logo

الأسرة والغنيمة الباردة


بتاريخ : الاثنين ، 23 شعبان ، 1437 الموافق 30 مايو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
الأسرة والغنيمة الباردة

عندما يذهب شخص إلى الطبيب شاكيًا من علة ما، فالمتوقع أن يستمع الطبيب إلى شكواه ثم يقوم بالكشف عليه، ثم يكتب له الدواء الذي يراه مناسبًا لحالته.

 

ولن يفوت الطبيب تذكير مريضه بطريقة أخذ الدواء؛ فهذا قبل الأكل وهذا بعده، وذاك قبل النوم، ثم ينصحه بالانتظام في تناوله، وفي النهاية يطلب منه مراجعته بعد عدة أيام.

 

ومن المتوقع أن أول سؤال سيسأله الطبيب لمريضه عند المقابلة الثانية، سيكون عن مدى تحسن حالته الصحية، فإن وجد تحسنًا ملحوظًا فسيطلب منه الاستمرار على أخذ الأدوية مدة زمنية أخرى حتى يتم له الشفاء، بإذن الله، وإن لم يلحظ هذا التحسن فسيتوجه إلى مريضه بالسؤال عن مدى جديته في تناول الدواء بالطريقة الصحيحة، فإن وجد منه التزامًا في هذا الأمر فسيتجه تفكيره نحو تغيير جرعات الدواء، أو استبداله بآخر، وكيف لا وهو يعلم بأن هدف مجيء المريض إليه هو بحثه عن الشفاء، بإذن الله، ويعلم كذلك أن الأدوية ما هي إلا وسائل لتحقيق هذا الهدف.

 

وهاهو رمضان, شهر الخير, يأتي إليك سريعًا كي تأخذ منه الشفاء, ويبعد عنك شكواك, حتى تُشفى من مرضك, فهلا اغتنمت تلك الفرصة؟.

 

حتى لا يضيع علينا رمضان:

إذا أسقطنا هذا المفهوم على رمضان، فإن تعاملنا معه سيختلف عن ذي قبل، وسنجتهد في الانتفاع الحقيقي به.

 

إن هذا الشهر يمثل فرصة ذهبية لإحياء القلب، وعمارته بالإيمان، وانطلاقه في رحلة السير إلى الله، لما قد اجتمع فيه من عبادات متنوعة، مثل الصيام، والصلاة، والقيام، وتلاوة القرآن، والصدقة، والاعتكاف، والذكر، والاعتمار.

هذه العبادات إذا ما أحسنَّا التعامل معها، فإن أثرها سيكون عظيمًا في إحياء القلب وتنويره وتأهيله للانطلاق في أعظم رحلة: رحلة السير إلى الله.

أما إن تم التعامل معها بصورة شكلية محضة، فسيبقى الحال على ما هو عليه، ستبقى الأخلاق هي الأخلاق، والنفوس هي النفوس، والاهتمامات هي الاهتمامات، والواقع هو الواقع، و ستستمر الشكوى بعد رمضان من الفتور، و ضعف الهمة، والتثاقل نحو الأرض.

 

الغنيمة الباردة:

ولعل من أهم الأمور التي تُعين المسلم بإذن الله على الاستفادة من رمضان هو إدراكه أن هذا الشهر يُعد بمثابة »الغنيمة الباردة« التي يمكنه من خلالها إيقاظ الإيمان، وتجديده في قلبه والتزود بالتقوى، وأن هذه الغنيمة لا يمكن إدراكها من خلال القيام بأشكال العبادات دون تحرك القلب معها، وهذا يستدعي منه تفرغًا، إلى حد ما، من الشواغل التي تشوش على عقله، وتصرفه عن الحضور والتجاوب القلبي مع الأداء البدني للعبادات.

 

ويحتاج الأمر كذلك إلى عدم إجهاد البدن قدر المستطاع، فكلما أُجهد البدن ثقلت العبادة وغاب أثرها على القلب.

 

لأجل اغتنام الفرصة:

من نعم الله على المسلم أن يبلغه صيام رمضان ويعينه على قيامه، فهو شهر تتضاعف فيه الحسنات، وتُرفع فيه الدرجات، ولله فيه عتقاء من النار، فحري بالمسلم أن يستغل هذا الشهر بما يعود عليه بالخير، وأن يبادر ساعات عمره بالطاعة، فكم من شخص حُرِمَ إدراك هذا الشهر لمرض أو وفاة أو ضلال.

وكما أنه يجب على المسلم أن يبادر ساعات عمره باستغلال هذا الشهر، فإن عليه تجاه أولاده وزوجته واجبًا لا بد له منه، بحسن رعايتهم وتربيتهم، وحثهم على أبواب الخير، وتعويدهم عليه؛ لأن الولد ينشأ على ما عوَّده عليه والده.

 

وفي هذه الأيام المباركة لا بد أن يكون للأسرة دور في استغلال هذا الأمر، ويمكن أن نوصي بما يلي:

 

1. زرع حب المحافظة على الصلوات الخمس في وقتها ومع الجماعة: عن أنس قال: قال رسول الله: »من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار    وبراءة من النفاق«(1), والأحاديث التي تحث على الصلاة في الوقت وفي المسجد أكثر من أن تحصر في هذا المختصر   وليس المراد هو المحافظة على هذا الأمر في رمضان فقط، وإنما المقصود هو أن نحمل أنفسنا في هذا الشهر على أداء المكتوبات في المسجد؛ لما في ذلك من أجر عظيم، لعل أن يكون ذلك تدربًا نستمر عليه بعد رمضان.

 

2. التشجيع على تلاوة القرآن الكريم: وذلك بتحديد عدد من الختمات، ختمتان مثلًا في شهر رمضان, وختمة في كل شهر بعده.

 

3. التشجيع على حفظ القرآن الكريم غيبًا: آيتان كل يوم مثلًا على الأقل، ولنبدأ بجزء عم ثم السور التي لها فضائل، مثل سورة تبارك والواقعة ويس، وأن تُجرى مسابقة بين أفراد الأسرة في الحفظ والتلاوة.

 

4. التشجيع على كثرة ذكر الله تعالى: كأن يكون للأسرة ورد يومي يشمل أذكار الصباح والمساء بالإضافة إلى أذكار أخرى مطلقة.

 

5. زرع حب المحافظة على صلاة النوافل النهارية والليلية: كرواتب الصلوات وصلاة الضحى، وصلاة التراويح, والأفضل أن يصيلها خلف إمام يقرأ بالختمة, حتى يتمكن من سماع القرآن كاملًا في التراويح، ثم التهجد، وهو القيام في الثلث الأخير من الليل وبالأخص في العشر الأواخر من رمضان؛ لاحتوائها على ليلة القدر.

 

6. حث أفراد الأسرة على التصدق والإنفاق: مثل إفطار عدد معين من الصائمين.

 

7. بيان أهمية صلة الأرحام لأفراد الأسرة: والقيام بزيارة خمسة أقارب على الأقل في الشهر.

 

8. شرح سنة الاعتكاف وبيان فضلها لأفراد الأسرة: وتشجيعهم عليها ولو لساعات معينة وبالأخص في العشر الأواخر من رمضان.

 

9. تعويد أفراد الأسرة على محاسبة النفس: وأن تكون يوميًا قبل النوم، وأن تشمل جميع أعمال اليوم، خاصة ما تضمنه البرنامج، وعلى ضوء هذه المحاسبة يمكن تعديل ما يحتاج إلى تعديل من فقرات البرنامج أو إضافة أعمال بر أخرى، كما ينبغي أن تشمل المحاسبة الأعمال المباحة، مثل الطعام والشراب والنوم حتى لا تأخذ أكثر مما يستحق من وقت ومال.

 

10. بيان أهمية الدعاء الصالح: وضرورة المحافظة عليه وبالأخص في أوقات الاستجابة كالسجود وبين الآذان والإقامة، وعند الإفطار وفي دبر الصلوات، قال رسول الله: »إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد«، وقال صلى الله عليه وسلم: »إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة، فادعوا«, ولا تنس أن يكون دعاؤك شاملًا لجميع المسلمين وبالأخص المجاهدين والمستضعفين في دينهم.

 

11. جدد معرفتك وتمسكك بآداب الإسلام في الصيام: واعمل للقضاء على العادات المخالفة لها، فعجل في الفطور وأخر السحور، ولا تبذر ولا تقتر، ولا تؤذ أحدًا وإن أوذيت فقل: إني صائم وغير ذلك من الآداب.

 

12. إذا كان لا بد من السهر والسمر ليلًا فتجنب وجنب أسرتك تضييع الوقت مع بعض برامج التلفاز غير اللائقة، وحاول أن تملأ هذا الفراغ ببعض الفقرات السابقة.

 

13. إن فضل العمل في ليلة القدر يزيد على فضل العمل في ألف شهر سواها، فلتحرص وأسرتك على الاستفادة واغتنام فضل الله في ليالي العشر الأخير من رمضان؛ لعلك تكون ممن فازوا في تلك الليلة، فضاعف أعمال البر والخير، وازدد تقربًا من الله تعالى.

 

14. تذكر اجتماع الأسرة في جنة الله تعالى في الآخرة، فالسعادة العظمى هو اللقاء هناك تحت ظل عرشه سبحانه، وما هذه المجالس المباركة في الدنيا والاجتماع على طاعته في العلم والصيام والصلاة إلا من السبيل التي تؤدي إلى تحقيق هذه السعادة.

 

ـــــــــــــــــــــــ

(سنن الترمذي (241)).

إتحاف المهرة، لابن حجر العسقلاني (11898).

مسند الإمام أحمد (12584).