آثار الإعلام على الأسرة
الإعلام هو عبارة عن الاتصال بين المرسل والجمهور عن طريق وسيلة إعلامية تنقل من خلالها الرسالة الإعلامية من طرف لآخر، وهو نشر الأفكار والأخبار والآراء بين الناس بواسطة وسائل الإعلام الجماهيرية المعروفة (الصحافة، التلفزيون، السينما، الإذاعة، الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي).
والغاية من الإعلام هي توجيه الجماهير وتزويدهم بالمعلومات والحقائق والأخبار لتكوين رأي عام محدد بمعزل عن كونه ايجابيًا أو سلبيًا.
وفي العصر الراهن أصبحت وسائل الإعلام من مؤسسات التربية التي من غير الممكن ضبطها وتوجيهها؛ ذلك لأن غالبية هذه الوسائل تنقل ثقافات من خارج المجتمع، كما يسعى عدد كبير منها لتحقيق أهداف ومصالح تجارية لأفراد ومؤسسات لا تعير اهتمامًا لمختلف المعايير والقيم الأخلاقية، التي تميز ليس فقط ثقافة المجتمع؛ بل عناصر مشتركة في أديان وثقافات مختلف المجتمعات الإنسانية.
فبينما يتوقع أن تساهم وسائل الإعلام في تشكيل بؤرة ثقافية يجتمع حولها أفراد المجتمع تساعد على تحقيق أهدافه؛ نجدها من خلال العديد من القنوات الفضائية تتيح ما من شأنه الاختلافات في الأفكار والسلوكيات؛ بل وفي القيم التي يعتبر الاختلاف فيها من أهم عوامل ومصادر الصراع وعدم التكامل.
بل إن الاختلافات فيما تبثه وسائل الإعلام من أفكار ومفاهيم يوجد قدرًا من اللامعيارية التي يهدد انتشارها نسق قيم المجتمع ليس فقط المحلي بل الإنساني ككل.
وهذه الآثار لوسائل الإعلام قد تكون قصيرة الأمد وقد تكون طويلة، وقد تبدو ظاهرة أو تكون مستترة قد تظهر بعد فترة، وقد تكون دينية، نفسية، اجتماعية، سياسية، اقتصادية... وهذه الآثار بالعموم قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية، وقد ركّزت الأبحاث التي عملت على تأثير رسائل الإعلام على مجالات عديدة أهمها:
أ- التغيير القيمي: تعتبر القيم والمعارف والعقائد من مرتكزات الهوية الثقافية والحضارية لأي مجتمع، وهذه المسائل كانت في السابق في عهدة المدارس والبيوت، أما اليوم أصبحت من مهام وسائل الإعلام التي تؤثر أكثر من غيرها في عملية البناء أو الهدم وفي عملية الإعمار أو التخريب، واليوم من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة ومع كون العالم بمثابة قرية واحدة بفعل العولمة، فإن هدم القيم الموجودة وبناء قيم جديدة في مجتمع ما؛ خصوصًا إن كان ضعيفًا لا مقومات له، أمر سهل من خلال الأفلام والمسلسلات وبرامج الكرتون للأطفال وقد تمر عبر مسائل فكاهية عابرة لا يلتفت إليها الناس وتترك أثرًا على النفوس (1).
وهكذا تصبح عملية التنشئة الاجتماعية اليوم بيد الوسائل الإعلامية ويضعف دور الأهل والمدرسة والبيئة الداخلية.
ب- التغيير المعرفي: ويكون أكبر تأثيرًا من تغيير الاتجاه حيث يغير طبيعة إدراك الأشخاص للحياة من حولهم، وقد يطرح أساليب مختلفة للنجاح قد لا تتفق مع الواقع والمفاهيم السائدة.
والمعرفة تشمل الاعتقادات الدينية والاجتماعية وغيرها، ولهذه الأمور تأثير مباشر على المواقف والسلوك عند الأفراد والجماعات، وتعتبر من أخطر المسائل التي تعتمدها وسائل الإعلام لو أرادت ذلك، لأن جذور التغيير المعرفي عميقة وإزالتها ليست بالأمر السهل، لأنها قد تنقل المجتمع من مكان إلى آخر لا يتناسب معه.
وبالتالي عودته إلى ما كان عليه تصبح صعبة، والبقاء حيث وصلت أمر غير ممكن.
ج- التنشئة الاجتماعية: حيث تسعى جميع الرسائل الإعلامية إلى إزالة قيمة وتثبيت أخرى، أو ترسيخ وضع قائم، ومنع آخر، ويحدث ذلك من خلال ما تطرحه من نماذج قد تتعارض مع متطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى الأسرة لجعل الأولاد يتكيفون لمطالبها وللأحكام التي تضبط أساليب تحقيق الاحتياجات (2).
د- الاستثارة العاطفية: تتعمد وسائل الإعلام استثارة مشاعر السخط والتمرد والكراهية والولاء؛ من خلال تركيزها على مشاهد العنف وإثارة الغرائز، وذلك ليسهل توجيهها الوجهة التي تتيح التحكم بأفكار وأفعال الأفراد.
هـ- الضبط الاجتماعي: إن تغيير السلوك لا يعتمد على عامل واحد وإنما على عوامل متعددة. فقد يكون نتيجة تغيير معرفي، أو نتيجة تنشئة اجتماعية طويلة الأمد، أو تغيير في الموقف والاتجاه، أو نتيجة تأثير زمني محدد كالتأثر بالإعلانات في السلوك الشرائي واتباع الموديلات المختلفة والمتغيرة في زمن قصير.
ووسائل الإعلام هي من العوامل التي تعمل على تغيير السلوك، من خلال الترويج والجذب، كأن تكون الشخصيات الفنية أو الرياضية أو الاجتماعية، مثالًا للشباب اليوم أو للرجال والنساء.
و- صياغة الواقع: حيث تعمد وسائل الإعلام إلى إبراز جوانب من الواقع وإغفال أخرى، بحيث يبدو أن ما يظهر فيها معبرًا عن الحقيقة وواقع الحياة والمجتمع، كما تحدد الصورة النمطية للمواقف والأشخاص والأدوار، وقد تكون الصورة مثالية غير واقعية أو فيها تضخيم لأحداث، أو تقليل من شأنها.
ز- تكريس الواقع: ويحدث من خلال تزكية وتمجيد أوضاع قائمة أو أفكار سائدة، أو نماذج وشخصيات معينة.
ح- التغيير الموقفي: يمكن القول إنه الأساس في عملية التغيير لأنه يقصد تغيير رؤية الإنسان لقضية ما، أو لشخص ما أو لدين ما، أو لقيمة ما، أو لسلوك ما بحيث يتم اللعب على المشاعر والأحاسيس، فيتعاطف الإنسان مع ما يريده المسيّر للوسائل الإعلامية سياسيًا وتربويًا واجتماعيًا واقتصاديًا... فيغيّر العدو والخصم من خلال التحريك الغرائزي وطمسه حقائق كان لها دور أساسي في مواقف الناس.
وباختصار يمكن القول إن لوسائل الإعلام تأثيرًا كبيرًا على فهمنا للقضايا، ومواقفنا منها وحكمنا على الأشياء، بالإضافة إلى الاستثارة العاطفية من خلال استثارة مشاعر السخط والتمرد والكراهية والولاء، من خلال التركيز على مشاهد العنف، وإثارة الغرائز كما أنها تعمل على تكريس واقع ما من خلال تزكية وتمجيد أوضاع قائمة أو أفكار سائدة أو نماذج وشخصيات معينة (3).
أثر الأسرة في تشكيل التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام:
لقد أشار العديد من التحليلات إلى أهمية تأثير وسائل الإعلام على الأفراد في مجالات مختلفة، كما أكدت نتائج عدد من الدراسات أهمية الدور الذي تمارسه وسائل الإعلام في توجيه السلوك، وتشكيل الإدراك؛ إلا أن غالبية هذه التحليلات والدراسات تميل إلى تجاهل المحيط الاجتماعي الذي يتم خلاله التأثير من وسائل الإعلام على المتعرضين لها، فكما تؤكد النظرية الاجتماعية النفسية: فإن سلوكيات الأفراد ليست مجرد ردود أفعال للمواقف؛ بل هي ناتج لقدرتهم على إدراك معاني الرموز وتفسير الواقع أو المواقف، كما لا تبرز هذه الدراسات أنماط وأساليب التفاعل الإيجابي الواعي مع هذه الوسائل الإعلامية، وذلك مما يمكن أن تتيحه الأسرة باعتبارها وسيطًا صاقلًا ومؤثرًا وقامعًا بين الفرد ومحيطه الاجتماعي والثقافي (4).
آثار وسائل الإعلام على الأسرة:
لوسائل الإعلام آثار ايجابية؛ فيما لو كانت الجهات المشغّلة لها تقصد بناء الأسرة المتينة، ولها آثار سلبية؛ فيما لو كانت تريد العكس.
فوسائل الاتصال الحديثة تُمكّن 42% من الآباء من التحدّث يوميًّا مع أبنائهم عبر الهواتف المحمولة، وذلك وفقًا للمسح الذي أجراه مركز بيو للدّراسات العالميّة حول الإنترنت، حيث يُظهر المسح دور وسائل الاتصال في تعزيز التواصل بين أفراد الأسرة البعيدين عن بعضهم البعض، وتُعتبر وسائل الاتصال الحديثة من الطرق الفعّالة للتواصل بين الآباء والأطفال في حالات الطلاق، وذلك عبر اللقاءات الإلكترونيّة المرئيّة، والمُحادثات المُتواصلة، حيث تُمكّن هذه المحادثات المرئيّة الوالدين المنفصلين من مُتابعة نمو، وتطوّر أطفالهم بطريقة فعّالة أكثر من الاعتماد على المُكالمات الهاتفية وحدها (5).
تأثير الإعلام الاجتماعي على البنية الاجتماعية للأسرة:
إنَّ من أهم أدوار الأسرة بشكلٍ عام والأسرة المسلمة بشكل خاص تنشئة الأبناء التنشئة الاجتماعية الصالحة ليصبحوا مواطنين صالحين في مجتمعاتهم، فالأسرة هي مؤسسة اجتماعية تهدف إلى تربية الأبناء ورعايتهم، وتوفير حالة من الاستقرار والطمأنينة لهم، وحمايتهم من الخطر الذي يهدد حقهم في الحياة، أو حقهم في ممارسة حياتهم الطبيعية؛ بعيدًا عن كافة أشكال التهديد والخوف والقلق.
فالأسرة هي المسؤولة عن تهيئة أجواء أسرية تسودها المحبة والتفاهم والحوار الإيجابي بعيدة عن العنف سواءً كان ماديًا أو معنويًا، فالعنف الأسري هو أحد مهددات بنية الأسرة الاجتماعية خاصة التفكك الأسري بسبب ظاهرة الطلاق.
يقوم النظام الأسري في المجتمع المسلم على المودة والتراحم انسجامًا مع قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، وهو نظام منضبط له مرجعية يمثلها الأب والأم أو أحدهما في حالة الغياب، وهذا النظام الأسري عادة ما يقوم على ردع الأبناء عن فعل السوء، وتعزيز مبدأ الثواب والعقاب، وسيادة القيم التي يؤمن بها المجتمع، مع توفير جوٍّ من التعايش بين أفراد الأسرة؛ قائم على معرفة كل فرد بحقوقه وواجباته، وإشاعة التسامح ونبذ العنف، واستخدام أسلوب الحوار الهادئ لحل المشاكل التي تواجه كل فرد في الأسرة، وإشاعة روح التعاون بين أفراد الأسرة، وإشعارهم بالمسؤولية الفردية والجماعية، وانتهاج مبدأ الشورى حول قضايا الأسرة؛ كل ذلك يساعد في توفير روابط اجتماعية متينة داخل الأسرة.
كما أنَّ ترسيخ واحترام المعتقد الديني داخل نفوس الأبناء، إلى جانب ترسيخ العادات والتقاليد الإيجابية التي يؤمن بها المجتمع، وبثِّ روح المواطنة والانتماء في الأبناء لينشئوا صالحين في مجتمعهم؛ هي من مقومات الأسرة الصالحة، وأن دور الأسرة لا بدَّ وأن يتكامل مع دور المدرسة والجامعة؛ من خلال التربية الصالحة، وغرس القيم والفضائل التي تعتبر الدرع الواقي لمواجهة أي تهديدات للأمن الاجتماعي الأسري، ولكن في ظل العولمة والانفتاح على وسائل الاتصال والتواصل الرقمي فإنً هناك الكثير من المهددات والتحديات التي تُنذر بتهديد بنية الأسرة وتفكيك أواصرها، ومن هذه التحديات الإعلام الاجتماعي.
التباعد الأسري والتفكك الأسري:
إن الهدف من الزواج هو تكوين أسرة تعيش في ظل السكينة والاستقرار والاستمرار، وإن العلاقة بين الزوجين قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة، ولكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ألقى بظلاله على طبيعة العلاقة بين الزوجين، وكذلك طبيعة علاقتهم مع أطفالهم، فالمبالغة في استخدام هذه الوسائل أدى إلى تقصير الوالدين في واجباتهم نحو أبنائهم؛ كالتحدث معهم، ومراجعة واجباتهم المدرسية، وغير ذلك، كما أدت المبالغة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الزوجين إلى فتور العلاقة بينهما بسبب قلة الحوار البيني بينهما، وكذلك انعدام الثقة بينهما، وتكوين علاقات افتراضية قد تؤدي إلى الطلاق وتفكك الأسرة.
ومن مظاهر تأثير الإعلام الاجتماعي على الأسرة ظاهرة التباعد الأسري أو الجفاء، حيث أصبح الحديث بين أفرادها مقتصرًا على الأحاديث الضرورية والمختصرة، وغابت الجلسات العائلية الحميمة بين أفراد الأسرة الواحدة، وأصبح لكل فرد فيها تفضيلاته الخاصة وكذلك معارفه وأصدقاؤه الافتراضيين (6).
تأثير الإعلام الاجتماعي على التنشئة الاجتماعية:
تبدأ عملية التنشئة الاجتماعية أو ما يُعرف بالتربية الاجتماعية أو التطبيع الاجتماعي في الأسرة؛ بإعداد الكائن البشري وتأهيله للحياة الاجتماعية التي يجب عليه أن يتكيف ويتفاعل معها بصورة إيجابية.
وتقع مسؤولية التنشئة الاجتماعية على عاتق الأسرة، ويشاركها في ذلك المؤسسات الرسمية؛ كالمدرسة، والمؤسسات غير الرسمية؛ مثل دور العبادة، والمؤسسات الثقافية والاجتماعية، وتعتبر التنشئة الاجتماعية السليمة صمام أمان لأمن الأسرة الاجتماعي والثقافي والفكري، ولذلك نجد أنَّ ديننا الحنيف قد اهتم بالأسرة باعتبارها نظام اجتماعي يؤسس لمجتمع صالح، ووضع الأسس المتينة لكيفية الاهتمام بالأبناء وتربيتهم ابتداءً من الآية الكريمة: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].
في عصر التقنيات والفضاءات المفتوحة أصبح الإعلام الاجتماعي شريكًا مباشرًا للأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية.
وقد يكون شريكًا سلبيًا؛ لأنَّ التنشئة الاجتماعية التقليدية التي تقوم بها الأسرة تعمل وفق نظام اجتماعي مرتبط بالدين والعادات والتقاليد، أما التنشئة الاجتماعية الناتجة عن الإعلام الاجتماعي فهي تنشئة هجينة من ثقافات متعددة، لا يمكن تقنينها أو وضع ضوابط لها أو السيطرة عليها؛ بسبب مثيرات الإعلام الاجتماعي وإغراءاته وتأثيراته الفاعلة والمباشرة على الفرد في عالم افتراضي مفتوح على كل الاحتمالات.
تأثير الإعلام على الشخصية:
يلجأ الكثير من أفراد الأسرة سواء كانوا بالغين أو أطفالًا إلى اختلاق شخصية افتراضية من خلال انتحال أسماء مزيفة أو جنس مزيف أثناء تواصلهم من أصدقائهم الافتراضيين، وفي الغالب تميل هذه الشخصية إلى الكذب أو الإيقاع بالآخرين، وقد تلجأ هذه الشخصيات المصطنعة للانتحال بهدف التعبير عن ذاتها بأفكار شاذة أو سخيفة، أو بسبب الخوف من التعبير عن آرائها السياسية، أو تلجأ لذلك بهدف خداع الجنس الأخر، أو إثارة الإشاعات مما يؤثر على السلم الأهلي في المجتمع الواحد (7).
العلاقة بين الزوجين:
يؤدّي قضاء الكثير من الوقت على الإنترنت وتصفّح المواقع المُختلفة لساعات إلى إدمان الإنترنت، ممّا يؤثّر على سير الحياة الاجتماعيّة للأشخاص، وينطبق ذلك أيضًا على إدمان الهواتف المحمولة التي تُشغل الأفراد عن بيئتهم المُحيطة وعوالمهم الحقيقيّة والتواصل المباشر، واستبدال ذلك كلّه بعالم افتراضي، وهذا يؤدي إلى برودة العلاقة بينهما، والابتعاد عن مناقشة الأمور الملحّة المطلوبة، والتفكير والتخطيط لصالح الأسرة.
- متابعة الأفلام والمسلسلات الغربية المختلفة تؤدي إلى استسهال الكثير من الأمور التي كانت تعتبر عيبًا وحرامًا، كاستسهال الخيانة الزوجية، والوقوع في المحرمات، أو المحاسبة بناءً على ما يرونه من برامج ومعروف الفرق الكبير بين القيم الغربية وقيمنا.
- بات واضحًا أن الإكثار من الجلوس على وسائل التواصل الاجتماعي، والحديث مع أناس غرباء عبر الشبكة العنكبوتية قد يؤدي إلى إقامة علاقة عبرها، وبالتالي قد يرى الرجل من المتواصل معها ما لا يراه في الزوجة، وكذلك الزوجة، وهذا يؤدي إلى البرودة في العلاقة الزوجية إن لم تصل إلى المشاكل.
- التواصل عبر الواتس اب من قبل الزوجين مع غرباء، قد يؤدي إلى إقامة علاقات مباشرة بعد أن تبدأ عبر الهاتف، وهذا ما حصل عند بعض الأزواج مما أدى إلى الطلاق.
- الانشغال بوسائل الإعلام يبعد الأهل عن الاهتمام بالأولاد، وهذا ما يدفعهم للتمرد باعتبار أن الوالدين لا يهتمان بهم ولا يتابعان قضاياهم، ومع وجود هذه الوسائل لديهم قد يتفلتون من مراقبة الأهل، وهذا ما قد يؤدي إلى خراب ودمار العلاقة مع الأولاد (8).
التأثيرات على الأطفال:
تؤدّي مُتابعة الأطفال للمشاهد العنيفة على شاشات التلفاز إلى زرع الخوف في نفوسهم، فهي تجترّهم إلى المشاكل السلوكيّة كالعدوانيّة، واضطرابات النوم، ويميل الشباب والمراهقون الذين يستخدمون ألعاب الفيديو والإنترنت العنيفة في تصرّفاتهم إلى العدوانية أكثر، كما تحفّز مشاهد تعاطي السجائر، والكحول، والمُخدّرات المراهقين إلى تجربتها واعتبارها أمرًا مقبولًا، ومن ناحية أخرى فإنّ الجلوس أمام التلفاز لمُدّة تزيد عن الأربع ساعات يزيد من حالات البدانة لدى الأطفال، خاصّة عند ربط مُشاهدة التلفاز بتناوُل الوجبات الخفيفة، عدا عن تأثُّرهم بالإعلانات التجاريّة المُشجعّة على تناول الأغذية غير الصحيّة، كالمشروبات الغازيّة، والوجبات السريعة (9).
العلاقة بين الأبناء والأهل:
- إن متابعة وسائل الإعلام من قبل الأبناء بعيدًا عن أي رقابة قد يؤدي إلى تغيير في القيم العائلية، التي كانت سائدة في مجتمعنا، وبالتالي قد يذهب الأولاد إلى العقوق.
- إن ابتعاد الأهل عن مراقبة الأبناء قد يؤدي إلى تواصل الأولاد مع جهات موجودة على الشبكة العنكبوتية، فيتورطون في مشاكل جنسية، خصوصًا الفتيات الصغار، كما يحصل مع بعض الإناث خصوصًا في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وهذا ما يجلب المشاكل للأهل.
من الواضح أن الانشغال بمتابعة وسائل الإعلام، إذا ما أضيف إلى الانشغال بتأمين متطلبات الحياة؛ يزيد من التباعد بين الأقارب من الجد والجدة، أو العم والعمات والخال والخالات وأبنائهم، وذلك بحجة الانشغال وعدم وجود الوقت الكافي لذلك، وهذا يؤدي إلى قطع الرحم، بالإضافة إلى ضعف العلاقات مع الآخرين، بالإضافة إلى الأفكار الغربية الدخيلة على ثقافتنا وآثارها على التماسك الأسري.
تأثير الإعلام على التفاعل الاجتماعي والتحصيل الدراسي:
إن استخدام الأطفال للإعلام الاجتماعي (شبكات التواصل الاجتماعي) يُفقدهم مهارة التفاعل الاجتماعي التي تتطور من خلال الحديث المباشر مع الآخرين؛ سواء داخل الأسرة أو خارجها، وذلك بسبب ضعف حصيلتهم اللغوية من المفردات التي تزداد عادة من خلال المحادثة، كما تضعف مهارة القدرة على التعبير الشفوي لديهم، كما تسهم بعض المضامين المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي؛ كالأفلام الخيالية في جنوح الأطفال للمبالغة في الخيال، وهذا قد يدفعهم للقيام بأفعال غير محسوبة النتائج مما يؤثر على نمط تفكيرهم في حل مشاكلهم بطريقة غير عقلانية.
تأثير الإعلام الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية:
إنَّ استخدام شبكات التواصل الاجتماعي يُحدث تغييرات جذرية في علاقات الناس بحيث تحولها إلى من علاقات تمتاز بالدفء والحميمية إلى علاقات فاترة تؤدي إلى تبلد الإحساس والإحباط والشعور بالعزلة الاجتماعية (10).
ومن الملاحظ أن للإعلام الاجتماعي دور في تضييق دائرة العلاقات الاجتماعية بين الأسر؛ وخاصة في محيط الأقارب، وصلات الرحم، وأصبح أداء الواجبات العائلية كالتهنئة في مناسبات الفرح أو التعزية بوفاة قريب أو صديق تتم من خلال الرسائل النصية وفي بعض الحالات تكون النصوص جاهزة مما أدى إلى قتل الصلات والروابط الاجتماعية الحقيقية وأحدث نمطًا من الجفاء في العلاقات الاجتماعية.
أما على مستوى العلاقات داخل الأسرة؛ فهناك تغير اجتماعي واضح في مستوى العلاقات سواء بين الأزواج أو بين الآباء والأبناء، أو على مستوى البنية الشكلية للأسرة من حيث الأنماط والوظائف والمكانة والأدوار، ومضامين التربية والتنشئة التي تنقلها الأسرة لأبنائها، وبالرغم من استفادة الأسرة من تطبيقات تقنية التواصل الرقمي إلا أنَّ خسارتها في ترابطها وعلاقاتها الاجتماعية السوية قد تكون كبيرة ومن الصعب إعادتها إلى وضعها في سياقها الطبيعي.
أثر الإعلام الاجتماعي على البنية الثقافية للأسرة:
لكل مجتمع من المجتمعات ثقافته الخاصة وتُوَرَّثُ هذه الثقافة عبر الأسرة من جيل إلى جيل، فالأسرة العربية لها ثقافتها المنبثقة من حضارتها العربية الإسلامية، والأسرة العربية كنظام اجتماعي ما هي إلا إحدى تجليات هذه الثقافة الموروثة عبر الأجيال، ودور الأسرة هو الحفاظ على المكونات الثقافية الأصيلة للأسرة العربية وتوريثها للأبناء، ومواجهة التيارات الثقافية الوافدة وتحصين الهوية الثقافية من الاختراق والاحتواء من ثقافات أخرى خارجية.
ولا شك أنه في ظل الثورة الاتصالية التي يعيشها العالم الآن أصبح الإعلام الاجتماعي ظاهرة واسعة الانتشار ومؤثرة على طريقة تفكير الأفراد وتحدِّثهم مع الآخرين، وهذا ما جعل صانعي شبكات التواصل الاجتماعي ومطوريها يقودون العالم الجديد ويصوغون ثقافته (العولمة) ويضعون سياساته ويتحكَّمون باقتصاده بأدواتهم الاتصالية التي أصبحت وسيلة للسيطرة على العالم وفرض ثقافة العولمة وقيمها، ومن الطبيعي في ظل هذه الهيمنة أن تتأثر المجتمعات بثقافة مغايرة لثقافاتها (11).
الأمور المطلوبة للاستفادة من وسائل الإعلام إيجابًا:
تعتمد الدول المتجبرة على إضعاف المجتمع ليسقط ومن ثم ليمسكوا به، كوسيلة احتلال جديدة، بعد زوال الاستعمار المباشر، وإحدى طرق الوصول إلى ذلك إضعاف الأسرة، لما من ذلك من تأثير على ضعف المجتمع لسهولة الإمساك به، لذلك كان لا بد من الالتفات إلى كل ما نحتاجه لذلك، ومن هذه الأمور:
1- العمل على بث الوعي حول أهمية ترابط الأسرة، من خلال العمل على برامج مفيدة وجذابة في هذا الموضوع، وإلفات النظر إلى أن سلامة المجتمع للعيش براحة لا يمكن تحقيقها إلا بحفظ الأسرة.
2- إطلاق حملة لتحصيل الأحكام الشرعية حول أشكال التعاطي مع بعضهم، ومع أبنائهم.
3- العمل على إيجاد وسائل ترفيه للكبار والصغار خصوصًا في ميدان الرياضة، والمسابقات الأدبية والاجتماعية الهادفة (12).
4- أن تقوم المراكز البحثية والجامعات في الوطن العربي بإجراء الأبحاث والدراسات المتخصصة حول أثر الإعلام الاجتماعي على الأسرة اجتماعيًا؛ وخاصة في مجال التفكك الأسري، وكذلك دوره في تفكيك الروابط الاجتماعية، والاستفادة من هذه الأبحاث في وضع حلول منهجية.
5- تحصين الأسرة العربية من تأثير ثقافة العولمة من خلال ترسيخ العقيدة في نفوس الأطفال نظريًا وعمليًا، وهذا منوط بالأسرة والمدرسة ودور العبادة والنوادي الثقافية ووسائل الإعلام.
6- توجيه الأسرة لأبنائها نحو استثمار أوقاتهم في العمل التطوعي والقراءة وممارسة الهوايات بعيدًا عن الإدمان على شبكات التواصل الاجتماعي.
7- غرس القيم الإيجابية لدى الأبناء والتي تساعد في ضبط سلوكهم أثناء استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، كقيمة الانضباط الداخلي والرقابة الذاتية.
9- على الأسرة إعطاء المزيد من وقتها لأبنائها والاستماع لهم جيدًا؛ وخاصة حول مشاكلهم حتى لا يلجئون لحل مشاكلهم في العالم الافتراضي.
10- ترشيد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من خلال إقناع الأبناء بتقليل الأوقات التي يقضونها على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وذلك بتبيان المزايا والمساوئ للمبالغة في الاستخدام دون حرمانهم أو توبيخهم أو تهديدهم (13).
___________
(1) دور الإعلام في دعم الأسرة/ موقع الوحدة الإسلامية.
(2) أثر الأسرة في تشكيل التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام/ موقع الأمم المتحدة.
(3) دور الإعلام في دعم الأسرة/ الوحدة الإسلامية.
(4) أثر الأسرة في تشكيل التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام/ موقع الأمم المتحدة.
(5) وسائل الاتصال الحديثة وتأثيرها على الأسرة– موضوع.
(6) الإعلام الاجتماعي وأثره على الأسرة العربية/ مركز جيل للبحث العلمي.
(7) أثر شبكات التواصل الحديثة على العلاقات الاجتماعية والأسرية (ص: 19).
(8) دور الإعلام في دعم الأسرة/ موقع الوحدة الإسلامية.
(9) وسائل الاتصال الحديثة وتأثيرها على الأسرة – موضوع.
(10) تأثير الاتصال عبر الانترنت في العلاقات الاجتماعية (ص: 308).
(11) الإعلام الاجتماعي وأثره على الأسرة/ مركز جيل البحث العلمي.
(12) دور الإعلام في دعم الأسرة/ الوحدة الإسلامية.
(13) الإعلام الاجتماعي وأثره على الأسرة، مركز جيل البحث العلمي.