logo

الأمن الفكري


بتاريخ : الأربعاء ، 7 ربيع الآخر ، 1441 الموافق 04 ديسمبر 2019
بقلم : تيار الاصلاح
الأمن الفكري

الأمن نعمة عظيمة منّ الله بها على عباده، وجعله قرينًا لأهل الإيمان في الدنيا إن قاموا بواجبهم في نشر دين الله والعمل بما شرع الله، قال الله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

وفي الآخرة بأمن أهل الطاعة من فزع الآخرة قال الله تعالى: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 79].

وقد لقن الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن يدعو لأمته بالأمن، فقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم: 35].

وقد امتن الله على قوم صالح بالأمن، فقال تعالى: {وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ} [الحجر: 82].

كما امتن به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67]، وقال تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص: 57].

والرسول صلى الله عليه وسلم يبين أن الأمن عامة أعظم مطلب للمسلم في هذه الحياة، وأنه بحصوله كأن المسلم ظفر بما في الدنيا من ملذات ومشتهيات، وكل ما يريده في دائرة الحلال فعن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا» (1).

فإذا كان المسلم آمنًا في محله، صحيحًا عنده من القوت ما يكفه عن سؤال الناس، فهو في نعمة عظيمة.

ولولا الأمن لفسدت الحياة بشتى مناحيها، والأمن الفكري على رأس أنواع الأمن وأخطرها أثرًا، ولو اختل الأمن الفكري، وفسدت العقول بالأفكار الهدامة، لاستحل الناس دماء بعضهم بعضًا، فلا يأمن الإنسان على نفسه ولا ماله ولا عرضه، وإذًا لاختلت الحياة بأسرها.

ولأننا نعيش في عصر تعددت وتنوعت فيه التحديات الفكرية والمشارب العقدية؛ لهذا كان لا بد أن نؤكد على أهمية دور التحصين العقدي وتعزيز الأمن الفكري، بحسبانهما حجر الزاوية في الحفاظ على وحدة وتماسك الصف المسلم، وغير خافٍ ما للإسلام من دور متعاظم في الحفاظ على أمن وسلامة الفكر للأمة المسلمة؛ بل وللبشرية جمعاء، إلا أن التاريخ يشهد منذ القدم على كثيرٍ من العقول البشرية التي لم تدرك الحقيقة، إما كِبرًا وتكبُّرًا، أو لقصورٍ في الفهم والوعي، أو لخللٍ في البيئة والثقافة، أو لعدم الإيمان بالمسئولية المجتمعية الوقائية، فكانت الاضطرابات والتفجيرات والقتل والتدمير، التي أحدثت خللًا بالأَمن الحسي، ستظل آثاره منطبعة في الذاكرة لأمد طويل.

إن الأمن على العقول لا يقل أهمية عن أمن النفوس والأموال، فكما أن للبيوت والأموال لصوصًا، فكذلك للعقول؛ بل إن لصوص العقول أعظم خطرًا وفتكًا، ومن هنا فقد سعى الإسلام إلى حماية الفكر المسلم من الانحراف من جهة التقصير والتفريط، والانحراف من جهة الغلو والتطرف، وخروجه عن دائرة الاعتدال والوسطية؛ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143]، وهذا النوع من الأمن هو الأساس فهو سبب صلاح المجتمع واستقرار الأحوال، ويتمثل الأمن الفكري في الإسلام في نشر العلم الصحيح النافع، والاهتمام بالعلوم الشرعية، واتباع منهج السلف الصالح في الاعتقاد والعمل والسلوك (2).

أهمية الأمن الفكري:

- توجيه الأنظار إلى العناية بالفِكر بتوفير كل أسباب حمايته واستقامته والمحافظة عليه، وكذلك العمل على رصد ودراسة كل ما من شأنه التأثير على سلامة الفِكر واستقامته.

- الأمن الفكري يتعلق بالمحافظة على الدين، الذي هو إحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية بحمايتها والمحافظة عليها، فالإسلام هو دين الأمة: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19]، وهو كذلك مصدر عزها وقوتها، وأساس تمكينها في الأرض: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

والإسلام كذلك هو مصدر ثقافة الأمة، ومستند علومها ومعارفها، وهو أساس علوها وتميّزها، لذلك كان في الأمن الفِكري الحماية لهذه الأسس والمرتكزات، والإخلال به إخلال بها، وهو ما يجعل الأمة عرضة للزوال، والتأثر بأديان الأمم الأخرى وثقافاتها وأفكارها، وبذلك تفقد سر تميزها، وأساس وجودها وعظمتها.

- الأمن الفِكري غايته استقامة المعتقد، وسلامته من الانحراف، والبُعد عن المنهج الحق، ووسطية الإسلام، ولذلك فإن الإخلال به يعرّض الإنسان لأن يكون عمله هباء منثورًا لا ثِقل له في ميزان الإسلام، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان:23]، وقال تعالى أيضًا: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)} [الغاشية: 1- 4].

- أن الإخلال بالأمن الفِكري يؤدي إلى تفرق الأمة وتشرذمها شيعًا وأحزابًا، وتتنافر قلوب أبنائها، ويجعل بأسهم بينهم شديد، فتذهب ريح الأمة، ويتشتت شملها، وتختلف كلمتها.

ولقد نهى الله عن الاختلاف في محكم التنزيل، فقال: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]، وقال أيضًا: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].

ولا شك أن من أعظم أسباب اختلاف القلوب وتفرق الصفوف هو الخِلاف العقدي، فبه تستحل الدماء، ويلعن بعض الأمة بعضها الآخر، ولذلك كان من صفات الخوارج أنهم: «قوم يقرءون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» (3).

- المحافظة على سلامة العقول وهدايتها، فالعقل هو آلة الفكر، وأداة التأمل والتفكر الذي هو أساس استخراج المعارف، وطريق بناء الحضارات، وتحقيق الاستخلاف في الأرض، ولذلك كانت المحافظة على العقل، وحمايته من المفسدات، مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلاميّة، وسلامة العقل لا تتحقق إلا بالمحافظة عليه من المؤثرات الحسية والمعنوية.

قال الشاطبي رحمه الله: إن اللهَ جعل للعقول في إدراكها حدًا تنتهي إليه لا تتعداه، ولم يجعل لها سبي إلى الإدراك في كل مطلوب، ولو كانت كذلك لاستوت مع الباري تعالى في إدراك جميع ما كان وما يكون وما لا يكون، إذ لو كان كيف كان يكون (4).

ولذلك يجب صيانة الفكر من:

أولًا: النظر والتأمُّل فيما لا يدركه العقل؛ قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]، فقد أبان الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن الروح مما استأثر الله بعلمه، والاشتغال بما استأثر الله بعلمه ضرب في البيداء، ولا قُدرة للعقل في التعرف عليه، لأنه فوق مرتبة العقل.

وقد جعل الله النّظر في مُتشابهات القرآن سبيل أهل الزيغ والفساد، فقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]، وذلك لأن بعض المتشابه لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته، وهو موضع خضوع العقول لباريها استسلامًا واعترافًا بقصورها، فالاشتغال به يقود إلى الضلال، والخروج عن مقتضى العبودية والاستسلام لله رب العالمين.

ولذلك ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيغًا لمـّا أكثر السؤال عن المتشابهات، فقد أخرج الدارمي عن سليمان بن يسار: أن رجلًا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه وقد أعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، فأخذ عمر عرجونًا من تلك العراجين، فضربه وقال: أنا عبد الله عمر، فجعل له ضربًا حتى دمي رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي (5).

وقد جاء عن النبي صلَّى الله عليه سلَّم أحاديث ترسم للعقل حدوده، وتعقله عن الخوض في غير مجاله، فقد روى الطبراني عن سالم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تفكَّروا في آلاء الله، ولا تتفكَّروا في الله» (6)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا، فليقل: آمنت بالله» (7).

لقد أخبرنا الله عن نفسه، فقال سبحانه: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، فالتفكُّر في ذاته تعالى إشغال للعقل بما ليس في وسعه أن يدركه، وزج به في متاهات لا توصل إلى الحق، بل إلى الريبة والشك والاضطراب، ولذلك جاء النهي صريحًا عن التفكُّر في ذات الله، لأنَّه لا يصل فِكر الإنسان -مهما أعمله- إلى إدراك كنه ذات الله سبحانه وكيفيته، "لأنَّ التفكير والتقدير يكون في الأمثال المضروبة والمقاييس وذلك يكون في الأمور المتشابهة وهي المخلوقات.

وأمَّا الخالق جل جلاله فليس له شَبيه ولا نظير، فالتفكر الذي مبناه على القياس، ممتنع في حقه وإنما هو معلوم بالفطرة، فيذكره العبد، وبالذكر وبما أخبر به عن نفسه، يَحصُل للعبد من العلم بِه أمور عظيمة، لا تنال بمجرد التفكير والتقدير.

ثانيًا: النظر والتأمُّل فيما لا فائدة من النظر فيه؛ ومما يجب أنْ يُصان عنه العقل: قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189]، ففي هذه الآية أجاب الله السائلين بغير ما يتطلبه سؤالهم، وذلك لأنَّ الصحابة رضي الله عنهم لمـا تاقت نفوسهم إلى تعلم هيئة القمر منه صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: يا نبي الله ما بال الهلال يبدو دقيقًا ثم لم يزل يكبر حتى يستدير بدرًا؟ نَزل القرآن بالجواب بما فيه فائدة للبشر وتَرك ما لا فائدة فيه، وذلك في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...} الآية.

فوائد حجز العقل عن الخوض فيما لا يدرك أو ما لا فائدة فيه:

إنَّ في منع الفِكر من الاشتغال بما ليسَ في وسعه إدراكه، وحفظه من الخوض في غير مجاله، وإبعاده عن الاشتغال بما ليس فيه فائدة، إنّ في ذلك فوائد جمَّة، وآثارًا حسنةً تَرجع على صاحب الفِكر والمجتمع الذي يعيش فيه؛ ومن تلك الفوائد:

- حماية المكلّف من الوقوع في مَعصية القول على الله بغير عِلم، ومن قول ما لا يعلم، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

- حماية المكلف من الحيرة والشك والاضطراب، لأن إطلاق سراح العقل ليخوض في كل شيء، قد يفضي بِه إلى الشك والحيرة والاضطراب، وعند ذلك فلا يستغرب أن ينتج لنا فِكرًا مضطربًا مشوشًا، فيَضِل به، ويُضل.

- حماية المكلَّف من اعتناق المذاهب المنحرفة والأفكار المضلة؛ نتيجةً لإدخال العقل في مجال غير مجاله، والنّظر في مصادر معرفيّة لا تستند إلى المرجعيّة الإسلاميّة، كاعتناق المذاهب والأفكار المنحرفة والبعيدة عن هديّ الوحي، ووسطيّة الإسلام. فالتكفير والإرجاء، والتشيّع، والاعتزال، والتأويل، والإعراض عن الشرع، والعقلانية، والديمقراطية، والعلمانية، والليبرالية، كلّ ذلك إنّما كَان عندما استقى الفِكر معارفه من مصادر غَير مأمونة، وحينما لم يُلتزم بالحدود الشرعيّة للعقل، وجُعل مصدرًا تُتلقى منه العقائد وعلم الغيب، وحكمًا على شرع الله.

- حماية المجتمع من الأفكار المضلَّة، وثمرات الفِكر المنحرف، ولكي يكون الفِكر مستقيمًا، لا بُدَّ من أنْ يلتزم المنتج لذلك الفِكر بمنهج الإسلام وحدوده، حينما يتأمل وينظر في المحسوسات والمعقولات، وحينما يستخرج من ذلك النظر العلوم والمعارف.

فإذا لم يلتزم المفكر بذلك، فلعلَّه يُنتج فكرًا مُنحرفًا، يوقع الشكّ والريبة في قلوب النّاس، ويحملهم على البُعد عن الصراط المستقيم، والمنهج الحقّ، والخُلق القويم.

- العمل على استنباط مناهج التفكير المستقيم، فالإيمان بوجوب صيانة العقل حَال نظره وتأمله، يبعث في نفوس أهل العلم والاستنباط الهمَّة لوضع القواعد السليمة، والمناهج المستقيمة للتفكير، مستقاة من الكتاب والسنة ومصادر الشريعة الإسلامية الأخرى، ونشر تلك القواعد وتضمينها في مناهج التربية والتعليم في بلاد المسلمين، لأن تلك القواعد الشرعيّة تساعد في حماية المجتمع المسلم من الانحراف الفِكريّ، إذْ على ضوئها نضمن أنْ يكون فعل النفس الإنسانية وحركتها حين تأملها ونظرها، ومنتجات الفكر البشري وموضوعاته، منضبطةً بالضوابط الشرعيّة، وملتزمةً بالحدود الآمنة للفِكر، وعلى ضَوئها أيضًا نستطيع أنْ نحكُم على استقامة الأفكار وانحرافها، ونعرف مدى فائدة تلك الأفكار وضررها.

تعزيز الأمن الفكري بين الواجب والضرورة:

إنَّ الأَمن الفِكريّ هو تحقيق الطُّمأنينة على سلامة الفِكر والاعتقاد بالاعتصام بالله، والأخذ من المصادر الصحيحة، مع التحصُّن من الباطل والتفاعل الرشيد مع الثقافات الأُخرى، ومعالجة مظاهر الانحراف الفِكريّ في النّفس والمجتمع، فالشّريعة الإسلاميّة جاءت لحفظ الضرورات الخمس (الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض) وبالتالي فإنَّ بناء مفهوم «الأَمن الفِكريّ» في الإسلام، يستدّعي مراجعة نصوص الشريعة وتطبيقاتها، للخلوص برؤيّة مُتكاملة لتحقيق التعزيز الأمثل لهذا المفهوم، وهو عملٌ ينبني على الاستقراء الموصل لليقين، مع دراسة المفاهيم التي تتصل بهذا المفهوم، أو تتقاطع معه، أو تختلط به.

ويتحقَّق ذلك بالآتي:

أولًا: الوعي بالمفاهيم والمصطلحات، والعمل على تحريرها:

يُعدُّ العلم بحقائق الأشياء، والوعي بالمفاهيم أساسًا لسلامة الفِكر والاعتقاد، إذْ تجد كثيرًا من المشكلات والمخالفات العقديّة والفِكريّة يعود إلى اختلاف المفاهيم، أو الجهل بحقائق الأمور، وهذا أمرٌ متفقٌ عليه بين الأمم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنَّ كثيرًا من نزاع النّاس سببه ألفاظٌ مُجملة مُبتدعة، ومعانٍ مشتبهة، حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سُئل كلّ منهما عن معنى ما قاله، لم يتصوّره فضلًا عَنْ أَنْ يَعرف دليله.

ثانيًا: ضبط مفهوم الاختلاف وواقعه:

لتحقيق الأَمن الفِكريّ، لا بُدَّ أنْ يعتني الإعلام الموجَّه بالاختلاف، ويضبط أَمره، وذلك عَبر الاهتمام بجوانب، أهمها:

بيان أنَّ الاختلاف بين البشر واقعٌ قدرًا، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118]، فالخلاف بين البشر بتصوّراتهم وأفكارهم وعقائدهم، سُنّة قدريّة منْ سُنن الله في الخلق لا يُمكن مغالبتها وإنكارها.

والاختلاف أُمرنا باجتناب أَسبابه وتقليل آثاره، مع كون الخِلاف بين الخلق واقع كونًا وقدرًا، إلا أَننا كُلِّفنا شرعًا بتجنب أسبابه، والتقليل من آثاره ومضاره، فـقد ذم الله الاختلاف، وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمه، ولو كان التّنازع من حكمه مَا أَمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة.

ثالثًا: الحكمة ضالة المؤمن:

في المثال: الحكمة ضالّة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحقّ الناس بها، وقد قرّر ابن حجر رحمه الله في ذكر فوائد هذا الحديث أنَّ الحِكمة قد يتلقّاها الفاجر، فلا ينتفع بها، وتؤخذ عنه فينتفع بها، وأنّ الكافر قد يَصدق (8).

التعزيز التربويّ للأَمن الفِكريّ:

ويكون بالآتي:

أولًا: بنشر العلم الشرعيّ: إنَّ كثيرًا من أسباب الانحراف الفِكريّ، تعود إلى الجهل، فالجهل أساسٌ من أُسس الانحراف، ولقد أُمرنا بطلب العلم ونشره، لأنَّ العمل الصالح لا يكون إلا بعلم، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، والمراد بالعلم المأمور به في نصوص الشريعة: العلم الشرعيّ، علم الكتاب والسنّة.

ثانيًا: نشر الوسطيّة والاعتدال: فالمسلمون هُم الأُمّة الوَسط، يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، والصّراط المستقيم هو الوسطيّة التي هي سمة هذه الأُمة، فالله عز وجل علَّمنا أنْ ندعوه أنْ يرزقنا الهداية إلى الصراط المستقيم، ويسلمنا من الانحراف بعامة، يقول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 6- 7].

ثالثًا: ربط الأُمّة بعلمائها: ذلك أنَّ نجاة النّاس منوطةٌ بوجود العُلماء، فإنْ يُقبض العُلماء يَهلكوا، فعن عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالـمًا، اتخذ النّاس رؤوسًا جهّالًا، فسُئلوا، فأَفتوا بغير عِلم، فضَلُّوا وأَضَلُّوا» (9).

رابعًا: حماية جَناب أهل العلم مِنَ الطّعن والذّم: إنَّ منزلة العِلم تقتضي حماية أَهل العلم من التطاول بالقدح أو الذّم أو الاستهزاء بهم، لأنَّ الطعن فيهم إنَّما هو طعن بعقيدة وفِكر الأمة وهو انحراف يولّد انحرافًا مقابلًا وربما عُنفًا وفسادًا.

خامسًا: تقديم الأصلح في المنابر الإعلامية: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر السّاعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أُسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (10).

التعزيز الوقائي للأمن الفكري:

كما يعزز الإعلام ثقافة الأمن الفكري بالتأصيل، فإنه يعززها بالوقاية والتحصين أيضًا، وذلك من عدة أوجه، نذكر منها:

أولًا: التحذير من الفِرق المخالفة لمنهج الحق: فأمن المجتمع بشكل عام إنما هو راجع لهذا المنهج «ما أنا عليه وأصحابي» (11)، ومن خرج عليه فقد فتح على نفسه وعلى مجتمعه باب قلاقل واضطراب وفتن لا تنتهي إلا بالرجوع لهذا المنهج الحق، فهو العاصم المانع، وهو السد الدافع لكل من أراد النيل من الأمة، وأمنها واستقرارها.

لذا جاء تحذير الشريعة من فِرق الضلال، وأمرت بلزوم منهج الحق، ورأس ذلك بيِّن في قوله صلى الله عليه وسلم: «افتَرَقَت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فِرقةً، وتَفرَّقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقةً، وتفتَرقُ أمَّتي على ثلاث وسبعين فرقةً» (12).

ثانيًا: التحذير من أعمال أهل الضلال: وأظهر هذا التحذير حين حذرت الشريعة من (الغلو) باعتباره منهجًا مُنحرفًا يسوق مناصريه إلى الهلاك بما يحمله من فساد وإفساد، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171]، أي: لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق.

وفي الحديث: «وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (13)، والنّهي هنا وإن كان خاصًّا، فهو نهي عام لكل غلو.

ثالثًا: ذِكر أخبار الأُمم لأخذ العِبرة من أسباب ضلالهم: قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، وجاءت لفظة {عِبْرَةٌ} منكرًا، لتفيد الشمول والعموم، ففي قصصهم عِبرة عن كلّ شيء، وفي كلّ شيء لكنّ الاعتبار محصورًا: {لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

ويعدّ استخدام «إنما أهلك من كان قبلكم» أحدُ الأساليب التي اعتمدتها السّنة في التبليغ والبيان، والوعظ والإرشاد، فمن ذلك: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوني ما تركتكم، إنّما هلك من كان قبلكم، بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكُم عن شيءٍ، فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» (14).

رابعًا: التحذير من الأئمة المضلين: قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة: 5]، قال ابن حزم رحمه الله: لا آفة على العلوم وأهلها أضرّ من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها، فإنَّهم يجهلون ويظنُّون أنَّهم يعلمون، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون (15) (16).

القرآن والأمن الفكري:

والقرآن الكريم حمى الفكر وثبت أسس الأمن الفكري عن طريق الملامح التالية:

القرآن الكريم نقّى عقل المسلم من الخرافة، والسحر، والشعوذة، والوهم، وادعاء علم الغيب، وذلك حماية للعقل كي لا تسيطر عليه الخرافات والأوهام التي يهذى بها أهل الشعوذة والدجل ومن نحا نحوهم، ودعا القرآن الكريم إلى استخدام العقل للوصول إلى الإيمان بالله والتمسك بمنهجه عقيدة وشريعة قال تعالى: {وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس: 61]، والقرآن الكريم لا يرضى للمسلم أن يكون إمّعَة يأخذ برأي غيره أو ينقاد بغير تفكير ولا تبين، بل الواجب أن ينظر ويفكر ويتفقه حتى يحقق الاعتدال في التفكير عملًا بقوله تعالى: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101]، القرآن الكريم دعا إلى تنقية العقل من الأحكام المبنية على الظنون والتخمينات، فالظن في الإسلام لا يغني عن الحق شيئًا، قال تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28].

كما حذّر القرآن من إتباع الهوى لأنه يحول بين الشخص وبين الوصول للمعرفة الصحيحة قال: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [المؤمنون:71].

نجد أن القرآن الكريم ينهى عن الغلو في الدين كما قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} [المائدة: 77]، يقول الطبري في تفسيرها: لا تفرطوا في القول فيما تدينون به من أمر المسيح فتجاوزوا فيه الحق إلى الباطل فتقولوا فيه هو الله، أو هو ابنه؛ ولكن قولوا عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ومن السنة يقول صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (17).

ونهى القرآن عن الجهل لأنه من أعظم أسباب الغلو والتطرف والضلال الفكري؛ بل يؤدي الجهل إلى القول على الله بلا علم؛ {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]، فالقرآن الكريم يضمن لحافظه وقارئه ومتدبر آياته الاستقامة الفكرية والاعتدال الخلقي، والبعد عن سبل الضلالة والغواية والغلو والتطرف.

إن قارئ القرآن ليدرك بحفظه وتدبره قواعد الاعتدال والوسطية وهو يقرأ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، بل ليدرك وهو يقرأ: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] (18).

***

_____________

(1) أخرجه الترمذي (2346).

(2) مجلة البحوث الإسلامية، الافتتاحية (العدد: 86).

(3) أخرجه البخاري (3344)، ومسلم (1064).

(4) الاعتصام للشاطبي (2/ 831).

(5) أخرجه الدارمي (146).

(6) أخرجه الطبراني في الأوسط (6319).

(7) أخرجه مسلم (134).

(8) فتح الباري لابن حجر (4/ 489).

(9) أخرجه البخاري (100)، ومسلم (2673).

(10) أخرجه البخاري (59).

(11) أخرجه الترمذي (2641).

(12) أخرجه أبو داود (4596).

(13) أخرجه النسائي (3057).

(14) أخرجه ابن حبان (19).

(15) الأخلاق والسير في مداواة النفوس (ص: 23).

(16) تعزيز ثقافة الأمن الفكري - شبكة الألوكة.

(17) أخرجه ابن ماجه (3029).

(18) أثر القرآن الكريم في حماية الفرد من الانحراف والتطرف/ طريق الإسلام.