logo

أرجوك لا تقتله


بتاريخ : الثلاثاء ، 12 صفر ، 1437 الموافق 24 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
أرجوك لا تقتله

يُحكى أن مجموعة من الضفادع قررت أن تُجري سباق قفز لمسافات في الغابة، وابتدأ السباق، وفجأة ودون مقدمات سقطت ضفدعتان في بئر عميق، وهنا تجمعت الحشود حول البئر، وحين رأوا مدى عمقه وشدة ظلامه، أخذوا في التفكير قليلًا في كيفية إخراج الضفدعتين، وحينما رأوا استحالة إخراج الضفدعتين أدركوا، في قرارة أنفسهم، أنهما لا محالة ستموتان.

ولكن الضفدعتين لم يتسلل اليأس إليهما، وإنما حاولا بكل ما أوتيا من قوة الخروج من هذا البئر العميق، والحشود تصيح بهما لن تستطيعا الخروج من البئر، فأنتما ضعاف البنية، والبئر عميق ومظلم، ولكن الضفدعتين لم يلقيا بالًا لكلام الحشود، واستمرا في محاولة الخروج، والقفز عاليًا حتى يخرجا من هذا البئر المظلم.

ومع استمرار الحشود في الصياح، ومحاولة إقناع الضفدعتين بالكف عن محاولة الخروج، وعدم إرهاق وتعذيب نفسيهما أكثر من ذلك؛ فهما لا محالة ستموتان، مع استمرار هذا النداء وهذا الصياح، وكثرة ترديده على مسامع الضفدعتين، انصاعت إحدى الضفدعتين إلى كلام الحشود، وكفت عن محاولة تسلق البئر والخروج منه، فسقطت في قاع البئر ميتة.

وأما الضفدعة الأخرى فأخذت في التسلق والقفز إلى أعلى البئر محاولة الخروج، والحشود تنادي وتصيح بها أن تكف عن المحاولة كي لا تؤذي نفسها أكثر، إلا أن الضفدعة بكل إصرار وعزيمة لا حدود لها استطاعت أن تصل إلى حافة البئر، وتخرج منه.

وعندما خرجت الضفدعة سألتها الحشود المجتمعة حول البئر: كيف استطعت الخروج من هذا البئر العميق والمظلم؟ فلم تجبهم، فعلموا حينها أنها مصابة بالصمم! وكانت تعتقد طوال هذه المحنة أنهم بصياحهم هذا كانوا يشجعونها على الخروج من البئر.

إن ما حدث للضفدعة الأولى هو حال كثير من الأبناء، الذين يقتلهم آباؤهم وأمهاتهم كل يوم أكثر من مرة، وذلك بسبب التثبيط بدل التحفيز والتشجيع، فعندما يرتكب الابن خطأ ما، أو لا يستطيع إتقان عمل ما، أو لا يمكن له إنجاز فعل ما، ويكون رد فعل الأب أو الأم هو تثبيط الابن وتحقيره، وإظهار أنه لا يقدر على هذا العمل؛ لأنه فاشل أو كسول أو مهمل، أو غير ذلك من الصفات السلبية التي تثبط العزيمة، وتقتل الهمة في النفس، فهما بهذا يقتلان الابن في كل مرة.

إن الأبناء يتصرفون وفق توقع الآباء والأمهات لتصرفاتهم، فإذا أخبرت الأم ابنتها أنها لن تستطيع أن تتقن إعداد الطعام يومًا ما، أو أنها لا يمكن لها أن ترتب غرفتها كما ينبغي، ثم تختم تلك السهام القاتلة بمقولتها القاضية: لن تتغيري أبدًا، إن الابنة سوف تتعايش مع مقولة الأم على أنها واقع حتمي، وحقيقة مؤكدة، ثم مع التكرار سيزداد اقتناع البنت بمقولة أمها، حتى تصل إلى مرحلة محاولة إثبات أنها فاشلة، وغير مرتبة، ولا يمكن لها التغير أبدًا، وعندها تكون النتيجة الكارثية؛ وهي وأد البنت وهي حية، فلا تستطيع القيام بما يقوم به غالب بنات جنسها.

وكذلك الأمر مع الأب وابنه، فإذا كرر الأب على مسامع ابنه أنه لن ينجح في دراسته، ولن يستطيع دخول الكليات العليا التي كان يرغب بدخولها؛ وذلك لأنه غير نابغ في علم من العلوم الدراسية، ومما يزيد الطين بلة أن يخبر الأب ابنه أنه لن يفهم هذه المادة أبدًا؛ ذلك لأن الأب لم يفهم هذه المادة أبدًا، فيقول له: أنت مثلي تمامًا، لقد كنتُ ضعيفًا جدًا في تلك المادة.

كل هذه الكلمات تصيب الأبناء باليأس، وتقتل فيهم الطموح ومحاولة التغير إلى الأفضل.

أما الضفدعة الثاني، التي استطاعت أن تصل إلى القمة نتيجة للتشجيعي الوهمي والحقيقي بالنسبة لها، فهو ما ينبغي أن يكون حال كل الأبناء، فماذا سيستفيد الآباء والأمهات من تثبيط عزائم أبنائهم، وتحقير قدراتهم، ووأد إمكاناتهم؟ لا شيء على الإطلاق؛ بل إن هذا الفعل يعود بالضرر على الأبناء، وكذلك الآباء والأمهات.

أما التشجيع والتحفيز فهو دفع للأمام، وزيادة لجرعات الثقة في نفوس الأبناء، وشعور بالذات، وتقدير واحترام للإمكانات الشخصية للأبناء، ومساعدة لهم في تخطي الصعاب، ومجابهة المشاكل والأزمات.

إن الابن والبنت "يتأثران بأقوال وآراء الأبوين فيهما، ويبنيان الآراء عن أنفسهما وفقًا لما يقوله الأبوان عنهما، فإذا كان الابن محلًا لثقة أبويه، ومذكورًا أو معروفًا عندهما بالقدرة والنشاط والمبادرة، وموكولًا إليه من المهمات والأعمال ما يتطابق مع الرأي فيه، وإذا كان يلقى من التشجيع والتأييد، ومن التوجيه والتكليف ما يمثل اتجاهًا ورأيًا يتناسب مع قدراته وإمكاناته، فإنه يسعى لتأصيل ذلك في ذاته، وجعله صفة من صفاته، وسمة من سمات شخصيته ما أمكن"(1).

إن الكلمات التي يطلقها الآباء والأمهات، من حلوقهم تجاه أبنائهم، إما أن تكون طوق نجاة وجسرًا يوصل إلى النجاح ومركبًا للتفوق، أو تكون سهمًا يصيب الأبناء في مقتل، فما يقوله الآباء والأمهات للأبناء يترجمه الأبناء فورًا على أنه حقيقة، ثم حين تتكرر الجملة يحاول الأبناء إثبات أن ما يقوله والديهم عنهم حقيقة، وبذلك أنت من تشكل ولدك، أنت من تصنع الخلفية والتصور الحقيقي لابنك عن نفسه، وذلك من خلال كلماتك إليه.

ـــــــــــــــ

(1) علم النفس الدعوي، د. عبد العزيز النغيمشي، ص262.