logo

نماذج من التحفيز النبوي


بتاريخ : الأحد ، 17 شوّال ، 1444 الموافق 07 مايو 2023
بقلم : تيار الاصلاح
نماذج من التحفيز النبوي

التحفيز بأبسط العبارات هو: مجموعة من الدوافع التي تدفعنا لعمل شيء ما، وهو بهذه العبارة يعني التغيير الايجابي نحو الأفضل.

إن أدوات التحفيز تساعد كثيرًا المربي والقائد في ايجاد بيئة تربوية في مناخ نفسي مطمئن، لهذا تجد أن أكثر الناس إن لم يكن كلهم هو بحاجة إلى التحفيز الذي يساعد على هذه الطمأنينة والراحة النفسية.

في العصر الذي شاع فيه الانبهار بكل ما آت من الغرب من علوم ومعارف، وكثر فيه الاستشهاد بأقوال المستشرقين والمفكرين الغربيين في شتى المجالات والاختصاصات -وخصوصًا فيما يتعلق بالمجال التربوي- أرى من الضرورة بمكان التذكير ببدهية وجود ما يغني المسلمين في كتاب ربهم وسنة نبيهم عن الحاجة للرجوع إلى مصادر التربية الغربية، والتأكيد على أن هناك الكثير من الكنوز التربوية التي لم يتم الكشف عنها بعد، وخصوصًا في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تعتبر مصدرًا عمليًا ثريًا من مصادر وسائل وطرق التربية الإسلامية.

معوقات التحفيز:

إن من أهم أساليب ترويض النفس وتعويدها على ما هو مطلوب منها: أسلوب التحفيز التربوي، والمقصود منه: حفز النفس وتشجيعها على العمل المثمر البناء، والديمومة عليه وتجويده والتميز فيه سواء عملًا في الدنيا أم للآخرة.

لكن، ولحكمة ما، فإن النفس البشرية يعرض لتحفيزها على عمل ما جملة من الأساليب يمكن أن نطلق عليها اسم معوقات تثبط النفس عن العمل وتمنعها من الجد والنشاط، وسنعرض فيما يلي موجزًا لهذه المعوقات:

1- الغفلة:

قال الراغب: هو سهو يعتري الإنسان من التحفظ والتيقظ (1)، ويمكن انطلاقًا من مجموعة من نصوص في القرآن الكريم والسنة أن نقسم الغفلة إلى ثلاثة أقسام:

أ‌- غفلة طارئة: وهي غير مستقرة في القلب، لا تلبث أن تزول عند وجود ما يعارضها وهي الذكرى.

ب‌- غفلة متكررة: وهذا النوع لا يسيطر على القلب بالكلية، ولكن في أحيان كثيرة يكون القلب مريضًا، مما يتعذر معه الاستمرار في العمل الصالح على النحو المطلوب منه.

ت‌- الغفلة التامة الكاملة: وهي التي تحجب نور القلب بحيث يصبح مظلمًا لا خير فيه، ولا ينفع مع صاحبه تحفيز.

2- الفتور:

 ونعني به الانقطاع بعد الاستمرار أو السكون بعد الحركة، وقد يراد به الكسل أو التراخي أو التباطؤ.

يقول سيد نوح عن الفتور: فهو داء يمكن أن يصيب بعض العاملين، بل قد يصيبهم بالفعل، أدناه الكسل أو التراخي أو التباطؤ، وأعلاه: الانقطاع أو السكون بعد النشاط الدائب والحركة المستمرة (2).

وجاء في الحديث: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل» (3).

ومن أسباب الفتور: التشدد والإغراق في العمل ولو كان دينًا أو عبادة، والإسراف من الشيء ولو كان طعامًا أو شرابًا، وعدم إدراك أهمية العمل الذي يقوم به.

وينتج عن الفتور آثار وخيمة على المرء، تؤثر سلبًا على شخصيته وعمله وعلى سلوكه وعلى نمط حياته أحيانًا.

3- الهم والحزن:

يقول ابن القيم حول مصطلحي الهم والحزن مع ذكر التقارب والفرق بينهما: الهم والحزن قرينان، وهما الألم الوارد على القلب، فإن كان على ما مضى فهو الحزن، وإن كان على ما يستقبل فهو الهم (4).

قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، الحزن يكون في القلب والوهن يكون على الأبدان، والمطلوب هو الشجاعة والصبر ودفع الحزن، لأن للحزن أثار خطيرة على القلب، يمنع صاحبه من السير والإقدام والتجديد والنهوض بالمهام، ذلك لأن الحزن والهم يضعف القلب، ويضر الإرادة، ويوهن العزم وبالتالي يكون عقبة أمام التحفيز (5).

ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم وهو القائد والمربي والإمام والنبي على تحفيز أصحابه رضوان الله عليهم في غير ما موضع، وقد كانت آثار هذا التحفيز النبوي بادية واضحة في سيرته صلى الله عليه وسلم.

ولأنه القدوة صلى الله عليه وسلم والأسوة، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، ولهذا قال الإمام ابن كثير في تفسيره: هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، فإنني سأستعرض في هذه السطور مجموعة من مجالات التحفيز التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم.

مجالات التحفيز النبوي:

أولًا: التحفيز بإظهار الاهتمام والحب:

فهذا صاحبه وخادمه ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه، يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أهل الصفة الفقراء، ولقد تجلى موقف التحفيز النبوي مع هذا الصحابي الكريم في هاتين القصتين:

الأولى: عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «يا ربيعة، ألا تزوج؟»، قال: قلت: لا والله يا رسول الله ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني فخدمته ما خدمته ثم قال لي الثانية: «يا ربيعة، ألا تزوج؟»، فقلت: ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني، والله لئن قال: تزوج لأقولن: نعم يا رسول الله، مرني بما شئت، قال: فقال: «يا ربيعة، ألا تزوج؟» ، فقلت: بلى مرني بما شئت، قال: «انطلق إلى آل فلان» حي من الأنصار -وكان فيهم تراخ- عن النبي صلى الله عليه وسلم «فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة لامرأة منهم»، فذهبت فقلت لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم، يأمركم أن تزوجوني فلانة فقالوا: مرحبًا برسول الله، وبرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا يرجع رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحاجته فزوجوني وألطفوني، وما سألوني البينة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينًا، فقال لي: «ما لك يا ربيعة؟»، فقلت: يا رسول الله، أتيت قومًا كرامًا فزوجوني، وأكرموني وألطفوني وما سألوني بينة، وليس عندي صداق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بريدة الأسلمي، اجمعوا له وزن نواة من ذهب»، قال: فجمعوا لي وزن نواة من ذهب، فأخذت ما جمعوا لي فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «اذهب بهذا إليهم فقل: هذا صداقها»، فأتيتهم فقلت: هذا صداقها فرضوه وقبلوه، وقالوا: كثير طيب، قال: ثم رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حزينا فقال: «يا ربيعة، ما لك حزين؟»، فقلت: يا رسول الله، ما رأيت قومًا أكرم منهم رضوا بما آتيتهم وأحسنوا وقالوا: كثيرًا طيبًا، وليس عندي ما أولم، قال: «يا بريدة، اجمعوا له شاة»، قال: فجمعوا لي كبشًا عظيمًا سمينًا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب إلى عائشة فقل لها: فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام»، قال: فأتيتها فقلت لها ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: هذا المكتل فيه تسع آصع شعير لا والله إن أصبح لنا طعام غيره، خذه فأخذته، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته ما قالت عائشة، فقال: «اذهب بهذا إليهم فقل: ليصبح هذا عندكم خبزًا»، فذهبت إليهم، وذهبت بالكبش، ومعي أناس من أسلم فقال: ليصبح هذا عندكم خبزًا، وهذا طبيخًا، فقالوا: أما الخبز فسنكفيكموه وأما الكبش فاكفونا أنتم، فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم فذبحناه وسلخناه، وطبخناه، فأصبح عندنا خبز، ولحم فأولمت، ودعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم (6).

وفي هذه القصة صور متألقة من التحفيز النبوي، ومنها:

1- إلحاح النبي صلى الله عليه وسلم على ربيعة رضي الله عنه بالزواج مع علمه بفقره وحاجته، لعلمه صلى الله عليه وسلم مدى حاجة الإنسان للزواج.

2- إحساس التحفيز استقر في قلب ربيعة رضي الله عنه مع تكرار النبي صلى الله عليه وسلم عليه، لهذا قال: ثم رجعت إلى نفسي فقلت والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم مني بما يصلحني في الدنيا والآخرة، والله لئن قال لي تزوج لأقولن نعم يا رسول الله مرني بما شئت.

3- لم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوة ربيعة للزواج فحسب بل ساعده عليه وسلم بوجهاته، في اختيار الزوجة، ووليمة الزواج، ثم كان تحفيز منه صلى الله عليه وسلم من نوع آخر، عندما شرف تلك الوليمة بحضور ذلك الزواج المبارك.

أما القصة الثانية: فهي قول ربيعة رضي الله عنه: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: «سل» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك، قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» (7).

أي تحفيز بعد هذا التحفيز، وأي تواضع بعد هذا التواضع، وأي تكريم بعد هذا التكريم، وكيف بالرسول الذي يوحى إليه صلى الله عليه وسلم وهو يسأل خادمه عن حاجته، وهذا الأمر لم يكن مخصوصًا بربيعة فحسب؛ بل شامل لجميع خدمه صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «كان مما يقول للخادم: ألك حاجة» (8)، وفي هذا بيان باهتمامه صلى الله عليه وسلم بكافة شرائح المجتمع وتحفيزهم.

إن التحفيز بإظهار الحب والاهتمام تكرر من النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع، والأحاديث والسيرة النبوية شاهدة على ذلك.

ثانيًا: التحفيز بلفت الانتباه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: مات، قال: «أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره» - أو قال: «قبرها»- فأتى قبرها فصلى عليها (9)، هذه المرأة السوداء رضي الله عنها كانت تكنس المسجد وتزيل ما فيه من القذرات، وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا كأنه ينقل لنا مجموعة من الرسائل التحفيزية:

أولها: تحفيز هذه المرأة رضي الله عنها بإتيان قبرها والصلاة عليها من أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم، وهذه منقبة ظاهرة لهذه المرأة رضي الله عنها.

الثاني: أن صلى الله عليه وسلم بفقدها لها يوضح للأمة ما ينبغي أن يكون عليه القائد بالاهتمام بكافة شرائح المجتمع.

ثم رسالة ثالثة ومهمة؛ وهي أن البعض قد يستصغر ما كانت تقوم هذه المرأة من كنس المسجد، ولهذا جاء في بعض الروايات الصحيحة (فكأنهم صَغَّرُوا أمرها) فبين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله واهتمامه هذا أن تقدير العاملين ينبغي أن يكون للجميع مهما كان صفة عمله، ولننظر إلى أولئك نظرة احترام وتقدير لما يقدمون.

ثالثًا: التحفيز بالعاطفة والاستحواذ على القلوب:

ومن أبلغ أمثلة التحفيز النبوي على هذا النوع، هذه القصة العظيمة التي حفظتها لنا كتب السنة، ومفادها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح حنينًا قسم الغنائم، فأعطى المؤلفة قلوبهم، فبلغه أن الأنصار يحبون أن يصيبوا ما أصاب الناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، ومتفرقين فجمعكم الله بي»، ويقولون الله ورسوله أمن، فقال: «ألا تجيبوني»، فقالوا لله ورسوله المن والفضل، فقال: «أما إنكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا»، وكان من الأمر كذا وكذا لأشياء عددها زعم عمرو أن لا يحفظها، فقال: «ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، الأنصار شعار والناس دثار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا وشعبًا لسلكت وادي الأنصار» (10).

بهذه الكلمات خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قلوب الأنصار رضي الله عنهم ومشاعرهم قبل أن يخاطب آذانهم، وأكد لهم حقيقة الأمر، وحفزهم عليه الصلاة والسلام حتى رضوا بالله ورسوله والدار الآخرة، وكان من وصفهم: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسمًا وحظًا.

رابعًا: التحفيز المادي:

ومن تنويع النبي صلى الله عليه وسلم في التحفيز فقد كان يحفز البعض بالمادة، وقصة الأنصار السابقة دليل على تحفيزه صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، تحفيزًا للناس لهذا الدين وترغيبًا لهم بالإسلام، ففي صحيح مسلم، عن أنس رضي الله عنه: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، قال فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة (11).

عن عقبة بن عامر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم، ولا قطع رحم؟»، فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل» (12).

خامسًا: التحفيز المعنوي:

حفظت لنا كتب السيرة هذه القصة التحفيزية، فقد كان مفتاح الكعبة قبل فتح مكة مع بني أبي طلحة، وذات يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ادعوا إلي عثمان فدعي له عثمان بن أبي طلحة»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان يومًا، وهو يدعوه إلى الإسلام ومع عثمان المفتاح فقال: «لعلك سترى هذا المفتاح بيدي أضعه حيث شئت»، فقال عثمان لقد هلكت إذا قريش وذلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل عمرت وعزت يومئذ».

فلما دعاني بعد أخذه المفتاح ذكرت قولة ما كان قال، فأقبلت فاستقبلته ببشر واستقبلني ببشر، ثم قال: «خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها إلا ظالم، يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته فكلوا بالمعروف»، قال عثمان: فلما وليت ناداني فرجعت إليه، فقال «ألم يكن الذي قلت لك؟» قال فذكرت قوله لي بمكة فقلت: بلى، أشهد أنك رسول الله فأعطاه المفتاح (13)، هذا التحفيز المعنوي من النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي طلحة جعله يسلم وينطق بالشهادة فرضي الله عنه وأرضاه.

سادسًا: التحفيز بالتلقيب المناسب:

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحفز أصحابه رضوانه عليهم ويصفهم بألقاب يحملونها في حياتهم وبعد مماتهم وهي منقبة لهم عظيمة وكبيرة.

فلقب أبا بكر بالصديق تحفيزًا له على تصديقه ومؤازرته للنبي صلى الله عليه وسلم، ولقب خالدًا بن الوليد بسيف الله تحفيزًا له شجاعته وإقدامه في الغزوات، ولقب أبا عبيدة بأمين هذه الأمة، وغيرها من الألقاب التي بقيت لهم وسام شرف من قائد الأمة صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم.

سابعًا: التحفيز بالقول:

وهذا النوع من أكثر من أنواع التحفيز التي كان صلى الله عليه وسلم يكثر منها؛ وسأكتفي بثلاثة أمثلة على ذلك:

1- في الحديث الصحيح قال صلى الله لعيه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا»، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى (14).

2- قال صلى الله عليه وسلم: «من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» (15).

3- قال صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (16).

ثامنًا: تحفيز العقول بالسؤال:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه عن الأمر وهو يَعلَمه، وذلك ليثير فضولهم ويزيدهم علمًا، ثم يأتي هو ويُقِرّ أو يصحح ما أجابوا عنه بما يوافق الشرع الحنيف، فكان بهذا يستحثهم هم على السؤال ومعرفة المزيد عن أمور دينهم ودنياهم.

لقد تكرر من النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب تحفيز عقول أصحابه رضوان الله عليهم عن طريق السؤال، فتارة يقول لهم: «أتدرون من المفلس؟»، وأخرى يقول لهم: «أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنة؟»، وثالثة يقول لهم: «أتعلمون من الشهيد من أمتي؟».

لقد جاءت أسئلةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم لِمَن حوْله، تَستَهدِف أمورًا عدَّة: التعرُّف على حقيقة الأمر، ترغيب السامِع في المعرفة، إطلاع السامعين على الجديد في الدِّين، وتحفزهم للتعلم والاستزادة من الخير.

فوائد طرح الأحاديث بصيغة أسئلة وأجوبة:

أولًا: تلك الحوارات قد أثارت الكثير من التساؤلات وفي نفس الوقت أجابت عنها، وهي في معظمها أحاديث صحيحة، أدت إلى إرساء الكثير من التشريعات والسنن، بالإضافة إلى توضيح أجور وثواب وعقاب الكثير من الأعمال، أو حتى ماهية بعض الأمور مثل الشهادة والإحسان...إلخ.

وهذا فيه بيان للناس أن معظم الأوامر والتشريعات التي نعرفها عن إسلامنا كان أساسها حوارًا دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وأحد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

ثانيًا: إثارة مَلَكة التفكير والتشجيع على السؤال والحوار وإبداء الرأي. فكل تلك الأمور تدل على سعة الإسلام ورحابة صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتفتح عقله، وكذلك رغبة الصحابة في الاستزادة والمعرفة أكثر عن دينهم.

تاسعًا: التحفيز عن طريق التسلية:

وهو نوع معروف عند من تحدثوا عن التحفيز وأنواعه، ويعني على مستوى المؤسسات عندما تكون المؤسسة مهددة بالخطر يبذل معظم الأفراد جهودًا استثنائية لزيادة فعالية العمل فيذكر القائد الأفراد بالأخطار التي تحيط بالمؤسسة.

وقد النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم هذه الطريقة في بادئ الدعوة عندما كان المسلمون في حالة استضعاف، ولهذا لما اشتكى إليه أحد أصحابه الأذى، عن خباب بن الأرت، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» (17)، وفي هذه العبارات تحفيز وتسلية لهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم.

عاشرًا: التحفيز بالإقناع:

جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنا، فلم ينهره ولم يزجره، بل دار بينهما الحوار التالي بعد أن أدناه منه وقربه:

عن أبي أمامة قال: إن فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه، مه، فقال: «ادنه، فدنا منه قريبًا»، قال: فجلس قال: «أتحبه لأمك؟» قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم»، قال: «أفتحبه لابنتك؟» قال: لا، والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»، قال: «أفتحبه لأختك؟» قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم»، قال: «أفتحبه لعمتك؟» قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم»، قال: «أفتحبه لخالتك؟» قال: لا، والله جعلني الله فداءك. قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم»، قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه» فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (18).

هذه نماذج يسيرة لإمامنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم في جوانب له تحكي عنايته بتحفيز النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم، وكيف كان لها الأثر الكبير في شحذ همم الصحابة، ودفعهم لعمل الخير وكفهم عن فعل الشر، تلك هي سنة الرسول لو تمسكنا بها حق التمسك لأصبحنا أكثر إنتاجية.

عندما ننظر إلى واقعنا المؤسف نجد أن كثيرًا منا قد عزف عن هذا المحرك الرئيس للإنجاز؛ فغفل عنه الأب في بيته، والمدير في إداراته، والراعي لرعيته، وبالتالي أصبحت النتائج تسر العدو وتبكي الصديق، ولا عجب فإنك لا تجني من الشوك العنب.

-------------

(1) مفردات ألفاظ القرآن (ص: 609).

(2) آفات على الطريق (1/ 9).

(3) أخرجه ابن حبان (11).

(4) طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص: 460).

(5) شذرات في التربية والأساليب النبوية/ بوابة العدل والإحسان.

(6) أخرجه أحمد (16577).

(7) أخرجه مسلم (489).

(8) أخرجه أحمد (16076).

(9) أخرجه البخاري (458).

(10) أخرجه مسلم (1061).

(11) أخرجه مسلم (2312).

(12) (أخرجه مسلم (803).

(13) تاريخ دمشق لابن عساكر (38/ 383).

(14) أخرجه البخاري (6005).

(15) أخرجه البخاري (6405).

(16) أخرجه مسلم (1017).

(17) أخرجه البخاري (3612).

(18) أخرجه أحمد (22211).