فضائيات تغيب العقل وتحارب الدين
لا ينكر أحد قدر تأثير الإعلام على الشباب والأطفال؛ بل على الشيوخ والعجائز أيضًا، فالإعلام يشكل ثقافة الفرد، ويكون هويته، ويؤثر على مستواه الفكري، ويصيغ أفكاره، ويؤثر كذلك على خلقه، وعلى علاقاته مع المجتمع المحيط به؛ خاصة في ظل حالة البطالة التي يعيشها كثير من الشباب في العالم العربي، وكذلك الفراغ الموجود لدى فئة عريضة من الأطفال يجعلهم يتوجهون إلى مشاهدة التلفاز والتنقل بين الفضائيات المختلفة.
وفي ظل المعطيات التقنية المعاصرة، وفي ظل ثورة المعلومات؛ ظهرت علينا الفضائيات التي غزت البيوت والعقول، وأصبح العالم بفضلها قرية صغيرة، يستطيع المشاهد في بيته أن يرى العالم كله من خلال ضغطة للريموت كنترول، وبقدر ما جلبته هذه القنوات من إيجابيات فقد كان لها سلبيات واضحة؛ من خلال ظهور عدد من القنوات الفاضحة التي تبث الرذيلة وتهدم الفضيلة.
وكانت الطامة الكبرى مؤخرًا ظهور قنوات خاصة للدجل والشعوذة بمسميات شرعية، يدعي أصحابها من خلالها علاج الأمراض وجلب السعادة والرزق للناس، ورغم التحذير الكبير من هؤلاء الدجالين وارتفاع ثقافة المجتمعات؛ إلا أن البعض بقلة الوعي وضعف الوازع الديني قد يلجأ لهؤلاء فيستغلون ظروفه وحاجته ويقومون بابتزاز ما معه من أموال لتخليصه من مرضه وهمه وفقره وعلى الهواء مباشرة وأمام الملأ.
فضائيات تشكك الإنسان في العقيدة والدين، وتأمر بأفعال الشرك الأكبر، وتهدم البيوت، وتساهم في تقويض استقرار وسعادة المجتمعات، واللافت أن القائمين على هذه القنوات من غير المسلمين أو من طوائف بعيدة تمامًا عن منهج أهل السنة والجماعة، والذين يدعون أن برامجهم وفق ضوابط الشريعة.
كثر اليوم أدعياء الدجل، الذين أصبحوا يجاهرون بدجلهم ليل نهار على شاشات الفضائيات والقنوات، وأصبحت لهم محطات يبيعون من خلالها الوهم باسم الرقية، فهم داء خطير وشر مستطير، يقوض سعادة الأفراد واستقرار الأسر، وأمن المجتمعات، كما أن ادعاءاتهم تعتبر خصلة شيطانية، وخلة إبليسية، ولوثة كفرية، ودسيسة يهودية.
فكم من بيوت هدمت، وعلاقات زوجية تصرمت، وحبال مودة تقطعت بسببهم، انتشر الكثير من محترفي هذا العفن ممن يعملون ليل نهار على القنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية لإفساد عقائد الأمة، مقابل مبلغ زهيد يتقاضونه من ضعاف النفوس، وعديمي الضمائر الذين أكل الحسد قلوبهم، فيتفرجون على إخوانهم المسلمين، عبر الاتصالات أو خلافه، ويتشفون برؤيتهم وهم يعانون آثار السحر الوخيمة، حتى حقق هؤلاء المشعوذون رواجًا كثيرًا، وانتشارًا كبيرًا وأصبحوا نجومًا لمحطاتهم الفضائية، وأصبح لهم مريدون وأدعياء وأتباع.
إن مبدأ قراءة الفنجان والأبراج وجميع وسائل الشعوذة على الفضائيات أو غيرها هو بعد عن الأخذ بالمصادر الأصلية للشريعة الإسلامية، وهو لا يحترم العقل، والمعروف أن الإسلام أقر باحترام العقل واحترام العلم، ومشاهدة مثل هذه القنوات والبرامج فيها عبث بالعقل، وفيها إهدار للوقت، وهذا الوقت سوف يحاسب الإنسان أمام ربه فيما ضيعه، وهذا يخالف التوجيه الإسلامي بالتالي مشاهدة هذه البرامج والقنوات المتخصصة في هذا العبث مكروهة (1).
ومن جانب آخر؛ غناءٌ ورقصٌ وإراقةٌ لماء الحياء وبصقٌ في وجه الفضيلة وتقيّؤٌ في مُحيّاها، حوارٌ لا ينقطع بِلُغة الجسد البهيمية، إثارةٌ للغرائز بطريقة فجّة، كلّ هذا وسط صياح ونباح ليس بالغناء ولا هو بالنواح، محيّرٌ كُنهه مُلغِزة ماهيّته، لا ينفكّ يسكب في أقداح الأحداق والآذان أربعًا وعشرين ساعة في الأربع والعشرين ساعة.
إلى غير ذلك من أكوام البرامج المُسِفَّة والأفلام المبنية على الفنّ الرخيص الذي تقدمه زُبَالة اﻟﻤﺠتمعات.
إن فضائيات اليوم في معظمها لا تستحي من نقل الصورة العارية والمسلسل الهابط، والفكر المنحرف، وكل ذلك معاولُ هدمٍ للقيم والأخلاق ... وهي جريمة كبرى بحق القيم والأخلاق يتولى كبرها الدولُ المصدرةُ لها.
إنها سارقة الدين والخلق، مثيرة الغرائز والفتن.
أما المتلقُّون والشرائح المستهدفة فهم في معظمهم وسوادهم الأعظم ينتصبون أمام الشاشات وقد أسلموا قياد أنفسهم لأكثر القنوات إسفاًفا، فبحسب أكوام اللحوم وكمية ما يعرض منها تتحقق الجماهيرية، في ظل ما يسمى الأفلام الرومانسية والبرامج المفتوحة -حسًا ومعنى– حيث تُوَأد الفضيلة ويُغتال الحياء.
وقد جعلت تلك القنوات والشبكات أنواعًا من الأطعام والشباك لاصطياد السُذَّج من الناس من خلال التهييج الجنسي الفاضح، وعرض وجوه الغير والحسناوات وإبراز مفاتنهن.
أكبرها خطرًا القنوات التي تعمل على تجهيل الشعب وتدمير الثقافة، وتبرع في بث برامج المشعوذين والدجالين، وقصص الجن ومصاص الدماء والخرافات البالية، والبرامج التافهة عن الحياة الخاصة للعامة من الناس وتتبع عوراتهم وأسرارهم العائلية، وبرامج الفضائح والاشاعات المثيرة ومواضيع المقاهي والأرصفة، يعني ترويج للانحطاط لم يسبقها فيه أحد، كل هذا ورائه من سمحو بفتح مجال السمعي البصري لتخدير الشعب.
استراتيجية الإلهاء بالتفاهة:
عبر إغراق النّاس بوابل متواصل من الأخبار والقضايا التافهة، في مقابل شحّ المعلومات وندرتها، وهي استراتيجية ضرورية لمنع العامة من الوصول إلى المعرفة الأساسية؛ كما جاء فى وثيقة الأسلحة الصامتة: حافظوا على اهتمام الرأي العام بعيدًا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، اجعلوه مفتونًا بمسائل لا أهمية حقيقية لها، أبقوا الجمهور مشغولًا، لا وقت لديه للتفكير.
استراتيجية إغراق الجمهور في الجهل والغباء والخرافة:
لا بدّ من إبقاء الجمهور غير قادر على فهم التقنيات والأساليب المستعملة من أجل السيطرة عليه واستعباده، بحيث يفقد القدرة على التفكير المنهجي ويتحلى بعشوائية التفكير والحكم على الأشياء، وهذا عبر التعليم الذي يجب أن تكون نوعيته السائدة متدنية، بحيث تحافظ على الفجوة التي تفصل بين النخبة المتحكمة والعامّة، وأن تبقى أسباب الفجوة مجهولة لدى المستويات الأقل.
تحويل مشاعر التمرّد والرغبة في الغضب إلى إحساس بالذّنب:
عبر دفع كلّ فرد في المجتمع إلى الاعتقاد بأنّه هو المسئول الوحيد عن تعاسته، وذلك بسبب محدوديّة ذكائه وضعف قدرته أو جهوده وكسله وتقاعسه، وهكذا بدلًا من أن يثور ويطالب بحقوقه يحطّ الفرد من ذاته ويغرق نفسه في الشّعور بالذنب، ممّا يخلق لديه حالة اكتئاب تؤثر سلبًا على النشاط، ودون نشاط أو فاعليّة لا تتغير المجتمعات ولا تنشأ الثورات (2).
استغلال سيئ:
أظهرت أحدث الدراسات الإعلامية أن كلًا من الفيديو كليب والإعلان يستغلان جسد الأنثى في الأعمال التجارية، وتسويق المنتجات، والأسوأ من ذلك أن الفيديو كليب يستخدم هذه الأنوثة في نشر الرذيلة والفاحشة؛ إذ يركز تصوير الفيديو كليب على أماكن الإثارة والإغراء في جسد الأنثى، كما يصورها غالبًا في دور العاشقة التي تتدلل على حبيبها.
أما المسلسلات والأعمال الدرامية، فكثير منها يصور الأنثى على أنها كائن يعاني من مشكلات سببها دائمًا - أنها أم وزوجة - ومعنى ذلك أن دوري المرأة الأساسيين هما سبب تعاستها، ويكمن حل هذه المشكلات في هذه الأعمال الدرامية في أن تتمرد الأنثى على هذين الدورين ومسئولياتها.
كما يلاحظ أن كثيرًا من الأعمال الدرامية تدعو المرأة إلى التمرد، وتقلل من قيمة ربة البيت.
من حق المشاهد أن يرى نموذجًا يقتدى به في وسائل الإعلام، ولكن نموذج الأنثى الذي تقدمه وسائل الإعلام يصعب الاقتداء به، بل إنه يؤدى إلى زيادة التفكك الأسرى، فعندما تعرض وسائل الإعلام الأنثى دائمًا بصورة مبهجة ومظهر أنيق، وفى أبهى زينة وأجمل ثياب، وهو ما يتحقق في الواقع بين الإناث بنسبة 30% فقط، فهذا قد يؤدى إلى زهد الأزواج في زوجاتهم اللاتي قد لا تستطيع الكثيرات منهن الوصول إلى ذات الدرجة من جمال إناث الإعلام.
ومن هنا تحدث المشكلات بين الأزواج، ويشعر الزوج بأنه غير راض عن مستوى جمال زوجته.
خطاب الندية والصراع:
والثغرة الأخرى في وسائل الإعلام في معالجتها لقضايا المرأة هي عدم الاهتمام بالثقافة الدينية، وتحول الخطاب إلى خطاب ندية وصراع، وكأننا في معركة بين المرأة والرجل ينتصر فيها البعض للمرأة على حساب الرجل أو العكس، والمفروض أن يكون الخطاب الإعلامي غير مستفز؛ لأن العائلة كلها في قارب واحد، إن غرق غرق بالذكر والأنثى معًا، وإن نجا نجا بهما معًا أيضًا.
والدراسات التي أجريت على المجلات النسائية المختصة في العالم العربي أكدت أنها تخصص 75% من صفحاتها للجوانب الجمالية والمظهرية للمرأة؛ كالأزياء والمكياچ، أو المشكلات العاطفية للقارئات، مما يكرس فكرة أن القضية الأولى للمرأة العربية هي اهتمامها بأنوثتها، وإغفال قدراتها كإنسانة وكمواطنة.
كما تولى وسائل الإعلام اهتمامًا مبالغًا فيه لبعض المهن مثل: الاهتمام بالفنانات، والرياضيات، وسيدات الأعمال على حساب المعلمات والباحثات والعالمات والفلاحات.
استراتيجية غائبة:
توجد صورتين مختلفتين للأنثى في وسائل الإعلام، الأولى: تبدو فيها الأنثى عاجزة، عديمة الثقة في زوجها وفى نفسها، والثانية تظهر فيها المرأة قادرة على اتخاذ القرار، مكتفية بذاتها، مستغنية عن الرجل.
وهذا يدل على غياب الاستراتيجية العامة لوسائل الإعلام، وعدم قدرتها على صنع صور إيجابية لفئات المجتمع المختلفة.
رشيقة رغم الزمن:
أن نتائج الدراسات التي أجريت في بلاد مختلفة، وعلى فترات زمنية متغايرة أظهرت وجود نوع من التنميط للأدوار التي يقوم بها الفرد في عالم الدراما بناء على جنسه، كما يوجد أيضًا تنميط للسمات الجسدية لكل من المرأة والرجل.
ففي دراسة تم خلالها تحليل مجموعة من المسلسلات الأمريكية، وجد الباحثون أن 69% من الشخصيات النسائية تتوافر لديهن صفة الرشاقة، في حين أن هذه السمة لم تتوافر إلا لدى 17% من الرجال الذين كانوا من ذوي القوام الرياضي في المسلسلات.
كما يلاحظ في الأعمال الدرامية أن الرجال يشيخون إذا كانت الأحداث ممتدة على مدى زمنى كبير، في حين لا يمر الزمن على النساء، فتظل الأنثى محتفظة بشكلها الجذاب، وإن تعارض ذلك مع المنطق الدرامي للأحداث.
إن المرأة في الفضائيات والإعلانات صارت هي المقياس التي تحدد معايير الجمال في الواقع الحقيقي للإناث، ومن ثم فمن اللافت للنظر أن تتحول غالبية النساء في محطات الإعلام العربية إلى شقراوات ملونات العيون، سواء بالنسبة للمذيعات أو فتيات الإعلانات، وهو ما لا يتفق مع السمات الشكلية للفتيات العربيات.
وفى دراسة بريطانية قديمة (1980م) تم تحليل صورة الأنثى التي احتلت صفحات الغلاف لبعض المجلات الإنجليزية، فوجدت الباحثة «فيرجسون» أن الصورة الأكثر تقديمًا للمرأة على غلاف المجلات هي الوجه الحالم للأنثى الذي يعطى إيحاءً بأنها متاحة وتحمل ملامحها دعوة صامتة للاقتراب.
ولا عجب أن تكون هذه هي أغلفة المجلات في بريطانيا أو أمريكا وغيرها من دول الغرب والشرق غير المسلمة، أما العجب العجاب فمن إعلامنا الذي لم يعد يرقب في إناثنا إلًّا ولا ذمة، وأصبح ينظر إليهن على أنهن جسد بلا روح، بلا عقل، بلا إحساس (3).
الهدف ربحي:
بعض الإعلاميين والقائمين على الإنتاج الفني يتجهون إلى إثارة قضايا تجذب إليهم أكبر قَدْر من المشاهدين، حتى لو أدَّت إلى تدهور الذوق العام وتغذية العقول بكل ما يُخالف عاداتنا وما تربَّينا عليه؛ بهدف جذب المعلنين وزيادة الأرباح، ولكن هذا ليس هو الدور الأصيل للإعلام، الذي ينبغي أن يكون دورًا مؤثرًا وفاعلًا بما يقدمه من رسائل إيجابية تُعزِّز القيم المجتمعية مثل قيم الانتماء والصدق والخير، وليس فقط التركيز على كل ما هو سلبي.
لنتوقف قليلًا عند التصورات الذهنية التي تُخَلِّفها كثير من اَلمشَاهَد التي تبثها معظم القنوات الفضائية في تكوين العلاقة بين الرجل والمرأة.
سنجد: التساهل في تكوين العلاقة المحرمة بين الرجل والمرأة واعتباره أمرًا طبيعيًا.
وسنجد: استساغة حمل المراهقات سفاحًا، واعتياد ذلك وشرح كيفية التخلص منه.
وسنجد: عدم الاستهجان أو الاستغراب لمواعدة الرجل المرأة الأجنبية لأمر مُحَرَّم، مع شرح الكيفية والوسيلة لتحقيق ذلك والتحايل لأجله، وهكذا الخلوة بينهما، والقيام بحركات مثيرة، من لمس، ونحو ذلك.
بل إنَّ كثيرًا من الناس لم يعودوا يستغربون أن تعرض بعض القنوات مشهد رجل وامرأة يضطجعان على سرير واحد.
ماذا ستكون النتيجة لهذه المشاهد المتكررة والمتلاحقة تلاحق الساعات والدقائق؟ (4).
إن مشاهد مناظر الحب والغرام المحرم والجنس تؤدي إلى ضعف الغيرة وانعدامها، وإلا فبأي شيء يفسر أن تبدي المرأة إعجاﺑﻬا بالفنان أو الممثل الفلاني، وأنه جميل قسيم وسيم، تصرح بذلك وتتلفظ به أمام زوجها، ولا تتحرك لذلك مشاعره، وكأﻧﻬا تتحدث من فراغ.
وبعض الناس يغفل عن أنه بتساهله بنظر زوجته إلى المشاهد المحرمة وخاصة مناظر الفاحشة ومقدِّمَاﺗﻬا وجلبه للأفلام واﻟﻤجلات الهابطة الداعية للفحش والغرام؛ أنه بفعل ذلك يكون قد مهَّد الطريق لإفساد بيته، وهذا ما يعبِّر عنه أصحاب الدراسات المتخصصة المعاصرة بالخيانة الزوجية، وهذا ما أكَّدته دراسة أكاديمية في رسالة علمية حول «الانحرافات السرية وظاهرة الخيانة الزوجية» وقد ذكرت الباحثة جملًة من الأسباب منها: خروج المرأة للعمل واختلاطها بزملائها الرجال وتحادثها معهم بخصوصياﺗﻬا، ومن ذلك: الاطلاع على الكتب والأفلام الجنسية والتي يحضرها الزوج أو لا يمانع من تعاطي زوجته لها (5).
ومن مَحَّصَ ما تعرضه القنوات الفضائية المنحرفة، بما فيها القنوات العربية فإنه يلحظ أﻧﻬا تقدم النموذج الغربي المتحلل من الأخلاق على أنه هو محل التقليد والإعجاب، مع تنحيتها للأخلاق والآداب الإسلامية؛ وبذلك دخل اﻟﻤﺠتمع المسلم في نفق التبعية والتقليد لما فيه هلاكه.
ومن الأمثلة: تصوير تعاطي الخمور بأنه لا حرج فيه وأنه شيء اعتيادي يشبه شربه شرب العصير والماء.
ومن الأمثلة: الدعاية للتقليعات الغربية في اللباس وتطويل الشعر وحلقه وتسريحه، وغير ذلك من المسالك المثيرة للاشمئزاز.
رسائل مضادة:
الإعلام يجب أن يكون نافذة المجتمع للوصول للأفضل في الفكر والذَّوق العام والتربية، فأطفالُنا وشبابنا يأخذون منه مبادئهم ومعلوماتهم، فتتشكل شخصيتهم وهويتهم، وهو أمر غاية في الخطورة، وعلى الإعلاميِّين أن يكونوا على قَدْر هذه المسؤولية، أمَّا أصحابُ الرسائل السلبية، فلا حَلَّ لهم إلا بمواجهتهم بالرسائل المضادة، فحتمًا الجيدُ يطرد الرديء.
ميثاق شرف:
ليس كل ما يُعرف يُعرض، وليس كل ما يُسمع يُنشر، لا بُدَّ أن نبحثَ عن المصداقية، كذلك هذا الغَثُّ من البرامج والمسلسلات، لا بد أن يكون هناك ميثاق شرف يضعه المسؤولون على الإعلام في الدول العربية، يخضع له كل ما يعرض ويدخل إلى البيوت للاتفاق على ما يعرض ويناسبنا، وما لا يناسبنا، ومِنْ ثَمَّ لا يعرض، ولا يترك الفضاء هكذا للأهواء وللضمائر الخربة، كلٌّ يصب به بما يرى ويهوى، وعلى الناس أنفسهم أن يكون لديهم الوعي والثقافة التي تُمَكِّنهم من فرز السيِّئ ورفضه من الجيد والالتفاف حوله.
هجمة شرسة:
هناك هجمة شرسة تتعرض لها الأمة تريد أن تخلع عنها رداء القيم والمبادئ التي تدثَّرت به قرونًا من الزمان، وعلينا أن نوقف هذه الموجة المتصاعدة من التوجُّهات والأفكار والقيم، التي تأخذنا إلى الهاوية، وتفرغ عقول أبنائنا مما تعبنا في جمعه واستقراره، وعلى الأسر أن تنتبه لذلك، وخاصة الأسر التي تربي البنات؛ لأنَّ البنت إذا فسدت، فسد المجتمع كله؛ لأنَّها من ستربي جيلَ المستقبل، فعلى الأم أن تنتبه ألا يكون جهازُ التليفزيون في حجرة الابن أو الابنة، أو جهاز الكمبيوتر، وأن تختار معهم ما يرونه؛ لينمي فكرَهم، ويُعزز قيمهم، وأن يكون وقت المشاهدة مُحَددًا وليس على إطلاقه، وأقول للإعلاميين الذين تَخصصوا في الإفساد وفي تشويه كل ما هو جميل وأصيل في الوطن العربي كله، وليس في منطقتنا فقط، أقول لهم: أنتم تُقدِّمون كل ما هو بذيء وينافي ما تربينا عليه من مبادئ وأخلاقيات أصيلة تَميزت بها مجتمعاتنا، فاتقوا الله واعلموا أنكم ستحاسبون.
نصائح هامة:
من باب المسؤولية التي هي واجب ديني على كل ربِّ أسرة وكل مربٍّ، أولًا: أن يبدأ بنفسه؛ لأنه مرآةٌ لأبنائه بأن يكونَ قدوة لأفراد الأسرة، وأن يتحكم في نوعية ما يدخله إلى بيته من أقمار صناعية؛ لأنَّ هناك أقمارًا مفتوحة على مصراعيها، ووضع شفرة للقنوات التي يرى بها ما يؤثر سلبيًّا على أفراد أسرته.
ألا ينفرد الابن أو الابنة بجهاز التليفزيون أو الكمبيوتر في غرفته، وخاصة إذا كان في سنٍّ صغيرة، أو في فترة المراهقة.
أنْ يُلاحق الأم والأب هذا التطور الهائل في الإعلام بجميع نواحيه بالتثقيف المستمر، والاطلاع على كل جديد، والآن انتشرت المعاهد والدورات التي تقوم بذلك؛ لمعرفة ما يطّلع عليه الأبناء ومشاركتهم فيما يفعلون ويشاهدون.
وضع أسس يقوم عليها البيت بتحديد ساعات للمُشاهدة أو الجلوس على جهاز الكمبيوتر، وأن تطبق على الجميع.
الصداقة والحوار الدائم والمفتوح بين أفراد الأسرة؛ لسهولة الإقناع والوصول إلى عقولهم وقلوبهم، وأن يكون لدينا إجابات واضحة ومقنعة لكل الأسئلة التي نتلقَّاها منهم، أو الاستعانة بمتخصِّصين في التربية أو الدين، وغير ذلك من أمور الحياة المختلفة.
تلك الآلة الإعلامية الخطيرة متعددة الآراء والتوجهات لا بُدَّ أن يقابلها حصانة أخلاقية ودينية وثقافية واسعة، نزرعها بحب وإقناع في نفوس أبنائنا؛ حتى لا تأخذهم التيارات والاختلافات إلى التخبُّط والتشتت في الأفكار، فيشبُّوا بشخصيات مشوشة غير سوية (6).
أخيرًا:
أين الذين نراهم عبر الفضائيات؟ أين الذين نقرأ لهم في الجرائد والمجلات؟ أين الذين يكتبون في الصحف صباح مساء؟ أين أصحاب الرأي والمشورة؟ أين أصحاب القلب الرقيق والعين الدامعة؟ أين أصحاب الشهادات الشرعية العليا، أين أصحاب العباءات المطرزة والعمائم الجميلة واللحى المهذبة؟
أين كل هؤلاء؟ وأين كل أولئك؟ مما يبث عبر تلك الفضائيات؟
***
______________
(1) التحذير من بعض القنوات الفضائية/ أرشيف ملتقى أهل الحديث 3/ الشاملة بتصرف.
(2) اختطاف العقل وتحويل انتباه الجماهير/ الشروق.
(3) امتهان المرأة في وسائل الإعلام/ طريق الإسلام.
(4) القنوات الفضائية وآثارها (ص: 18).
(5) ثبت علميًا (5/ 281).
(6) فضائيات تغيب العقل، وأخرى تغازل الجسد وتنتهك العادات/ طريق الإسلام.