدك أنَّ قبضتي ستكون أقوى من قبضتك؛ أما إذا جئت إلي وقلت: دعنا نتبادل الرأي، فحتَّى إذا اختلفنا، فلن نلبث أن نجد أنَّنا نتفق في الكثير".
استطاعَ رجل الأعمال جون دافيسون روكفلر، والذي كان مُسيطراً على أكبر شركات الفحم في ولاية كولورادو الأمريكية، أَن يمتصَّ كلَّ الغضب النابع من أكثر ثورة إضراباتٍ للعَمَالة عُنْفَاً في الولايات المتحدة؛ حيث أنَّه لم يُهدِّد، ولم يتوعَّد بفعل أيِّ شيء، ولم يستخدم العنف كأسلوب، بل بدأ خطابه بالمدحِ قائلاً: "إنَّ هذا اليوم هو أعظمُ أيام حياتي؛ لأنَّي التقيت بكم، وإنَّني فخورٌ لوجودي معكم، فأنتم بمثابة الإخوة بالنسبة إلي".
بهذه الطريقة استطاع روكفلر كسب واستحقاق ودِّهم، والتقرُّب إليهم بكلِّ عزيمةٍ وإصرار، ممَّا دفعهم إلى أن يعودوا إلى أعمالهم دون المطالبة برفع الأجور التي جاؤوا غاضبين من أجلها.
11. أربعة أمورٌ عليك الأخذ بها عند التعامل مع الآخرين: إنَّ الابتسامة سر الذكاء الاجتماعي، وكما يقول مَثَلٌ صيني: "إذا لم يكن وجهك بشوشًا، فلا تفتح متجرًا"، فالابتسامة من أفضل الأساليب لكسب الناس والأصدقاء والتأثير فيهم، حيث أنَّها أوّل ما يجذب الناس إلى أيِّ شخصٍ كان.
ولتكسب محبَّة الآخرين لا بدَّ من مراعاة بعض الأمور التي يجب عليك الأخذ بها، ومنها:
تأكَّد أنَّك تُلقي السلام على الناس بابتسامةٍ، خصوصاً إذا كان هذا لقاءك الأول معهم؛ فذلك يترك لديهم انطباعاً جيداً عنك. احرص بأن يكون قولك متوافقاً مع فعلك.
استعمل إيماءاتك العاطفية المناسبة في كلِّ موقف، وانتبه إلى اختلاف الثقافات. حاول الاحتفاظ بأيِّ مرآةٍ صغيرةٍ من أجل مراقبة لغة جسدك ومظهرك قبل أي لقاءٍ هامٍّ تفعلهُ.
12. تسع خطواتٍ عليك الأخذ بها لإقامة العلاقات الاجتماعية بذكاء: حاول التعرُّف على حالة الشخص المتكلِّم النفسية، لكي تعلم كيفية مجرى الحديث معه.
حاول أن تبتسم دائمًا، وأن تخلق الدعابات وتشاركها مع أصدقائك والآخرين.
حاول أن تتقبَّل النقد، وتحترم حقَّ الآخر في التعبير عن رأيه، مع عدم فرض رأيك عليه.
أظهِر مشاعرك للآخرين، وشاركهم في مناسباتهم، وتفاعل معهم مهما كلَّفك الأمر.
درِّب نفسك باستمرارٍ على تجنُّب غضبك وانفعالك، وضبطها حتى لو جرى لومك بشيءٍ ما، واعتذر لو بَدَرَ منك أيُّ سلوكٍ خاطئ.
لا تُحرِج أيَّ أحد، وتدرَّب على الكلام الحَسَن.
كُن متعاوِناً في أوقات الحاجة، وقدِّم الخدمة والعون إلى الناس، حتَّى وإن لم يطلبوا منك.
لا تحكم على الناس مباشرةً.
كُن لبِقًا في حديثك مع الآخرين، وتعلَّم فنَّ الحوار.
في الختام: كما رأيتَ عزيزي القارئ، فإنَّ التعامل مع الآخرين هو فنٌ ومهارةٌ في هذه الحياة، يتمتَّع بها الكثير من الأشخاص، ولكن مازال هناك مَن يفتقدُها.
وإنَّ تقيُّدك والتزامك بهذه الأمور والأساسيَّات، سيؤدِّي إلى نجاحك في التعامل مع الآخرين بكلِّ ذكاءٍ وَوِدّ، لتكسب محبَّتهم واحترامهم لك.
المصدر: موقع النجاح.