معوّقات الدعوة للمرأة
إن الدعوة إلى الله تعالى ليست حكرًا على الرجال كما يظن البعض؛ بل إن الدعوة مهمة الرجل والمرأة على حدٍ سواء، وكل منهما لبنة في صرح هذا البناء الشامخ.
وتتبوأ المرأة في هذا الجانب موقعًا في غاية الأهمية، كيف لا وهي مربية الأجيال، والنواة الأولى لكل أسرة، ومما يؤكد لنا أهمية وضرورة ممارسة المرأة للدعوة وجود نصوص من الكتاب والسُنَّة تفيد اشتراك المرأة مع الرجل في خطاب التكليف؛ قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(1).
بل إن المرأة الواعية لأهمية دورها لهي خير قائد وخير حامل لهذا اللواء، خاصة ونحن نؤمن فيما لا مجال للشك فيه أن مجتمع النساء بحاجة إلى تكلم المرأة الداعية الموجهة، مع وجود ذلك التيار القوي الذي يستهدف المرأة لكونها مربية الأجيال، فهو لن يهدأ حتى يخرج المسلمة من بيتها سافرة متبرجة، تبيع دينها بعرض من الدنيا زائل.
وكثيرًا ما تنصرف أذهان الناس أمام مصطلح المعوقات إلى العقبات الخارجية التي يواجهها الدعاة من قِبل أعداء الدعوة؛ غافلين عن المعوقات الداخلية في صفوفهم ونفوسهم؛ مع أنها الأخطر والأكثر تأثيرًا على الدعوة؛ ذلك أن خطأ الداعية في مفهوم دعوي أو في منهج أو أسلوب أو وسيلة قد يفعل بالدعوة ما لا يفعله الأعداء فيها؛ وقد قيل: «زلة العالِم زلة العالَم»(2).
ومن التفريط في حق الدعوة أن تُهمل هذه المشكلات والعقبات حتى يصعب علاجها؛ بل إنَّ من الحكمة، في معالجة مثل هذه الأخطاء الدعوية، أن يهتم الدعاة بمعالجة أخطائهم، ومجاهدة أنفسهم قبل أن يتجهوا إلى علاجها في غيرهم؛ قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، وقد كان السلف الصالح من العلماء والدعاة يقدّمون تزكية أنفسهم على تزكية الآخرين، ويُشغلون بعيوبهم عن عيوب غيرهم؛ وهذا خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلل تأخر النصر للمسلمين في إحدى الغزوات بقوله: «لا يقف الكفرُ أمام الإيمان من غداة إلى عشيةٍ إلا بذنب أحدثتموه أنتم وأنا».
ويمكن تقسيم تلك المعوّقات إلى نوعين:
الأول: معوقات ذاتية:
وهي نابعة من المرأة نفسها، ومن ذلك:
أولًا: تتحجج بعض الداعيات بقلة العلم:
ولا بد من التحصيل وطلب العلم والتزود قبل التصدر.
وكل ما قيل حق، ومن منا يدعي أنه قد بلغ الرسوخ في العلم، لكن لا بد أن نعلم جميعًا أمورًا تكون بيانًا لمثل هذا التلبيس، وهي:
1- لا يجوز لأحد أن يقول على الله بغير علم، وهذا أمر مقرر بالكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33].
2- ليُعْلَم الوعيد الشديد في كتم العلم وعدم إظهاره للناس، وأنه قد يدخل العبد في قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار»(3).
3- لا غضاضة عند الصادقين من أهل العلم أنه إذا سئل العبد عن مسألة لا يعلمها أن يقول: لا أعلم، ولا يتجرأ على الفتيا بغير علم.
4- لا يجوز لكائن من كان أن يدعو الناس إلا بما يعلم من علم، فإذا كان عند الداعية علم ولو يسير فيدعو الناس بهذا العلم، ولا يلبس على الناس، فعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»(4).
5- يمكن الجمع بين العلم والدعوة، وهذا أمر معروف ومتقرر، والذي يسبر حال الصحابة ومن بعدهم يرى مثل هذا الأمر جليًا، ولنا فيهم أسوة حسنة.
6- من أسباب ثبات العلم الدعوة إلى الله به، وتعليمه للناس، وهذا ثابت مجرب، {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ} [الأحزاب:39].
7- لو قال كل واحد مثل هذا القول، لم يوجد إلا قلة قليلة من الدعاة سلفًا وخلفًا، وهذا يخالف عموم الأدلة الدالة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعظم المعروف هو تعبيد العباد إلى ربهم الغفور التواب.
8- أن الناس في هذا الزمن قد كثر فيهم الجهل، والبدع والمنكرات، فيحتاجون من العلم اليسير الذي يرفعون به الجهل عن أنفسهم، وبمن يبصرهم بأمر دينهم، فهل هؤلاء يحتاجون لعلماء ينصحونهم، أو راسخين في العلم يدعونهم ويذكرونهم؟
9- أنه لو لم يقم كل واحد منَّا بالدعوة فيما يعلم لحل بالمجتمع الجهل، وكثرت فيه البدع والمنكرات، واستوجبنا جميعًا غضب الجبار.
10- سؤال الله تعالى التوفيق والسداد.
ثانيًا: الحياء من القيام بالدعوة بين النساء:
وهذا الأمر تعانيه كثير من الصالحات؛ فهي تحمل في قلبها الخير الكثير، وحرقة لخدمة دينها والدعوة إليه، ولكن يحول بينها وبين تحقيق طموحاتها الخجل.
ولهذا الخجل أسباب، نذكر منها: