البهرة انحراف في العقيدة وفساد في العبادة
لقد كانت الباطنية -وما زالت- مصدر خطر على الإسلام والمسلمين مذ وجدت، بعد أن أيقن أعداء الإسلام أن حسم المواجهة مع المسلمين وجهًا لوجه لن يجدي شيئًا في تحقيق أهدافهم والوصول لمآربهم؛ ولذلك كانت الحركات الباطنية بعقائدها وفتنها نتيجة لاتجاه جديد للكيد للمسلمين عن طريق التدثر باسمه والتستر بحب آل البيت، وهي فكرة خبيثة ماكرة، حاكها ودبرها عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر بالإسلام، وعمل من خلال ذلك على نفث سمومه وبث مؤامراته بين المسلمين (1).
وهذا الخطر تنبه له علماء الإسلام منذ زمن بعيد، فهذا عبد القاهر بن طاهر البغدادي التميمي الإسفراييني يقول: اعلموا -أسعدكم الله- أن ضرر الباطنية على فرق المسلمين أعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس عليهم، بل أعظم من مضرة الدهرية وسائر أصناف الكفرة عليهم، بل أعظم من ضرر الدجال الذي يظهر في آخر الزمان؛ لأن الذين ضلوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم إلى يومنا أكثر من الذين يضلون بالدجال في وقت ظهوره؛ لأن فتنة الدجال لا تزيد مدتها على أربعين يومًا، وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر (2).
على أن الباحث في نشأة الباطنية في العالم الإسلامي لا بد أن يلم بنشأة الشيعة؛ لأن التشيع كان ثوبًا يتستر وراءه كل من يريد بذر الفتن في الإسلام والمسلمين، ومأوى يلجأ إليه كل من يريد هدم الإسلام بإدخال تعاليم آبائه وأجداده من يهودية ونصرانية وهندوسية وأفلاطونية.
كما أن المتتبع لتطور عقائد الشيعة، والتي بدأت بفكرة الدفاع عن حق آل البيت في الخلافة، إلى اتخاذ هذا البيت الكريم وسيلة لنشر مذاهب دينية خاصة تهدف إلى أغراض سياسية، يجزم أن وراء هذه التطورات يدًا خبيثة تحيك في الظلام مؤامرة ضد عقائد الإسلام (3).
ومن هذه الطوائف الباطنية التي تُنسب للإسلام: طائفة الإسماعيلية التي خرجت منها الكثير من الفرق الباطنية، ومن طوائف الإسماعلية هذه الطائفة التي هي محل الحديث وهي: طائفة البهرة، والذي يهمنا في هذه الورقة من الإسماعيلية من يطلق عليهم اليوم اسم البهرة إذ هي محل البحث والنظر.
نشأة البهرة:
تشير المصادر التي بحثت عن أصل كلمة البهرة أنها مأخوذة من فيوهار التي تعني التجارة في اللغة الكجراتية الهندية، فالبهرة هم التجار، وسموا بذلك لأن السواد الأعظم من تلك الطائفة يعمل بالتجارة منذ ارتباطهم بالإسلام.
ومركزهم الحالي هو مدينة سورت في الهند، وتشير رواية البهرة أن أحمد المصري أول إسماعيلي وطئت قدماه أرض كهينبابت في الهند، بأمر من المستنصر بالله الفاطمي لنشر الدعوة الإسماعيلية في تلك الأرجاء.
ويعتبر البهرة بوضعهم الحالي ورثة الفاطميين المصريين وأمناء دعوتهم عقيدة وتشريعًا، ومؤلفات العهد الفاطمي هي المصادر المعتمدة لباطنيتهم دون ريب، وإن كنت ترى أن عامتهم قد تأثر بالهندوسية والفكر الغربي في الآونة المعاصرة، وأخذ يتخلص من قيود التكتم والانزواء، وأسرار الدعوة وفلسفة اليونان، غير أن زعيمهم -الداعي المطلق- ما زال محور الحركة والتكتل؛ لذا لا يسهل النفوذ إليهم، والوصول إلى ما عندهم، وما يحتفظون به من وفاق أو خلاف مع شرع الله، ويعود ذلك إلى سببين:
السبب الأول: أن قوام الدعوة الإسماعيلية هو الإخفاء وعدم العمل في وضح النهار، فإن كان أعداؤهم الأمويون والعباسيون في الأزمنة الغابرة أجبروهم على ذلك السير، فقد تمت لهم السيطرة على جزء غير يسير من العالم الإسلامي إبان عهد الفاطميين في مصر والصليحيين في اليمن، غير أن دعوتهم لم تظهر من وراء القضبان الحديدية، وما تزال كذلك رغم انتشار العلمانية والإلحاد في الدول التي يسكنونها الآن، وإنهم اليوم في مأمن على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم إن أرادوا الكشف عما يبيّتون في ظلمة الليل.
فالبهرة كاليهود، لا يسمحون لأحد باعتناق مذهبهم ما لم يولد من أصل بهري، لذا يقول المرزا محمد سعيد: إن البهرة على العموم أمة محصورة، لا يصح لفرد غير إسماعيلي الآن اعتناق مذهبهم البتة، كما أن أواصر النكاح تدور فيما بينهم كالحلقة المفرغة، وفي زنجبار التي قطعت حبل الاتصال بين زعيم البهرة وأتباعه حاولتُ كسر هذا الطوق بجر العديد من البهرة إلى التكلم عما يدينون فلم أُفلح، وكادوا أن يتفقوا على قولتهم العامة: المذهب كالذهب يجب إخفاؤه (4).
السبب الثاني: الداعي المطلق هو الحاكم الفعلي لجميع أفراد البهرة الشيعة، له الأمر والنهي، والأسود والأبيض بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، فلا يصح من بهري أن يؤم المصلين إلا بإذنه، ولا يحق له أن يعمل خيرًا إلا بأمره، ولا ينعقد نكاح البهرة إلا إذا عقده الداعي أو من أذن له من عماله، كما لا يصح من متبع الداعي أن يدعو إلى المشاركة في مراسم النكاح والزواج من ليس ببهري إلا بإذنه أو إذن عامله (5).
ويقول الدكتور زاهد على البهري: ومما يجدر ذكره أن المذهب الإسماعيلي منذ وجود الدولة الفاطمية حتى طوي فراشها لم يظهر على الملأ قط؛ لأن منظمة الإسماعيلية المسماة بالدعوة أمرٌ مستور، فالستر والأسرار مما جبل عليه المذهب، ومن هنا لا تكشف أسراره لكل أحد، حتى إن الدارس الإسماعيلي لن يتلقى علم التأويل إلا بعد عهود ومواثيق، أما علم الحقيقة فلا يصل إليه إلا الشاذ من البهرة... وفي الآونة الحالية نستطيع أن نعد إخواننا العارفين بحقيقة المذهب الإسماعيلي على الأصابع، ولتلك الندرة والقلة سببان: أولهما أن لغة كتبنا الدعوية هي العربية، وثانيهما صعوبة الحصول على الإذن لقراءة كتاب من تلك الكتب (6).
انقسام البهرة:
والبهرة اليوم متفرقون في بلاد الهند وباكستان وعدَن، وتوجد منهم طائفة بجبال حراز باليمن، ويطلق عليهم اسم القرامطة أو الباطنية(7).
وفي القرن العاشر الهجري انقسم البهرة إلى طائفتين، تسمى إحداهما بالداودية، والأخرى بالسليمانية، ويرجع هذا الانقسام إلى الخلاف على من يتولى مرتبة الداعي المطلق للطائفة.
فالفرقة الداودية: تنتسب إلى الداعي السابع والعشرين من سلسلة دعاة الفرقة المستعلية الطيبية، ويسمى بقطب شاه داود برهان الدين المتوفى سنة 1021هـ، وهم الأكثرية، وهم بهرة كجرات؛ ولذا أصبح مركز دعوتهم في الهند حيث يقيم داعيتهم الآن وهو طاهر سيف الدين في مدينة بومباي، ويعتبر الداعي الحادي والخمسين من سلسلة الدعاة حيث بينه وبين الداعي الذي تنتسب إليه الداودية اثنان وعشرون داعيًا، ذكرهم العزاوي بالترتيب في مقدمة كتاب "سمط الحقائق" (8).
ويقدَّر عددهم في الهند -وفقًا لإحصائية في أوائل التسعينات- بحوالي مليوني نسمة، ولهم في الهند أكثر من مائة مسجد، وقاموا بإنشاء أول جامعة لهم تسمى بالجامعة السيفية، أسَّسها الداعي الثالث والأربعون عبد اللطيف سيف الدين سنة 1220هـ، وعدد طلابها خمسمائة طالب، والتي جدَّدها الداعي الحالي برهان الدين محمد، وأنشأ فرعًا لها في كراتشي بباكستان.
أما الفرقة السليمانية: فتنتسب إلى الداعي سليمان بن الحسن الذي أبى أتباعه الاعتراف بداود؛ بدعوى أن عجب شاه اختار سليمان وأعطاه وثيقة بذلك، ويدعي جماعته أنه لا تزال عندهم تلك الوثيقة، وتبعه شرذمة قليلة نسبوا إليه، ويتواجدون في اليمن، ورئيسها الحالي علي بن الحسن، ومحل إقامته بنجران جنوبي السعودية، وهذه الطائفة منتشرة في قبائل بني يام باليمن، وبعض أفرادها مقيمون في الهند والباكستان، وكلا الداعيان برتبة (داع مطلق) وهي مرتبة وراثية تنتقل من أب إلى ابن، وصاحبها يتمتع بنفس الصفات التي كان يوصف بها الأئمة على أنها صفات مكتسبة وليست ذاتية (9).
استعباد الإسماعلية لأتباعهم:
مما يدل على استعباد دعاة الإسماعيلية لأتباعهم وخضوعهم لهم كما يخضعون للأئمة المظاهر التالية:
1- تعظيم دعاتهم المطلقين وتحيتهم بانحناء الرؤوس وتقبيل الأرض بين يديهم، حتى إنهم ليكادون أن يسجدوا لهم، كما يعتقدون أن الداعي المطلق كالمعصوم، لا يخطئ ولا يضل أبدًا، وطاعته واجبة.
2- التقديس له، لدرجة أنه يصنع لهم الصكوك على قِطَع من الجنة، وهذا مما نقل عن علي بن الحسن زعيم المكارمة في نجران.
3- تأليه الداعي المطلق الذي يحلّ محلَّ الإمام، ومن دلائل ذلك ما نقله الدكتور محمد كامل حسين عن محاورة جرت بينه وبين أحد زعماء الأغاخانية في العصر الحاضر، ومنها قوله الأغاخان: لقد أدهشتني بثقافتك وعقليتك، فكيف تسمح لأتباعك أن يدعوك إله؟! فضحك طويلًا جدًّا وعلت قهقهاته ودمعت عيناه من كثرة الضحك ثم قال: هل تريد الإجابة عن هذا السؤال؟ إن القوم في الهند يعبدون البقرة، ألستُ خيرًا من البقرة؟! وهذا وإن كان حديثًا لزعيم الأغاخانية، إلا أن زعيم البهرة كذلك حيث يعبده أتباعه ويؤلهونه (10).
والداعي أو إمام البهرة حرم على كل بهري قراءة أية صحيفة أو الدخول إلى الجامعات والترشيح وغيرها، يقول “نورمان آل كونتر أكنز” -وهو أحد أبناء البهرة الذين ثاروا في وجه الداعي والإمام للمطالبة بإصلاح شؤون طائفة البهرة-: إن أي فرد من أفراد طائفته لا يملك أن يحيا حياته الخاصة به، أو أن يقرأ مجلة أو صحيفة أو كتابًا، أو أن يساهم في إصدارها إلا بإذن من الداعي، ولا يستطيع أن يدرس في مدرسة أو جامعة أو يرسل أبناءه إليها إلا بإذن خاص من الداعي... ولا يستطيع أي فرد أن يمارس أي نوع من أنواع التجارة أو المحاماة أو الطب أو الأعمال الحسابية أو غير ذلك من الأعمال الأخرى إلا بإذن من الداعي كذلك.
والأدهى من ذلك أن أفراد الطائفة لا يستطيعون دفن موتاهم إلا بتصريح منه، ولا حرية لأي فرد من أفراد الطائفة في انتخاب أي مرشح -من أحزاب أو هيئات أو اتحادات- لا يرضى عنه الداعي.. ولا يستطيع أن يشكل نقابة أو ينسب إلى عضوية نقابة أو جمعية بغير إذن منه (11).
وكانت نهاية هذا الرجل الذي ثار في وجه طواغيت أئمة البهرة هو الإعدام، فقد أعدم بأمر الداعي.
عقيدة البهرة:
يعتبر البهرة أكثر الشيعة الباطنية تعصبًا لمذهبهم ومحافظة على عقيدتهم، ولا زالوا يتمسكون بزي خاص للنساء والرجال يميزهم عن غيرهم، ولهم أماكن خاصة للعبادة يطلقون عليها اسم: “جامع خانة” لا يدخلها غيرهم، كما أنهم يرفضون أن يقيموا الصلاة في المساجد التي لغيرهم من المسلمين.
ورغم اتفاق البهرة ظاهريًّا مع غيرهم من المسلمين في العبادات والشعائر، فإنهم يعتقدون عقائد باطنية بعيدة كل البعد عن معتقد أهل السنة والجماعة، وعن أصول الدين، ويمكن إجمال عقائدهم في النقاط التالية:
أولًا: التوحيد:
جميع أوصاف الله تعالى ونعوته كالخالق والعالم والقادر عندهم مجازية، وهي في الحقيقة واقعة على العقل الأول الذي هو الموجود الأول في عالم الإبداع، والموصوف بهذه الصفات والنعوت في العالم الجسماني هو الإمام؛ لكونه في هذا العالم مقابلًا للعقل الأول في عالم الإبداع، حتى إن لفظ (الله) أيضًا يطلق على العقل الأول والإمام.
ووصفُه بأي صفة كانت هو عندهم إثباتٌ للكثرة في ذاته الذي هو مرادف للشرك، فهم ينزهون الباري تعالى عن جميع النعوت، ولا يطلقون عليه شيئًا منها؛ فإن إطلاقها عليه يوجب عليه الكثرة في ذاته عندهم؛ لذلك نجد داعيهم إبراهيم بن الحسين الحامدي يقول: فهو سبحانه لا يدخل تحت اسم ولا صفة، ولا يومأ إليه بالإشارة مكيفة، ولا يقال عنه: حيٌّ ولا قادر ولا عالم ولا عاقل ولا كامل ولا تام ولا الحي القادر العالم العاقل التام الكامل الفاعل، ولا يقال: له ذات؛ لأن كل ذات حاملة للصفات، كالجسم وأعراضه التسعة والنفس وصفاتها، ولا يقال: إنه جوهر؛ لأن الجوهر ينقسم لجسم وإلى غير الجسم، ولا يقال: عرض؛ لأن العرض محمول مقبول، ملازم وزائل، ولا يقال: إنه علة؛ لأن في المعلول بعض آثار العلة، ولا يقال: إنه قديم؛ لأن القديم شاهد على هويته بالحدث (12).
ونفي الأفعال والصفات والأسماء عن الله تعالى ثابت في جميع كتبهم، وهذا ما أجمع عليه دعاتهم، ولا يوجد مخالف في ذلك بينهم، ولذلك نجد الشهرستاني يخبر عنهم فيقول: قد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة، وصنفوا كتبهم على هذا المنهاج، فقالوا في الباري تعالى: إنا لا نقول: هو موجود، ولا لا موجود، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز... بل هو إله المتقابلين وخالق المتخاصمين، والحاكم بين المتضادين (13).
ولذا هم يؤمنون إيمانًا جازمًا بنظرية الفيض كما عند الفلاسفة، وهم مع ذلك لهم عقائد شتى من مذاهب الثنوية والمجوسية، والوثنية بأنواعها، والحلولية، والفيثاغورية، والهندوكية، والفلسفة الإلحادية، والأفلاطونية القديمة، والأفلاطونية الحديثة، يغلف ذلك كله عقيدة الحلول والتناسخ والتعطيل، ومحصلة هذا أن القوم لا دين لهم ولا عقيدة ثابتة لديهم؛ لأن هذه الجذور التي أخذوا عنها دينهم وهذه الأديان والفلسفات التي استقوا منها عقائدهم هي أديان وفلسفات متناقضة متعارضة، يرفض بعضها بعضًا، وتتناقض فيما بينها، ولا تجمعها وشيجة واحدة، فكيف استقام أن يؤلف منها دين، وأن تتألف منها عقيدة؟ (14).
ثانيًا: عقيدتهم في الحدود الروحانية والجسمانية:
إن من واجبات التوحيد عند البهرة وكماله معرفة الحدود الروحانية والجسمانية؛ فبمعرفة هذه الحدود يتم التعرف على الله، وبالتالي يتم التوحيد الكامل للعبد، فهم يعتقدون أن الله أقام العالم العلوي الروحاني والعالم السفلي الجسماني بعشرة حدود، فأما الحدود الروحانية فهي: السابق والتالي والجد والفتح والخيال، وأن هذه الحدود الروحانية العلوية يقابلها في العالم السفلي الحدود الجسمانية وهي: الناطق (النبي) والأساس والحجة والإمام (الباب) والداعي.
وبمعرفة الحدود العشرة هذه يكتمل التوحيد عند البوهري، وبهم يتم التعرف على الله، ومَن لم يعرف هذه الحدود ولم يُطعهم فقد خرج من التوحيد ولا يعد موحِّدًا بالله عندهم، ويبين ذلك الداعي إبراهيم بن حسن الحامدي حيث يقول: وأشهد أن لا إله إلا الذي من ألحد في حدوده سقط عن معالم توحيده، ومن عدل عن اتباع من شهد لهم كتابه بالتطهير... ومن خالف محدوده وحاد حدوده سلبه الله سُعوده (15).
ثالثًا: عقيدتهم في الأئمة المعصومين:
يعتقد البهرة بألوهية أئمتهم، فيصلّون كما يصلي المسلمون ولكنهم يقولون: إن صلاتهم للإمام الإسماعيلي الطيب بن الآمر الذي دخل الستر سنة 525هـ حسب اعتقادهم، وأن أئمتهم المستورون من نسله إلى يومنا الحاضر.
ثم ذهبت البهرة للاعتقاد بأن للأئمة درجات سبعة مختلفة في قوتها الروحانية وهي:
1- الإمام المقيم: وهذه الرتبة تعتبر أعلى درجات الإمامة عندهم؛ لأن صاحب هذه الرتبة يكون قبل الناطق أي: (الرسول)، وهو الذي يُعدّه ويعلمه رسالة النطق التي ينطق بها.
2- الإمام الأساس: وهو الإمام القائم بأعمال الرسالة، فهو يكون بجانب الناطق يعاونه في نشر الرسالة، ومن ذريته تتسلسل الإمامة وهو (الوصي).
3- الإمام المتم: وهو الذي يتم الرسالة التي جاء بها الناطق في نهاية دور هذا الناطق، ويكونون سبعة، وهذا المتم يكون هو السابع، وله نفس خصائص أئمة دوره وهو (القائم).
4- الإمام المستقر: هو صاحب الحق في الإمامة، والذي يكون له حق التوريث لولده الأكبر، وذلك بالنص عليه قبل وفاته، وهو إمام الزمان الذي يكون موجودًا فيه.
5- الإمام المستودع: وهو الذي يُستودَع الإمامة أمانة عنده، وذلك في الظروف الاستثنائية، فتكون وديعة عنده يردها لصاحبها بعد زوال هذا الاستثناء، ولا يجوز له أن يورث الإمامة المستودعة عنده لأحد من أبنائه؛ وذلك لأنه ليس له حق فيها، بل هي مجرد وديعة وأمانة عنده.
6- الإمام القائم بالقوة: وهذا الإمام يكون ناقصًا في ذاته؛ لأنه ليس لديه قوة الفعل، فهو يكون في حاجة لمن ينقله من حد القوة إلى حد الفعل.
7- الإمام القائم بالفعل: وهو الإمام التام في الذات والفعل؛ لأنه يكون لديه القوة والفعل مجتمعين فيه.
رابعًا: عقيدتهم في النبوة:
يعتقد البهرة أن النبوة أمر مكتسب وليس اصطفاء من الله تعالى كما هو ثابت عند أهل السنة والجماعة، بل جعلوا أمر النبوة مكتسبًا للعباد إذا توافرت في العبد خصال معينة حصروها في اثنتي عشرة خصلة ذكرها الشيخ إحسان إلهي ظهير نقلًا من رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا المعتمدة عند هذه الطائفة (16).
هذا، وتعتقد البهرة بأن الأنبياء والرسل سبعة فقط، مثل عدد الرؤساء السبعة العلوية السماوية، وهؤلاء الرسل السبعة هم: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم، والقائم.
وذهبت البهرة للاعتقاد بأن الرسول لا يتلقى الوحي عن طريق السماع، ولكن عن طريق الإلقاء في القلب من الجد والفتح والخيال (وهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل) الذين يستمدون الوحي من السابق والتالي (17).
خامسًا: عقائد البهرة في المبدأ والمعاد:
يعتقد البهرة أن بدء الخلق كان دفعة واحدة، وينكرون أن بداية خلق الإنسان كانت بخلق آدم من طين، ثم خُلقت حواء من ضلعه، وبالتزاوج بين أولاده -وذلك بتزاوج البطن الأول بالبطن الثاني- جاءت سلالة آدم وذريته، فإنهم يعدون ذلك سفاحًا، ويقولون بأن الأمر إذا كان كذلك فهذا طعن في الله؛ لأن ذلك معناه عدم مقدرته على خلق الخلق جملة واحدة.
يقول الإسماعيلي مصطفى غالب: وأهل الحق يخالفون جميع الذي يذهبون إلى أن ابتداء الجنس البشري كان على التناسل بواسطة آدم وحواء، فهم يرون بأن الولادة كانت من الأرض عن طريق التفاعل تحت تأثير الأفلاك، وهم يفرقون بين المبدأ الروحاني عن طريق الإبداع والانبعاث، والمبدأ البشري في عالم الكون والفساد عن طريق التفاعل مع الأرض بتأثير الأفلاك (18).
أما المعاد فهم يعتقدون أن النفس بعد مفارقة الجسد تكون على صورتين: إما نفس صالحة مستجيبة، وإما نفس خبيثة مخالفة، فالنفس الصالحة المستجيبة هي التي اكتسبت المعارف الربانية والآراء الصحيحة المنجية المستفادة من العلوم من الحدود مع الاعتراف لكل حد بفضله في مرتبته الوحدانية مع الكثرة من الأعمال الخيرية والشرعية والمواظبة عليها، فكلما اكتسبت هذه النفس من تلك الخيرات أخذت ترتقي من حد إلى حد، وتصير هي وهذا الحد الذي وصلت لرتبته شيئًا واحدًا، وتظل ترتقي في الحدود حتى تصل إلى جوار باب القائم، والذي ييسر لها هذا الرقي هو المدبر؛ لما علم من أنها تستحق ذلك على قدر ما اكتسبته في الدنيا.
أما النفس المخالفة الخبيثة فتتحول إلى صور ظلمانية، في عالم مظلم، فيحصل للنفس الرهبة والفزع والاستوحاش، فلا تستطيع الصعود إلى الحد الروحاني الذي انبثقت منه، ولا تستطيع أن ترجع إلى الجسد الذي فارقته، فتظل في العالم المظلم هذا حتى تصعد إلى ذنَب التنين في الفلك، ثم تذهب إلى برزخ العذاب الأدنى، والذي من بعده تصعد إلى العذاب الأكبر (19).
سادسًا: عقائد البهرة في البعث والقيامة:
تنكر فرقة البهرة القيامة وما يترتب عليها من أهوال وفزع كما جاء في القرآن والسنة، وذهبوا يقولون بأن القيامة هي قيام القائم المنتظر لمحاسبة الناس من دون الله، فمن آمن به وانتظره كانت له السعادة، ومن جحده ولم ينتظره كانت له الشقاوة، وهذا القائم الذي سيحاسب البشر هو مِن ولد الطيب بن الآمر بأحكام الله.
وينكرون على من قال بفناء الدنيا في يوم القيامة بأنه لو صح ذلك فهذا يدل على ضعف الوجود الذي أبدعه الباري ونقصه، وهذا محال؛ لذلك ينكرون يوم القيامة على حد زعمهم (20).
سابعًا: العقيدة في الصحابة:
لم تختلف عقائد البهرة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن غيرها من فرق الشيعة الأخرى؛ فهم يعتقدون أن جميع الصحابة قد كفروا وارتدوا بعد النبي صلى عليه وسلم إلا نفرًا يسيرًا منهم، ويعتقدون أن الأئمة الثلاثة -أبو بكر وعمر وعثمان- مغتصبون الخلافة من علي بن أبي طالب (21).
يقول الداعي الإسماعيلي علي محمد بن الوليد في حق الصحابة ومن اتبعهم: وقد اعترف المخالفون أن إمامة الثلاثة ليست بنص؛ لأنهم قد جحدوا النص والوصية، وفيما جرى في السقيفة من الأحوال ما يجب للعاقل أن يفكِّر فيه (22).
العبادات الظاهرة عند البهرة:
البهرة وإن كانوا يُظهرون الموافقة للمسلمين في العبادات الظاهرة إعمالًا لمبدأ التقية، إلا أنهم يختلفون في شرائعهم عن المسلمين اختلافًا تامًّا، والموافقة إنما تكون في الظاهر فقط.
فعمدة التقويم الإسماعيلي إتمام شهر المحرم بثلاثين يومًا، ونقصان صفر، وإكمال الربيع، ونقصان أخيه، وإتمام جمادى الأولى، ونقصان الآخر، وإتمام رجب، ونقصان شعبان، وإتمام رمضان، ونقصان شوال، وإتمام ذي القعدة، ونقصان ذي الحجة ما لم تكن السنة كبيسة.
وينبني على هذا التقويم تقديم صيامهم وصلاتهم وأعيادهم قبل يوم أو يومين، وهكذا الحج إلى بيت الله الحرام (23).
وينقل الشيخ محمد نجم الغني عن أحد حجاج البهرة قوله في أداء مناسك الحج: إنا وصلنا عرفات قبل الناس، كما وصل إليها إسماعيلية اليمن... وقد أدّى جميعنا مراسم الحج قبل الناس بيومين، وحين تجمهرنا في عرفات تحت قيادة عالم إسماعيلي يمني أحاط بنا جمع من أهل السنة، وسألونا عما نعمل قبل الوقفة، فأجبناهم بقراءة أدعية مأثورة، فانصرفوا بعد سماع هذا الجواب الساذج، ثم انصرفنا إلى مزدلفة، وقضينا فيها ليلتنا جوار طريق الطائف الذي يسلكه الحجاج القادمون من هذه المدينة، وكلما سألَنا الجمع السني القادم إلى عرفة عن سبب انصرافنا عنها أجبناهم بأنا قادمون من الطائف، سننزل مكة، ثم نقدم منها إلى عرفة، وهكذا قضينا تلك الليلة، ثم عدنا إلى عرفة، وسرنا شركاء لعامة الحجيج.
كذلك أباحوا الربا علانيةً عطاءً وأخذًا، ويرون أن الكعبة هي رمز على الإمام.
وفي صلاتهم يتوجهون إلى قبر الداعي الحادي والخمسين طاهر الدين المدفون في مدينة بومباي في الهند، ويطلقون عليه اسم “الروضة الطاهرة”.
وتجب عليهم الصلاة في العشرة أيام الأولى من شهر المحرم، وفي غيرها لا تجب عليهم الصلاة، ولا يصلون إلا في مكان خاص بهم يسمى: الجامع خانة، وإذا لم يذهب الشخص منهم إلى الجامع خانة في العشرة أيام الأولى من المحرم يطرد من الطائفة ويفرض عليه الحرمان.
والزكاة والصيام والحج عندهم معان غير التي يفهمها عامة المسلمين.
وكل فرد قبل أن يسافر يذهب إلى الروضة الطاهرة ويطوف بها عدة مرات، وهكذا إذا جاء من السفر يطوف عدة مرات قبل الذهاب إلى بيته وأهله (24).
أطماع البهرة في العالم الإسلامي:
بعد سقوط الحكم الصليحي في اليمن لم يعد للبهرة دولة يحتمون بها، فلم يجدوا ملاذًا آمنًا إلا في الهند، وخاصة في ولاية جوجرات بمدينة بومباي؛ وذلك لدخول كثير من الهندوس إلى معتقد الإسماعيلية، والذي ساعدهم في ذلك التجارة التقليدية التي كانت قائمة بين اليمن والهند آنذاك، وظلت البهرة في سكون تام بعيدًا عن الحراك السياسي، ولم يُسمع عنهم شيء، ولكن القوم لم ينسوا أنه كانت لهم دولة، والتي طال الاشتياق إلى إقامتها وإعادة مجدها كما فعل أسلافهم.
وبعد أن استطاعوا جمع شملهم وشتاتهم في الهند بدأ يعاودهم حلم إقامة الدولة العبيدية الفاطمية من جديد، خاصة بعد أن أصبح لهم شأن ومكانة داخل الهند وخارجها؛ وذلك نتيجة للعلاقات السياسية والاقتصادية التي تميزوا بها، وهذا سيظهر من خلال النقاط التالية:
أولًا: البهرة والاستعمار:
من مظاهر تعاونهم مع الاستعمار ما يلي:
1- في عهد الداعي الرابع والأربعين محمد عز الدين وقعت سرقة ضخمة من مسكن اللورد ألفنستن المسئول عن شركة الهند الشرقية عام 1233هــ/ 1816م في بومباي، وكان من ضمن السرقات سجلات الشركة الرسمية، وبعض الأشياء الثمينة، حاولت الشركة القبض على المجرمين فلم تفلح، فاتصلت بنائب داعي الهند، والتمست منه العون في ذلك، فرحب بذلك، وتمكن خلال أيام من رد السجلات دون غيرها، ومنذ ذلك الحين وطدت العلاقات بين الطرفين، وأصبح فرض عين على كل رئيس للشركة الاتصال بالداعي طلبًا لمعونته في استتباب الأمن.
2- قتل العالم رمضان علي السني في حي البهرة بمندسهور في 25 ربيع الثاني 1239هـــ في عهد الداعي الخامس والأربعين على أيدي حرسه الخاص، وحاول السنيون الأخذ بثأره بمحاصرة مسكن الداعي، فاستنجد بالإنجليز، فأسعفوه بثلاث كتائب من جيشهم المسلح.
3- شرعوا له قانونًا يخوّله إقامة كتيبة مسلحة تحفظه وتحفظ أتباعه، وسمحت له بحمل السلاح في الوقت الذي سنَّت فيه قانونًا بمنع حمل السلاح في ذلك الوقت، وسمحت له بالحرية في اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة للمصلحة المشتركة في ذلك الوقت، وكانت هي الحامية له من المثول أمام القضاء إذا حدث أي نزاع بسبب هذه الصلاحيات التي أعطتها له سلطات الاحتلال البريطاني، واعتبره الإنجليز أعظم رؤساء منطقة دكن على الإطلاق.
4- أما في عهد الداعي الحادي والخمسين للبهرة طاهر سيف الدين فما إن تولى سُدَّة الدعوى -وكان ذلك أثناء الحرب العالمية الأولى- حتى أعلن ولاءه لسلطات الاحتلال الإنجليزي، ولم يكتف بذلك، بل عمل بكل ما أُوتي من نفوذ على مساعدة قوات الاحتلال وإنقاذها بكل السبل، فوهب لها الأموال الطائلة والمساعدات بكافة أنواعها، وحث أتباعه على مساعدة الإنجليز بكل الطرق(25).
موقفهم من أهل السنة تحت حكم الإنجليز:
بعد الحرب العالمية الأولى أظهر البهرة العداء الشديد لأهل السنة، وألف داعي البهرة طاهر سيف الدين كتابه “ضوء نور الحق المبين”، وحكم فيه بكفر جميع أمة التوحيد، وكل من ليس من أتباعه، واتهمهم بالضلال المبين والعذاب الوبيل (26).
البهرة في مصر:
يَعتبِر البهرة مصر ميراثًا لهم، فهم إلى الآن يعتبرون مصر دولة فاطمية، ويمنّون أنفسهم بالعودة إليها وإعادة الخلافة الفاطمية الباطنية المزعومة، والظاهر أن البهرة بدؤوا في مخطط العودة إلى مصر في أواخر السبعينات في عهد السادات الذي وافق على وجودهم، بل وافتتح ترميم مسجد الحاكم بأمر الله معهم عام 1980م.
ثم ازداد نشاطهم في فترة الثمانينات، وقد اتجه البهرة فور وصولهم إلى مصر إلى القاهرة الفاطمية، وأقاموا فيها، وبدؤوا رحلة البحث عن مراقد وآثار الفاطميين، والعمل على بعثها وتجديدها.
ولم تقتصر مهمة البهرة في مصر على آثار الفاطميين وحدهم، بل امتدت لتشمل مراقد آل البيت في مصر، فقاموا بتجديد مرقد السيدة زينب بالقاهرة ومقصورتها، كما جددوا مقصورة رأس الحسين المزعومة، وجددوا قبر مالك الأشتر الذي دفن إلى جواره مؤخرًا شقيق شيخ البهرة.
ووهبوا لمشهد الحسين والسيدة زينب ضرائح الذهب والفضة، وأهدى الأزهر سلطانهم الدكتوراه الفخرية! ويقيم البهرة شعائرهم علنًا في مسجد الحاكم بأمر الله.
وهم لم يكتفوا بمجرد الإقامة في مصر وبجوار القاهرة القديمة، بل اتجهوا إلى إقامة المشروعات التجارية، وبعضهم اشتروا بيوتًا ومحلات تجارية في الشارع القديم الذي يشق قلب القاهرة القديمة والمسمى بشارع المعز لدين الله الفاطمي.
وبعد ترميم ضريح السيدة زينب وبعض المساجد الأثرية أصبحت مراكز لهم تقدم الخدمات للفقراء والأيتام في هذه الأحياء القديمة من القاهرة، وهي الأحياء الفقيرة، ومع هذه الخدمات تقدم الدعوة الشيعية.
البهرة والصوفية:
نظرًا لما بين التصوف والتشيع من صلات فإن البهرة تعتمد في توغّلها داخل المجتمع المصري على الصوفية، وذلك من خلال الاجتماع على الأضرحة والقبور المنسوبة لآل البيت، وإظهار الغلو فيهم والانتساب لهم، هذا مع ما يظهرونه من الحرص على بناء المساجد والقيام بترميمها والإنفاق عليها.
فتاوى العلماء عن فرقة البهرة:
ورد للجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية هذا السؤال: كبير علماء بوهرة يصر على أنه يجب على أتباعه أن يقدموا له سجدة كلما يزورونه، فهل وجد هذا العمل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين، وحديثًا نشرت صورة لرجل بوهري يسجد لكبير علماء بوهرة في جريدة “من” الباكستانية المعروفة الصادرة في 6/ 10/ 1977م، ولإطلاعكم عليها نرفق لكم تلك الصورة؟
فأجابوا: السجود نوع من أنواع العبادة التي أمر الله بها لنفسه خاصة، وقربة من القرب التي يجب أن يتوجه العبد بها إلى الله وحده؛ لعموم قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، ولقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]، فنهى سبحانه عباده عن السجود للشمس والقمر؛ لكونهما آيتين مخلوقتين لله، فلا يستحقان السجود ولا غيره من أنواع العبادات، وأمر تعالى بإفراده بالسجود لكونه خالقًا لهما ولغيرهما من سائر الموجودات، فلا يصح أن يُسجد لغيره تعالى من المخلوقات عامة، ولقوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم: 59- 62]، فأَمر بالسجود له تعالى وحده، ثم عمَّ فأمر عباده أن يتوجهوا إليه وحده بسائر أنواع العبادة دون سواه من المخلوقات، فإذا كان حال البوهرة كما ذكر في السؤال فسجودهم لكبيرهم عبادة وتأليه له، واتخاذ له شريكًا مع الله، أو إلهًا من دون الله، وأمره إياهم بذلك أو رضاه به يجعله طاغوتًا يدعو إلى عبادة نفسه، فكلا الفريقين -التابع والمتبوع- كافر بالله خارج بذلك عن ملة الإسلام، والعياذ بالله (27).
وصدرت فتوى من دار الإفتاء تحت رقم 680732، بتاريخ 18/ 2/ 2014م، جاء فيها: إن طائفة البهرة فرقة خارجة عن الإسلام، وحكمهم في التعاملات نفس حكم المشركين في عدم جواز أكل ذبائحهم، وعدم جواز الزواج من نسائهم.
وفي فتاوى دار الإفتاء المصرية، في مايو سنة 1997م، سُئل الشيخ عطية صقر: نسمع عن طائفة مسلمة تعيش في الهند تسمى بالبهرة، فما أصل هذه الطائفة؟ وما صلتها بالأمة الإسلامية؟
الجواب:
البهرة: طائفة من الشيعة مركزها الآن “بومباي” بالهند، يقرب عددهم من مليون ونصف المليون، والبهرة هي الوسط من كل شيء، أو الوسط من الطريق، وهو في الأصل اسم لقبيلة من اليمن.
وسلاطين البهرة هم النواب، ورتبهم الدينية هي رتبة الداعي المطلق، واشتهروا بالسلاطين في اليمن والهند، وهم دون الأئمة رتبة، ويدعون لهم ولا يدعون لأنفسهم، والعصمة للإمام ومن ينوب عنه من الدعاة حتى لا يخرج عن المذهب.
ولا بد أن يدفع كل بالغ مبلغًا من المال للجماعتين على دفعتين في العام، يتناسب مع ثروته وأهمية المناسبة، وغالبًا ما يكون من 1-5 شلن، يذهب جزء من المبالغ إلى خزينة السلطان، ويحتفظ مندوبوه المعروفون بالعمال في الأقاليم بالباقي، ويحصل كل منهم على مرتب ثابت ومقرّ لإقامته بالمجان، فضلًا عن مكافأة من خزينة المجلس للطائفة، ولهذا يطمع الكثيرون في هذه المناصب.
وأركان الإسلام عندهم سبعة: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والولاية، والطهارة، وتتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام، وهم في صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يصلون الجمعة، بل يصلونها ظهرًا، ويصلون العيد بدون خطبة أربع ركعات، ويقدسون مأساة كربلاء لمدة عشرة أيام، ويحتفلون بيوم “غدير خم” في يوم 18 من ذي الحجة حيث تمت الوصية للإمام علي، يصومون فيه ويجددون العهد للداعي المطلق في بومباي أو الدعاة المبايعين وهم نوابه في الأقاليم.
وأتباع الداعي يطيعونه طاعة عمياء، وهناك عهد قديم بالولاء للإمام الطيب والإمام المنتظر، والداعي المطلق عندهم معصوم في كل تصرفاته (28).
فهذه الطائفة خارجة بالفعل عن دائرة الإسلام الرحبة، وعن دائرة المذاهب الإسلامية المعتبرة، وقد تحقق لدى علماء الأمة الإسلامية بطلان ما تدعو إليه هذه الطائفة، وأنها تستدرج أتباعها إلى الإباحية، والانسلاخ من الدين بالكلية في نهاية الأمر، وإلى جحد الألوهية والنبوة والشرائع السماوية، ويمهدون لذلك بادعاء أن للنصوص الشرعية ظاهرًا وباطنًا، وأن الباطن هو المقصود دون الظاهر، وأن علم باطنها مقصور على إمام معصوم يحتكر التفسير الحقيقي لنصوص الشريعة، ويتواصل مع أتباعه من خلال نوابه، وهم رؤساء هذه الطائفة المنحرفة والداعين إليها (29).
-----------
(1) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي (ص: 7).
(2) الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية (ص: 265).
(3) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي (ص: 20).
(4) أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية (ص: 242).
(5) المصدر السابق.
(6) انظر: مذهبنا الإسماعيلي حقيقته ونظامه (ص: 81- 121).
(7) دراسة عن الفرق في تاريخ الخوارج والشيعة (ص: 228).
(8) سمط الحقائق (ص: 8- 9).
(9) طائفة الإسماعيلية (ص: 52).
(10) أصول الإسماعيلية (1/ 456).
(11) سلسلة ماذا تعرف عن (2/ 615).
(12) فرقة البهرة نشأة وعقيدة ونشاطًا (ص: 54).
(13) الملل والنحل (1/ 193).
(14) دراسات في الفرق المنتسبة إلى الإسلام (ص: 141).
(15) فرقة البهرة نشأة وعقيدة ونشاطًا (ص: 65).
(16) انظر: الإسماعلية، إحسان إلهي ظهير (ص: 306) وما بعدها.
(17) فرقة البهرة نشأة وعقيدة ونشاطًا (ص: 94).
(18) مفاتيح المعرفة (ص: 77).
(19) فرقة البهرة نشأة وعقيدة ونشاطًا (ص: 97).
(20) الموسوعة الشاملة للفرق المعاصرة في العالم (ص: 122).
(21) انظر: ماذا تعرف عن (2/ 650).
(22) تاج العقائد ومعدن الفوائد (ص: 66).
(23) أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية (ص: 247).
(24) انظر: سلسلة ماذا تعرف عن (1/ 356).
(25) أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية (ص: 244).
(26) انظر: ماذا تعرف عن (2/ 666).
(27) فتاوى اللجنة الدائمة (2/ 382- 383).
(28) فتاوى دار الإفتاء المصرية (8/ 394).
(29) البُهرة شذوذ في العقائد، وشذوذ في المواقف/ مركز سلف للبحوث والدراسات