logo

التحديات التي تواجه المرأة المسلمة


بتاريخ : الثلاثاء ، 26 صفر ، 1442 الموافق 13 أكتوبر 2020
بقلم : تيار الاصلاح
التحديات التي تواجه المرأة المسلمة

منذ بزوغ فجر الإسلام وأعداؤه يوجهون له الضربات؛ محاولين عبثًا القضاء عليه، وما برحوا يبحثون عن الوسائل والطرق لتدميره، وتجييش الجيوش واستخدام الأسلحة الفتاكة ضد أتباعه.

قالها يومًا صليبي حاقد: كأس وغانية تفعلان بأمة محمد ما لا تفعله الأساطيل الجرارة.

إن المقصد الأساسي من وراء الحرب على المرأة المسلمة أن يحولوها إلى ما يريدون، إنهم يريدونها مصدر فساد لا مصدر صلاح، مصدر تخريب لا مصدر تعمير، خلية سرطانية مدمرة لا مصباح نور ومشعل هداية ومركز علاج ودواء، فالأم في الإسلام مربية الأجيال وصانعة الرجال إن هي استخدمت ووجهت لتكون كذلك، وإلا فإنها ستكون مصدر دمار لا مفر منه ولا سبيل لمواجهته، وهذا ما نبهنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه.

فقد أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» (1).

وفي صحيح ابن خزيمة، عن عبد الله بن مسعود: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون إلى وجه الله أقرب منها في قعر بيته» (2).

ذهب أعداء الإسلام يبحثون عن أكثر منطقة حساسة فيه ليوجهوا إليه الضربة القاضية، ولقد وجد أعداء الإسلام المرأة المسلمة نبراسًا يضيء الإسلام وحجر أساس يرتكز عليه، فهي تربي أجيال المستقبل، وتنشئهم على الطريق المستقيم، تعلمهم في المدارس، وتغرس المبادئ والقيم في نفوسهم، هي الزوجة المعينة لزوجها على الحق، هي الأخت الرفيقة في المحن والشدائد، هي العالمة التي تقدم أروع انجازات علمية، هي رفيق درب الرجل المسلم في كل نواحي الحياة.

فخرج أعداء الإسلام بقناعة؛ أن أفضل ضربة توجه للإسلام، والتي تنعكس سلبياتها على الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية؛ هي أن ندفع المرأة إلى الهاوية، ويقذف بها إلى نار الشيطان، مستخدمين بذلك وسائل تبان في مظهرها الخارجي براقة رقيقة لامعة؛ ولكن ليس كل ما يلمع ذهبًا، وفي داخلها زيف ودجل.

فانطلقت في الغرب صيحات تحرير المرأة، وعملوا على نقلها إلى الدول الإسلامية، وأرادوا بذلك إبعاد المرأة عن دورها الحقيقي الذي خُلقت من أجله، سواء كانت أمًا أو أختًا أو زوجة أو ابنة، وكل دور أصيل خُلقت من أجله، وسعوا من خلال هذا المفهوم الشيطاني إلى إخراجها من طبيعتها وتكوينها، وعملوا على تغريب عقلها وثقافتها وتفكيرها، وجرها للاهتمام بالموضة العالمية والأزياء الحديثة ومؤسسات التجميل الزائف، وصرفها عن أسرتها وقيمها ودعوتها للتمرد على ولي أمرها؛ أبوها أو زوجها أو…، وإشغالها عن دورها في تنشئة جيل الإسلام الصالح ورعايتهم، وانصرافها إلى دعاوي تحرر الأجساد والعقول من كل قيمة أو مفهوم صحيح يدعو له ديننا الإسلامي الحنيف.

أسباب استهداف المرأة المسلمة:

يمكن هنا أن نلخص أسباب استهداف أعداء الإسلام للمرأة المسلمة في النقاط التالية:

1- لأنها عنصر فعال في الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، فالمرأة في مجتمعاتنا المسلمة موجودة في كافة الميادين التنموية، فهي المربية في البيت، وهي المعلمة في المدرسة، والداعية والواعظة والطبيبة، وليس ذلك فحسب؛ فللمرأة رأيها المهم الذي يؤخذ به، وله وزنه في المجتمع المسلم، ولا يقل أهمية عن رأي الرجل.

2- هي القائمة على شئون البيت وتنظيم احتياجاته بمشاركة زوجها، فبحكم طبيعة المرأة والمهام التي أوكلها الله إليها؛ فإنها تقضي معظم وقتها داخل البيت، فبالتالي تكون مطلعة على كل صغيرة وكبيرة داخل البيت، ولقد شهد الجميع عبر العصور على قدرة تحمل المرأة لأعباء الأسرة، والمقدرة على تسيير أمورها أكثر من الرجل، فالمرأة على مختلف الحالات التي تشغلها داخل الأسرة أم، أخت، زوجة، ابنة، جدة، لا توفر أي جهد يمكن أن تبذله في سبيل إسعاد الآخرين أو مساعدتهم.

3- مصنع للرجال ومربية ومعلمة لجيل المستقبل، فمنذ أن يولد الطفل تتولى الأم رعايته بشكل كامل؛ في الملبس والمأكل والمشرب، والرعاية بكافة صورها، وعندما يكبر قليلًا ويدخل الصف التمهيدي تتولى رعايته مربيات متعلمات ومثقفات يشرفن على بدء تعليمه أساسات دينه البسيطة، وتأهيله للدخول إلى مرحلة المدرسة، وعلى مدار سنواته الأولى في التعليم نجد أن أغلب من يعلمه مدرسات، لا شك أن المراحل الأولى لحياة الإنسان مهمة جدًا، لأن ما يتم زراعته فيها سيجنيه الفرد والمجتمع عندما يكبر ويصل سن الشباب والفتوة، فإن كان الزرع طيب كان لصلاح الفرد والمجتمع، أما إذا كان الزرع خبيث كان هلاك الفرد والمجتمع.

4- المرأة رمز العفة والشرف في المجتمع الإسلامي، فمنذ اللحظات الأولى للإسلام فرض الله الحجاب على النساء، وطالبهن بالتزام لبس الزي الشرعي، وكان هذا بمثابة هوية للمرأة المسلمة ليميزها عن غيرها، ولا ننسى كيف منع سيدنا عمر بن الخطاب الجواري من لبس الحجاب حتى لا يتشبهن بالمسلمات الحرائر.

التحديات التي تواجه المرأة المسلمة:

إن التحديات التي تحيط بالمرأة المسلمة في واقعنا المعاصر هي جزءٌ من التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، تحدي المرأة والتحدي بالمرأة، ذلك محور من محاور التحدي الكبير الخطير الذي تواجه به أمة الإسلام، في وقتٍ نعجب فيه من جلد الفساق والكفرة، وضعف الثقات والأمناء، ذلك هو جزءٌ من التحدي العام في السياسة وفي الاقتصاد، وفي التربية والإعلام، وفي التعليم، وفي مجالات شتى، فليس الحديث عن التحديات التي تواجه المرأة بمعزلٍ عن جملة التحديات التي تحاك وتدبر للأمة من قبل أعدائها في الخارج، أو المنافقين الذين يتربصون بها في الداخل.

وهذه التحديات تظهر في صور شتى، وتلبس لكل زمن لبوسًا، ولكل حادثة ما يناسبها، وتنشط تارة، وتظهر تارة، وتصرح تارة، وتلمح تارة، وتقوى تارة، وتضعف تارات.

بعض هذه التحديات:

- الحجاب والزي الشرعي:

لطالما كان الزي الشرعي والحجاب هوية للفتاة المسلمة، تعبر عن مدى تمسكها بدينها وعقيدتها الإسلامية وتعاليم دينها، وبمقدار التزامها بالزي الشرعي والحجاب نستطيع أن نحكم على أخلاقها وتربيتها، فأي فتاة فاسدة خارجة عن تشريعات دينها والطريق القويم الذي رسمه لها الإسلام؛ فإن أول ما تتخلى عنه من دينها هو زيها الشرعي وحجابها لكي تستجيب لمغريات الحياة ومفاسدها.

فبذل أعداء الإسلام جهودًا كبيرة لا يمكن إنكارها، وما زالوا في محاولات مستمرة لينتزعوا من المرأة المسلمة حجابها الذي كرمها الإسلام به، وكل يوم يخرجون بحجة جديدة ليدفعوا المرأة المسلمة لخلع حجابها، فتارة يقولوا أن الحجاب رمز للتخلف والرجعية، وتارة يقولون أن الحجاب له آثار سلبية على الشعر وصحته، وتارة أخرى وهي الأشد إيلامًا، والتي مع الأسف تبناها بعض مدعي الإسلام أنهم بدءوا بتفسير آيات الحجاب تفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، بدعوى أن الحجاب كان لفترة معينة ولأُناس معينين وانتهى، أو أن الحجاب له معاني أخرى غير التي نعرفها، ومما زاد الدين بلة خروج أناس يتبنون هذه الأفكار على شاشات التلفاز وينادون بها، وأمور كثيرة غيرها مما يطعن الإسلام في ظهره ممن يدعون أنفسهم فقهاء ولكن بلا فقه، يصدق فيهم قول كعب: إني لأجد نعت قوم يتعلمون لغير العمل، ويتفقهون لغير العبادة، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة، ويلبسون جلود الضأن، قلوبهم أمر من الصبر (3).

ولكن المسلمات الثابتات لم يخضعن لهذه المغريات، وثبتن على حجابهن، مما دفع بعض الدول لاستخدام أساليب أخري لتمنع الحجاب بالقوة.

ولم تقف الحرب عند الحجاب وحسب كما أسلفنا، فللزي الإسلامي نصيب كبير من هذه الحرب الشرسة، لقد حدد علماء الإسلام مواصفات الزي الإسلامي بأنه لا يصف ولا يشف ولا يلفت النظر، فركزت دور الأزياء في تصميماتها على الأزياء التي تصف وتشف وتلفت النظر، وحديثًا ظهرت دعوة من البعض إلى ابتكار أزياء إسلامية معاصرة لاجتذاب الفتيات الغير مسلمات والمسلمات الغير ملتزمات للزي الشرعي وترغيبهن فيه، فبدءوا بابتكار الأزياء الضيقة، واستخدام ألوان صارخة لا تناسب الزي الإسلامي، حتى أن الجلباب الإسلامي لم يسلم من أيديهم، فنجد تفصيلات أقل ما يقال عنها أنها فساتين للسهرة وليست جلابيب تلبسها المرأة المسلمة عن خروجها لقضاء حاجتها، والمؤسف أن هذه الأزياء ذهبت في اتجاه آخر، فبدل أن تجذب الغير مسلمات للإسلام، نجد أن كثير من فتيات ونساء المسلمين بدأن بالتخلي عن زيهن الإسلامي وارتداء هذه الأزياء.

فالعفة والستر والاحتشام والحجاب والنقاب جميعها أشياء تتفق مع فطرة الإنسان، هذا الإنسان الذي لما عصى فتعرى أخذ يبحث ومن تلقاء نفسه عما يستر عورته، أليس في هذا دليل كاف على أن الستر والاحتشام شيء كان قد فطر عليه الإنسان؟ قال تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف: 22].

- شبكات الإنترنت:

مما قدمته لها الحضارة المعاصرة الإنترنت، وهي شبكة معلومات عالمية تجعل العالم كله أمامك على شاشة صغيرة، وتسهل عليك الحصول على المعلومات، وقد تحدث العلماء مبتكرين الإنترنت أن من أهم أهدافه هي خدمة العلم والعلماء وجعل العالم قرية صغيرة، يتبادل الناس فيه مختلف الثقافات، ولعل هذا الهدف غاية سامية يحترمها أي مجتمع ويرحب في دخوله إلى كل مرفق من مرافقه.

 لكن وبمجرد أن دخل الإنترنت إلى مجتمعاتنا الإسلامية، وبدأ ينتشر، حتى بدأت تنتشر عليه مواقع ترفيهية تافه، ومواقع مخلة للأخلاق والآداب، وأغلب هذه المواقع تخاطب جيل الشباب الذي يعتمد عليهم بناء مستقبل الأمة، ومواقع موجهة لفئة الأطفال وغرضها الاتجار بهم، ناهيك عن مواقع التعارف والزواج عن طريق الإنترنت، والمصاحبة.

وهنا تكون الأم المربية الأولى لأولادها في موقف لا تحسد عليه، فإنها إن منعت الإنترنت من دخول البيت، فإنها لن تستطيع أن تمنع أبنائها من دخول هذه المواقع، وحتى لو حاولت أن تمنعهم فإن أولادها سينعتونها بالتخلف عن ركب الحضارة، والتواصل مع العالم، بالإضافة أن المرأة لا تستطيع مراقبة أبنائها خارج المنزل.

إن مواجهة مثل هذا الأمر تقع مسؤولية على جميع أفراد المجتمع، فلا بد من التعاون لوضع خطة مشتركة تساعد الأمهات في مواجهة هذه المشكلة، ولعلي هنا اقترح نقطتين لابد من احتواء أي خطة عليها وهي:

1- ضرورة وضع رقابة على متصفح الإنترنت بصورة عامة والتي يتردد عليها الأطفال والشباب بصورة خاصة.

2- إنشاء مواقع إنترنت تربوية تكون العاملات فيه نساء مؤهلات إسلاميًا وعلميًا وتربويًا؛ لتحقيق الفائدة دون إلحاق الضرر بالتربية الإسلامية لأبنائنا.

- القنوات الفضائية:

وهي لا تقل في خطورتها عن الإنترنت؛ بل هي أشد خطرًا كونها في متناول يد جميع أفراد الأسرة، ولا شك أن أعداء الإسلام فطنوا إلى هذه الوسيلة واستطاعوا استخدامها جيدًا، ودعوني أعرض بعض تأثيرات الفضائيات على التربية الإسلامية للمجتمع المسلم:

1- البرامج الموجهة للمرأة، فمن شدة اهتمام المسئولون بشئون المرأة اختصوها ببرامج خاصة بها؛ منها ما يهتم بالأزياء الفاضحة، وأخبار الفنانات والبرامج الترفيهية، أو تلك البرامج التي تظهر في مظهر البرامج حلّال المشاكل التي تواجه المرأة، وفي حقيقة الأمر هي برامج هدفها زرع القيم الغير إسلامية في مجتمعنا عن طريق طرح حلول تنافي شريعتنا الإسلامية، مستغلين ما تتعرض له المرأة المسلمة من عقبات في حياتها، وكأن حل مشاكلها يكون بعيدًا عن الإسلام، فتبدأ رويدًا رويدًا بالتخلي عن إسلامها، ومن ثم تنقل ذلك إلى أبنائها أو إلى الجيل الذي تربيه؛ فينهار المجتمع المسلم، وتنطمس معالم الإسلام الأخلاقية والدينية.

2- برامج الأطفال، التي تخاطبهم بلغة أكبر من سنهم، فتدفعهم للتفكير بأمور لا تناسب سنهم، وبعض البرامج التي يغلب عليها طابع العنف، فتسلب الأطفال هدوءهم وتحولهم إلى أطفال عنيفين في طباعهم وتعاملهم مع الآخرين؛ لا سيما والديهم، فإن الأطفال يصلوا إلى قناعة أن العنف وسيلة من وسائل العيش في الحياة وحل المشاكل، وبما أن الطفل في مراحل عمره الأولى يتلقى معظم تعاليمه من والدته أو معلمته في رياض الأطفال أو المدرسة؛ فإنهن يتعرض للكثير من المتاعب جراء ذلك السلوك العدواني الذي يتولد لدى الأطفال، فإن حاولت إحداهن محاولة تقويم الطفل ومنعه من استخدام العنف في تعامله مع الآخرين؛ فإن الطفل يرد بسلبية، ويتكون داخله كراهية اتجاهها يتولد عنها عدم الاحترام؛ مما يصعب معه زرع أي قيمة إسلامية داخل هذا الطفل، وللأسف فإن كثير من الأمهات تغفل عن هذا الخطر الذي يهدد أطفالها، ولا تشعر بالشر الذي يزرع داخل طفلها مع مرور الوقت.

3- البرامج الموجهة للشباب، والتي تعرض لهم سلوكيات المجتمعات الغير مسلمة، وتتعامل معها وكأنها سلوكيات حضارية لا ضرر في التعامل معها، وكأنها شيء طبيعي، إن العفة هي رمز الفتاة المسلمة، وهم يحاولون أن يسلبوها إياها بكل الوسائل والطرق المتاحة، ومنها زرع الأفكار المخلة للآداب في قلوب فتياتنا على أنها من متطلبات العصر والتحضر.

4- إن كثرة القنوات الفضائية جعل أفراد الأسرة يجلسون أمام التلفاز معظم الوقت، فلا يجدون الوقت للجلسات العائلية، أو حتى زيارات صلة الرحم، فيغفل الآباء عن تربية أبنائهم أو متابعة أمورهم وسلوكياتهم اليومية.

هذا الخطر الكبير الذي يقتحم بيوتنا جعل المرأة في دائرة الخطر، فلا بد لها كي تواجه هذا الغزو أن تعمل كأنها محطة تنقية ومراقب عام على كل ما يشاهده أبنائها، وأن تجعل أوقات محددة لمشاهدة التلفاز، وأوقات أخري للجلسات العائلية التي يجتمع فيها أفراد العائلة لمناقشة المشاكل التي تواجههم، ومحاولة وضع حلول لها، ولا بد لها من متابعة سلوكيات أبنائها وزرع القيم السامية داخلهم منذ نعومة أظافرهم والتأكد من عدم تأثرهم بكل ما يشاهدونه أو يسمعونه.

- التربية التعسفية:

تحدي قديم وحديث أو أنه لا يخلو زمن منه، ومن الأخطاء التي يقع فيها الآباء هي التمييز في التربية بين البنات والأولاد، سواء بالقسوة مع البنات أو عدم الاهتمام بهن مثل الأولاد، وعدم مراعاة احتياجاتهن، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأبناء فقال: «اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم» (4).

وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بالبنات وحسن معاملتهن، والحفاظ عليهن، وعدم إهانتهن فقال صلى الله عليه وسلم: «من ولدت له ابنة فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها، يعني الذكر، أدخله الله بها الجنة» (5).

 قديمًا كانت الفتاة لا تتعامل مع العالم الخارجي فتبقي مشاعرها محتجزة داخلها؛ فلا نشعر بالعواقب السيئة لهذا الأمر؛ ولكن في الوقت الحاضر أصبحت الفتاة منفتحة على العالم الخارجي، وتختلط بكافة شرائح المجتمع لذلك فإنها ستبحث عن وسيلة تعوضها عن ذلك، فيظهر ضعاف النفوس فيستميلوا هؤلاء الفتيات، ويدفعوهن للقيام بالأغراض الدنيئة، والأفعال الفاحشة، وجعلها بضاعة رخيصة في أيدي تجار الأعراض، ومن ثم توظيفهن للإيقاع بالشباب وجرهم بدورهم إلى الهاوية، أو دفعها لارتكاب الجرائم البشعة التي بندى لها الجبين، والأخطر من ذلك أن يتم إيقاعهن في شبكات التجسس لحساب أعداء الله، فأي مصيبة أكبر من ذلك ننتظر.

إن السلوكيات السيئة الموجودة في مجتمعاتنا الإسلامية تمثل أرض خصبة لأعداء الإسلام ليستغلوها للمضي قدمًا في خطتهم لتدمير الإسلام وطمس معالمه، والسبب في وجودها هو غيب الرقيب الداخلي على النفس، فالإنسان يجب أن يراقب الله في عمله ومعاملته مع الآخرين حتى ينقي نفسه من الشوائب التي تعلق بها، ويحمي نفسه من الأوبئة التي يبثها أعداء الله للقضاء على الإسلام (6).

أ‌- العادات والتقاليد الموروثة التي أسهمت في عدم تفوقها أو أدت إلى تراجعها مما جاء الإسلام بنبذه والتصدي له.

مثل: مصادرة حقوقها في اختيار الزوج الصالح، والنظرة إليها بالدونية.

ب- سيطرة جملة من الخرافات والشعوذة على تحركات المرأة؛ خوفًا من الحسد أو العين أو السحر، مما دفن مواهبها وإبداعاتها في مهدها، وأصبحت تعيش حالة من الرعب خوفًا من القادم المجهول، مما جعل جمله من النساء يعشن فترات من حياتهن ينتقلن بين العيادات النفسية، ودور الرقية الشرعية، وأخيرًا حطت الرحال بعضهن بين أيدي السحرة والمشعوذين، وهي من قبل ومن بعد في سلامة وعافية حقيقية.

لم تزل الأمة بخير، ولا يزال للحق مقال، والذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» (7).

- الغزو الفكري:

وهو الجهد المبذول من الأعداء لسكب معركة الحياة وقيادة الأمة الإسلامية وفق ما يريدون، وأخطرها ما قبل الرحلة العسكرية وما بعدها، حيث تمسخ الشعوب وتذبذب عقائدها وتعد نخبة لقيادة الأمة تربوا على أعينهم، ينفذون سياساتهم الاحتلالية، التي من شأنها طمس هوية المجتمع المسلم وتدمير عقيدته وقيمه.

وإحلال المبادئ المنحرفة والقوانين الوضعية والإباحية والاختلاط محلها، والاستيلاء على ثروات البلاد والحيلولة القوية دون امتلاك القوة، واصطناع معارك وهمية بين المجتمع، من شأنها تشتت تفكيره وتستنزف طاقاته.

عبر وسائل الإعلام طعنًا وتشويهًا وسخرية واستهزاء، وعبر مناهج التعليم تحريفًا وتغييرًا وطمسًا للحقائق، وتشويها للتاريخ الإسلامي، وإبرازًا للفتن، وإثارة للنعرات الجاهلية، وإحياء للشعوبية والعامية، وإحداثًا للتبعية للغرب وإكباره، والترهيب من سطوته، وإبراز الحضارة الغربية بأنها النموذج الذي يجب الاقتداء به.

واصفين الدين بالتخلف والرجعية والجمود، ودعاته بالدروشة والإرهاب، لذلك كان لازمًا على المرأة المسلمة المعاصرة أن تستبين طرق هؤلاء الأعداء والمرتزقة المسخ من أتباعهم العلمانيين، ومن على شاكلتهم، وتحافظ على تماسك الأسرة ووحدة المجتمع وتبرز محاسن الدين، وتزرع في قلوب الجيل الثقة بعقيدته الإسلامية، وعلمائه الأبرار، وأن تكبر لغتها وتاريخها كما قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43]، وليكن نصب عينيك قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة: 120]، حتى تتبع الأمة ملتهم في فصل الدين عن الحياة، وإحلال الوجودية الإباحية محل الحياة الاجتماعية الفاضلة، والنظام الرأسمالي الربوي الانتهازي الذرائعي مكان الاقتصاد الإسلامي العادل، والديمقراطية المتناحرة مكان الشورى الناصحة.

إن نظرة واحدة في الشعوب التي استجابت للتغريب والغزو الفكري تؤكد ما وصلت إليه تلك الشعوب من تخلف وانحلال وتبعية وفقر وحروب ودمار.

- تحرير المرأة:

أيها المرأة المسلمة العاصرة إن صح تحرير المرأة في الغرب من نير الاستبداد والهوان ومصادرة الحقوق والدونية، فإنه لا يصح ذلك على وجه الحقيقة، فإنما حرروها من عبودية ليقعوا بها في عبودية أخرى، وفي ذل وهوان آخر مما يتناسب ورغبات الرجل الشهوانية الآن.

لئن كانت المرأة في المجتمعات الأخرى بحاجة ماسة لتحريرها الحقيقي؛ فإن المرأة المسلمة المعاصرة تعتقد أن الإسلام حررها، بل كرمها منذ خمسة عشر قرنًا من الزمان، ومن أبرزها مظاهر التحرير والتكريم الآتي:

أ‌- أكد الإسلام أنها مخلوقة كالرجل؛ مكرمة مكلفة مسئولة، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

وقال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران: 195].

ب- إفراد القرآن الكريم والسنة المطهرة حيزًا كبيرًا لمعالجة شؤون المرأة مما يصلح أن يكون رسائل علمية مستقلة في نواحي عدة من عقيدة وعبادة وسلوك وغير ذلك.

ج- أقر الإسلام حقوقها الفطرية واحترم خصوصيتها الجسدية والنفسية، وأشبع ضرورياتها وحاجاتها ورغباتها وميولاتها العاطفية الايجابية.

د– جعل الإسلام العلاقة بين المرأة والرجل تكاملية عادلة جميلة، وليست تنازعية ظالمة قبيحة؛ ليؤدي كل واحد منهما الدور القادر علية المناسب لقدراته.

هـ- أوجب الإسلام حسن رعايتها، وقوة صيانتها، فأقام جيوشًا جرارة تقاتل لنصرتها عند استغاثتها.

و- أمر ببرها والإحسان إليها، وتلمس حاجاتها، فأوجب لها النفقة والسكنى، وحرم عضلها، وحدد ميراثها.

- العالمية أو العولمة:

إن المرأة المسلمة المعاصرة بثاقب فطرتها، وقوة رصدها للأحداث، والجديد في وسائل العدو، وقفت بنفسها على الغول الجديد الداهم على المجتمعات والشعوب.

إنها العولمة التي تعني التراكمات البشرية في جميع مناشط الحياة الزاحفة نحو الآخرين، بحيث لا تترك أحدًا إلا نالت منه.

أيتها المسلمة المعاصرة، إن العولمة تكاد تصبح حتمية الزحف من الأقوياء إلى الضعفاء، تحقق سيطرتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، وفي الحقيقة أن طابع العولمة الآن هو أمركة للشعوب المغلوبة.

فلم يعد هناك خصوصية ثقافية للدول والشعوب؛ بل فتح الفضاء أمام القنوات الفضائية، والاتصالات التقنية، مما سهل صياغة توجهات الشعوب بما يخدم الأمركة، غير أن الله لا يقدر الشر المحض فإنه من وسائل العدو يمكن غزوه بها في عقر داره.

ولعل من أهم واجبات المرأة المسلمة الآن تجاه العولمة الآتي:

1- الوقوف صفًا واحدًا أمام هذا الطوفان الغربي الزاحف على المجتمع بعامة والمرأة بخاصة.

2- تحصين المجتمع ضد ثقافة العولمة الغربية بسد العقيدة الصحيحة، وتزكيته بالعبادة الصائبة لله وحدة جل وعلا.

3- المبادرة إلى الدفاع عن الفضيلة وإن تراجع جملة من المناصرين للمرأة من الرجال.

4- الدفع بقوة بالثقافة الإسلامية عقيدة وشريعة وعبادة إلى معاقل الغرب والشرق بكل وسيلة تستطيعها المرأة الآن.

5- الإفادة من إيجابيات العولمة فيما يقره الشرع المطهر فالحكمة ضالة المؤمن (8).

إن هذه التحيات والمشاكل التي تواجه المرأة والمجتمع المسلم ليست نهاية المطاف، أو أنها نهاية للإسلام فدائمًا بالعودة لتعاليم ديننا الحنيف ملجأ آمن لجميع مشاكلنا نجد الحل والعلاج في شريعة الله عز وجل.

وهنا أعرض بعض الاقتراحات للوقوف في وجه هذه التحديات والتغلب عليها:

وضع الخطة لمكافحة المفاسد الأخلاقية من قبل علماء الدين المسلمين، تتولى تنفيذها الحكومات المسلمة وتشرف عليها.

معرفة القدرات الهائلة التي تمتلكها المرأة المسلمة والعمل على الاستفادة الأفضل من هذه الإمكانات الضخمة بإنشاء مراكز وجمعيات أهلية فعالة.

إعادة النظر بكل جدية في النظم والقوانين التي تحكم المرأة، والعمل على إعادة صياغتها بحيث تكفل للمرأة حياة كريمة وتساعدها على التصدي لكل التحديات التي تتعرض لها.

تربيتها وتعليمها دينها الإسلامي وتمكين حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قلبها ليكون حافظ لها.

القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة.

العمل على مراقبة كل الوسائل الإعلامية "الكتب، المجلات، البرامج، النشاطات الخارجية،..." الموجهة للمرأة والعمل على تنقيتها من كل فاسد.

الإشراف على الوسائل الإعلامية الموجه بشكل خاص للمرأة والتعويض عن الفاسد منها بوسائل إسلامية فعالة ومنها:

1- إنشاء محطات فضائية مسلمة تختص بقضايا المرأة المسلمة والعمل على إبرازها بالصورة الإسلامية النقية.

2- إنشاء إذاعات محلية خاصة بالمرأة المسلمة وتكون القائمات عليها من المسلمات اللواتي صح إسلامهن.

3- دعم إصدار المجلات النسائية الإسلامية (9).

أخيرًا:

لا يبلغ الأعداء من جاهلٍ       ما يبلغ الجاهل من نفسه

ما كان لتلك التحديات أن تجد بين الصفوف مكانة، أو تجد بين البرادع مخيمًا، إلا يوم أن وجدت لها بذرة القبول ودعا لها دعوة المحبة، وهيأ في النفوس لها موقعًا ومنزلًا، وحسبكم قول الله جل وعلا في شأن أولئك الأعداء الكفرة الذين يتمنون بالمجتمع كل مصيبة، ويتربصون بهم دوائر التفكك والانقسام، والهزيمة والتبعية، يقول الله جل وعلا: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، وتأملوا هذه الآية: هل تظنون أن الذين يتمنون أن نكفر كما كفروا -إن كانوا يروننا دونهم- أنهم يتمنون أن نكون مثلهم، فنكون سواء فنرتفع من الحضيض إلى علو منـزلتهم التي هم فيها كما يظنون؟! وإذا رأوا أننا أعلى منهم منـزلة فيتمنون كفرنا حتى نكون سواء، فننـزل من علو مقامنا إلى حضيض مقامهم، وهذا هو الظاهر البين.

إذًا: فالأعداء مهما بلغوا من الاكتشافات والاختراعات، ومهما هيئوا ألوان الترف وسبل الرفاهية ونافسوا في التمدن فإنهم لا يزالون يرون المسلمين أعلى منهم قدرًا.

والسبب في رؤيتهم للمسلمين أنهم أعلى منهم قدرًا أنهم يرون الأمة المسلمة لا تزال تتمسك بوحي رباني معصومٍ من الزيادة والتحريف والنقصان، فلا بد أن ينـزلوا هذه الأمة المتمسكة بهذا الوحي إلى حضيض مساواتها بالكافرين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإطلاق سهام التفكك والبغضاء، والزهد في الوحي الذي أنزله الله جل وعلا، فالتحديات كثيرة من الداخل والخارج، وعذرًا وعفوًا من ذا يجمع بحر الكون في قطرة، ومن ذا يختزل حروف العداوة في ذرة، ولكن ما قل وكفى خيرٌ مما كثر وألهى (10).

______________

(1) أخرجه مسلم (2742).

(2) أخرجه ابن خزيمة (1686).

(3) تفسير القرطبي (14/ 344).

(4) أخرجه أبو داود (3544).

(5) أخرجه أحمد (1957).

(6) التحديات الاجتماعية والتربوية المعاصرة للمرأة المسلمة/ فاتن أبو شوقة.

(7) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (479).

(8) سمات المرأة المسلمة المعاصرة، والتحديات التي تواجهها/ شبكة المسلم.

(9) التحديات الاجتماعية والتربوية المعاصرة للمرأة المسلمة/ فاتن أبو شوقة.

(10) المرأة المسلمة والتحديات المعاصرة/ سعد البريك.