logo

التربية الزواجية


بتاريخ : الثلاثاء ، 26 شوّال ، 1439 الموافق 10 يوليو 2018
بقلم : تيار الاصلاح
التربية الزواجية

الزواج هو بداية الطريق، فالحياة الزوجية في الإسلام علاقة شرعية مقدسة، قَلَّ من يلتزم شرع الله فيها، ويراعي حقوقها وواجباتها؛ نتيجة للجهل بأحكامها وآدابها أو تجاهل ذلك؛ لذا فإن كثيرًا من المشكلات والأزمات تحدث بين الزوجين، فتتعرض الأسرة إلى هزات عنيفة، قد تؤدي إلى زعزعة أركانها وانفصام عراها، ونحن بإزاء آية كريمة تشع نورًا وتنطق حكمة، فهي تقرر أن المرأة آية من آيات الله تعالى، خلقها من جنس الرجل؛ لأن المجانسة من دواعي التآلف، والمخالفة من أسباب التباعد والتنافر، ولقد خلقها الله تعالى لتكون زوجةً له وسكنًا لقلبه، والسكن أمر نفساني، وسر وجداني يجد فيه المرء سعادة تشمل جميع أجزاء حياته، وهذا من الضرورات المعنوية التي لا يجدها الرجل إلا في ظل المرأة.

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].

ولا يخفى أن ما يجده الرجل في المرأة تجد المرأة نظيره في الرجل، وما لم يكن هناك سكن ومودة ورحمة بين الزوجين، فإن الخلل يصيب الحياة الزوجية، ولا بد من إصلاحه؛ لتعود تلك الحياة إلى المنهج الإلهي، فتعود إليهما المكافأة الربانية العاجلة من الألفة والمحبة، والتفاهم والتعاون على النهوض بأعباء المسئولية الزوجية.

وبهذا التصوير يضع القرآن الكريم أسس الحياة العاطفية الهانئة الهادئة؛ فالزوجة ملاذ الرجل يأوي إليها بعد جهاده اليومي في سبيل تحقيق العيش الحر الكريم، والركن الذي ينحاز إليه بعد كدِّه وجهده، فيأنس بها ويفضي إليها بآلامه وآماله، فتكون له خير مواسٍ ومعين، وتكون من الزوجات اللواتي هن خير متاع الدنيا؛ تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره(1).

فالأساس في الحياة الزوجية أن يبلغ الزوجان من التفاهم والتجاوب والتلاحم حتى يصير الاثنان شخصًا واحدًا، بدليل قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}، وقوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187]، وتأمل قوله: {مِنْ أَنْفُسِكُم} ولزوم اللباس للشخص تجد هذا المعنى وأكثر، والغاية من الحياة الزوجية تجدها في بقية الآية: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، فالسكن والأمن والاستقرار، والتجاوب والسعادة والهدوء، والاطمئنان والسلامة، والصحة والمودة والمرحمة، والتعاون والإخاء، والشفقة والاعتصام، كل هذه المعاني من عطاء الآية؛ بل عطاؤها أكثر، وهو الغاية من الزواج، لا بد إذن أن تنبع التربية والتعليم من هذا المنطلق في الآية، وهو أساس الزواج والغاية منه، وعند ذلك تكون التربية سلوكًا جادًّا، ويكون التعليم توجيهًا صادقًا سليمًا(2).

إن الإسلام لا يعتمد على العقوبة في إنشاء مجتمعه النظيف، إنما يعتمد، قبل كل شيء، على الوقاية، وهو لا يحارب الدوافع الفطرية، ولكن ينظمها ويضمن لها الجو النظيف الخالي من المثيرات المصطنعة.

وما الأسرة في الإسلام إلا لبنة متماسكة متناسقة مع ما حولها من اللبنات في البناء القوي المتين، وبغية الوصول إلى هذه الغاية الجذَّابة الكبرى نهج المنهج التالي:

1- ربَّى أفراد الأمة، رجالًا ونساءً، على الإيمان، حتى أصبح امتثال أوامر الله واجتناب محرَّماته أحبَّ إلى المسلم من الماء البارد على الظمأ الشديد.

2- ألزم الأولياء باختيار الزوج الملتزم بتعاليم الإسلام وآدابه وأخلاقه، وهو وصف ينبغي أن يتحقق في الطرفين.

3- سمح للخاطبين بأن يرى كلٌّ منهما الآخر ويجلسا مع بعضهما ويتحدَّثا معًا؛ مما يعطيهما الفرصة لتعرُّفِ الميول والرغبات الشخصية لكل منهما.

4- أمر كلًا من الزوجين بالإحسان إلى الآخر ومعاشرته بالمعروف.

5- عند حدوث خلاف بين الزوجين أمر باتباع مجموعة من الإجراءات تكفل العودة بهما إلى الحياة الزوجية المنشودة.

6- عندما يتعسر الاستمرار في العلاقة الزوجية بين الزوجين أذن بالطلاق، ضمن قواعد وآداب وشروط تجعل منه علاجًا، بدل أن يكون عبوة ناسفة تدمر كيان الأسرة.

7- عند انحلال عقدة الزواج ألزم كلًا من الزوجين بالتزامات تضمن الحقوق لكل منهما، وتمنع من التجاوز واختلاط الأنساب.

إن القاعدة الأساسية التي ينبغي أن تنطلق منها العلاقات بين الزوجين هي قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228]، فلكل منهما حقوق وعليه واجبات، وينبغي أن يؤدي واجباته فلا يفرط فيها، ولا يطلب زيادة على حقوقه متجاوزًا حدوده.

أما الدرجة التي للرجال على النساء فهي درجة الإشراف والقوامة على شئون الأسرة، وتحمل المسئولية المالية، وليست درجة تشريف أو تمييز بين حقوقه وحقوقها، وهذه الدرجة هي التي أهَّلَت الزوج لأن يخاطب بأمر الله ويستودع أمانته سبحانه؛ حيث أمر الرجل قائلًا: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، والمعروف هو كل ما عرف حسنه ونفعه، ونقيضه المنكر؛ وهو كل ما استنكر إثمه وضرره.

إن المعاشرة بالمعروف تدخل في كل تصرف وكل كلمة تدور بين الزوجين، إلا أن أظهر مظاهرها ما يلي:

1- تأمين جميع حوائجها العاطفية والروحية والمادية، من طعام وشراب وكساء ومأوى ودواء وغير ذلك في حدود طاقته ووسعه، على ألا تقل عن حد الكفاية، قال تعالى: {عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236]، وقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7].

2- إحسان القول والمعاملة، وعدم الإساءة إليها بأيِّ شكل من أشكال الإساءة.

3- الحفاظ على دينها وشرفها، وعدم تعريضها للفتنة والانحراف.

4- حثُّها على حضور مجالس العلم والإيمان؛ لتغذية عقلها بالعلم وقلبها بنور الإيمان.

5- حثها على أداء فرائض الله واجتناب محارمه.

6- عدم تكليفها من الأعمال ما لا تطيق، ومساعدتها إذا لزم الأمر.

7- التوسعة في الإنفاق عليها وعلى سائر أهل بيته، لا سيما في مناسبات الأفراح والأعياد، ضمن حدود الشرع وحدود طاقته.

8- الحفاظ على مالها وممتلكاتها، وعدم التدخل في شئون ذلك إلا بإذن منها.

فالميل الجنسي يجب أن يظل نظيفًا بريئًا موجهًا إلى إمداد الحياة بالأجيال الجديدة، وعلى الجماعات أن تصلح نظمها الاقتصادية بحيث يكون كل فرد فيها في مستوى يسمح له بالحياة المعقولة وبالزواج، فإن وجدت بعد ذلك حالات شاذة عولجت هذه الحالات علاجًا خاصًا، وبذلك لا تحتاج إلى البغاء، وإلى إقامة مقاذر إنسانية، يمر بها كل من يريد أن يتخفف من أعباء الجنس، فيلقي فيها بالفضلات، تحت سمع الجماعة وبصرها! إن النظم الاقتصادية هي التي يجب أن تعالج، بحيث لا تخرج مثل هذا النتن، ولا يكون فسادها حجة على ضرورة وجود المقاذر العامة، في صور آدمية ذليلة.

وهذا ما يصنعه الإسلام بنظامه المتكامل النظيف العفيف، الذي يصل الأرض بالسماء، ويرفع البشرية إلى الأفق المشرق الوضيء المستمد من نور الله(3).

ويقوم بالتربية الزواجية كل من الأسرة والمدرسة ودور العبادة، ووسائل الإعلام، وهذه تكون ضمن عملية التربية والتنشئة الاجتماعية بصفة عامة، فيعرف الأطفال ما يناسب أعمارهم واستفساراتهم عن الحياة الزواجية، ويعرف الشباب كل ما يحب وما يجب معرفته من حقائق الحياة الزواجية، ومطالبها، وأصول عملية اختيار الزوج، وأصول المعاملة الزواجية في كافة النواحي.

وفي هذا إعداد للشباب لحياة زواجية سليمة؛ لأنه يلاحظ أن الكثيرين من الأزواج والزوجات يكون سلوكهم غير سليم أو غير عادي أو حتى شاذًا، ويفهمان أنه سليم وعادي؛ لأنهما لا يعرفان معايير هذا السلوك؛ أي لا يعرفان الصحيح من الخطأ، وتتضمن التربية الزواجية التربية الجنسية، بهدف التزويد بالمعلومات الصحيحة عن ماهية النشاط الجنسي، واستخدام الألفاظ العلمية المتصلة بأعضاء التناسل والسلوك الجنسي، واكتساب التعاليم الدينية والمعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية الخاصة بالسلوك الجنسي، والتشجيع على تنمية الضوابط الإرادية للدافع الجنسي، والشعور بالمسئولية الفردية والاجتماعية وتنمية الوعي والثقافة العلمية، ومعرفة خطورة الحرية الجنسية على الفرد وعلى المجتمع.

وتهدف التربية الجنسية (الزواجية) كذلك إلى الوقاية من أخطار التجارب الجنسية غير المسئولة، وتكوين اتجاهات سليمة نحو الأمور الجنسية والنمو الجنسي والتكاثر والحياة الأسرية، والحث على إقامة علاقات سليمة بين الجنسين، قائمة على فهم دقيق ومسئولية اجتماعية، وتصحيح ما قد يكون هناك من معلومات وأفكار واتجاهات خاطئة مشوهة نحو بعض أنماط السلوك الجنسي الشائع، وتنمية الضمير الحي وخشية الله؛ حتى لا يقوم الفرد بأي سلوك جنسي يضر النفس والغير، ويغضب الله سبحانه وتعالى(4).

إن الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها، إنما ينظمها ويطهرها، ويرفعها عن المستوى الحيواني، ويرقيها حتى تصبح هي المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية، ويقيم العلاقات الجنسية على أساس من المشاعر الإنسانية الراقية، التي تجعل من التقاء جسدين، التقاء نفسين وقلبين وروحين، وبتعبير شامل التقاء إنسانين، تربط بينهما حياة مشتركة، وآمال مشتركة، وآلام مشتركة، ومستقبل مشترك، يلتقي في الذرية المرتقبة، ويتقابل في الجيل الجديد، الذي ينشأ في العش المشترك، الذي يقوم عليه الوالدان حارسين لا يفترقان.

ويعد الإسلام الزواج وسيلة للتطهر والارتفاع، فيدعو الأمة المسلمة لتزويج رجالها ونسائها إذا قام المال عقبة دون تحقيق هذه الوسيلة الضرورية لتطهير الحياة ورفعها: {وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32-33].

ويُسمى الزواج إحصانًا؛ أي وقاية وصيانة، ويستقر في أخلاد المؤمنين أن البقاء بدون إحصان، ولو فترة قصيرة، لا ينال رضا الله، فيقول علي رضي الله عنه، وقد سارع بالزواج عقب وفاة زوجه فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد خشيت أن ألقى الله وأنا عزب، فيدخل الزواج في عرف المؤمن في الطاعات التي يتقرب بها إلى ربه، وترتفع هذه الصلة إلى مكان القداسة في ضميره بما أنها إحدى الطاعات لربه(5).

ويجب أن تكون التربية نابعة من شعور الأبوين بالمسئولية أمام الله عز وجل، وأن التبرم منها والتخلي عنها يُعَدُّ خروجًا على طاعته، وتمردًا على محبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي في المسئولية عند الوالدين في التوجيه والتربية والتعليم والإصلاح أن تنطلق من تقوى الله عز وجل، والخوف من عذابه، والطمع في رضوانه، والحذر من نقمته، وهذا ما نراه واضحًا في هذه الآية الكريمة من أول سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] .

ويتضح معنى المسئولية وخطرها فيما رواه ابن عمر رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهله وهو مسئول عنهم، وامرأة الرجل راعية على مال زوجها وولدها، وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»(6).

أن تكون التربية والتعليم نابعة من منطق النصح والتوجيه، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ} [التوبة:71]، ونابعة أيضًا من منطق التعاون والمشاركة، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]، ونابعة أيضًا من منطق التشاور والتجاوب، قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم} [الشورى:38].

والتربية حين تصدر عن الأبوين تكون نابعة من منطلق رعاية حدود الله وأوامره، فيقيمون مع أبنائهم جميعًا شريعة الله أمرًا ونهيًا، ويعرفون حدود الحلال والحرام، وكذلك الإحسان في العبادات والمعاملات، وفي الاجتماع والترفيه، ويعرفون أيضًا حدود الزينة وآداب الإسلام وخلقه، ومنهج الرسول وأصحابه في التربية.

وفيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء»(7).

كذلك فالنشء يُولد مستعدًّا للتوجيه والتربية والتعليم شيئًا فشيئًا، قال تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78]، وهنا يجب على الأبوين وعلى المجتمع معًا أن يسلكوا جميعًا في تربية النشء وتعليمه منهج الإسلام تدريجيًّا على النحو التالي:

1- اعتنى الإسلام أولًا بالرعاية والحفظ للنشء، فأوجب على الأسرة الغذاء والكسوة والحفظ.

2- وعلى الأسرة أن تغرس في نفس الطفل معرفة الله عز وجل، الذي خلقه وأطعمه وسقاه، فإذا ما تفتح عقله وفكره أحيا في نفسه الإيمان بالله سبحانه، خالق الكون ومبدع الوجود؛ بطريق يتلاءم مع سنه؛ كالقصة الخفيفة، واللفتة إلى آثار صنع الله.

3- وعلى الأسرة بعد ذلك أن تنمي في نفسه غرائز الخوف، والمراقبة، والمحبة، والتدبر في ملكوت الله، وتوجيه هذه الغرائز توجيهًا سديدًا نحو طاعة الله واتباع أوامره، والتخلُّق بالأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن.

4- وعلى الأسرة أن تروِّض النشء على الصلاة إذا بلغ الطفل سبع سنين، كما جاء في الحديث الشريف: «مُرُوا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها»(8).

وعلى الأسرة أن تعلمهم السيرة النبوية، والقصص القرآني، والوصايا الإسلامية؛ كوصية الرسول الكريم لابن عباس رضي الله عنه، وكذلك قراءة القرآن الكريم بطريقة تجذبهم إليه، فيحبونه ولا ينصرفون عنه، ثم يشرحون صدورهم للعلم، فيضعونهم في المجال العلمي والأدبي الذي يبدعون فيه، ويتساوق مع ميولهم واستعدادهم، لكي يستفيدوا منه ويفيدوا غيرهم.

5- ينبغي للأسرة أن تفرق في التربية بين الذكر والأنثى، وتكون الأسرة هي القدوة الحسنة للنشء، فيحسنون أدبهم بهذه القدوة، فتتعلم البنت أخلاق الاحتشام والحياء، والاشتراك في عمل البيت، وتلتزم بحدود الزينة واللبس في الإسلام، وتقرأ عليها سورة النور وتفسيرها لتتعلم منها الأحكام، التي تخص المرأة مما يتصل بالعرض والشرف، وتقرأ سورة الأحزاب، لكي تتعلم أدب نساء النبي وأخلاقهن، من التصون في الحديث، والاحتجاب في البيوت، والتحجب، وعدم التبرج، قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:32-33]، ويتعلمن أدب الحجاب، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} [الأحزاب:53]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:59]، ثم توجهها الأسرة إلى التعليم الذي يتناسب مع حياتها الزوجية؛ من تعلم التمريض والطب والتدريس وفنون الثقافة المنزلية والخدمة الاجتماعية؛ مما يعود على أولادها في المستقبل بالفائدة والتوجيه كَربة بيت في بيت مسلم.

6- وعلى الأسرة أن تنمِّي في النفس الملكات الفكرية والحسية، بالتدريب والترويض على شتى المهارات الفنية والرياضية المفيدة، جاء في الأثر: «علموا أولادكم السباحة والرماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثبًا، ورووهم ما يجمل من الشعر»(9).

7- ينبغي للأسرة تربية النشء على آداب الإسلام؛ من الرحمة بالصغير، واحترام الكبير، وحديث شجر البوادي، لابن عمر رضي الله عنهما، منهج لهم في التوقير والاحترام، وكذلك مساعدة الضعيف، وحسن اختيار الصديق.

8- أن تكون تربية النشء قائمة على أساس من العدل لا المحاباة والتميز، فقد يخصّ أحد أفراد الأسرة بإظهار المحبة والعطية، فتكون المحاباة في تمييزه بالقرب والمحبة والعطية دون الآخر، فتدل العداوة والفتنة بين الأخوة، وتنغرس في أنفسهم صفات قبيحة؛ كالحقد والبغض والكراهية وغيرها، مما يحرمه الإسلام.

9- ينبغي للأسرة في أسلوب تربية النشء أن تساير التغيرات الاجتماعية، والرقي الثقافي والعلمي البنَّاء، الذي لا يتنافى مع الشريعة الإسلامية، لتكون سياسة الأسرة قائمة على الاستفادة بالحسن واختيار الجيد، والابتعاد عن الرذائل، والتخليل عن الحرمان، وسياسة الزجر والعنف، فإن السلبية والجمود والتخلف عن التطورات الاجتماعية والثقافية والعلمية الجديدة، وفرض الحرمان من التثقيف بها، يؤدي إلى غريزة التطلع إلى الممنوع، فتشكِّل في نفس النشء ما يسمى (ازدواج الشخصية)، فيتظاهر أمام الأسرة بالخضوع الكاذب، بينما يقع في الممنوع في غياب الأسرة عنه، ويرجع السبب في ذلك إلى تخلُّف الأسرة وجمودها؛ بل يجب أن تتسلح بالثقافة المعاصرة، والتطورات الراقية الجادة، وأن نستمع إلى النشء، ونناقشهم فيما يدور بخلدهم، فنردهم إلى الصواب ونختار لهم الجيد، وننفرهم من رذائل العصر وانحرافه في التطورات الاجتماعية والثقافية والسلوكية(10).

مرحلة البلوغ:

وهذه المرحلة تبدأ في الغالب من الثالثة عشرة إلى حوالي الواحدة والعشرين، وتختلف من فرد إلى آخر، ومن مكان إلى مكان، وهي مرحلة نمو طويلة، قد تمتد إلى عشر سنوات، كما أنها، من الناحية الاجتماعية، مرحلة تكليف وتحمل المسئوليات والواجبات؛ فلذلك ربط الإسلام بين هذه المرحلة وبين القيام بالتكاليف الشرعية، ولم يخرج علماء الشريعة الإسلامية في تحديد سن المراهقة عن الفترة ما بين العاشرة والتاسعة عشرة، وهي التي حددوها بالاحتلام، عملًا بحديث رفع القلم عن ثلاث؛ منهم الصبي حتى يحتلم، وترتبط هذه المرحلة بالتفكير في الزواج والحياة الأسرية؛ لذلك كان على المجتمع أن يهيئ أذهان الشباب للاتجاهات الصحيحة للزواج، وللأفكار السليمة عنه؛ لأن الزواج يكمل النمو النفسي للإنسان؛ ولذلك حض الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»(11).

ومن أهم الظواهر في هذه الفترة ظاهرة النمو العقلي، الذي يقتضي التركيز على التربية الخلقية، والتي يأتي في قمتها توجيه البالغ إلى الإيمان بالله على أساس من القناعة والحجة، لا يتزعزع في مستقبله بما يتعرض له من وسائل التشكيك والتغيير، وقد علمنا القرآن كيفية التدرج في ذلك من الحسي إلى المعنوي في آيات كثيرة، تدعو إلى التفكير في السماء والنبات والليل والنهار والبحار والنجوم والجبال والأنهار... الخ، والتفكير في خلق الإنسان، التفكير في السماء والأرض وما فيها، وتفكير الإنسان في طعامه كيف نبت وتشكل وتنوع لونًا ورائحة ومذاقًا وهو يسقى بشيء واحد هو الماء، ويخرج من مكان واحد هو الأرض، ويتغذى بعناصر طاهرة هي الشمس والهواء وغيرهما.

والتفكير بهذا الأسلوب القرآني يفتح البصائر، وينير العقول، ويدفع إلى الخشوع والخضوع لعظمة الله ومراقبته في السر والعلانية، والإخلاص له، والتوجه إليه بكل عمل؛ لأن الله لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصًا له وابتغي به وجهه، ولا بد من التركيز على العوامل المؤدية إلى الشعور الدائم بمراقبة الله عز وجل؛ مثل تجنب الشهوات الباطلة والحسد والبغض إلا في الله والحقد والكذب والنميمة، وما إلى ذلك من العوامل التي تبغض إليه الرذيلة وتحببه في الفضيلة.

ولأن المراهق يعيش مرحلة الإحساس بالذات، فإنه يشعر بالخجل ويهتم بالبطولات، الأمر الذي يتطلب التركيز على دراسة جوانب البطولة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرته ومغازيه، وسيرة الصحابة والسلف رضوان الله عليهم.

أما الخجل فظاهرة تحتاج إلى تغيير ليحل محله الحياء؛ لأن الخجل انكماش وسلبية وانطواء، والحياء التزام بالفضيلة وتجنب للرذيلة، ومظهر من مظاهر الإيمان، وسكينة للنفس، وضبط للتصرفات، وصحوة للضمير، وخجل من الله والنفس والناس، وتقتضي التربية هنا تعليم النشء الحياء من النظر إلى المحرمات والاستماع إليها والقرب من المنكرات، ونزاهة اللسان عن الفحش والبذاءة والخوض في الباطل، وفي ذلك يقول الغزالي: «فينبغي أن يحسن مراقبته، وأول ذلك ظهورًا أوائل الحياء، فإنه إن كان يحتشم ويستغني ويترك بعض الأفعال فليس ذاك إلا لإشراق نور العقل عليه، حتى يرى بعض الأشياء قبيحًا ومخالفًا للبعض، فصار يستحيي من شيء دون شيء، وهذه هدية من الله تعالى وبشارة تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب، وهو مبشر بكمال العقل عند البلوغ، فالصبي المستحيي لا ينبغي أن يهمل؛ بل يستعان على تأديبه بحيائه أو تمييزه»(12).

والتربية في هذه المرحلة تنتقل من مرحلة التقليد والمحاكاة إلى التوعية العقلية بالأسباب والقوانين المتعلقة بالتزام الفضيلة، والبعد عن الرذيلة، وصيانة اللسان والبطن والفرج من المحرمات خوفًا من الله وحياءً منه.

وهذه المرحلة تحتاج إلى سياسة حكيمة، واحترام لمشاعر البالغ ورغبته في الاستقلال والإحساس بنفسه وشخصيته، وإقامة علاقة من الثقة والاحترام بينه وبين والده؛ حتى يمكن توجيهه بما يساعده على النمو والنضج والاتزان.

وقد أكد ابن الجوزي هذا المعنى فقال: «وليعلم البالغ أنه من يوم بلوغه قد وجبت عليه معرفة الله تعالى بالدليل والتقليد، ويكفيه من الدليل رؤية نفسه، وترتيب أعضائه، فيعلم أنه لا بد لهذا الترتيب من مرتب، ولا بد لهذا البناء من بانٍ، وليعلم أنه قد نزل ملكان يصحبانه طول عمره، يكتبان عمله، ويعرضانه على الله»(13).

وتعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل التربية الإيجابية، وهي أخطر مرحلة لانحراف الشباب وانزلاقهم عن سواء السبيل؛ لنمو الدافع الجنسي، كما أنها أهم مرحلة لبث الوعي الأخلاقي(14)، قال فيها ابن الجوزي: «وهذا هو الموسم الأعظم الذي يقع فيه جهاد النفس والهوى وغلبة الشيطان، وبصيانة هذا الموسم يحصل القرب من الله، وبالتفريط فيه يقع الخسران العظيم، وبالصبر فيه على الزلل يُثنَى على الصابر كما أثنى الله عز وجل على يوسف».

وبعد أن بيَّن ابن الجوزي طبيعة هذه المرحلة وأهمية صيانة النفس البشرية، يوضح الخطوات المتبعة للإعلاء من هذه الحاجة الفطرية:

1- غرس مراقبة الله تعالى في البالغ نفسه؛ حتى يكون له حماية داخلية ووجدانية من نفسه، تعصمه من الوقوع في الخطأ بقوله: «وليعلم أنه قد نزل ملكان يصحبانه طول عمره ويكتبان عمله ويعرضانه على الله».

2- تسهيل طريق الزواج للبالغ، فقال ابن الجوزي: «فإذا بلغ الصبي فينبغي لأبيه أن يزوجه»(15).

3- فإن لم يستطع الزواج فعليه بغض البصر؛ لأنه أحفظ للنفس من الوقوع في الزلل، وغض البصر مطلوب قبل الزواج وبعده.

4- وعلى البالغ أن يكثر من الصيام؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»(16).

5- منع اختلاط البالغ بالنساء، فقال في ذلك ابن الجوزي: «من باب المخاطر ترك الولد البالغ بين الجواري، ومعلوم أن قوة الشهوة وجهل الصبا ينسيان مقدار الحرمة والتحريم، فهذه أصول ينبغي أن يداوى بدوائها ولا تهمل؛ فإنها تجر أمورًا صعبة».

هذه أهم الأمور التي ينبغي الأخذ بها عند تربية الابن لمنعه من الوقوع في الزلل والخطأ(17).

ولا يكفي البقاء على حياة العفة؛ ولذلك دعا الإسلام إلى الزواج باعتباره الوسيلة الطبيعية لمشكلة الجنس، وقد ذكرنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته للشباب أن يغض بصره ويحصن فرجه بالزواج، وإلا فعليه بالصوم؛ لأن الصوم يقلل من حدة الشهوة، ويزيد طاقة الإنسان الروحية.

فالآباء مسئولون عن تربية أبنائهم وتعليمهم وتزويجهم، حصانة لهم أو مساعدتهم على ذلك، فإذا لم يتيسر للشباب الزواج تحصّنَ بالتعالي على الغريزة والاستعفاف، والتمسك بالفضائل وتصريف الطاقات في عبادة الله، وفي ذلك يقول تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33].

والمسلم الذي يتمسك بحياة العفة والشرف أمام الإغراء ولا يلين جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو شاب دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين, وفي القرآن مثال لذلك المسلم الشاب في قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، التي راودته عن نفسه وهددته وتوعدته بالسجن والإذلال، ففضل السجن على معصية الله والتخلي عن العفة، واستنجد بالله طالبًا منه أن يقف معه في محنته، ويصرف عنه كيدها، فاستجاب الله لدعائه؛ لعلم الله بإخلاصه وصدق دعواه وطهارة نفسه {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24].

ولم تكتف التربية في الإسلام بذلك إنما سدت الأبواب التي يمكن أن تثير الشهوة وتؤدي إلى الفساد، ومنها غض البصر للرجال والنساء {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:30-31]، وعلى النساء أيضًا ألا ينظرن إلى الرجال.

ومنها تحريم خلو الرجل بالمرأة الأجنبية؛ لأنه ما اجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، ومن الاحتياطات التي اتخذها الإسلام لحفظ الرجال والنساء، وحماية المجتمع مما يؤدي إلى الانحلال الأخلاقي والفوضى في العلاقات الجنسية الأمر بالاحتشام، والنهي عن السفور والتبرج وإظهار المحاسن من النساء؛ لأن هذه الأشياء هي التي تثير الشباب، وتحرك غرائز الرجال، وتجعل كلًا من الجنسين يبحث عن الآخر لإرضاء شهوته المثارة دائمًا، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:31].

ومن تربية الإسلام في تحديد علاقات الرجال بالنساء أمر الله بالسؤال من وراء حجاب طهارة للقلوب {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53]، كما أمر المرأة ألا يكون في حديثها ما يدعو إلى الفتنة والإغراء والإثارة {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب:33]، كما أمر النساء بالقرار في البيوت إلا لحاجة وعدم التبرج والحشمة في اللباس واللسان والمشي {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33].

ومن تربية الإسلام في تنظيم العلاقات وجوب استئذان الأطفال إذا بلغوا الحلم؛ حتى ينشأ الجيل سليمًا معافًى محترمًا لحرمة الحريات الشخصية للرجال والنساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)} [النور:58-59] .

إِن الإسلام لا يكبت الرغبات الجنسية، كما يظن من لا يفرقون بين الكبت والضبط؛ لأن الإسلام يضبط الرغبات ويوجهها لتكون أداة بناء وتعمير، لا أداة هدم وتخريب للمجتمع، فالطريق السوي لمشكلة الجنس هو الزواج؛ لأن من صفات المؤمنين أنهم يحافظون على فروجهم إلا على زوجاتهم أو ما ملكت أيمانهم؛ لأن الجنس في الإسلام وسيلة متاع وسكن ومودة ورحمة، به يحقق الإنسان غاية وجوده؛ وهو انتشار النوع وتعمير الأرض وعبادة الله(18).

ويفضل، بدءًا من سن العاشرة عند الابن والثامنة عند البنت، أن يتم شرح التغيرات الهرمونية التي ستطرأ عليهم خلال مرحلة المراهقة، وتقدم هذه التحولات لهما على أنها ترقية ومسئولية؛ ويمكن أن يتم الشرح بالشكل التالي:

- بالنسبة للفتيات: يجب على الأم أو المربية أن تؤكد على الناحية الإيجابية من بدء الحيض، وأن تشرع في تعليم الفتاة الجوانب الشرعية للحيض، وكيف تتعامل معه، وكيفية النظافة الشخصية أثناءه، ثم كيف تتطهر منه، وما يترتب على ذلك من أحكام شرعية بالنسبة للصلاة والصيام ومسّ المصحف وغير ذلك، وتتابعها عن كثب، وتجيبها على أسئلتها التي ترد على ذهنها بعد هذا الحوار، بدون حرج وبصورة مفتوحة تمامًا، ولا تتحرج من أي معلومة؛ لأن الفتاة إذا شعرت أن الأم أو المربية لا تعطيها المعلومة كاملة فإنها ستبحث عنها وتصل إليها من مصدر آخر لا نعلمه، وسيعطيها لها محملة بالأخطاء والعادات السيئة والضارة، فنحن لن نستطيع وقتها أن نعلم ماذا سيقول لها هذا المصدر، والذي غالبًا ما يكون هو زميلاتها أو وسائل الإعلام.

- بالنسبة للفتى: من واجب الأب أو المربي أن يعلماه بكافة التغييرات التي سيشهدها جسده في الفترة المقبلة، ولا بد من إعلامه بأن السائل المنوي قد يقذف في أثناء نومه، وأن القذف الذي ترافقه لذة هو ظاهرة طبيعية؛ لأنها دلالة على رجولته، ولكن يستتبع ذلك آداب شرعية خاصة بالطهارة والغسل، وإن الميل إلى الجنس الآخر شيء وارد، ولكن الإسلام حدد لنا سبل التلاقي الحلال في إطار الزواج، وشرع لنا الصيام في حالة عدم القدرة على الزواج؛ لتربية النفس على تحمل الصعاب، والتي منها الرغبة في لقاء الجنس الآخر، على أن يكون ذلك بنبرة كلها تفهم، ولا يغفل هنا القائم بالشرح ذكر "المودة والرحمة" التي يرزقها الله للأزواج.

أما بالنسبة لأسئلة الأبناء الجنسية فلا مانع من الإجابة عليها، ولكن هناك عدة شروط يفضل توفرها في الإجابة:

1- أن تكون مناسبة لسن وحاجة الابن: فيجب التجاوب مع أسئلة الابن في حينها وعدم تأجيلها؛ لما له من مضرة فقدان الثقة بالسائل، وإضاعة فرصة ذهبية للخوض في الموضوع؛ حيث يكون الابن متحمسًا ومتقبلًا لما يقدم له بأكبر قسط من الاستيعاب والرضا.

2- متكاملة: بمعنى عدم اقتصار التربية هنا على المعلومات الفسيولوجية والتشريحية؛ لأن فضول الابن يتعدى ذلك؛ بل لا بد من إدراج أبعاد أخرى؛ كالبعد الديني، وذلك بشرح الأحاديث الواردة في هذا الصدد؛ مثل سؤال الصحابة الكرام له صلى الله عليه وسلم: «أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟»، قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»(19).

3- مستمرة: هناك خطأ يرتكب، ألا وهو الاعتقاد بأن التربية الجنسية هي معلومات تعطى مرة واحدة، دفعة واحدة، وينتهي الأمر، وذلك إنما يشير إلى رغبة الوالدين أو المربي في الانتهاء من واجبه "المزعج" بأسرع وقت، لكن يجب إعطاء المعلومات على دفعات بأشكال متعددة؛ مثلًا مرة عن طريق كتاب، أو شريط فيديو، أو درس في المسجد؛ كي تترسخ في ذهنه تدريجيًا، ويتم استيعابها وإدراكها بما يواكب نمو عقله.

4- في ظل مناخ حواري هادئ: المناخ الحواري من أهم شروط التربية الجنسية الصحيحة، فالتمرس على إقامة حوار هادئ مفعم بالمحبة، يتم تناول موضوع الجنس من خلاله، كفيل في مساعدة الأبناء للوصول إلى الفهم الصحيح لأبعاد الجنس، والوصول إلى نضج جنسي، متوافق مع شريعتنا الإسلامية السمحاء، وأحكام ديننا الحنيف(20).

***

_____________

(1) القرآن منهاج حياة (2/ 138).

(2) التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، ص226.

(3) في ظلال القرآن (4/ 2517).

(4) التوجيه والإرشاد النفسي، ص447.

(5) في ظلال القرآن (6/ 3596).

(6) أخرجه البخاري (893).

(7) أخرجه البخاري (1358).

(8) أخرجه أبو داود (494).

(9) الكامل في اللغة والأدب (1/ 211).

(10) التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، ص228-236.

(11) أخرجه البخاري (5065).

(12) إحياء علوم الدين (3/ 72).

(13) التحفة البهية والطرفة الشهية، ص59.

(14) علم النفس التربوي في الإسلام، ص115–116.

(15) تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر، ص59.

(16) سبق تخريجه.

(17) آراء ابن الجوزي التربوية، ص245.

(18) التربية الإسلامية ومراحل النمو، ص121-130.

(19) أخرجه مسلم (1006).

(20) التربية الجنسية، أرشيف منتدى الفصيح، الموسوعة الشاملة.