وافدة النساء أسماء بنت يزيد
أحد نساء بني عبد الأشهل، هي من المبايعات، وهي ابنه عمة معاذ بن جبل، تكنى أم سلمة، وقيل أم عامر، مدنية، كانت من ذوات العقل والدين(1)، وكان يقال لها (خطيبة النساء)(2).
فعن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه، فقالت: «بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، واعلم، نفسي لك الفداء، أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم.
وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا أُخْرِجَ حاجًا أو معتمرًا ومرابطًا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابًا، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟»، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: «هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟».
فقالوا: «يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا»، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ثم قال لها: «انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته تعدل ذلك كله»، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارًا(3).
ويكفي دليلًا على تصديق هذا اللقب فيها هذه الأسئلة العجيبة التي تقدمت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما دل على حصافة رأيها وجيد عقلها، وفصاحة لسانها، وشجاعتها في الموقف الذي وقفته بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مع أصحابه، وقد أعجب بها وبفصاحة لسانها، حتى لفت أنظار وانتباه أصحابه إلى بلاغتها في عرض ما جاءت من أجله عليه.
هي فارسة الفرسان، وأميرة الفصاحة والبيان، حباها الله لسانًا طلقًا بليغًا تتلألأ الحروف والكلمات بين شفتيها، فتشق طريقها إلى العقول والقلوب بلا عناء.
جمعت أسئلة النساء، وحملتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعادت إليهن بالإجابات الشافية والردود الوافية، والحقائق الجامعة المانعة، التي تشفي الصدور وتروي ظمأ النفوس، وأسماء هذه هي رسول النساء إلي النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي كانت ترسل من قبل النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد زادت سماتها تلك بأن نهلت من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ما استطاعت إلي ذلك سبيلًا، حتى لُقبت بخطيبة النساء.
من خير دور الأنصار:
عن عبد الله بن أبي سفيان عن أبيه قال: «سمعت أم عامر الأشهلية، وكانت قد بايعت، تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أشرف على بيوتنا يقول: (ماذا في هذه الدور من الخير؛ هذه خير دور الأنصار)»(4).
ولا زال هذا الخير ينعمون فيه، ولا يبخلون على أحد بهذا الخير، فعن أم عامر أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في مسجدنا المغرب، فجئت منزلي فجئته بعرق وأرغفة، فقلت: بأبي وأمي تعش، فقال لأصحابه: (كلوا بسم الله)، فأكل هو وأصحابه الذين جاءوا معه ومن كان حاضرًا من أهل الدار، فوالذي نفسي بيده، لرأيت بعض العرق لم يتعرقه وعامة الخبز، وإن القوم أربعون رجلًا، ثم شرب من ماء عندي في شجب ثم انصرف.
فأخذت ذلك الشجب فدهنته وطويته، فكنا نسقي منه المريض ونشرب منه في الحين رجاء البركة».
قال محمد بن عمر: «والشَّجْبُ: القِربَةُ تُخْرَزُ من أسفلها ويُقْطَع رأسُها إذا خَلَقَتْ، شبه الدلو العظيم»، قال: «وقد شهدت أم عامر الأشهلية خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم»(5).
وأسماء هذه من العربيات المسلمات المبايعات للرسول صلى الله عليه وسلم، الوارد خبرهن في الآية الكريمة، وهي قوله تعالى وتقدس: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة:12].
نعم من المبايعات المجاهدات، فعن عمرو بن قتادة رضي الله عنه قال: «أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم أم سعد بن معاذ كبشة بنت رافع، وأسماء بنت يزيد بن السكن، وحواء بنت يزيد بن السكن، وكانت أسماء رضوان الله عليها تعتـز بهذا السبق إلى المبايعة فتقول: (إنا أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم)»(6).
وقيل: إنها حضرت بيعة الرضوان، وبايعت يومئذ، عاشت إلى دولة يزيد بن معاوية(7).
الطبيعة الاجتماعية:
في ليلة زفاف عائشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولت تجهيزها أسماء بنت يزيد وصاحباتها، تقول أسماء رضي الله عنها: «إني قينت [زينت] عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته، فدعوته لجلوتها [للنظر إليها]، فجاء، فجلس إلى جنبها، فأتي بعس [القدح الكبير] لبن، فشرب ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم، فخفضت رأسها واستحيت، فانتهرتها وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذت، فشربت شيئًا، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطي تربك) [صاحباتك]، فقلت: يا رسول الله؛ بل خذه فاشرب منه، ثم ناولنيه من يدك، فأخذه، فشرب منه، ثم ناولنيه، فجلست، ثم وضعته على ركبتي، ثم طفقت أديره، وأتبعه بشفتي لأصيب منه مشرب النبي صلى الله عليه وسلم»(8).
إن إيجابية هذه الصحابية الجليلة تشعر بمدى ما تحمله في قلبها من حب الخير والمشاركة في المعروف، واهتمامها بمن حولها، ومساعدتهم على مهامهم.
معايشتها للوحي:
عن أسماء بنت يزيد قالت: «إني لآخذة بزمام العضباء، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ نزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة»(9).
عن أسماء بنت يزيد قالت: «نزلت سورة الأنعام على النبي صلى الله عليه وسلم جملة، وأنا آخذة بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة»(10).
ولا ننسى أنها امرأة، وتأخذ بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، وتدرك ثقل الوحي، وتستشعر خطورة الأمر وأهميته، فلله درها من صحابية ذات همة أخجلت الرجال!
ولذلك كانت مرتبطة بالوحي والشرع في كل شئونها؛ بل أول من اعتدَّت في الإسلام، فعن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية أنها طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله عز وجل حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزلت فيها العدة للمطلقات(11).
ومن شدة ارتباطها بالوحي والتزامها بتعاليمه تجد سرعة في الاستجابة، وحرصًا على القبول، فعن أسماء بنت يزيد قالت: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه، فدنوت وعلي سواران من ذهب فبصر ببصيصهما فقال: (ألقي السوارين يا أسماء، أما تخافين أن يسورك الله بأساور من نار)، فألقيتهما فما أدري من أخذهما»(12).
ومن الأدلة على ورع هذه المرأة وخوفها من الله ما روته عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كان قبل خروج الدجال بثلاث سنين حبست السماء ثلث قطرها، وحبست الأرض ثلث نباتها، فإذا كانت السنة الثانية حبست السماء ثلثي قطرها، وحبست الأرض ثلثي نباتها، فإذا كانت السنة الثالثة حبست السماء قطرها كله، وحبست الأرض نباتها كله، فلا يبقى ذو خف ولا ظلف إلا هلك، فيقول الدجال للرجل من أهل البادية: أرأيت إن بعثت إبلك ضخامًا، ضروعها عظامًا أسنمتها أتعلم أني ربك؟ فيقول: نعم، فتمثل له الشياطين على صورة فيتبعه، ويقول للرجل: أرأيت إن بعثت أباك وابنك ومن تعرف من أهلك أتعلم أني ربك؟ فيقول: نعم، فتمثل له الشياطين على صورهم فيتبعه»، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى أهل البيت، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبكي فقال: «ما يبكيكم؟» فقلت: «يا رسول الله، ما ذكرت من الدجال، فوالله، إن أمة أهلي لتعجن عجينها فما تبلغ حتى تكاد تتفتت من الجوع، فكيف نصنع يومئذ؟»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكفي المؤمنين من الطعام والشراب يومئذ التكبير، والتسبيح، والتحميد»، ثم قال: «لا تبكوا فإن يخرج الدجال وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي فالله خليفتي على كل مسلم»(13).
الجراءة في الحق:
جابر بن عبد الله الأنصاري حدَّث أن أسماء بنت يزيد كانت في نخل لها لبني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما في أرجلهن، يعني الخلاخل، وتبدو صدورهن وذوائبهن، فقالت أسماء: «ما أقبح هذا»، فأنزل الله ذلك: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] الآية(14).
وعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده، فقال: «لعل رجلًا يقول ما يفعل بأهله, ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها», فأزم القوم فقالت: «إي والله يا رسول الله, إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن»، قال: «فلا تفعلوا, فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون»(15).
ليس كل الناس لديه الجرأة على قول الحق، ناهيك عمن يصفق للباطل، ولكننا مع امرأة من نوع آخر، تَرَبَّت على الحق والتضحية في سبيله، فلم يمنعها الحياء أن توجه المخطئات من بني جنسها إلى الصواب وتردهن إلى الحق.
الحرص على التعلم:
عن عائشة رضى الله عنها أن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: «كيف أغتسل من الحيض؟»، قال: «خذي فرصة ممسّكة [قطعة قطن] فتوضئ» قالها ثلاثًا، وهو في كل ذلك يقول: «سبحان الله» عند إعادتها السؤال، ثم أعرض عنها بوجهه استحياءً، فأخذتها عائشة وأخبرتها بما يريد النبي صلى الله عليه وسلم، وبمنتهى الأدب وطهارة اللفظ: تتبعي بها أثر الدم، وامسحي بها المكان الذي خرج منه الدم.
وفهمت أسماء وخرجت، وضحكت عائشة من هذا الموقف الصعب، لكنها قدرت أسماء قدرها، وقدرت فيها شجاعة المرأة المسلمة في سؤالها عما ينفعها وما تحتاجه في دينها، فقالت: «نِعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن حياؤهن من أن يتفقهن في دينهن»(16).
روايتها للحديث:
كانت أسماء رضي الله عنها واعية للحديث النبوي، فقد لازمت البيت النبوي طويلًا، وكانت محبة للعلم والسؤال؛ إذ كانت تمتلك الجرأة في الاستفسار؛ لذلك كانت من أكثر النساء رواية للحديث، فقد روت، فيما يُذكر، 81 حديثًا.
حدث عنها مولاها مهاجر، وشهر بن حوشب، ومجاهد، وإسحاق بن راشد، وابن أختها محمود بن عمرو، وآخرون.
وروى عن أسماء ثلة من أجلاء التابعين، كما روى لها أصحاب السنن الأربعة: أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وخرّج لها البخاري في الأدب المفرد.
وتجمع مرويات أسماء رضي الله عنها بين التفسير وأسباب النزول والأحكام والشمائل والسيرة والفضائل.
قالت أسماء بنت يزيد: «مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في نسوة فسلم علينا وقال: (إياكن وكفر المنعمين), فقلنا: (يا رسول الله, وما كفر المنعمين؟)، قال: (لعل إحداكن أن تطول أيمتها بين أبويها وتعنس, فيرزقها الله زوجًا ويرزقها منه مالًا وولدًا فتغضب الغضبة, فراحت تقول: ما رأيت منه يومًا خيرًا قط), وقال مرة: (خيرًا قط)»(17).
قوة إيمانها:
نشأت أسماء في أسرة عُرف أفرادها بالتضحية والجهاد، أبوها هو يزيد بن السكن بن رافع الأنصاري الذي استُشهد يوم أُحد، وفي تلك المعركة أثخنت الجراح زياد بن السكن عم أسماء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أَدنوه مني، فوسده قدمه فمات شهيدًا وخدّه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما استُشهد في المعركة ذاتها أخوها عامر بن يزيد بن السكن، الذي جعل جسده تُرسًا يدافع به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنال الشهادة في سبيل الله، ومن عجيب إيمانها وصبرها أنه لما بلغها استشهادهم خرجت تنظر إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قادم من أُحد...، وعندما رأته سالمًا قالت: «كل مصيبة بعدك جلل»؛ أي هينة(18).
جهادها:
وفي الجهاد كانت لها صولات وجولات؛ تسقي وتداوي وتحمل السيف في سبيل الله، وتخطب في الناس، فتشتد العزائم، وتزداد الإرادة قوة وصلابة.
ومع هذا الدور الكبير كانت تحث الجميع على الجهاد في سبيل الله، ونصرة الدين الحق، وتدعوهم إلى الصمود في وجه الأعداء، والقتال من أجل النصر أو الشهادة.
شهدت أسماء فتح خيبر مع مَن خرجن من النسوة لمداواة الجرحى، ومناولة السهام، وطبخ الطعام، وخرجت مع جيش خالد بن الوليد لملاقاة الروم في معركة اليرموك، وقتلت بعض جنود الروم بعمود خبائها، فلله درُّك يا أسماء، فقد نلتِ أجر الجهاد مرتين: الأولى وأنت في بيتك، والأخرى في ساحة الوغى.
كما شهدتْ أسماء غزوة الخندق، وخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية، وبايعت بيعة الرضوان، وفي السنة الثالثة عشرة للهجرة خرجت رضي الله عنها إلى بلاد الشام؛ حيث شاركت في معركة اليرموك في الشام، وكانت تشارك مع النساء بسِقاية الجرحى وتضميدهم، وفي ضرب مَن يَفِرّ من المعركة من جنود الإسلام، ومن قصص شجاعتها أنها اقتلعت عمود الخيمة وراحت تضرب به رءوس الروم حتى قتلت يومها تسعة من جنودهم.
وفاة أسماء بنت يزيد:
كانت تتعلم وتعلم النساء، وتتحدث في أمور الدين والآخرة، وتشارك في الغزوات بيدها الحانية في علاج الجرحى، وبلسانها البليغ في النداء للجهاد، وبسيفها إذا اقتضت ظروف الحال.
ولو أنها ترددت أو تكاسلت لأضاعت على نفسها وعلى بنات جنسها الفرصة في العلم بأمور الدين والدنيا، لكنها أقدمت وتقدمت وسألت وحصلت على الجواب الشافي، فاستفادت وتعلمت وعلمت النساء، وصارت قدوة ومثلًا في هذا الاتجاه.
عاشت إلى خلافة يزيد بن معاوية؛ بل يقال إلى خلافة عبد الملك بن مروان، تدعو للجهاد، وتعلم الناس أمور دينهم.
توفيت أسماء في حدود السبعين هجرية، وقبرها في دمشق بالباب الصغير.
رحم الله خطيبة النساء، التي لم تحمل اسم أسماء بنت أبي بكر الصديق فقط، لكنها سعت على دربها، ونسجت على منوالها في الفروسية وطلب العلم، وأيضًا في الحكمة والفطنة وحسن البيان.
دروس وعبر:
إن سيرة أسماء بنت يزيد الأنصارية صفحة مشرقة في تاريخ المرأة المسلمة، تعلمنا حسن التبعل والقيام بشئون البيت، وترشدنا إلى أن تلميذات بيت النبوة كن زوجات ناجحات وأمهات متفانيات، ومع ذلك لم يمنعهن هذا من الاجتهاد في طلب العلم والتزود منه والتفقه في الدين.
نتعلم في مدرسة أسماء بنت يزيد أن الصحابيات كن لا يتخلفن عن ميادين الجهاد ونصرة دينهن؛ بل كن لا يتوانين في الإقدام إذا لمسن من إخوانهم إدبارًا، إقدام يصد الأعداء ويستنهض همم الأصحاب، إنها سيرة سيدة عظيمة أعطتنا دروسًا في التوازن بين مسئولية المرأة تجاه بيتها وفي حق مجتمعها وأمتها، توازن بدونه لا يستقيم سلوك المرأة إلى الله تعالى، وتطلعها لما عنده من خير عميم.
وكانت أسماء رضي الله عنها من ذوات العقل والتفقه في الدين؛ بل ولم يمنعها الحياء عن السؤال في أدق المسائل الدينية للنساء، فكانت نعم نساء الأنصار، كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين، ويتفقهن فيه».
ولم يمنعها فقهها من تعلم أمور الدنيا التي تهم النساء، كإتقان فن التجميل، فكانت تُعرف بلقب (مزينة عائشة)؛ أي التي زينت عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها يوم زفافها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***
_________________
(1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1787).
(2) الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 21).
(3) شعب الإيمان (11/ 178).
(4) الطبقات الكبرى (8/ 234).
(5) المصدر السابق (8/ 245).
(6) المصدر السابق (8/ 8).
(7) سير أعلام النبلاء (2/ 297).
(8) أخرجه أحمد (27591).
(9) التفسير الحديث (9/ 8).
(10) المصدر السابق (4/ 63).
(11) أخرجه أبو داود (2281).
(12) أخرجه أحمد (27563).
(13) أخرجه أحمد (27568).
(14) تفسير ابن كثير (6/ 44).
(15) أخرجه أحمد (27583).
(16) فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 340).
(17) المعجم الكبير للطبراني (24/ 173).
(18) السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، ص366.