logo

استعدادًا للعام الدراسي الجديد


بتاريخ : الاثنين ، 23 شعبان ، 1437 الموافق 30 مايو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
استعدادًا للعام الدراسي الجديد

تستعد الأسرة كلها للعام الدراسي الجديد، وكلٌ بحسبه؛ فالأولاد يستعدون بطلب الأدوات المدرسية من كتب وكراريس وأقلام، ولوازم ذلك من حقيبة مدرسية أنيقة، والأم مشغولة بتجهيز لباس المدرسة وتهيئته، والأب يقوم بإحضار هذا كله.

هذا هو هم الأسرة الأكبر إذا ما خطر ببالهم دخول العام الدراسي الجديد، لكننا نريد أن نعيش ذلك العام الدراسي في تلك السنة بأجواء مختلفة تمامًا عن سابقيها.

أيها الآباء، إن الله، عز وجل، لما خلق الإنسان، كلفه وأسند إليه مهامًا ومسئوليات، ومن أهم هذه المهام والمسئوليات، مهمة رعاية الأبناء والقيام على شئونهم بما يرفعهم ويُعلي من قدرهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها»(1)، فالوالدين تقع عليهما مسئولية كبيرة تجاه أبنائها.

نعلم أن الأب قد قام بمسئوليته تجاه أبنائه من ناحية إحضار لوازم الدراسة كلها كاملة، وهو في هذا الجانب قد أعطى ووفى، وكذلك الأم قد هيئت المنزل واستعدت لأولادها ولكل طلباتهم؛ من إيقاظ للمدرسة وإعداد لطعامهم وكل سبل الراحة المتاحة لأجلهم، وهي في هذا قد أعطت ووفت.

 

لكن المسئولية تجاه الأبناء خلال العام الدراسي لا تتمثل في ذلك فقط، وخصوصًا بداية العام الدراسي، وإنما تتمثل أيضًا فيما يلي:

أولًا: بث روح الحماسة والتفاؤل:

على الوالدين أن يبثا الحماسة في نفوس الأبناء، ويشعراهم بالتفاؤل، وذلك من خلال كلمات الثناء عليهم وتشجيعهم؛ فإن ذلك يعطي الأبناء القوة للبداية الجديدة، وكل بداية جديدة تستلزم حماسة وتفاؤلًا وفرحًا وتشجيعًا، إضافة إلى أن بداية الانطلاق الأولى ستشكل الكثير من معالم الطريق طوال العام الدراسي الجديد.

ثانيًا: الحث على الجد والاجتهاد من أول يوم:

يتكاسل الكثير من الطُلاب في الأيام الأولى من دراستهم، بحجّة أن الوقت مازال مُبكّرًا على شحذ الهمم واستغلال القدرات والطاقات بحدّها الأقصى، وهُم بذلك يصعّبون المسألة على أنفسهم كثيرًا، ورُبّما كذلك يُعرضون أنفسهم لمتاعب مُستقبليّة.

فعلى الوالدين أن يزرعا في الأبناء حب الجد والاجتهاد من أول يوم، حتى يبقى الأبناء طوال العام على تلك الدرجة من الاهتمام مهما كانت صعوبة الدراسة أو سهولتها.

إن وصفة النجاح هي بسيطة وسهلة، قُم بدورك منذ يومك الأوّل ولا تجعل المذاكرة تتراكم عليك فترهقك وتصير ثقل ترزح تحته، من جدّ وجد، فاسع لكي تكون واحدًا منهُم.

ثالثًا: الحذر من تَكرار أخطاء العام الماضي:

من الصحبة السيئة، أو تضييع الأوقات، أو اللهو واللعب غير المفيد، بل والمضيع لأعمارنا.

لا شكَّ أنَّ الحياة تجارب، وقد تكون التجارب أحيانًا قاسية، ولكنها صارت كذلك حتى يتعلَّم منها الإنسانُ كيف يجتنبها، وطرق التغلب عليها، وعدم العودة إليها، وهذا ما نوجه النظر إليه من خلال الأسرة؛ فلابد أنْ يتعلَّم أبناؤنا أنَّ الحياة مليئة بالإيجابيات والسلبيات، وعلينا أنْ نكثر من الإيجابيات، وأنْ نجتنب السلبيات ولا نقع فيها من جديد.

انظر أيها الأب والأم وأنت أيها الطالب في عامك الماضي: ما أكثر الأشياء سلبية مرَّتْ بك في العام الدراسي الماضي، من: "الصحبة السيئة، الفراغ، وضياع الأوقات، اللعب غير المباح، ذنوب ما،..."، وهكذا يتم حصر هذه السلبيات والحذر منها لئلا تتكرر من جديد.

لن نَأْسى على ما فات، لكنْ لا يكن يومنا الجديد كمثل الذي فات؛ {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23].

رابعًا: الرؤية الراشدة للمستقبل:

ازرعوا في أبنائكم أيها الآباء الطموح في المستقبل والنظرة المستقبلية، لابد أنْ نُعِدَّهم بهذه الطريقة؛ كمثل طريقة هند بنت عتبة، رضي الله عنها، وهي تعد ولدها معاوية، عندما مرَّ عليها رجل من قريش، فقال لها وهي تلاعب ولدها معاوية: إني لأتوسَّم يا هند أنْ يسود ولدُك هذا العربَ، فقالت: ثَكِلَتْه أمُّه إنْ لم يسد الدنيا كلَّها؛ وكمثل أم محمد الفاتح وهي تربيه على أنَّه الأمير الذي سيكبر يومًا من الأيام، ويفتح الله على يديه القسطنطينية، ويكون خير الأمراء، وكان "محمد" السلطان العثماني بن "مراد الثاني" السلطان والأمير العثماني.

إنَّها الرؤية للمستقبل، لماذا لا نربي أبناءنا على أنْ يكون منهم أشهر مهندسٍ مسلم في العالم، وأنْ يكون منهم عظيمُ الكيمياء، أو المبدع العربي المسلم الذي ليس له مثيل؟.

وهكذا فلْنُرَبِّ أبناءنا على هذه المعاني والرؤية المستقبلية؛ حتى إذا ما بدأ مذاكرةً أو اجتهادًا كانت الدرجات العليا له في الدنيا، وإنْ شاء الله يقودك أيها الأب وأنت أيتها الأم إلى الدرجات العلى في الآخرة.

خامسًا: التخطيط والجدولة:

من الأهمية بمكان أنْ تخطط الأسرة المسلمة للعام الدراسي الجديد؛ فليس هناك أهمُّ من أبنائنا نخطط لهم ونساعدهم في رسم طريق حياتهم بصورة سليمة؛ ينبغي عمل جدول تنفيذي للأعمال والمهام المدرسية والدراسية، والاجتماعية، والترفيهية كذلك، ولا مانع من كتابة ذلك ووضعه في غرفة الأبناء والبنات، كلٌّ على حِدَة.

إنَّ الأسرة العاقلة هي التي تبادر قبل أنْ يفوت الوقت، وتندم على فوات وضياع رأس مال الإنسان "وقته".

سادسًا: اختيار الصحبة الصالحة لأبنائنا:

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله"(2)، وفي الحديث المشهور الذي رواه البخاري: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك: إما أنْ يحذيك، وإما أنْ تبتاع منه، وإما أنْ تجد منه ريحًا طيبةً، ونافخ الكير: إما أنْ يحرق ثيابك، وإما أنْ تجد ريحًا خبيثةً"(3).

عليكم أيها الآباء ألَّا تتركوا أبناءكم في مهب الريح يخطفهم أصدقاء السوء يمينًا أو يسارًا، لابد من مراقبتكم لأصحاب أبنائكم، ولن يتحقق ذلك إلا إذا صاحبتم أبناءكم، مصاحبةً وصداقة حقيقية في المذاكرة واللعب والعواطف والمشاعر والاحتياجات.

علِّموا أبناءكم جزاء الصحبة الصالحة، وأثرها عليهم في الدنيا والآخرة؛ لاسيما في الدنيا: ذكر لله، ولقاء على طاعته، ونجاح، وتفوق، وتميز، ورفعة اسم أمام الناس، وخلق فاضل، ومشاعر طيبة.

وبيِّنوا لهم مخاطر الصحبة السيئة، ومخاطرها عليهم في الدنيا والآخرة؛ وذلك من خلال القصة، التي لها أثر رهيب على النفس البشرية(4).

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري (893).

(2) مسند الإمام أحمد (8028).

(3) صحيح البخاري (5534).

(4) كيف نصنع عامًا دراسيًا مميزًا، د.عادل هندي.