logo

وقفات مع العيد


بتاريخ : الاثنين ، 6 ذو الحجة ، 1441 الموافق 27 يوليو 2020
بقلم : تيار الاصلاح
وقفات مع العيد

يهل عيد الأضحى ككل عام حاملًا البشارة لنا بالرحمة والمغفرة، وداعيًا لنا للتوبة والانابة، يعيد لنا قصة الاسلام فصولًا ومقاطع منذ عهد أبينا آدم وأمنا حواء، مرورًا بسيدنا ابراهيم الخليل وآل بيته، وصولًا لحجة الوداع في عهد رسولنا الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام.

إنه عيد التضحية والبذل والعطاء، إنه عيد تجديد البيعة، بيعة آدم وحواء لربهما بأن لا يعبدا إلا إياه مخلصين له الدين، إنه عيد التلبية لأذان أبي الأنبياء إبراهيم الخليل للمجيء إلى البيت الحرام من كل فج عميق، إنه عيد الأمل بعد فقدان الرجاء، والحياة بعد الوصول إلى شفير الموت، إنه عيد الرحمة والرأفة والود بين الناس والشعوب، إنه عيد الخضوع التام لأوامر الله عز وجل والإيمان الحقيقي بألوهيته.

إنه عيد البر بالوالدين والاحسان إليهما وطاعة أوامرهما؛ طالما أنها لا تخالف شرع الرحمن.

إنه مسلم متمسك بإسلامه وسنة نبيه، لا يقطع أرحامه، طيلة العام؛ فيصلهم في الأعياد فقط، بل صلةُ الرحم عنده بين الفَينة والفَينة، لأنه يقرأ قولَ اللهِ سبحانه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، وقوله تعالى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} [الأنفال: 75]، وهذه وصايا من الله جل جلاله بالأرحام، فاتقى الله جل جلاله فيهم، وجعل لهم الأولويةَ عند الاختيار.

إنه يعلم قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه» (1)، لذلك هو من الذين وسع الله عليهم في أرزاقهم في الدنيا والآخرة، وبارك لهم في أعمارهم وآجالهم، وكافأهم على صلة أرحامهم.

إنه عيد الانتصار على الذات الداخلية وعلى الشيطان الداخلي لكل إنسان أراد أن يسلك درب الجنان وأن يتنعم في رضى الرحمن.

إنه عيد الأعياد ونفحة من نفحات الإيمان في زمن خلا من المحبة، والتضحية، والود، والاحترام، والأخلاق وإنسانية الإنسان، وعاد البشر لعبودية البشر بعد أن حررهم الاسلام منها.

والأعياد في الإسلام مواسم مباركة للتقرب من الله سبحانه وتعالى، لا سيما وأنها تنطلق في مشروعيتها من منطلق الهوية الإسلامية المتميزة التي جاءت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه أن أهل الجاهلية كان لهم يومان كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما؛ يوم الفطر ويوم الأضحى» (2).

مقاصد العيد ودلالاته التربوية:

ومن المقاصد والدلالات التربوية التي يتضمنها العيد في الإسلام ما يلي:

1العيد تربية للمسلم على مبدأ التوحيد الذي يربط بينه وبين إخوانه المسلمين في كل مكان حينما يعيشون هذه المناسبة المباركة في زمان واحد وشعور واحد وفرحة واحدة.

2العيد دعوة للمسلمين لإحياء هذه المناسبة بذكر الله سبحانه وتعالى تكبيرًا وتهليلًا وتسبيحًا وتحميدًا، في جو إيماني مبارك تحفه الملائكة وتتنزل فيه الرحمة.

قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل» (3).

قال الأشرف: وإنما عقب الأكل والشرب بذكر الله لئلا يستغرق العيد في حظوظ نفسه، وينسى في هذه الأيام حق الله تعالى (4).

3العيد تربية للمسلم على البذل والعطاء، والتوسعة على النفس والأهل والولد والأقارب وذوي الحاجة في المجتمع المسلم، امتثالًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أغنوهم عن طواف هذا اليوم» (5).

4العيد مواساة أفراد المجتمع المسلم كبيرهم وصغيرهم، فقيرهم وغنيهم، الأمر الذي يربي أفراد هذا المجتمع على التعاون والتراحم، ويقوي شعور الفرد بالانتماء لهذه الأمة والانضواء تحت لوائها، لما يشترك أبناء الإسلام في كل مكان في سرائهم كما يشتركون في ضرائهم.

5العيد في الإسلام له مقاصد سامية ودلالات عظيمة، تتمثل في كون فرحة المسلمين به تنطلق من شعورهم بتوفيق الله تعالى لهم، لأداء ما فرضه الله تعالى عليهم واستبشارهم بقبول الرحمن ورضاه، فإذا ما وفق المسلم لإكمال صيام شهر رمضان كان من حقه أن يفرح يوم عيد الفطر السعيد، وإذا وفق لأداء فريضة الحج كان من حقه أن يفرح يوم عيد الأضحى المبارك.

6العيد تربية على إشاعة المودة بين أبناء المجتمع الإسلامي، وذلك بصلة الأرحام وتجديد أواصر المحبة والتواد بينهم.

لا بد أن نعلم أنه من المقاصد العظيمة التي شُرعتْ لأجْلها الأعياد في الإسلام تعميق التلاحُم بين أفراد الأُمَّة الواحدة، وتوثيق الرابطة الإيمانيَّة، وترسيخ الأخوَّة الدينيَّة بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ مصداقًا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضًا» (6).

7العيد تربية جمالية تتمثل في لبس أحسن الثياب والتطيب بأجود الطيب، والتزين المشروع لإظهار الفرحة والسرور في هذه المناسبة، وشكر الله العلي القدير على فضله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا أنعم على عبد نعمة أن يرى أثر نعمته عليه» (7).

8العيد وقفة مع النفس لتتفكر في مصيرها المحتوم، وذلك لما يتفكر المسلم صبيحة يوم العيد فيمن صلى معه الأعياد الماضية من الآباء والأجداد والأصحاب والإخوان، وأنهم قدموا على الله تعالى فمنهم شقي ومنهم سعيد؛ وهذا فيه تربية ذاتية للإنسان المسلم لمحاسبة النفس بين الحين والآخر، فتكون النتيجة أن يحمد الله سبحانه على ما قدم من خير وإحسان، ويستغفره لما كان من غفلة ونسيان (8).

العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته، كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا بغفلته عن الله.

أعياد المؤمنين في الدنيا:

عن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما، فقال: «قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما، فإن الله قد أبدلكم يومين خيرًا منهما، يوم الفطر، ويوم النحر» (9).

فأبدل الله هذه الأمة بيومَي اللعب واللهو، يومَي الذكر والشكر، والمغفرة والعفو؛ ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد؛ عيد يتكرر كل أسبوع، وعيدان يأتيان في كل عام مرة من غير تكرر في السنة.

يقول ابن الجوزي وابن رجب الحنبلي رحمهما الله: والتبكير إلى الجمعة يقوم مقام الهدي على قدر السبق، فأولهم كالمهدي بدنة، ثم بقرة، ثم كبشًا، ثم دجاجة، ثم بيضة، وشهود الجمعة يوجب تكفير الذنوب إلى الجمعة الأخرى إذا سلم ما بين الجمعتين من الكبائر، كما أن الحج المبرور يكفر ذنوب تلك السنة إلى الحجة الأخرى (10).

أدخل السرور على غيرك:

يوم العيد يومُ فَرَحٍ واستبشار وابتهاج، فإظهاره هو من شعائر الإسلام، ومن الأعمال الصالحة، ولك بذلك أجر عظيم من خلال لفظاتك الطيبة، وابتساماتك الجميلة، وإدخال السرور على غيرك، فإظهار ذلك عبادةٌ تتقرَّب بها إلى ربِّك، فاحتسب بذلك، ولا تجعله عادة؛ بل هو من أعظم العبادات.

عن عمر، أن رجلًا، جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله، وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا» (11).

مشاهدة العيد:

الاهتمام بحضور صلاة العيد واستماع الخطبة، فإن الفضائل في ذلك عظيمة جدًّا، من دعواتٍ مرفوعة، وعباداتٍ مشروعة، واجتماعٍ عظيم وكبير لهؤلاء المصلين، ويدعو بعضهم لبعض، فهو اجتماعٌ على الطاعة وبعد طاعة، فاحرص على الحضور والاستماع؛ حيث إن الخطيب يستهدفك فيما يقول، ولربما سمعت كلمةً في الخطبة تعيش عليها دهْرَكَ، فلا تنصرف حتى تنتهي الخطبة.

التجمل يوم العيد:

يُشرع في يوم العيد أن يلبس أحسن ثيابه، وأن يظهر المسلم بمظهر الجمال، وإن هذا المظهر هو من الأعمال الصالحة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، يلبس أحسن ما عنده؛ إذ إن العيد من الشعائر الظاهرة لأهل الإسلام، فلنظهر أيها الإخوة الكرام في هذه الشعيرة بمظهرها اللائق بها من الاغتسال والتطيب وحُسْن المظهر والمخبر.

يوم الاتفاق وليس الاختلاف:

لنبتعد في يوم عيدنا عن الخلافات وأيضًا لنتغافل عن الزلَّات، فهو يوم فرح ووفاق وانشراح، وإن ذلك الخلاف وعدم التغافُل إنما يُعكِّر ذلك الانشراح.

لنجعل يوم عيدنا يوم صلح لكل خلاف بيننا، فهو فرصة عظيمة؛ لا سيَّما أنه يوم وفاق واستبشار، فلماذا لا يلتفت إليه المصلحون، فهذا مجالهم ولا نستبعد شيئًا، وإنْ تعاظمَ فإن كل شيء بيد الله تبارك وتعالى، ولربما أن كلًّا من المتخاصمين يرغب في الصُّلْح والإصلاح؛ لكن قد يتأخَّر ذلك المصلح، فرسالتي للمصلحين أن يلتفتوا إلى ذلك بجدٍّ وعزيمة، وربما صلُحت عوائل بسببك، فإن الصلح بيد الله تعالى وما عليك إلا السبب، فلا تحرم نفسك أخي المصلح الكريم، ورسالتي إلى المتخاصمين، إلى متى هذا التقاطُع؟ هل تريدون أن يكون التحاكم بين يدي الله تعالى يوم القيامة؟ لقد سكنت نفوسُكم بعد شهركم، واطمأنَّتْ، وكنتم اليوم في يوم عيد، فكن مبادرًا في عيدك السعيد، فاجعله سعيدًا باتصالك أو ذهابك إلى خصمك ومصالحتكما جميعًا، فالمبادرةَ المبادرةَ قبل فوات الأوان.

تجنب الأخطاء والمخالفات:

ملاحظات ومخالفات يقع فيها البعض يوم العيد، ولعلَّها أن تختفي؛ إذ أن الخير كله بموافقة الشرع والفطرة، وإن الشر كله بمخالفتهما، ومن الملاحظات ما يلي:

الملاحظة الأولى: التكبير الجماعي بصوت واحد فيُكبر، ثم يُكبِّرون خلفه، فإن المشروع الذكر والتكبير والتهليل والتحميد؛ لكنه ليس بالصورة الجماعية؛ إذ إنه لم يرد عن السلف ذلك، والخير كله باتِّباعهم.

الملاحظة الثانية: تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر، فيقول قائلهم: نعايد موتانا، وهذا لا أصل له؛ بل الدعاء لهم في كل وقت، ولم يرد حديث في زيارة المقابر يوم العيد.

الملاحظة الثالثة: خروج بعض النساء والفتيات في يوم العيد إلى صلاة العيد بزينة ملفتة أو عطر، وهذا لا يجوز.

الملاحظة الرابعة: اجتماع بعض الناس يوم العيد على لهو مُحرَّم وعبث وإيذاء للمسلمين وليس هذا من الشعائر.

الملاحظة الخامسة: اعتقاد بعض الحريصين على إحياء ليلة العيد بالعبادة، ويتناقلون أحاديث مكذوبة في هذا المجال.

الملاحظة السادسة: تساهل بعض النساء في الحشمة والستر.

الملاحظة السابعة: الإسراف في موائد العيد، وخروجها عند البعض عن المعقول.

الملاحظة الثامنة: عدم الاستفادة من باقي موائد العيد، بحيث تُهان عند البعض بوضعها في مكان غير مناسب، والواجب على الجميع إعدادها وتوصيلها إلى الفقراء والمساكين، فهم ينتظرونها.

الملاحظة التاسعة: بعض الناس يتهاون في صلاة العيد ويحرم نفسه الأجر والثواب ودعاء المسلمين.

الملاحظة العاشرة: العبث من الأطفال والمراهقين بالألعاب النارية التي تؤذي الناس، وكم جرَّتْ هذه الألعاب من مصائب وحوادث، وذلك بحجَّة الترويح، فكم تضرَّر بها من أناس، وذهب خلالها من الأموال، فهي تجاوزت حدود المعقول عند البعض، فعلى الأولياء الرعاية لهؤلاء وعدم إغداق الأموال عليهم في هذا المجال، والإشراف على لهوهم ومرحهم؛ حتى لا يحصل ما لا تحمد عُقباه (12).

الاحساس بالنعمة:

وقال الله تعالى ممتنًا على المسلمين بتمام الدين وكمال الشرائع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فبيَّن أن اكتمال الشرائع هو تمام النعمة والمنة على عباده، وهذه الشرائع التي سمها الله نعمة ونسبها لنفسه تعظيمًا وإجلالًا بقوله في هذه الآية {نِعْمَتِي} قد أشبعت كل حاجات البشر فلم تترك جانبًا من جوانب الحياة إلا وشملته، ومن ذلك حاجة الناس للفرح والسرور والاحتفال المشروع، وعيد الفطر والأضحى من أبرز صور إشباع حاجة الإنسان للترفيه، ويجدر بنا ونحن نعيش بهجة العيد أن نقف مع هذه المناسبة السعيدة وقفات.

الوقفة الأولى: الاحتفال المنضبط:

من المقرر أن العبد يباح له أن يحتفل –منضبطًا بحدود الشرع- بما يحدث له من مناسبات سارة في هذه الحياة، فيجوز للمسلم أن يحتفل بنجاح ابنه مثلًا أو ترقيته في الوظيفة ونحوها؛ دون أن يجعل تلك المناسبة عيدًا، ولكن سماحة الإسلام تجاوزت مجرد إباحة الاحتفال بالمناسبات الخاصة، حيث شُرع الاحتفال الجماعي فَوقِّتت مناسبات عامة يشمل الاحتفال بها كل أفراد الأمة، وجعلت الشريعة من ذلك الاحتفال عبادة يثاب عليها العباد، وهذا من عظيم فضل الله على عباده، والذي يجب أن يقابل بشكر الله تعالى وحمده.

وعن عائشة رضي الله عنها، أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى -أي أيام عيد الأضحى- تضربان بدفين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى عليه بثوبه، فانتهرهما، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه، فقال: «دعهن يا أبا بكر، فإنها أيام عيد»، وقالت عائشة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم -، يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد -أي في يوم عيد-، حتى أكون أنا أسأم، فأقعد، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو (13).

الوقفة الثانية: توثيق الأواصر بين المسلمين:

من أهم الفوائد التي يجنيها المسلمون من الاحتفالات والمناسبات الجماعية توثيق الأواصر بينهم، وتعميق الانتماء للأمة، وزيادة الشعور بالوحدة؛ حيث يشارك كل مسلم أخوه في هذه المناسبة السعيدة.

فالمسلمون أمة واحدة تجمعهم الأفراح، وتوثق بينهم الصلات، وإن تفرقت بلدانهم، واختلفت أوطانهم، فالمسلم في الشرق شعوره يوم العيد ذات الشعور الذي يجده مسلم الغرب، وكما يحس المسلم أن أخاه يشاركه هذا الفرح الكبير، فكذا يحس بمشاركة أخيه له في آلامه ومواساته له في مصائبه وجراحه.

الوقفة الثالثة: تنويع العبادات:

إن من حكمة الله تعالى تعديد العبادات، وتنويع القربات؛ حتى لا يسأم المسلم، كما أن من العبادات ما يحمل العبد نفسه حملًا عليه كالجهاد في سبيل الله، قال الله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]، ومن العبادات ما تقبل عليه النفس وهي راغبة فيه محبة له كهذه الاحتفالات بالعيد السعيد، ومن فضل الله تعالى أنه يثيب على ما رغبته النفس، وسهل عليها من تلك العبادات، ويثيب على ما شق عليها وعسر، وهذا من توازن الشريعة واعتدالها وسماحتها، فلله الحمد أن هدانا لأحسن دين.

الوقفة الرابعة: إيجاد البدائل:

إن من ميزات الإسلام تجديد الوسائل وتنويعها، وإيجاد البدائل، ومن ذلك تشريع عيد الفطر والأضحى، فعن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟»، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر» (14).

فقد أوجد النبي صلى الله عليه وسلم ليوم عيد الجاهلية الذي ارتبط بحروبها الظالمة وأيامها المظلمة بديلًا بيومين من أيام الإسلام المشرقة، فلئن كان أهل المدينة من قبل الإسلام لهم عيدان ففي الإسلام لهم عيدان، ولكن شتان بين عيد الإسلام وعيد الجاهلية، فقد كان احتفالهم بتلكم الأعياد قبل الإسلام احتفالًا بحروب الظلم، وأيام العدوان، فهداهم الإسلام للفرح بمواسم الطاعات، كما هو الحال في عيد الفطر، وبذكرى استجابة أبو الحنفاء لله تعالى واستسلامه له وانتصاره على الشيطان، ذلك الانتصار الذي لا يقارن بانتصاراتهم التي كانوا يحتفلون بها، والتي قامت على الشحناء الكراهية، فأبدلهم الله خيرًا منها، ففي الفطر والأضحى كل معاني العظمة والسمو.

الوقفة الخامسة: فرصة دعوية:

إن العيد مناسبة دعوية ينبغي أن يستغلها أهل الدعوة والخير لتنظيم البرامج التي تجمع بين المتعة والفائدة، والتسلية للنفس فيما لا يغضب الرب، فإن من أعظم ما يقطع الطريق أمام الاحتفالات التي يخالف فيها هدي النبي صلى الله عليه وسلم مبادرة الخيرين لتنظيم البرامج التي ينتظم الناس فيها؛ فيَسْلَم لهم عيدهم، وتروح نفوسهم، ويرضون ربهم، وهذه البرامج التي ينظمها المصلحون في العيد من إيجاد الحلول للواقع الذي فيه كثير من المخالفات المرتبطة بالأعياد، وهو من جملة السياسة الشرعية التي شرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

الوقفة السادسة: إظهار محاسن الدين:

وفي الحديث عن العيد تجدر الإشارة إلى أن المسلم مطالب بأن يظهر محاسن هذا الدين لغير المسلمين وهم ليسوا قلة في بلادنا، فعلينا أن نستغل فرصة العيد لتكون دعوة عملية تحبب غيرنا في ديننا وتدفعهم للدخول فيه، ولما شرع النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة والأمة بعدهم العيد قال: «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، وإني أرسلت بحنيفية سمحة» (15)، فليحرص المسلم على إظهار الدين في حلته البهية، ولا يدخر وسعًا في بيان إشراقه، وإزالة ما بأذهان الغافلين من شبهات تخالف حقيقة ما هو عليه.

تقبل الله من الجميع طاعاتهم، وأجزل لهم المثوبة وأعاده الله على أمتنا بالعزة والمنعة (16).

الوقفة السابعة: تضحية إبراهيم عليه السلام:

يأتي عيد الأضحى من كل عام تخليدًا لكل هذه المعاني وغيرها، وبخاصة ذكرى تضحية أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام وأسرته المؤمنة التي نذرت نفسها لله، واستسلمت لأمره، فحققت كمال معنى الإسلام والإيمان، حين همّ خليل الرحمن بذبح ولده طاعة لربه، فانقاد الابن لمراد الله تعالى، ورضيت الأم الصابرة بقضائه عز وجل، فكان تمام الإسلام لله هو كمال الاستسلام له {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} [الصافات: 103- 107]، وكان القبول من الله تعالى رهنًا بحقيقة الإخلاص له، ومطلق التجرد لجنابه، حتى لو كان ذلك في أخص عواطف المرء عاطفة الأبوة والأمومة والبنوة {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وبتلك التضحية النبيلة استحق إبراهيم عليه السلام أن يكون خليل الله تعالى، وأن يكون أمة وحده {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)} [النحل: 120- 121].

الوقفة الثامنة: التضحية سبيل أصحاب الدعوات:

لم تقم دعوة عظيمة دون تضحية عظيمة ممن ينتسبون إليها، قيادة وجندًا، وقد كان ذلك حاضرًا في ذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول لنـزول الوحي على قلبه، حين حدثه ورقة بن نوفل بقوله: ليتبنى أكون جذعًا –أي: قويًا فتيًا– حين يخرجك قومك، قال صلى الله عليه وسلم: «أمخرجيّ هم؟»، قال: نعم، ما جاء نبي بمثل ما جئت به إلا عودي (17).

إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه –على الأقل– إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور؛ إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ، وإيمان به، وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه، والانحراف عنه، والمساومة عليه، والخديعة بغيره.

________________

(1) أخرجه البخاري (2067).

(2) أخرجه النسائي (1556).

(3) أخرجه أبو داود (2813).

(4) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1418).

(5) أخرجه البيهقي في السنن (7739).

(6) أخرجه البخاري (481).

(7) صحيح الجامع (1712).

(8) العيد في الإسـلام: مقاصد ودلالات تربوية/ موقع المحجة.

(9) أخرجه أحمد (12827).

(10) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 275).

(11) أخرجه الطبراني في الصغير (861).

(12) وقفات مع العيد/ موقع الألوكة.

(13) أخرجه أحمد (24541).

(14) أخرجه أبوداود (1134).

(15) أخرجه أحمد (24899).

(16) كلمة في العيد/ موقع المسلم.

(17) أخرجه ابن حبان (33).