logo

ضوابط المصلحة الدعوية


بتاريخ : الخميس ، 23 صفر ، 1443 الموافق 30 سبتمبر 2021
بقلم : تيار الاصلاح
ضوابط المصلحة الدعوية

ليس هناك أحسن ولا أعظم من الدعوة إلى الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية فقال: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله (1).

قال السعدي: هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولًا، أي: كلامًا وطريقة، وحالة {مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ} بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها، والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه، خصوصًا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ومن الدعوة إلى الله، تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله.

ومن الدعوة إلى الله، الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحث على ذلك، بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك، الحث على مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين.

ومن ذلك، الوعظ لعموم الناس، في أوقات المواسم، والعوارض، والمصائب، بما يناسب ذلك الحال، إلى غير ذلك، مما لا تنحصر أفراده، مما تشمله الدعوة إلى الخير كله، والترهيب من جميع الشر (2).

ولأهمية الدعوة إلى الله تعالى، ولعظم آثارها في الدنيا والآخرة، عَمَدَ أهلُها ورجالُها إلى أساليب متنوعة وإلى وسائل مختلفة، يستعينون بها لتحقيق أفضل النتائج وأحسن الثمار، والناس في ذلك بين مضيِّق وموسِّع، ومصيبٍ ومجافٍ، ولهذا فالحاجة إلى ترشيد العمل الدعوي قائمة، ومن ذلك الاحتياج إلى ضوابط تضبط المصالح الدعوية، كي لا تخرج الاجتهادات الدعوية عن الخط القويم، الذي يحظى بقبول قواعد الشرع الحنيف ومقاصده العظيمة.

المقصود بالمصلحة:

المصلحة عرفها الإمام الغزالي بأنها في الأصل: عبارة عن جلب منفعة أو دفع مضرة (3)، ومن المتفق عليه بين جمهور علماء المسلمين: أن الله سبحانه ما شرع حكمًا إلا لمصلحة عباده، وأن هذه المصلحة إما جلب نفع لهم، وإما دفع ضرر عنهم، فالباعث على تشريع أي حكم شرعي هو جلب منفعة للناس أو دفع ضرر عنهم (4).

وحيث إن الدعوة تتعامل مع قضايا المجتمع؛ فهي لا تنفك عن ارتباطها بالمصالح والمفاسد، فأحيانًا تصبح الدعوة إلى أمر من الأمور خلافًا للمصلحة، وقد يكون من المصلحة ألا تقال هذه الكلمة، وألا يقف الدعاة هذا الموقف، فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم؛ مراعاة للمصلحة، فعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟» فقلت: يا رسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: «لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت»، فقال عبد الله رضي الله عنه: لئن كانت عائشة رضي الله عنها سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم (5).

إلا أنه قد تدخل عوامل شخصية ذاتية، ويخلط بعض الناس بين مصالح الدعوة ومصالحه الشخصية، فقد يشعر الداعية أن قيامه بهذا الأمر لا يحقق المصلحة، أو أنه يفوت بعض المكاسب؛ لكنه ينسى في غمرة الأحداث، وسيطرة مطالب النفس ورغباتها أن هذه المصالح لا تعدو أن تكون شخصية، أو أن ما فات لا يعدو أن يكون مكاسب دنيوية.

ولقد تدفع الحماسة والحرارة أصحاب الدعوات- بعد الرسل- والرغبة الملحة في انتشار الدعوات وانتصارها، تدفعهم إلى استمالة بعض الأشخاص أو بعض العناصر بالإغضاء في أول الأمر عن شيء من مقتضيات الدعوة يحسبونه هم ليس أصيلًا فيها، ومجاراتهم في بعض أمرهم كي لا ينفروا من الدعوة ويخاصموها!

ولقد تدفعهم كذلك إلى اتخاذ وسائل وأساليب لا تستقيم مع موازين الدعوة الدقيقة، ولا مع منهج الدعوة المستقيم، وذلك حرصًا على سرعة انتصار الدعوة وانتشارها، واجتهادًا في تحقيق «مصلحة الدعوة» ومصلحة الدعوة الحقيقية في استقامتها على النهج دون انحراف قليل أو كثير، أما النتائج فهي غيب لا يعلمه إلا الله.

فلا يجوز أن يحسب حملة الدعوة حساب هذه النتائج؛ إنما يجب أن يمضوا على نهج الدعوة الواضح الصريح الدقيق، وأن يدعوا نتائج هذه الاستقامة لله، ولن تكون إلا خيرًا في نهاية المطاف...

إن كلمة «مصلحة الدعوة» يجب أن ترتفع من قاموس أصحاب الدعوات، لأنها مزلة، ومدخل للشيطان يأتيهم منه، حين يعز عليه أن يأتيهم من ناحية مصلحة الأشخاص! ولقد تتحول «مصلحة الدعوة» إلى صنم يتعبده أصحاب الدعوة وينسون معه منهج الدعوة الأصيل!.

إن على أصحاب الدعوة أن يستقيموا على نهجها ويتحروا هذا النهج دون التفات إلى ما يعقبه هذا التحري من نتائج قد يلوح لهم أن فيها خطرًا على الدعوة وأصحابها! فالخطر الوحيد الذي يجب أن يتقوه هو خطر الانحراف عن النهج لسبب من الأسباب، سواء كان هذا الانحراف كثيرًا أو قليلًا، والله أعرف منهم بالمصلحة وهم ليسوا بها مكلفين؛ إنما هم مكلفون بأمر واحد، ألا ينحرفوا عن المنهج، وألا يحيدوا عن الطريق (6).

إن من يقرأ كتاب الله يرى ما واجه الأنبياء والمصلحين من أقوامهم، ويرى ما بذلوه من جهد وما قدموه من تضحيات، فيدرك أنها سنة قائمة لمن سار على هذا الطريق، وأننا حين نريد طريقًا نحافظ فيه على مكتسباتنا ومصالحنا الشخصية ونضن بها، فنحن نريد غير طريقهم.

وفرق بين أن يسوغ للإنسان ترك الأمر والنهي في موقف معين مع أن ذلك لا يجب عليه؛ بل ربما كان الأفضل وأن يكون هذا هو المصلحة الشخصية.

وقل مثل ذلك في المكاسب الشخصية، فقد يجيِّر الداعية مكاسبه الشخصية ومصالحه للدعوة، فيرى أن حصوله على شهادة، أو توليه لوظيفة مرموقة، أو تحسن أوضاعه الاقتصادية؛ مصلحة دعوية لا يسوغ التفريط فيها، ويرى أن الدعاة يجب أن يتميزوا في مستوى تعليمهم، ومظاهرهم، ووظائفهم.

نعم: إن ذلك مطلوب، لكن حين ترى ذاك النموذج من الناس، الذي يستميت وراء تحقيق هذه المكاسب الشخصية، ويسعى إليها، ويبذل الجهد والوقت من أجلها، وهو لا يبذل لدعوته معشار ما يبذله لتحقيق هذه المكاسب الشخصية؛ تدرك أنه حين يحصل على هذه المكاسب فليس بالضرورة انتظار تقديمه المفيد لدعوته، وكم هم الناس الذين دخلوا في ميادين التجارة وطلب المال؛ بحجة أن الداعية يجب أن يستقل في مصدر رزقه، وألا يعتمد على غيره، وأخيرًا، حين انفتحت له أبواب الدنيا، استقال من الدعوة، وولاها ظهره، وأقبل على دنياه (7).

ولله در الإمام الشاطبي حين قال: المصالح المجتلبة شرعًا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية (8).

وقال أيضًا: ومع ذلك: فالمعتبر إنما هو الأمر الأعظم، وهو جهة المصلحة التي هي عماد الدين والدنيا، لا من حيث أهواء النفوس (9).

ضوابط اعتبار المصلحة الدعوية:

حذَّر العلماء عند العمل بالمصلحة من دخول الهوى وحظوظ النفس، في قضية اعتبارها أو إلغائها، ودعوا إلى اليقظة والحذر في ذلك، فقد يختلط تقديرُها على الوجه الصحيح على طالب العلم؛ قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ولكن التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر، حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها، أو مفسدة أرجح منها، أو مساوية لها (10).

فالحاجة كبيرة إلى ضوابط شرعية، تضبط هذه المصالح، وتضيء لطالب العلم طريقه، وتجعله على بصيرة في تقديرها واعتبارها، في مسيرته الدعوية إلى الله تعالى، ومن هذه الضوابط:

1- الضابط الأول: أن تكون محققةً وحافظةً لمقصدٍ من مقاصد الشريعة، وهي: حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال؛ قال الإمام الغزالي: لكنا نعني بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينَهم ونفسَهم وعقلَهم ونسلَهم ومالَهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة (11).

فكل حكم تشريعي في الإسلام لا يخرج عن هذه المقاصد نُص عليه أو لم ينص عليه؛ بمعنى دلت عليه الأدلة الأخرى؛ ومنها المصلحة المرسلة، وذلك لاندراجها تحت نوع من تلك المقاصد الشرعية المعتبرة.

 ومن أمثلة ذلك: إقامة احتفالات حفظ القرآن الكريم، إذ في هذه الاحتفالات إدخال السرور على قلوب الطلاب، وفيها مظهر من مظاهر تعظيم كتاب الله تعالى، ففي هذه الاحتفالات مصلحةٌ تحقِّقُ مقصدًا من مقاصد الشريعة، وهو الاهتمام بالدين والعناية به، ولا شك أن القرآن الكريم هو أصل أصول الإسلام.

2- الضابط الثاني: ألا تكون مصادمةً لأصلٍ من أصول الشَّرع، كأن تكون مخالفةً لنص أو إجماع أو قياس جليٍّ، ويرى بعض أهل العلم أن مجرد افتراض ذلك لا ينبغي: فإن فرض مخالفة المصلحة للكتاب والسنة والإجماع مجرد فرض لا واقع له (12).

وقد دل على ذلك من القرآن قوله تعالى: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49]، وقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

فاعتبار المصلحة ورد الكتاب والسنة من تحكيم الهوى، وهو منازعة لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فلا تعتبر المصالح الموهومة غير المستندة إلى نص، وفيها معارضة للكتاب والسنة، مثل مصلحة إيجاب الصيام في كفارة الجماع بدل عتق الرقبة في حق الغني، أو تحليل الربا باعتباره مصلحة اقتصادية مهمة، وإباحة الزنا وبيع الخمور تشجيعًا للسياحة واستقطاب الأموال.

3- الضابط الثالث: أن تكون المصلحة يقينية أو غلب على الظن اعتبارها، قال المرداوي: مهما وجدنا مصلحةً غلب على الظن أنها مطلوبة للشرع، فنعتبرها؛ لأن الظن مناط العمل (13)، أي: يغلب على الظن وجود هذه المصلحة، وليست مصلحة موهومة.

ومن أمثلتها: إقامة المراكز الصيفية للناشئة، فقد عُلم من التجربة حصول نفع كبير منها، وكفُّ شر كثير بالقيام بها، فهي تفسح المجال للشباب للهو المباح، واستغلال الوقت في الخير، وبذلك يضعف تعرُّضهم لمواطن الانحراف ومجالس الفساد والشرور.

يقول العز بن عبد السلام: كَذِب الظنون نادر وصدقها غالب –أي في المصالح والمفاسد– وكذلك يُبنى جلب مصالح الدارين ودفع مفاسده على ظنون غالبة متفاوتة في القوة والضعف والتوسط بينهما، على قدر حرمة المصلحة والمفسدة ومسيس الحاجة (14).

4- الضابط الرابع: أن تكون المصلحة عامة لا خاصة، ويعني ذلك أنها توضع لمصلحة عموم الناس، وليس لمصلحة جهة معينة أو شخص معين، كما جاءت الإشارة إلى ذلك في كتاب (15).

ومثال ذلك: أن تكون جماعة في سفينة، وقد وقعوا في خطر، فلو رموا واحدًا منهم في الماء لنجا البقية، وإلا فهم جميعًا في خطر، فهذه مصلحة ليست كلية عامة، ولذلك فلا رخصة لهم بذلك (16).

ومما يجدر التنبيه له هنا أن المقصود بكلية المصلحة ليس بأن تعمَّ الأمة جمعاء، بل المراد أن المصلحة المتوخاة لفئة معينة لا ينبغي أن يُنظر فيها إلى قوم منهم دون اعتبار بعضهم ممن هم شهود على هذه المصلحة، وهذا ما أكّده الإمام الزركشي في بيانه لمعنى مثال الغزالي حيث قال: وصورة الغزالي إنما هي في أهل محلة بخصوصهم استولى عليها الكفار، لا جميع العالم؛ وهذا واضح (17).

فالمصلحة الكلية هنا لا تنفي اعتبار المصلحة الجزئية؛ ولكن إذا حصل التعارض بينهما فلا يُنظر حينئذٍ إلى المصلحة الجزئية في مقابل الكلية (18).

5- الضابط الخامس: ألا تكون هذه المصلحة في العبادات؛ لأن أمر العبادات أمر توقيفي، يلزم فيه الاتباع، ولأنَّ معاني العبادات لا تُدركُ على وجه التَّفصيل، كما لا تُدرك وجوهُ المصالح فيها إلا بدلالة الشَّرع.

قال الإمام الشاطبي: فالمصالح المرسلة -عند القائل بها- لا تدخل في التعبُّدات ألبتة، وإنما هي راجعة إلى حفظ أصل الملة، وحياطة أهلها في تصرفاتهم العادية، ولذلك تجد مالكًا، وهو المسترسل في القول بالمصالح المرسلة مشددًا في العبادات ألا تقع إلا على ما كانت عليه في الأولين؛ فلذلك نهى عن أشياء وكره أشياء (19).

سادسًا: عدم تفويت المصلحة لمصلحة أهم منها أو مساوية لها:

وهذا الضابط معتبر عند تعارض المصالح في أيهما يُقدّم، ولا شك أن الذي يُقدّم هو الأهم والأولى في الاعتبار، وميزان الأهمية يرجع إلى ثلاثة أمور:

أولًا: النظر إلى قيمتها من حيث ذاتها ودرجتها في سلم المقاصد، فالضروريات لا تُقدم عليها الحاجيات أو التحسينيات، كما لا تُقدم التحسينيات على الحاجيات.

الثاني: وهو من حيث مقدار شمولها، فالمصلحة العامة تُقدم على المصلحة الخاصة.

ثالثًا: مدى التأكد من وقوع نتائجها من عدمه، فتُقدم الأكيدة على الظنية (20).

وهناك بعض المعايير المعتبرة أيضًا في تقديم بعض المصالح على بعض عند التعارض منها:

ا- أن المصلحة الدائمة أولى من المنقطعة، كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» (21).

ب- أن المصلحة المتعدية أولى من المصلحة القاصرة، مثل مصلحة العلم أولى من مصلحة العبادة.

ج- أن المصلحة الأطول نفعًا تُقدّم على المصلحة المحدودة، مثل تقديم الصدقة الجارية على غيرها (22).

يقول العز بن عبد السلام: والوقوف على تساوي المفاسد وتفاوتها عزَّة لا يهتدى إليها إلا من وفقه الله تعالى، والوقوف على التساوي أعز من الوقوف على التفاوت، ولا يمكن ضبط المصالح والمفاسد إلا بالتقريب (23).

ويزيد ابن القيم هذه القاعدة توضيحًا بقوله: فالأعمال إما أن تشتمل على مصلحة خاصة أو راجحة، وإما أن تشتمل على مفسدة خالصة أو راجحة، وإما أن تستوي مصلحتها ومفسدتها، فهذه أقسام خمسة: منها أربعة تأتي بها الشرائع؛ فتأتي بما مصلحته خالصة أو راجحة، آمرة به أو مقتضية له، وما مفسدته خالصة أو راجحة فحكمها فيه النهي عنه وطلب إعدامه، فتأتي بتحصيل المصلحة الخالصة والراجحة وتكميلها بحسب الإمكان، وتعطيل المفسدة الخالصة أو الراجحة أو تقليلها بحسب الإمكان، فمدار الشرائع والديانات على هذه الأقسام الأربعة (24).

وهذا التقديم والتأخير للمصالح أو المفاسد قد يختلف أحيانًا باختلاف أحوال الناس والعوائد وظروف الأزمنة والأمكنة، ولذلك كان من الأمور الدقيقة المهمة، والتي ينبغي فيها على المجتهد أو الناظر أن يكون في غاية التحفظ والحذر.

يقول الشنقيطي: والتحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ غاية الحذر حتى يتحقق صحة المصلحة، وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها أو مفسدة أرجح منها أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال (25).

ضوابط تحديد المصلحة عند التعارض:

واقع الداعية يجعله أحيانًا أمام خيارات متعددة، وقد يعجز عن الجمع بين هذه الخيارات، مما يضطر إلى تقديم واحد على آخر، ولكن هذا التقديم أو الاختيار ليس متروكًا للرغبات والأهواء، وإنما لا بد فيه من الاجتهاد وبذل الوسع؛ لتكون المصلحة موافقة لمقصد الشارع، ولقد وضع العلماء ضوابط يهتدي بها الداعية في تحديد المصلحة واختيارها، عند حصول التعارض بينها:

1- الأول: تقديم المصلحة الراجحة على المصلحة المرجوحة، وذلك حينما يعجز المكلَّف عن الإتيان بهاتين المصلحتين؛ قال الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 19].

قال العز بن عبد السلام: إذا تعارضت المصلحتان، وتعذَّر جمعُهما، فإن عُلِمَ رجحانُ إحداهما قُدِّمت (26).

 وقال ابن القيم: وقاعدةُ الشرع والقدر تحصيلُ أعلى المصلحتين، وإن مات أدناهما، ودفعُ أعلى المفسدتين، وإن وقع أدناهما وهكذا (27).

ومن أمثلة هذا:

السَّهر بعد العشاء، فإنَّ فيه كراهة؛ لكونه ذريعة إلى تفويت قيام الليل، ولكن إن عارضته مصلحة راجحة، كالسَّهر في طلب العلم وتحصيله، والسعي في مصالح المسلمين فإن الكراهة تزول (28).

2- الثاني: دفعُ المفسدة الأكبر مقدَّم على دفع الأقل، وفي سورة الكهف توضيح لهذا الضابط؛ قال الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79]، فقد دفعَ العبدُ الصالح المفسدةَ الأكبر، وهي غضب السلطان وأخذه للسفينة، بمفسدة أخف، وهي خرق السفينة.

فقد يترك الداعية أحيانًا الإنكار على الناس في بعض المخالفات؛ خشيةَ أن يؤدي إنكاره إلى وقوعهم في منكرات أكبر منها، فيترك الإنكار في المخالفات التي هي أقل شرًا وإثمًا؛ لعله بذلك يبعدهم من الوقوع في الأعظم والأخطر.

3- الثالث: أن يراعي الجانب الأقوى في المنفعة أو المفسدة، فإن كانت المنفعة أكبر جلبَها، وإن كانت المفسدةُ هي الغالبة درأَها، وهكذا.

ودليل ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، فلما كانت المفاسد أعظم وأغلب حُرِّم الخمر والميسر.

ومن ذلك امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين، الذي أتعبوا الدعوة الإسلامية في المدينة، بمكرهم وكيدهم، وتأليب الكفار على المسلمين، والمصلحة في قتلهم ظاهرة، ولكن مفسدة قتلهم أعظم؛ فانتشار ذلك بين العرب يكون ذريعة إلى النُّفرة من دخول الدِّين.

قال الشاطبي: فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غلب، فإذا كان الغالب جهة المصلحة، فهي المصلحة المفهومة عرفًا، وإذا غلبت الجهة الأخرى، فهي المفسدة المفهومة عرفًا (29).

4- الرابع: تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة، وذلك إذا تساوت المصالح فيها مع المفاسد، والقاعدة المشهورة في ذلك تقول: درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح.

 والأمثلة في ذلك كثيرة، منها: إكراه شخص على إطلاق النار على الغير، كما كانت العصابة النصيرية تفعل مع العناصر الذين لا يريدون إيذاء المتظاهرين، فتأمرهم بإطلاق النار، ومن يرفض يُقتل، فليس لهذا المُكرَه أن يُنقِذَ نفسَه بقتل غيره؛ فقد تساوت المصلحة هنا مع المفسدة، فكان الاختيار هو درء قتل الغير، وإن قُتل هذا الشخص (30).

بعض التنبيهات والإشارات في التطبيقات الدعوية للمصلحة في واقعنا المعاصر، أوجزها فيما يلي:

أولًا: إن اعتبار الأخذ بالمصلحة وبناء الأحكام عليها وجعلها ذريعة لمواقف ومنطلقات تقوم عليها الدعوة ينبغي أن يحتاط له، ولا يكون مدخلًا لنوازع النفس والهوى، أو بابًا مفتوحًا للأدعياء وأنصاف العلماء، أو نوعًا من الإقرار بالمصالح الضعيفة أو الموهومة نتيجة لضغط الواقع، أو بحجة فقه التيسير، أو توسعًا في الانفتاح على المجتمعات والرقي في سلم الحضارات.

ومن وسائل الاحتياط والاهتمام في الأخذ بالمصلحة في قضايا الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد أن تكون منطلقة من أهل الاجتهاد من العلماء والباحثين من أهل الفقه والعلم لسعة اطلاعهم وشمول معرفتهم لأحكام الشريعة، وكلما كان النظر والاستدلال من خلال اجتهاد جماعي لا فردي كان أكثر دقة وأقرب إلى الصواب وأقل احتمالًا في الخطأ.

يقول عبد المجيد الشرفي في أهمية الاجتهاد الجماعي: أنه ضمانة لعدم استغلال هذه القاعدة في تعطيل شرع الله بذريعة تغير المصلحة، ولكونه أكثر ضمانة في التحري عن المصلحة وتغيرها، وأكثر دقة في الابتعاد عن الهوى وأكثر إصابة للحق (31).

وكان هذا النهج في النظر هو فعل الصحابة رضوان الله عليهم إذا نزل بـهم أمر وأرادوا الحكم فيه؛ فكان أبو بكر رضي الله عنه يجمع رؤوس الناس وخيارهم ويسـتشـيرهم، فإذا اجتمع أمرهم على أمر قضى به، وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك إذا أعياه أن يجد حكم مسألة ما في الكتاب والسنة سأل: هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء؟ فإن كان لأبي بكر قضاء قضى به، وإلا جمع علماء الناس واستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به (32).

ثانيًا: إن النظر في المصلحة ينبغي أن يمتد إلى ما تؤول إليه من نتائج مصلحية أو ما سوى ذلك من مفاسد، فقصر الأخذ للمصلحة على وقتها من دون اعتبار الأوقات الأخرى، أو على مكان من دون اعتبار الأماكن الأخرى، أو على شخص من دون اعتبار بقية الناس، وخصوصًا في الفتاوى والأنظمة العامة، مما قد يكون وسيلة أو ذريعة إلى مفسدة أو الوقوع في محظور، مع اعتبار الأولى من المصالح، فالأولى بتقديم المصالح الدائمة أو المتعدية أو الأكثر نفعًا والأطول بقاءً على غيرها من المصالح المرجوحة الأخرى.

يقول الإمام الشاطبي عن المجتهد: لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة من المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعًا لمصلحة فيه تستجاب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغبّ جارٍ على مقاصد الشرع (33).

ومن أمثلة اعتبارات المآلات والذرائع في الشرع قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الألْبَابِ} [لبقرة: 179].

ومنها: النهي عن بيع العينة لأنها ذريعة للربا، وعدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين كي لا يقال إن محمدًا يقتل أصحابه، ونهيه للصحابة عن إخراج الأعرابي الذي بال في المسجد لما يتريب على ذلك من ضرر عليه وأذى في المسجد، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن التشدد في العبادة والغلو فيها حتى لا يحدث للإنسان ملل أو إفراط في الغلو المحظور (34).

وللإمام ابن القيم تقسيم لطيف في أنواع الذرائع ما يسد منها وما يفتح يقول فيه: والذرائع تنقسم إلى أربعة أقسام:

1- أن تكون وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة، كشرب الخمر مفضٍ إلى مفسدة السكر، والزنا مفضٍ إلى اختلاط المياه وفساد الفراش، وهذا النوع جاءت الشريعة بمنعه.

2- أن تكون وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة، كعقد النكاح بقصد التحليل أو عقد البيع بقصد الربا، وهذا ممنوع.

3- أن تكون وسيلة موضوعة للمباح ولم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالبًا، ومفسدتها أرجح من مصلحتها، مثل الصلاة في أوقات النهي، وسب آلهة المشركين، وتزيين المتوفى عنها زوجها في زمن العدة، وهذا ممنوع.

4- أن تكون وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها، كالنظر إلى المخطوبة أو المشهود عليها، والصلاة ذات الأسباب في أوقات النهي، وكلمة الحق عند سلطان جائر، وهذا مشروع في الجملة (35).

ثالثًا: إن قاعدة النظر في المآلات قاعدة معتبرة شرعًا كما بينا ذلك وأكده الإمام الشاطبي بقوله: النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة (36).

واعتبار المآلات في النظر والاجتهاد أمر مهم للمجتهد يجعل نظره ممتدًا إلى ما يؤول إليه حكمه، أو ما يتوقع أن يحدث من المكلف، أو ما ينتج عنه في المستقبل ليراعي ذلك كله في اجتهاده.

ولا شك أن هذه النظرة الاسستشرافية للمستقبل كما يحتاجها المجتهد والمفتي وأهل القضاء؛ فإن الداعية أحوج ما يكون إليها وهو يقرر أحكام الله عز وجل في الأرض ويضع الخطط الإصلاحية والأهداف والوسائل الدعوية لتنزيلها على مختلف أنواع المكلفين وأصناف المجتمعات وأحوال البيئات والأزمنة.

وكل ذلك يتطلب أن يتجاوز الدعاة واقعهم القريب إلى استشراف المستقبل البعيد، وأن تكون لهم دراسات مستقبلية يتوقعون فيها ما يمكن حدوثه أو يحصل تغيّره، ثم وضع برامجهم الإصلاحية مراعين ما يلزم لذلك من احتياطات واستعدادات تكون سياجاً آمناً من مفاجآت المستقبل ومتغيرات الزمان.

وليس في ذلك ادعاءٌ للغيب أو تجاوز للشرع؛ وحاش للدعاة أن يدّعوه؛ بل إن ذلك معتبر ضمن ما ذكرناه من قاعدة اعتبار المآلات، والنواميس التي وضعها الله عز وجل في الأنفس والمجتمعات والكون ثابتة لا تتغير ومحكمة لا تتبدل إلا إذا شاء الله عز وجل ذلك، فإذا اكتشف الدعاة نظام هذه النواميس والسنن وساروا ضمن قانونها العام فإنهم لن يعدموا خيرًا، إذ قد بذلوا ما في جهدهم من أسبابٍ تحقق لهم العزة والنصر بإذن الله.

رابعًا: إن اعتبار حجيّة المصلحة المرسلة جعل جمهور الفقهاء يستخرجوا بناءً عليها أحكامًا شرعية لكثير من المسائل التي صدرت بشأنها القوانين والأنظمة، كقوانين العمل والعمال وأنظمة التجارة والصناعة والزراعة، وفرض عقوبات رادعة لبعض الجرائم كتعاطي المخدرات والاتجار فيها، إلى غيرها من الأنظمة والقوانين واللوائح التي تنظم المجتمع ولم يرد بشأنها نص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فإذا قررنا اعتبار المصلحة المرسلة في تنظيم شؤون المجتمع وإلزام الناس بها فما الذي يمنع من اعتبار المصلحة في تنظيم شؤون الدعوة وتنظيم أمور الدعاة وفق أنظمة وقوانين ولوائح لها قوة التطبيق والإلزام.

خامسًا: يمارس بعض الدعاة إلى الله نوعًا من التلفيق الاجتهادي المذموم بغية الوصول إلى الهدف المطلوب والسيطرة المنشودة ومدّ النفوذ والعلو على كل موجه؛ تحقيقًا لمصلحتهم الخاصة وإن كانت وسائلها ممنوعة؛ فالغاية عندهم تبرر الوسيلة مهما كانت، والعبرة بإيجاد مصلحتهم المتوهمة ولو خالفت نصوص الشرع وقواعده الكلية.

إن هذا المبدأ الميكافيلي الذي سيطر على مناهج بعض الدعوات المغرضة حقق لهم انتصارات هامشية وامتدادًا سرابيًا بين الناس، ولكن على حساب المبادئ الشرعية والثوابت الخلقية في الإسلام.

يظهر هذا الانتهاك في عدة صور عملية واقعية؛ كالطعن والثلب في العقائد والأعراض، وتصيد الأخطاء والزلات لكل داعية يخالف منهجهم، وتشويه المناهج الأخرى من أجل التصدر والاعتلاء على الساحة الدعوية.

وقد ترى تقلب المبادئ والمناهج بين الأخذ بالعزائم والتشدد في العقائد والعبادات وامتحان الناس بها، وأخذ خواصهم بالرخص الملفقة وإسرارهم بها، يقول عمر بن عبد العزيز منبهًا على خطورة هذا المنهج البدعي الذي ظهر في زمانه: من جعل دينه للخصومات أكثر التنقل (37)، كما نجد السعي الدؤوب في تبرير كل اجتهاد نَحَوْه مهما كان انحرافه وليّ أعناق الفتاوى فضلًا عن نصوص الشرع لتوافق أهواءهم وطموحاتهم الحزبية.

إن دعوة قامت على هذا الجرف الهار لا تلبث أن تنهار وتذهب ريحها ويتفرق جـمعها {إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81]، وسنن الحق سبحانه في أمثالهم جارية والزمن كفيل بإثبات الحق وإظهاره.

فالمصالح الدعوية إن لم تقم على ربانية صادقة مخلصة وتمييز للثوابت عن المتغيرات والمتغيرات عن الثوابت بفقه دقيق وتأصيل عميق، وإلا كانت بداية انحراف وزيغ وفتنة للدعاة تذكيها مع الأيام حركات فاتنة في صفقات غابنة لا مربح لأحد إلا أعداء الدعوة ودعاة السوء والفتنة (38).

وفي الختام:

1- الحاجة كبيرة إلى معرفة ضوابط المصلحة في الحركة الدَّعوية، وإلى فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد فيها؛ وذلك لأن هذا الفقه العظيم يؤهل الداعية إلى أن يحقق مصالح عظيمة في دعوته، وأن يدفع عن المجتمع مفاسد كبيرة.

2- الإخلال بهذا الفقه يفوِّت على الأمة مصالح كبرى، كما يجلب لها مفاسد، لا تُحمد عقباها.

3- تحديد المصالح واعتبارها، ليس لكل متصدِّر للعلم والدعوة، إنما هو من اختصاص أهل الفقه والعلم والنظر، والمعروف منهم بالتقوى والخير والصلاح، فجديرٌ بنا أن نرجع إلى هؤلاء العلماء الربانيين؛ لتصحَّ دعوتُنا وتسلم طريقتُنا (39).

------------

(1) تفسير ابن كثير (7/ 181).

(2) تفسير السعدي (ص: 749).

(3) المستصفى (1/ 174).

(4) أصول الفقه (1/ 64).

(5) أخرجه البخاري (1583)، ومسلم (1333).

(6) في ظلال القرآن (4/ 2435).

(7) تأملات دعوية بين المصالح الشخصية والمصالح الدعوية/ مجلة الداعي (العدد: 3).

(8) الموافقات (2/ 29).

(9) الموافقات (2/ 30).

(10) المصالح المرسلة (1/ 21).

(11) المستصفى (1/ 174).

(12) المصلحة عند الحنابلة (1/ 18).

(13) التحبير شرح التحرير (7/ 3394).

(14) مختصر الفوائد في أحكام المقاصد (ص: 133- 134).

(15) الوجيز في أصول الفقه (ص: 242).

(16) انظر: شرح تنقيح الفصول (3/ 188).

(17) البحر المحيط (6/ 80).

(18) مختصر الفوائد في أحكام المقاصد (ص: 141- 142).

(19) الموافقات (3/ 285).

(20) انظر: ضوابط المصلحة للبوطي (ص: 217)، وما بعدها.

(21) أخرجه البخاري (1132)، ومسلم (741).

(22) مختصر الفوائد في أحكام المقاصد (ص: 141- 142).

(23) قواعد الأحكام (ص: 47).

(24) مفتاح دار السعادة (2/ 14).

(25) المصالح المرسلة للشنقيطي (ص: 21).

(26) قواعد الأحكام (1/ 51).

(27) إعلام الموقعين (3/ 279).

(28) انظر: إعلام الموقعين (3/ 148).

(29) الموافقات (2/ 45).

(30) ضوابط المصلحة الدَّعوية/ هيئة الشام الإسلامية.

(31) الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي (ص: 118).

(32) انظر: الفكر السامي للحجوي (1/ 286).

(33) الموافقات (5/ 177).

(34) انظر: الموافقات (5/ 180- 181).

(35) إعلام الموقعين (3/ 109) بتصرف.

(36) الموافقات (5/ 177).

(37) الشرح والإبانة (ص: 143).

(38) ضوابط المصلحة الدعويّة/ صيد الفوائد.

(39) ضوابط المصلحة الدَّعوية/ هيئة الشام الإسلامية.