logo

واجب المسلم تجاه دينه


بتاريخ : الأحد ، 5 ربيع الآخر ، 1444 الموافق 30 أكتوبر 2022
بقلم : تيار الاصلاح
واجب المسلم تجاه دينه

دعنا نطرح معًا تساؤلًا إيمانيًا مهمًا قبل فوات الأوان، ما الذي يشغلك؟ ما الهمّ الذي تحمله كمسلم؟! هل هو همّ الوظيفة؟ هل هو همّ دنيا أولادك، أم همّ دينهم؟ عندما تسير بالسيارة ماذا يدور في خاطرك؟ عندما تضع رأسك على الوسادة ماذا يجري في ذهنك؟ هل هو همّ هذه الأمة المستباحة؟ هل هو همّ هذه العقيدة التي تُهاجم في بلاد التوحيد؟ هل تفكر في حال أمتك ونصرة دينك؟

قال الله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين} [التوبة: 24]، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت الآخرة همه: جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه: جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له» (1).

إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكًا فإما تجرد لها، وإما انسلاخ منها، وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة.. كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب، ويخلص لها الحب، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة، وهي المحركة والدافعة، فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة، على أن يكون مستعدًا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة (2).

اقتضت حكمة إقامة الدين ومصلحة المسلمين حين نزول القرآن أن تكون هناك قطيعة تامة بين المؤمنين وأقاربهم الكافرين، حتى يبقى الدين سليمًا، فلا يتجزأ الانتماء وتتوزع العواطف، ولأن رابطة الدين أسمى وأولى وأقوى من رابطة القرابة أو العصبية أو القبلية أو الأسرية (3).

ولن يسود المسلمون ويقودوا وينتصروا على أعدائهم إلا إذا رجعوا إلى هذه الأخلاق وتلك الشيم، فيحققوا أوامر الله ويقدموها على ما سواه، ويبذلوا كل غال وثمين في سبيل دين الله تعالى، متأسيين ومقتدين بسلفهم السابقين من الصحابة والتابعين.

إنّ واجب المسلم تجاه هذا الدين أن يكون منتميًا انتماءً حقيقيًا له، فلا يكفي أن يقول الإنسان إنّي مسلم فقط بدون أن يكون منتميًا إلى هذا الدين اعتقادًا وسلوكًا ومنهجًا في الحياة، فقد وصف الله تعالى الأعراب الذين ادعوا الإيمان بقوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [الحجرات: 14].

مظاهر التعبير عن الانتماء لهذا الدّين أن يحبّ المسلم هذا الدّين حبًّا يتملّك قلبه وجوارحه، فالحبّ لهذا الدّين هو الدّافع الذي يحثّ الإنسان على الانتماء إليه حقيقة وليس زيفًا، وهو الحبّ الذي يحمل المسلم على أن يقوم بواجبه اتجاه هذا الدّين العظيم، والحبّ تتبعه الطاعة والانقياد للمحبوب، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، أما من يدّعي محبّته لهذا للدّين بدون أن يطيع أمر الله ورسوله فهو غير منتم حقيقة لهذا الدين العظيم.

الانتماء للإسلام يعنى الانتساب إلى الإسلام أن أكون مسلمًا، وبمعنى آخر (التكيف مع الإسلام) وأن يجعل الإسلام منهج لحياته عقيدة وفكر، شريعة وأخلاقًا سلوكًا وعاطفة، قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].

هذا الانتماء وهذا الانتساب هو حقيقة القوة الكامنة في قلب الأمة والتي بها البشر تنتصر على أعدائها، فلما غاب الانتماء ضعفت قوتهم وهُزموا، ولذلك لما رأى أحد المسلمين الروم في مؤته قال: ما أكثر الروم وما أقل المسلمين، فقال له عبد الله بن رواحه: ما أقل الروم وما أكثر المسلمين، إنا لا ننتصر عليهم بعدد ولا عدة؛ ولكن ننتصر عليهم بطاعتنا لله ومعصيتهم له.

يحدد عبد الله بن رواحه في هذه الكلمات مفهوم الانتماء وثمرته، لهذا أعد الأعداء عدتهم لهدم هذا الانتماء وتمييعه في نفوس المسلمين، ووضعوا لذلك خطط ومشاريع، ومما قاله القس زويمر في مؤتمر المبشرين الذي عُقد في جبل الزيتون في القدس: إنكم أعددتم نشئًا في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقًا لما أراد له الاستعمار لا يهتم بالفطام ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلم فللشهوات وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات.

لهذا فعلى المسلم أن يوطن نفسه وأن يعمق انتماؤه للإسلام انتسابًا وتكيفًا مع عناصر الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة وأخلاقًا وتاريخًا وثقافة وعاطفة وحركة (4).

إن الانتماء الحق للإسلام يستوجب تطبيق تعاليمه وأحكامه في حياتنا كلها؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ويستوجب أن نرفع الرأس بكل تشريع جاء به الإسلام.

وإن مما يحزن أن بعض الذين ينتمون للإسلام صاروا يتهمون أحكامه ويتبرؤون منها؛ ليرضى من قال الله عنهم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

 فلنرفع الرأس بهذا الدين، فنحن الأعلى سندًا ومتنًا، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

إن الانتماء الحق للإسلام يستوجب العمل لعزته ونشره في الأرض؛ حتى تشرق شمسه على الدنيا كلها.

لقد قام هذا الدين على جماجم وأشلاء رجال ضحوا لأجله بكل شيء، واقرأوا تاريخ أسلافكم؛ لتروا شيئًا من تضحياتهم لأجل دين الله، يتقدمهم وهو المقدم عند الله على جميع الخلائق نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم فقد ضربه أهل الطائف حتى أدموا عقبيه الشريفين، فنزل عليه ملك الجبال يستأذن في أن يطبق عليهم الأخشبين –أي الجبلين- فرد عليه الصلاة والسلام، رد من نسي آلامه ودماءه أمام مصلحة الدين بقوله: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا» (5).

وهاجر المهاجرون وتركوا ديارهم وأموالهم لأجل دين الله، والله ما خرجوا للدنيا، ولكن لأجل الدين. ونصر الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وآووهم، وهم يعلمون أن العرب سترميهم عن قوس واحد، لكنهم ضحوا لأجل دين الله.

 بل ذكر ابن الجوزي: أن أبا قدامة كان أميرًا على جيش المسلمين في بعض الغزوات، فرغَّب الناس في الجهاد وحثَّ عليه، ثم ركب فرسه ومشى، فإذا بامرأة تناديه: يا أبا قدامة، يقول: فقلت في نفسي: هذه مكيدة من الشيطان، فمضيت، فقالت المرأة: ما هكذا كان الصالحون، فوقفت، فجاءت، فدفعت إليَّ رقعةً وخرقةً مشدودةً، وانصرفت باكيةً، فنظرت إلى الرقعة فإذا مكتوب فيها: إنك دعوتنا للجهاد ورغبتنا في الثواب، ولا قدرة لي على ذلك، فقطعت أحسن ما في؛ وهما ضفيرتاي؛ لتجعلهما قيد فرسك، لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله، فيغفر لي.

وأبكى من هذا وأعظم، ما فعله الصحابة الذين جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون الجهاد، فاعتذر بأنه لا يجد ما يحملهم عليه، فما كان منهم إلا أن قدموا دموعهم لأجل دين الله، قال الله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] (6).

أن يؤمن المسلم بأن هذا الدين هو الدين الحق وما سواه هو باطل، فالدين المعتبر عند الله تعالى هو دين الإسلام المهيمن على جميع الأديان، لذلك على المسلم أن يستشعر هذه الحقيقة في حياته وتعامله مع غيره، لأنّها ستكون دافعًا له لبذل كلّ ما يستطيع لتبليغ هذا الدين ونصرته والذود عنه.

وكل أهل دين أو ملة يدعون أن الحق معهم، ولكن الحق الذي لا مرية فيه في هذا الدين الذي ارتضاه الله لنا، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3]، وقال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق: شرائعه الواقعية، فهو يبيح الزواج بالنساء، ويرغب فيه، ولا يأمر بالرهبنة والتبتل، لكنه يحرم الزنا، والإسلام يبيح المعاملات بين الناس ولكنه يحرم الربا، ويبيح جمع المال من حله ولكنه يوجب الزكاة للفقراء، ويبيح الطعام ويستثني الميتة ولحم الخنزير ونحوهما، وغير ذلك من الشرائع الواقعية التي تناسب حاجات البشر ولا تضيق عليهم؟

ومن الأدلة كذلك على أن الإسلام هو دين الحق: موازنته بين متطلبات الروح وحاجات البدن، ومن الأدلة على أن دين الإسلام هو دين الحق عدم مصادمة عقائده وتشريعاته للفطرة والعقل، فما من خير يدل عليه العقل إلا والإسلام يحث عليه ويأمر به، وما من شر تأنفه الطباع وينفيه العقل إلا والإسلام ينهانا عنه.

ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق –إعجاز القرآن– فهو مع احتوائه على أكثر من ستة آلاف آية، ومع طرقه لموضوعات متعددة، فإنك لا تجد في عباراته اختلافًا بين بعضها البعض، كما لا تجد معنى من معانيه يعارض معنى، ولا حكمًا ينقض حكمًا، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، ومن وجوه إعجاز القرآن: انطباق آياته على ما يكشفه العلم من نظريات علمية، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53]، ومن أوضح ما أثبته القرآن من أن الجنين يخلق في أطوار، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة،.... إلخ ولم يقرر ذلك العلم التجريبي الحديث إلا في عصرنا الحديث، مع أن القرآن قرره قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن.

ومن أوجه إعجاز القرآن كذلك، إخباره بوقائع لا يعلمها إلا علام الغيوب، ومنها ما أخبر بوقوعه في المستقبل، كقوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 1- 4]، وقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27]، وكذلك قص القرآن قصص أمم بائدة ليست لها آثار ولا معالم، وهذا دليل على أن هذا القرآن منزل من عند الله الذي لا تخفى عليه خافية في الحاضر والماضي والمستقبل، قال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا} [هود: 49]، ومن وجوه إعجاز القرآن كذلك فصاحة ألفاظه وبلاغة عباراته وقوة تأثيره، فليس فيه ما ينبو عن السمع أو يتنافر مع ما قبله أو ما بعده، وحسبنا برهانًا على ذلك شهادة الخبراء من أعدائه، واعتراف أهل البيان والبلاغة من خصومه، فلقد بهتوا أمام قوة تأثيره في النفوس وسلطانه الروحي على القلوب، قال الوليد بن المغيرة وهو من ألد أعداء الرسول: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر، والحق ما شهدت به الأعداء (7).

أن يسخّر المسلم جهوده في سبيل هذا الدين، فلا يتوانى عن الدعوة إليه في كلّ المحافل وفي جميع المواقف، وإذا ما تعرض هذا الدين إلى الإساءة وقف مدافعًا عنه بقوّة.

أن ينبذ المسلم جميع العادات والمعتقدات التي تنافي ديننا، فيكون الفخر بتقاليدنا الإسلامية وأعرافنا وقيمنا والتّمسك بها خير معبرٍ عن الانتماء الحقيقي لهذا الدين.

رسالتنا أن نلمس هذه الأمة بنفس ما لمسها أول مرة، فأعادها عزيزة.

إن طريق الدعوة إلى الله عز وجل ليس هينًا لينًا، وليس مفروشًا بالزهور والورود والرياحين، ولا خاليًا من المكذبين والمعاندين والمحاربين.

فيجب علينا جميعًا السعي والعمل لنصرة دين الله، وأن نعي حقيقة أن الإيمان ليس مجرد كلام يُردد، ولكنه قولٌ وفعل، مهامٌ وتكاليف! قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون (11)} [الصف: 10- 11].

واجبات المسلم تجاه دينه في وقتنا هذا:

أولًا: التعلم وبناء الوعي:

قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب} [الزمر: 9]، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طـه: 114]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» (8).

ويقول العلامة عبد العزيز الطريفي: فلم يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يسأل شيئًا من خيري الدنيا والآخرة زيادة فيه إلا زيادة في العلم -لفضله وجلالته- وأن الإنسان قدره عند الله بقدر علمه بوحيه، وعمله بذلك.

فمن الواجب على كل مسلمٍ في هذا الزمان أن يتعلم من العلم الشرعي ما يُقيم به أمور دينه ودنياه ولا يتساهل في ذلك أبدًا، خاصةً أمور العقيدة والتوحيد والولاء والبراء وتحكيم شرع الله؛ لأن الفتن تموج في كل مكان ولا يؤمن على أحدٍ الفتنة نظرًا لانتشار دعاة السوء وأئمة الضلال الذين يلبسون على الناس أمر دينهم.

ومن الواجب أيضًا على كل مسلمٍ أن يجتهد في طلب العلم الدنيوي ويتفوق فيه لنجد المهندس المسلم، والطبيب المسلم، والصيدلي المسلم، والمحاسب المسلم…إلخ.

وكذلك نجد العامل المسلم، والزارع المسلم، وكل يجتهد في فنه لخدمة دينه ونصرة شرع ربه.

ولكن لا يغني تعلم العلم الدنيوي عن العلم الشرعي، لما روي عن علي رضي الله عنه أنه ذكر فتنًا تكون في آخر الزمان، فقال له عمر: متى ذلك يا علي؟ قال: إذا تفقه لغير الدين، وتعلّم لغير العمل، والتمست الدنيا بغير الآخرة (9).

وكل يسخر نفسه لخدمة دين الله كما سخر الصحابة إمكاناتهم وقدراتهم لخدمة الدين؛ فبلال بن رباح خدم الدين بصوته الشجي مُؤذِّنًا، وزيد بن ثابت حفظ الوحي بكتابته، وخالد بن الوليد يقود الجيوش، وحسان بن ثابت ينافح عن الدين وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميدان الإعلام، وعثمان بن عفان يسخر ماله لخدمة الدين (يحفر بئرًا، ويجهز جيش العُسرة، ويُواسِي الفُقراء) ومصعب بن عمير إمام الدعوة إلى الله في المدينة، أما أبو بكر وعمر فهما أعمدةُ النُّصرة وأركانُ الدولة رضى الله عنهم أجمعين.

ويجب أيضًا أن يخرج من بين المسلمين أفراد وجماعات تعمل على بناء الوعي وتبصير إخوانهم بما يُحاك من أمم الكفر وأذنابهم تجاه أمة الإسلام، وإعداد أجيال من المسلمين على وعيٍ كامل بالمخاطر التي تحيط بهم، وعلى بصيرة بقضايا الأمة التي لا حصر لها من تعطيل لحكم الله واستبداله بحكم الطواغيت والقوانين الوضعية، وتعطيل الجهاد في سبيل الله، واحتلال الصهاينة لأرض المسلمين فلسطين… إلخ.

ثانيًا: خلق فريضة العمل الإسلامي:

قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، يقول العلامة السعدي في تفسيره: يمدح الله تعالى هذه الأمة ويخبرنا أنها خير الأمم التي أخرجها للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس (10).

وفي الظلال: وقد سبق في السياق الأمر التكليفي للجماعة المسلمة أن ينتدب من بينها من يقومون بالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما هنا فقد وصفها الله سبحانه بأن هذه صفتها ليرشدها إلى أنها لا توجد وجودًا حقيقيًا إلا أن تتوافر فيها هذه السمة الأساسية، التي تُعرف بها في المجتمع الإنساني.

فإما أن تقوم بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -مع الإيمان بالله- فهي موجودة وهي مسلمة، وإما ألا تقوم بشيء من هذا فهي غير موجودة (11).

فنجد أن الدعوة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على كل مسلمٍ، كلٌ بقدر استطاعته، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان» (12).

وتتوارد النصوص القرآنية والنبوية تترى في هذا المعنى لأن هذا التماسك في كيان الجماعة بحيث لا يقول أحد فيها- وهو يرى المنكر يقع من غيره-: وأنا مالي؟! وهذه الحمية ضد الفساد في المجتمع، بحيث لا يقول أحد- وهو يرى الفساد يسري ويشيع- وماذا أصنع والتعرض للفساد يلحق بي الأذى؟! وهذه الغيرة على حرمات الله، والشعور بالتكليف المباشر بصيانتها والدفع عنها للنجاة من الله.. هذا كله هو قوام الجماعة المسلمة الذي لا قيام لها إلا به..

وهذا كله في حاجة إلى الإيمان الصحيح بالله ومعرفة تكاليف هذا الإيمان، وإلى الإدراك الصحيح لمنهج الله ومعرفة أنه يشمل كل جوانب الحياة، وإلى الجد في أخذ العقيدة بقوة، والجهد لإقامة المنهج الذي ينبثق منها في حياة المجتمع كله.. فالمجتمع المسلم الذي يستمد قانونه من شريعة الله ويقيم حياته كلها على منهجه هو المجتمع الذي يسمح للمسلم أن يزاول حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحيث لا يصبح هذا عملًا فرديًا ضائعًا في الخضم أو يجعله غير ممكن أصلًا في كثير من الأحيان! كما هو الحال في المجتمعات الجاهلية القائمة اليوم في أرجاء الأرض والتي تقيم حياتها على تقاليد ومصطلحات اجتماعية تسترذل تدخل أحد في شأن أحد وتعتبر الفسق والفجور والمعصية «مسائل شخصية»! ليس لأحد أن يتدخل في شأنها.. كما تجعل من الظلم والبطش والاعتداء والجور سيفًا مصلتًا من الإرهاب يلجم الأفواه، ويعقد الألسنة، وينكل بمن يقول كلمة حق أو معروف في وجه الطغيان (13).

فلا بد أن ندعو إلى دين الله وأن نجعل هذا من أولوياتنا، وأن نبذل جهدًا في تكوين الجماعة المسلمة العاملة لدين الله، وكذلك دعوة غير المسلمين، لمن لديه القدرة للدخول في دين الله.

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].

ومن الدعوة إلى الله: بيان حجج الإسلام، ودفع الشبه عنه، ونشر محاسنه بين الأجانب عنه ليدخلوا فيه، وبين مزعزعي العقيدة من أبنائه ليثبتوا عليه

ومن الدعوة إلى الله: مجالس الوعظ والتذكير، لتعريف المسلمين بدينهم، وتربيتهم في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم على ما جاء به، وتحبيبهم فيه، ببيان ما فيه من خير وسعادة لهم.

وتحذيرهم مما أدخل من محدثات عليه هي سبب كل شقاوة وشر لحقهم.

وبيان أنه ما من سبب مما تسعد به البشرية أفرادها وأممها إلاّ بيّنه لهم ودعاهم إليه، وما من سبب مما تشقى به البشرية أفرادها وأممها إلاّ بيّنه لهم ونهاهم عنه.

ومن الدعوة إلى الله: ظهور المسلمين- أفرادًا وجماعات- بما في دينهم من عفة وفضيلة، وإحسان ورحمة وعلم وعمل وصدق وأمانة؛ فذلك أعظم مرغب للأجانب في الإسلام، كما كان ضده أعظم منفر لهم عنه، وما انتشر الإسلام أول أمره بين الأمم، إلا لأن الداعين إليه كانوا يدعون بالأعمال، كما يدعون بالقول، وما زالت الأعمال عيارًا على الأقوال (14).

وقد يجيء على المسلمين زمان لا يستطيعون فيه تغيير المنكر بأيديهم ولا يستطيعون فيه تغيير المنكر بألسنتهم فيبقى أضعف الإيمان وهو تغييره بقلوبهم وهذا ما لا يملك أحد أن يحول بينهم وبينه، إن هم كانوا حقًا على الإسلام! وليس هذا موقفًا سلبيًا من المنكر- كما يلوح في بادئ الأمر- وتعبير الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه تغيير دليل على أنه عمل إيجابي في طبيعته.

فإنكار المنكر بالقلب، معناه احتفاظ هذا القلب بإيجابيته تجاه المنكر.. إنه ينكره ويكرهه ولا يستسلم له، ولا يعتبره الوضع الشرعي الذي يخضع له ويعترف به..

وإنكار القلوب لوضع من الأوضاع قوة إيجابية لهدم هذا الوضع المنكر، ولإقامة الوضع «المعروف» في أول فرصة تسنح، وللتربص بالمنكر حتى تواتي هذه الفرصة.. وهذا كله عمل إيجابي في التغيير.. وهو على كل حال أضعف الإيمان، فلا أقل من أن يحتفظ المسلم بأضعف الإيمان! أما الاستسلام للمنكر لأنه واقع، ولأن له ضغطًا- قد يكون ساحقًا- فهو الخروج من آخر حلقة، والتخلي حتى عن أضعف الإيمان! هذ وإلا حقت على المجتمع اللعنة التي حقت على بني إسرائيل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: 78- 79] (15).

ثالثًا: إشعال حماسة الدين في المسلمين:

لا تكاد تمر الأيام إلا وينزل بالمسلمين النوازل والمصائب التي تحرق القلوب ويسيل لها الدمع، فلا بد لنا من استغلال تلك النوازل في إعادة تشكيل وعي المسلمين وتوعيتهم، وبث ثقافة البذل والعطاء للدين فيهم، وإرجاعهم إلى دينهم وفضح دعاة السوء المبدّلين لكلام الله، والمهزومين نفسيًا وذهنيًا بالغرب (16).

فلا بد أن نجعل المرأة العجوز، والشيخ الكبير، والغلام الصغير، وكل إنسان في المجتمع يشعر بواجبه كما شعر أجدادنا بواجبهم من قبل، وقبورهم شاهدة عليهم، فهذا أبو أيوب الأنصاري في القسطنطينية، وبعضهم في بلاط الشهداء في فرنسا، وبعضهم في خراسان، فهم خرجوا بأموالهم وأنفسهم يدعون إلى الله، وينشرون هذا الدين، فأعزهم الله وأظهرهم وأورثهم الأرض، وهذا فضل الله القائل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].

فلو أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أرادوا أن يسابقوا الروم أو الفرس في الحضارة والصناعة والتقدم متى يلحقوا بهم؟ لكنهم أتوا من أقصر الطرق، من باب الهداية، فلما أتوهم من هذا الباب أورثهم الله حضارة أولئك القوم، وجاء ملوك الروم والفرس مصفدين في الأغلال مقيدين إلى مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبيدًا لهؤلاء القوم، لما قالوا: لا إله إلا الله بحق وبيقين، ولما آثروا الآخرة على الدنيا، جاءتهم الدنيا راغمة، حتى كان الرجل يخرج بصدقته فلا يجد من يأخذها منه (17).

رابعًا: الصبر على الأذى والمشقة:

قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى نورٍ من ربه، ويصبر على الأذى في سبيل دعوته من استهزاءٍ وتكذيبٍ واتهاماتٍ وكذلك الأذية الجسدية.

قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41]، يستهزؤون بشخصيته صلى الله عليه وسلم ولكنه يصبر على هذا الأذى، وهو يتفكر في قول الله تعالى يسري عن شخص رسوله: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} [الأنعام: 10]، واليوم يقف الداعية إلى الله عز وجل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر موقفًا حرجًا أمام السهام التي تُوجه إليه من المستهزئين، وهم يستهزئون بشخصيته، أو يستهزئون بمظهره، أو يستهزئون بالأفكار التي يحملها، إنه يتأسى بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبر على هذا الاستهزاء.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34]، اليوم عندما يقف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أمام الناس، يدعوهم ويبين لهم الحلال والحرام، يقولون له: أنت كذاب، لا يمكن أن يكون في القرآن كذا، لا يمكن أن يأمر الرسول بكذا، هذا الذي تدعون إليه ليس بدين، ليس هذا الدين الذي نعرفه، لقد رأينا الدين من آبائنا وأجدادنا، ما رأينا فيه مثل هذا الذي تدعو إليه.

فيتهمونه بالكذب على الشريعة، لجهلهم رموه بالكذب، وقد أتوا من قبل تقليدهم لآبائهم وأجدادهم، وعدم اتّباع الحق، وأتوا من اتّباع أهوائهم؛ لأنك عندما تخبرهم أنت -يا أخي المسلم- بالحق الذي يخالف أهوائهم؛ ماذا يقولون؟ إذا كان الحق واضحًا يقولون: أنت كذاب! فعليك أن تصبر كما صبر رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم (18).

ويعاني المتمسكون بشرع الله عز وجل أصناف العذاب، وألوان الأذى في سبيل الله، فيضربون بالسياط، ويسحلون بالشوارع، ويجرون على جلودهم على الحجارة والشوك، كما وقع بالنفر الأول من الصابرين الصادقين.

إن ألوان الإيذاء -أيها الأخوة- تتعاقب، ويتفنن أعداء الله في إذاقة عباد الله العذاب أصنافًا وألوانًا، فليس الحل في ذلك إلا الصبر على هذا الأذى في سبيل الله.

عن خباب بن الأرت قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة، وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله، فقعد وهو محمر وجهه، فقال: «لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، ما يخاف إلا الله»، زاد بيان: «والذئب على غنمه» (19).

الخطاب موجه إلى الذين هداهم الله تعالى إلى السلم والخروج من ظلمة الخلاف إلى نور الكتاب الذي أنزل لإزالته في زمن النزول وفي كل زمن يأتي بعده، وتوجيهه أولًا وبالذات إلى أهل الصدر الأول من المسلمين الذين كانوا خير أمة أخرجت للناس أكبر عبرة وموعظة لمن يأتي بعدهم، ويحسبون أنهم بمجرد الانتماء إلى الإسلام يكونون أهلًا لدخول الجنة، جاهلين سنة الله تعالى في أهل الهدى منذ خلقهم، وهي تحمل الشدائد والمصائب والضرر والإيذاء في طريق الحق، وهداية الخلق، وعجيب من أمة ينطق كتابها بالآيات البينات على أن سنة الله في خلقه واحدة لا تحويل لها ولا تبديل، ويحثها دائمًا على الاعتبار بها والسير في الأرض لمعرفة آثارها في الأمم البائدة والأمم الحاضرة، ثم هم يحولون هذه السنة عنهم، ويفشو فيهم الإنكار على من يعظهم بما حكى الله تعالى عن حال تلك الأمم التي كفرت بنعمة الله تعالى عليها بالسلم والهداية قائلين: إنه يقيس المسلمين على الكافرين (20).

------------

(1) أخرجه الترمذي (2465).

(2) في ظلال القرآن (3/ 1615).

(3) التفسير الوسيط للزحيلي (1/ 845).

(4) الانتماء للإسلام/ موقع بيان الإسلام.

(5) أخرجه البخاري (3231)، ومسلم (1795).

(6) حقيقة الانتماء للإسلام/ ملتقى الخطباء.

(7) الأدلة على أن الإسلام هو الدين الحق/ الإسلام ويب.

(8) أخرجه البخاري (71).

(9) جامع العلوم والحكم (1/ 245).

(10) تفسير السعدي (ص: 143).

(11) في ظلال القرآن (1/ 448).

(12) أخرجه مسلم (49).

(13) في ظلال القرآن (2/ 949).

(14) تفسير ابن باديس (ص: 315).

(15) في ظلال القرآن (2/ 951).

(16) إلى كل مسلم يحلم بالتغيير: هذا هو واجبك تجاه دينك/ تبيان.

(17) دروس للشيخ سفر الحوالي (45/ 9)، بترقيم الشاملة آليًا.

(18) صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على الأذى/ موقع الشيخ محمد المنجد.

(19) أخرجه البخاري (3852).

(20) تفسير المنار (2/ 238).