logo

تربية الأولاد على الرجولة


بتاريخ : الأحد ، 4 محرّم ، 1447 الموافق 29 يونيو 2025
بقلم : تيار الإصلاح
تربية الأولاد على الرجولة

كانت صفية بنت عبد المطلب تضرب الزبير، وهو صغير، وتغلظ عليه، ربَّت ابنها على الخشونة والبأس، ربَّته على الفروسية والحرب، وجعلت لعِبه في بَرْيِ السهام، ودأَبتْ على أن تقذفه في كلِّ مخوفةٍ، وتقحمه في كل خطر إقحامًا، فإذا رأته أحجم، أو ترّدد ضربته ضربًا مبرِّحًا، حتى إنها عوتِبتْ في ذلك مِن قِبَل أحد أعمامه، حيث قال لها: أنت تبغضيه، فقال صفية:

من قال لي إني أبغضه فقد كذب

وإنما أضربه لكي يلب

ويهزم الجيش ويأتي بالسلب

ولا يكن لماله خب مخب

يأكل ما في الطل من تمر وحب

 

هذه الصفة مهمة جدًا، نشَّأت ابنها نشأة خشونة، ونشأة بأس، ونشأة حزم، ودفعته إلى اقتحام الأخطار، وإلى التعامل مع المصاعب، كي يصلب عوده، والطفل اليوم إنْ رأى حشرة صغيرة يصيح خوفًا، ولا يقوى على فعل شيء، بل لا يتحمَّل شيئًا، وإذا اختلفت مواقيتُ طعامه تراه يضْطَرِب، ويصيح، ويغضب، ويفعل ما لا يصح أنْ يفعل.

 

كانت صفية بنت عبد المطلب تضربني في صباي ضربًا شديدًا، فكان عمي ينكر ذلك عليها، ويزعم أنها تبغضني، فكانت تقول: من خالني أبغضه فقد كذب وإنما أضربه لكي يلب ويهزم الجيش ويأتي بالسلب جاءها رجل ذات يوم فقال لها: أين الزبير؟ فقالت: ما حاجتك إليه، قال: أريد أن أقتله، فقالت: هو في النخل، فاذهب إليه! فذهب الرجل إلى الزبير فاعتركا، فأخذه الزبير فكتفه بحبل وجعله على كتفه وجاء به يحمله، فرماه بين يدي أمه صفية، فضربت رأسه بمغزل، وقالت له: كيف وجدت زبرًا، أعسلًا وتمرًا، أم أسدًا هزبرًا؟ وكذلك فإن تربية النبي صلى الله عليه وسلم له، وتهيئته للقيام بمعارك الإسلام الفاصلة كان لها الأثر البارز في شجاعة الرجل وإقدامه، فقد قدمه النبي صلى الله عليه وسلم في عدد من المعارك أمام العدو، ولذلك يقول فيه حسان بن ثابت رضي الله عنه: وكم كربة ذب الزبير بسيفه عن المصطفى والله يعطي ويجزل فما مثله فيهم ولا كان قبله وليس يكون الدهر ما دام يبذل.

 

قد أتاها رجال في الجاهلية يسألون عن الزبير حين أسلم يريدون الإيقاع به، فجاءها رجل من قريش، فقال: أحق أن الزبير قد صبأ؟ فقالت: كلا والله! ولكنه أسلم وصدق، فقال: سترين ما أصنع به، فقالت: هو في المكان الفلاني فاذهب إليه، فذهب إلى الزبير فوجده منشغلًا بأمر فهجم عليه، فأخذه الزبير وأسره وكتفه بسية قوسه، وجاء يحمله على عاتقه فوضعه بين يدي صفية، فوقفت عليه وضربته بعصا وقالت: كيف وجدت زبرًا؟ أعسلًا وتمرًا؟ أم أسد هزبرًا؟

 

ما الذي يفسد الناشئة وكيف يمكن أن تربى؟:

الحقيقة أنه يبدو أنّ النعيم الزائد للصغار يفسدهم وتربية الصغار على الخشونة والبأس يقوِّيهم، ويجعل عودهم صُلبًا، وتجربتهم في الحياة عميقة، وأخطر ما في حياتنا تربية أولادنا، فإن نَجَحْنا في تربية أولادنا، نجح المجتمع،

 

وإن أخفقنا أخفق المجتمع، وواللهِ لا أرى على وجه الأرض عملًا أعظم مِن أن تعتني بأولادك، وأن تربيهم تربيةً إسلامية، وأن تنشِّئهم نشأةً مستقيمة، وأن تحملهم على طاعة الله، وأن تجعلهم علماء، وأن تعلِّمهم كتاب الله وسنة رسول الله، وأن تعلِّمهم مكارم الأخلاق، وأن تحملهم على الطاعات، واللهِ ما من عملٍ أجلُّ مِن هذا العمل، وهذا الكلام موجه إلى الآباء.

 

أيها الآباء، بين يديك كنز، ألا تدري ما هو؟ ابنك كنزٌ بين يديك، إنْ نشَّأته تنشئة فاضلة كان ذخرًا لك في الدنيا والآخرة، وكان امتدادًا لك إلى أبد الآبدين، فالأب الذي ربَّى أولاده تربيةً قويمة ثم مات، فإنّه لم يمت ذكرُه، ولو أنه فارق الحياة.

 

تختلف تربية الذكور عن تربية الإناث، وكليهما يتطلب الكثير من التوجيه، وهناك عدة طرق لكيفية التعامل معهما.

 

لكن في المجتمعات العربية التي تهتم بتربية الطفل كرجل صغير قد تقع العديد من الأخطاء الشائعة، منها أن بعض الآباء يعلمون أبناءهم مفهوم الرجولة من خلال تعليمهم التسلط على الآخرين والعناد وكبت المشاعر والمكابرة والقسوة والعنف وغيرها، لذلك لا بد من تسليط الضوء على أسلوب تربية الأهل للأطفال الذكور بطريقة صحيحة، وتعريفهم بمعنى الرجولة الحقيقية ومبادئها.

 

تربية الذكر تختلف عن تربية الأنثى، ولكن التربية بشكل عام يجب أن تتوفر فيها المبادئ مثل الحب والاهتمام والدعم المعنوي، إضافة إلى مراعاة الفروق الشخصية بين ولد وآخر، فلكل طفل خصوصية ونقاط قوة وضعف، ولديه اهتماماته وهواياته ومهاراته، لذلك من الواجب على الأهل أن يمارسوا دورهم كآباء وأمهات بشكل أفضل لتكون علاقاتهم أفضل مع أبنائهم، وليكون الأطفال -سواء كانوا ذكورا أم إناثًا- سعداء وأصحاء وأكثر فاعلية.

 

كما أنه يجب التعامل مع شخصية الطفل بطريقة صحيحة وبحكمة، خاصة أن تربية الصبي ليكون رجلًا حقيقيًا في المستقبل تحتاج إلى عدة طرق لتكوين هذه الشخصية المختلفة تمامًا عن شخصية الفتاة.

 

أليس حرامًا أن يمضي الطفل اثنتي عشرة سنة: ست في الابتدائية، وست في متوسط وثانوي، ثم يتخرج ولا تستطيع أن تصفه بأنه رجل! سبحان الله! أية تربية هذه؟ أين كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه يربون؟ اثنتي عشر سنة كفيلة أن تحوله إلى طاقة، إلى شعلة، إلى قائد، إلى مجاهد، إلى عالم، إلى مفتٍ، إلى محدث، إلى فقيه، إلى نحوي، إلى لغوي، واقرءوا سير العلماء، في أي سن كانوا عندما بلغوا مبلغ الفتوى، والعلم، والحفظ، والجهاد، والدعوة؟ أي ظلم يُظلَمُه الفتى المسكين؟ الذي ولد وله نفس العقل الذي كان لأولئك، وفي نفس البيئة، ولكنه ظلم بأن يظل يدرس، ثم يدرس، وتمضي عليه هذه السنوات، ثم لا يكون مستحقًا أن يقال عنه رجل إلا القليل! وقد يقال: إنه ربما يعوض ذلك الإعلام، وربما يعوض ذلك المجتمع؛ وأظن أن الحديث في الإعلام أصبح من الكلام المكرر، والكلام فيه أشبه باللغو؛ لأنه لا يمكن أن يربي على خلق ولا على فضيلة ولا على جهاد، ولا تربى عليه نشء إلا نشأ في أودية أخرى! لا نريد أن نتحدث عنها أصلًا؛ لأنها بعيدة عن الله واليوم الآخر والدار الآخرة، فهي لن تربطه بالله ولا بتقوى الله ولا بطاعة الله! إن قلب المجتمع النابض، إن حقيقة المجتمع، إن انتماء المجتمع مرتبط بأصل أصيل وركن ركين، وهو {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:36]، إنه مرتبط بالمساجد هذا هو الأصل، وهذا هو المنطلق {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] سبحان الله! هكذا الرجولة، الرجولة مرتبطة ببيوت الله، بالطهارة، بالبيوت التي أسست على تقوى من الله، والتي رفعت بذكر الله، والتي هي لله عز وجل.

 

من الطبيعي أن يعتاد الطفل الصبي منذ صغره على تحمل المسؤوليات، ويجب تشجيعه على ذلك بأشياء بسيطة وبمهام يقدر على تنفيذها بسهولة، فمثلًا ليس من المعيب أن يتدرب الصبي على المشاركة في مسؤوليات البيت، فهذا يجعله أكثر استقلالًا ومعتمدًا على ذاته، فتنظيف غرفته وترتيب سريره وأغراضه الشخصية وثيابه وغسل أطباقه كلها أمور يجب أن يتعلمها الصبي في مجتمعنا الشرقي.

 

لكن وبكل أسف لا يزال الكثير من الأهالي يعتقدون أن المهام المنزلية هي من مسؤولية الفتاة فقط، ومن الواجب عليها أن تهتم بشقيقها من ناحية الترتيب والاعتناء بالنظافة، ولكن الفكرة الرئيسية هي أن يتعلم هو كيف يساعد أخته، فهذا هو التدريب على حسّ المسؤولية.

 

من المفروض أن يعبر الصبي عن مشاعره لأنه لو كتمها سيصل إلى مراحل ستترجم بالعدوانية والغضب والعنف، فلا تقولي له لا تبك أو إنه من المعيب البكاء لأنه يدل على ضعف، فهذا مفهوم خاطئ أيضًا، كما يؤدي إلى عدم التعاطف والشعور بالآخرين، فهو من حقه أن يعّبر عن مشاعره بحرية، وأن يتحدث عن كل ما يضايقه ويزعجه، لذلك تعد الفتاة بارعة أكثر في العلاقات الاجتماعية من الذكر.

 

من أساسيات التربية الصحيحة أيضًا أن يتجنب الأهل عند التعامل مع أولادهم المقارنة بينهم، فهذا السلوك خاطئ لأن الانتقاد بالمقارنة يؤثر على الذكور، وهو مؤذٍ لأنه يضر بعزة النفس.

 

من الضروري عدم إجبار الصبي على اختيار لباس معين، أو إجباره على مظهر خارجي معين أو اعتماد ألوان معينة، ويجب عدم فرض الأوامر عليه، بل يجب منحه فرصة أكبر للتفكير في اختياراته بنفسه.

 

يمكن أن يكبر الطفل بنقص عاطفي ليصبح رجلًا لديه نظرة سلبية لما تعنيه رجولته، مما يؤثر بدوره على صحته الجسدية والعقلية، ووجدت بعض الدراسات أن مسألة الرجولة الخاطئة تؤدي إلى تأثيرات سلبية عدة، منها:

 

المخاطرة في العمل.

عدم القدرة على القيادة الصحيحة.

زيادة الميل نحو التنمر.

زيادة الخطر بأن يكون الذكور أكثر عرضة للعنف الجسدي تجاه أنفسهم أو تجاه الآخرين.

كما ركز تقرير نشره موقع "فاميلي فور لايف" (FAMILIESFORLIFE) على تعليم القيم الأساسية للطفل ليكبر مسؤولًا ورجلًا سويًا، ولديه الشعور الحقيقي بالمسؤولية، ومن أهم هذه القيم تعليمه أن المهام المنزلية ليست منوطة بالمرأة فقط، وعدم كبت مشاعره، ومعرفة الالتزام، وتحمل المسؤولية تجاه واجبات مناسبة لعمره، مع تنظيم الوقت والانضباط والاعتراف بالخطأ والاعتذار.

 

أخذه للمجامع العامة وإجلاسه مع الكبار:

وهذا مما يلقّح فهمه ويزيد في عقله، ويحمله على محاكاة الكبار، ويرفعه عن الاستغراق في اللهو واللعب، وكذا كان الصحابة يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي ومن القصص في ذلك: ما جاء عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره، فيقعده بين يديه، فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما لي لا أرى فلانًا؟» قالوا: يا رسول الله، بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال: «يا فلان، أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غدًا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك»، قال: يا نبي الله، بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي، قال: «فذاك لك» (أخرجه النسائي (2088)).

 

تحديثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك الإسلامية وانتصارات المسلمين

لتعظم الشجاعة في نفوسهم، وهي من أهم صفات الرجولة، وكان للزبير بن العوام طفلان أشهد أحدهما بعضَ المعارك، وكان الآخر يلعب بآثار الجروح القديمة في كتف أبيه كما جاءت الرواية عن عروة بن الزبير، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تشد فنشد معك؟ فقال: إني إن شددت كذبتم، فقالوا: لا نفعل، فحمل عليهم حتى شق صفوفهم، فجاوزهم وما معه أحد، ثم رجع مقبلًا، فأخذوا بلجامه، فضربوه ضربتين على عاتقه، بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة: كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير، قال عروة: وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن عشر سنين فحمله على فرس ووكل به رجلًا (أخرجه البخاري (3975)).

 

قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث: وكأن الزبير آنس من ولده عبد الله شجاعة وفروسية فأركبه الفرس وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما لا يطيقه، فجعل معه رجلًا ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو عنه بالقتال.

 

وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير، أنه كان مع أبيه يوم اليرموك، فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم وقوله: "يُجهز" أي يُكمل قتل من وجده مجروحًا، وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره (فتح الباري لابن حجر (7/ 300)).

 

تعليمه الأدب مع الكبار:

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير» (أخرجه البخاري (6231)).

 

قال المهلب: هذه آداب من النبي عليه السلام وأما وجه تسليم الصغير على الكبير فمن أجل حق الكبير على الصغير بالتواضع له والتوقير، وتسليم المار على القاعدة هو من باب الداخل على القوم فعليه أن يبدأهم بالسلام، وكذلك فعل آدم بالملائكة حين قيل له: اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس، وتسليم القليل على الكثير من باب التواضع أيضًا، لأن حق الكثير أعظم من حق القليل، وكذلك فعل أيضًا آدم كان وحده والملأ من الملائكة كثير حين أمر بالسلام عليهم، وسلام الراكب على الماشي لئلا يتكبر بركوبه على الماشي فأمر بالتواضع (شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 15)).

 

قال في الفتح: وكأنه لمراعاة حق السن فإنه معتبر في أمور كثيرة في الشرع، فلو تعارض الصغر المعنوي والحسي كأن يكون الأصغر أعلم مثلًا لم أر فيه نقلًا، والذي يظهر اعتبار السن لأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة على المجاز، ونقل ابن دقيق العيد عن ابن رشد أن محل الأمر بتسليم الصغير على الكبير إذا التقيا فإن كان أحدهما ماشيًا والآخر راكبًا بدأ الراكب وإن كانا راكبين أو ماشيين بدأ الصغير (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (9/ 136)).

 

عن سهل بن أبي حثمة، قال: انطلق عبد الله بن سهل، ومحيصة بن مسعود بن زيد، إلى خيبر وهي يومئذ صلح، فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلًا، فدفنه ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل، ومحيصة، وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال: «كبر كبر» وهو أحدث القوم، فسكت فتكلما (أخرجه البخاري (3173).)، أي: قدم الأسن يتكلم، وهو أمر من التكبير كرره للمبالغة.

 

إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس:

ومما يوضّح ذلك الحديث التالي: عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح، فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: «يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ»، قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله، فأعطاه إياه (أخرجه البخاري (2351).).

 

تعليمهم الرياضات الرجولية:

كالرماية والسباحة وركوب الخيل وجاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَال: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنْ عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمْ الْعَوْمَ (أخرجه الإمام أحمد في أول مسند عمر بن الخطاب].

 

تجنيبه أسباب الميوعة والتخنث:

فيمنعه وليّه من رقص كرقص النساء، وتمايل كتمايلهن، ومشطة كمشطتهن، ويمنعه من لبس الحرير والذّهب، وقال مالك رحمه الله، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ لأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، فَأَنَا أَكْرَهُهُ لِلرِّجَالِ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ وَالصَّغِير (موطأ مالك).

تشجيعه على المشاركة وعدم احتقار أفكاره وتجنب إهانته خاصة أمام الآخرين

وذلك يكون بأمور مثل:

(1) إلقاء السّلام عليه، وقد جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِم (أخرجه مسلم (4031)).

(2) استشارته وأخذ رأيه.

(3) توليته مسئوليات تناسب سنّه وقدراته.

(4) استكتامه الأسرار.

ويصلح مثالاً لهذا والذي قبله حديث أَنَسٍ قَال: أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ قَال: فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْت: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ r لِحَاجَةٍ. قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ. قَالَتْ: لا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ r أَحَدًا (أخرجه مسلم (4533).

وفي رواية عن أَنَسٍ قال: انْتَهَى إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا غُلامٌ فِي الْغِلْمَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ وَقَعَدَ فِي ظِلِّ جِدَار- أَوْ قَالَ إِلَى جِدَار - حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ" رواه أبو داود.

وعن ابْن عَبَّاسٍ قال: كُنْتُ غُلامًا أَسْعَى مَعَ الْغِلْمَانِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِنَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلْفِي مُقْبِلاً فَقُلْتُ: مَا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ r إِلا إِلَيَّ، قَالَ: فَسَعَيْتُ حَتَّى أَخْتَبِئَ وَرَاءَ بَابِ دَار، قَالَ: فَلَمْ أَشْعُرْ حَتَّى تَنَاوَلَنِي فَأَخَذَ بِقَفَايَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً (ضربه بكفّه ضربة ملاطفة ومداعبة) فَقَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ: وَكَانَ كَاتِبَهُ فَسَعَيْتُ فَأَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ فَقُلْتُ: أَجِبْ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ عَلَى حَاجَةٍ" رواه الإمام أحمد.

 

وهناك وسائل أخرى لتنمية الرجولة لدى الأطفال منها:

(1) تعليمه الجرأة في مواضعها ويدخل في ذلك تدريبه على الخطابة.

(2) الاهتمام بالحشمة في ملابسه وتجنيبه الميوعة في الأزياء وقصّات الشّعر والحركات والمشي، وتجنيبه لبس الحرير الذي هو من طبائع النساء.

(3) إبعاده عن التّرف وحياة الدّعة والكسل والرّاحة والبطالة، وقد قال عمر: اخشوشنوا فإنّ النِّعَم لا تدوم.

(4) تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى؛ فإنها منافية للرّجولة ومناقضة لصفة الجِدّ.

هذه طائفة من الوسائل والسّبل التي تزيد الرّجولة وتنميها في نفوس الأطفال، والله الموفّق للصواب.

 

لم تكن صفية بنت عبد المطلب تبالي لولدها الزُّبير إذا سَقط من على ظهرِ الفرس.

ولم يكن يأكل الخوف قلوب العرب وهم يرسلون أولادهم إلى البادية بالشهور والسنين.

ولم يكن بقاء الولد وحده مع الغنم ليال في وديان مكة يؤلم نفس أبيه.

ولم يكن خروج الشباب اليافع إلى التجارة والصيد وتَسلق الجبال الشاهقة وصيد الأسود أمثال حمزة بن عبد المطلب، يجعل أمهاتهم تموت رعبًا.

لذلك لما جاء الإسلام صادفت قوته الروحية قوة بدنية خرج رجاله بهما أمثال خالد بن الوليد والزبير وسعد والمثني والقعقاع فلم يعودوا إلا بملك كسرى وقيصر!

نحتاج أماً كصفية تُربي ولدًا مثل الزُّبير

واباً كنور الدين ربى أسداً كصلاح الدين

فالأمة مقدمة على مرحلة لا يصلح معها صاحب الاسم المذكر والفعل المؤنث.

مستقبل الشعوب بيد أطفالها:

ليلة ضرب إسرائيل للجيش المصري عام 1967 (١٩٦٧)، كانت كل الإذاعات تذيع حفل أم كلثوم الشٓهري؛ نجحت الحفلة وخسرنا القدس والجولان والضفة وبضعة آلاف من الرجال وعار عسكري أبدي!

واليوم نوجه عناية أطفالنا إلى عالم الغناء والرقص، وإلى عالم الرياضة؛ نتنافس في ماذا وعلى ماذا وضدّ من رحمكم الله!

آلاف المطربين والمطربات والرياضيين والرياضيات لن يشبعوا جائعا ولن يخففوا آهات مريض ولن يبنوا سقفا لمشرد.

الأغاني والرياضة أفيون جديد للشعوب، فكيف نجعل أطفالنا ومجتمعنا يتعاطاه.

لن أقول مؤامرة، ولن أصيح إننا في خطر، ولن أدعي بأننا نتآكل، لكني أقولها لكم بصدق، حين تفرش السجادة الحمراء للمطربين والرياضيين، ونجعلهم قمما شامخة في المجتمع، وحين يعتبر فوز مغني او فريق رياضي انتصار وطني ترفع له الرايات وتكتب له التهاني والأماني، وحين يكسب مطرب أو لاعب في ليلة بمقدار ما يجنيه معلم طوال عمره؛ فإننا أمام أمة مطلوب منها أن تبقى راكعة في محراب الجهل والتفاهة والشهوات والسحت.

أرجوكم علموا صغارنا.