logo

وأولي الأمر منكم


بتاريخ : الاثنين ، 10 ربيع الآخر ، 1440 الموافق 17 ديسمبر 2018
بقلم : تيار الاصلاح
وأولي الأمر منكم

لقد أمر الله جل وعلا بطاعة ولاة الأمر، والتعاون معهم على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59].

هذا هو الطريق؛ طريق السعادة، وطريق الهداية، وهو طاعة الله ورسوله في كل شيء، وطاعة ولاة الأمور في المعروف من طاعة الله ورسوله، ولهذا قال جل وعلا: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}؛ فطاعة ولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله.

أما أولو الأمر فالنص يعين من هم، {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}؛ أي من المؤمنين، الذين يتحقق فيهم شرط الإيمان وحد الإسلام المبين في الآية، من طاعة الله وطاعة الرسول، وإفراد الله سبحانه بالحاكمية وحق التشريع للناس ابتداءً، والتلقي منه وحده، فيما نص عليه، والرجوع إليه أيضًا فيما تختلف فيه العقول والأفهام والآراء، مما لم يرد فيه نص لتطبيق المبادئ العامة في النصوص عليه.

والنص يجعل طاعة الله أصلًا، وطاعة رسوله أصلًا كذلك بما أنه مرسل منه، ويجعل طاعة أولي الأمر منكم تبعًا لطاعة الله وطاعة رسوله، فلا يكرر لفظ الطاعة عند ذكرهم، كما كررها عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليقرر أن طاعتهم مستمدة من طاعة الله وطاعة رسوله، بعد أن قرر أنهم «مِنْكُمْ» بقيد الإيمان وشرطه.

وطاعة أولي الأمر منكم بعد هذه التقريرات كلها، في حدود المعروف المشروع من الله، والذي لم يرد نص بحرمته، ولا يكون من المحرم عندما يُرد إلى مبادئ شريعته، عند الاختلاف فيه، والسنة تقرر حدود هذه الطاعة، على وجه الجزم واليقين، ففي الصحيحين من حديث الأعمش: «إنما الطاعة في المعروف»(1).

وفيهما من حديث يحيى القطان: «السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»(2).

وأخرج مسلم من حديث أم الحصين: «ولو استعمل عليكم عبد، يقودكم بكتاب الله، اسمعوا له وأطيعوا»(3).

بهذا يجعل الإسلام كل فرد أمينًا على شريعة الله وسنة رسوله، أمينًا على إيمانه هو ودينه، أمينًا على نفسه وعقله، أمينًا على مصيره في الدنيا والآخرة، ولا يجعله بهيمة في القطيع تزجر من هنا أو من هنا فتسمع وتطيع! فالمنهج واضح، وحدود الطاعة واضحة(4).

عن علي قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم رجلًا من الأنصار، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء، فقال لهم: (أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟)، قالوا: (بلى)، قال: (اجمعوا لي حطبًا)، ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: (عزمتُ عليكم لتدخلنها)، فَهَمَّ القومُ أن يدخلوها، فقال لهم شاب منهم: «إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها)، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال لهم: (لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدًا، إنما الطاعة في المعروف)»(5).

أقوال أهل العلم في المقصود بأولي الأمر:

تعددت أقوال العلماء في بيان المقصود من قوله تعالى: {وَأُولِي الْأَمْرِ} إلى عدة أقوال، منها:

1- أولو الأمر هم الأمراء، وهذا قول الجمهور، وأبي هريرة، وابن عباس وغيرهم، وجاء في القرطبي أن ابن خويز منداد قال: «وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان لله فيه طاعة، ولا تجب فيما كان لله فيه معصيـة؛ ولذلـك قلنا: إن ولاة زمـاننا لا تجـوز طاعتهم ولا معاونتهم ولا تعظيمهم، ويجب الغزو معهم متى غزوا»(6).

جاء في أوضح التفاسير: «{وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} في هذه الآية دليل على أن أولي الأمر، الواجبة طاعتهم على الأمة، يجب أن يكونوا منها حسًا ومعنًى، ولحمًا ودمًا، {وَأُوْلِي الأَمْرِ} هم الولاة والسلاطين؛ ما داموا قائمين بأمر الله تعالى؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»(7).

ونلاحظ هنا أمرين:

أحدهما: أن القرآن الكريم يصرح بأن ولاة الأمر، الذين تجب طاعتهم، يجب أن يكونوا من المؤمنين؛ ولذلك يقول سبحانه {مِنْكُمْ}، فلا طاعة مطلقًا لمن يغلبون على شئون المسلمين ممن ليسوا من أهل الإيمان، فأُولئك المنحرفون من بعض أهل الهوى الذين يزعمون أنهم مسلمون، ويزعمون أن الإنجليز أيام حكمهم كانوا من ولاة الأمور الذين يوجب النص طاعتهم، {قَدْ ضَلُوا ضَلَالًا بَعِيدًا}، وهم بهذا وبغيره خارجون عن حكم الإسلام.

ثانيهما: أن الله قرن طاعة أولي الأمر بطاعة الله ورسوله، فوجب أن تكون طاعتهما من جنس طاعة الله تعالى ورسوله، بأن تكون في سبيل العدل، ولا تخرج عن حدوده، وإنه باقتران هذه الآية بالآية السابقة يستبين أن ولاة الأمر الذين تجب طاعتهم هم العادلون؛ لأن الأولى أوجبت العدل، والثانية أمرت بالطاعة، فلو كانوا غير عدول لكانت الطاعة مسايرة لهم على الظلم، وقد نهينا عنه.

ولقد قال الزمخشري في هذا المقام ما نصه: «المراد بأولي الأمر منكم أمراء الحق؛ لأن أمراءَ الجورِ اللهُ ورسولُه بريئان منهم، فلا يُعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل، واختيار الحق، والأمر بهما، والنهي عن أضدادهما؛ كالخلفاء الراشدين، وكان الخلفاء يقولون: أطيعوني ما عدلت فيكم، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم»(8).

2- أولو الأمر هم العلماء، وهذا قول جابر، ومجاهد، واختيار مالك، ونحوه قال الضحاك، قال الشيخ محمد أبو زهرة: «(وأولو الأمر) هم الذين بيدهم الحل والعَقْد، وبيدهم مقاليد الأمة التي يقومون على رعاية مصالحها وشئونها، وإرشادها وتوجيهها، وقد قال بعض الحكام: إنهم الفقهاء والذين يستطيعون استنباط الأحكام، ولكن الأكثرين على أن ولاة الأمر هم الحكام وأهل الحل والعقد»(9).

قال الرازي: «والمراد من أولي الأمر العلماء، في أصح الأقوال؛ لأن الملوك يجب عليهم طاعة العلماء ولا ينعكس، ثم انظر إلى هذه المرتبة، فإنه تعالى ذكر العالِم في موضعين من كتابه في المرتبة الثانية، قال: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18]، وقال: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، ثم إنه سبحانه وتعالى زاد في الإكرام فجعلهم في المرتبة الأولى في آيتين، فقال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، وقال: {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:43]»(10).

ثم وضح بالحجة والبرهان أنهم العلماء، ورد كونهم الأمراء، فقال: «على أنَّا نعارض تلك الوجوه بوجوه أخرى أقوى منها:

فأحدها: أن الأمة مجمعة على أن الأمراء والسلاطين إنما يجب طاعتهم فيما علم بالدليل أنه حق وصواب، وذلك الدليل ليس إلا الكتاب والسنة، فحينئذ لا يكون هذا قسمًا منفصلًا عن طاعة الكتاب والسنة، وعن طاعة الله وطاعة رسوله؛ بل يكون داخلًا فيه، كما أن وجوب طاعة الزوجة للزوج والولد للوالدين، والتلميذ للأستاذ داخل في طاعة الله وطاعة الرسول.

أما إذا حملناه على الإجماع لم يكن هذا القسم داخلًا تحتها؛ لأنه ربما دل الإجماع على حكم بحيث لا يكون في الكتاب والسنة دلالة عليه، فحينئذ أمكن جعل هذا القسم منفصلًا عن القسمين الأولين، فهذا أولى.

وثانيها: أن حمل الآية على طاعة الأمراء يقتضي إدخال الشرط في الآية؛ لأن طاعة الأمراء إنما تجب إذا كانوا مع الحق، فإذا حملناه على الإجماع لا يدخل الشرط في الآية، فكان هذا أولى.

وثالثها: أن قوله من بعد: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} مشعر بإجماع مقدم يخالف حكمه حكم هذا التنازع.

ورابعها: أن طاعة الله وطاعة رسوله واجبة قطعًا، وعندنا أن طاعة أهل الإجماع واجبة قطعًا، وأما طاعة الأمراء والسلاطين فغير واجبة قطعًا؛ بل الأكثر أنها تكون محرمة؛ لأنهم لا يأمرون إلا بالظلم، وفي الأقل تكون واجبة بحسب الظن الضعيف، فكان حمل الآية على الإجماع أولى؛ لأنه أدخل الرسول وأولي الأمر في لفظ واحد، وهو قوله: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} فكان حمل أولي الأمر الذي هو مقرون بالرسول على المعصوم أولى من حمله على الفاجر الفاسق.

وخامسها: أن أعمال الأمراء والسلاطين موقوفة على فتاوى العلماء، والعلماء في الحقيقة أمراء الأمراء، فكان حمل لفظ أولي الأمر عليهم أولى»(11).

3- العلماء والأمراء:

يقول ابن تيمية في السياسة الشرعية: «وأولو الأمر صنفان: الأمراء والعلماء، وهم الذين إذا صلحوا صلح الناس، فعلى كل منهما أن يتحرى بما يقوله ويفعله طاعة الله ورسوله، واتباع كتاب الله، ومتى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دل عليه الكتاب والسنة كان هو الواجب، وإن لم يمكن ذلك؛ لضيق الوقت أو عجز الطالب أو تكافؤ الأدلة عنده أو غير ذلك، فله أن يقلد من يرتضي علمه ودينه»(12).

ويقول النووي: «قال العلماء: المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء، وهذا قول جماهير السلف والخلف، من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل هم العلماء والأمراء»(13).

وتوسع الشيخ محمد عبده في هذا الأمر فقال: «والمراد بأولي الأمر جماعة أهل الحل والعقد من المسلمين، وهم الأمراء والحكام والعلماء ورؤساء الجند والزعماء، الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة، إذا اتفقوا على أمر أو حكم وجب أن يطاعوا فيه»(14).

وكذلك المودودي توسع إلى أكثر مما ذهب إليه محمد عبده، فقال: «هم الحائزون على ثقة العامة، الذين يطمئن إليهم الناس لإخلاصهم ونصحهم وأمانتهم وأهليتهم»(15).

من هنا يمكن أن نستنتج أن أولي الأمر من العلماء، الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم، هم جمهور العلماء، وليس فردًا بعينه؛ كأهل الشورى أو أهل الحل والعقد، أو جمعية العلماء أو ما شاكل ذلك.

وأن «أولي الأمر»، الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم من الأمراء، يشمل مجموعة من الولاة أدنى من الإمام؛ كأمير البلد أو عمال الخليفة؛ كأمير الشرطة وأمير التعليم، كل ذلك بشرطين:

1- أن يكونوا مسلمين، فيحققوا الإسلام على أنفسهم ويطبقوا أحكامه على رعيتهم، وألَّا يرتضوا أحكامًا غير أحكامه، وألا يغيروا أحكامه تبعًا لأهوائهم ومصالحهم.

2- ألَّا يأمروا بمعصية؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا يقروها، ولا يرتضوها.

واشترط الماوردي للإمامة سبعة شروط، هي: العدالة، العلم المؤدي للاجتهاد، سلامة الحواس، سلامة الأعضاء، الرأي، الشجاعة، النسب القرشي(16).

كما يشترط الماوردي في وزير التفويض (رئيس الوزراء، ونائب الرئيس) يشترط فيه شروط الإمامة كلها ما عدا النسب القرشي، ويضيف على ذلك أن يكون من أهل الكفاية والدراية فيما وُكِّل إليه من أمر الحرب والخراج، خبرة بهما ومعرفة بتفصيلهما(17)، ثم يقول الماوردي: «وإذا قلد الخليفة أميرًا على إقليم أو بلد تعتبر في هذه الإمارة الشروط المعتبرة في وزارة التفويض، وهي شروط الخليفة ما عدا النسب القرشي»؛ لأن الفرق بينهما خصوص الولاية في الإمارة، وعمومها في الوزارة، وليس بين عموم الولاية وخصوصها فرق في الشروط المعتبرة فيها(18).

ويتضح من شروط الماوردي للخليفة والوزراء والأمراء أن الأمراء كانوا من العلماء.

وإذا كان الأمراء من العلماء فأولو الأمر عند السلف هم العلماء والأمراء، هكذا كان الأمراء في عهد الصحابة والتابعين، وبدأ التغيير بسيطًا منذ أواخر عهد الأمويين، حتى وصل الأمر إلى عصرنا هذا، فأصبح الأمراء من غير العلماء؛ بل وقع فصام نكد بين العلماء والأمراء، حتى صارت الهوة بينهما سحيقة جدًا، وأهم خصائص عصرنا أن بعض الحكام تربوا تربية علمانية أو قريبة منها، فابتعدوا عن العلماء، وابتعد العلماء عنهم، إلا من رحم ربك، حتى وقع صراع بين العلماء والحكام كاد أن ينتصر فيه الحكام، لولا رحمة الله بالمسلمين؛ حيث رحمهم بالصحوة الإسلامية المعاصرة، فالشباب المسلم المعاصر يوالي العلماء، وأولو الأمر عندهم هم العلماء والدعاة(19).

لا تعدو العلاقة بين الأمراء والعلماء إحدى ثلاث:

أ- أن يكون الأمراء من العلماء، فيكون المقصود بأولي الأمر العلماء والأمراء، ولولا العلم ما صار الأمراء أمراء، إذن مصطلح العلماء أعم وأشمل، وأولو الأمر في هذه الحالة هم العلماء.

ب- قد لا يكون الأمراء من العلماء، ولكنهم يستمعون للعلماء، ويشاورونهم، كما كان أمير المدينة المنورة عمر بن عبد العزيز يرحمه الله، كما قال عنه الطبري: «لمَّا قَدِم عمرُ بن عبد العزيز المدينة ونزل دار مروان دخل عليه الناس فسلموا، فلما صلى الظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة؛ عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وسليمان بن يسار...، فدخلوا عليه فجلسوا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانًا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم، أو برأي من حضر منكم)»(20).

هكذا كان عمر بن عبد العزيز، وعندما يطاع هذا الأمير الذي يشاور العلماء، ولا يخرج على إجماعهم، فهذه الطاعة المقدمة له طاعة للعلماء، أهل الفقه والدين.

ج- أن تكون الهوة واسعة بين العلماء والحكام، وطاعة الحكام، غالبًا، مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وغالبًا يختلف العلماء مع الحكام، في مثل هذه الحالة يجب أن يطاع العلماء وليس الحكام.

وهناك قول شاذ أن أولي الأمر هم علي بن أبي طالب والأئمة المعصومون من بعده، وهذا قول الشيعة، وردَّ هذا القولَ الرازيُّ من وجوه، فقال: «وأما حمل الآية على الأئمة المعصومين، على ما تقوله الروافض، ففي غاية البعد، لوجوه:

أحدها: ما ذكرناه أن طاعتهم مشروطة بمعرفتهم وقدرة الوصول إليهم، فلو أوجب علينا طاعتهم قبل معرفتهم كان هذا تكليف ما لا يطاق، ولو أوجب علينا طاعتهم إذا صرنا عارفين بهم وبمذاهبهم صار هذا الإيجاب مشروطًا، وظاهر قوله: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} يقتضي الإطلاق، وأيضًا ففي الآية ما يدفع هذا الاحتمال؛ وذلك لأنه تعالى أمر بطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر في لفظة واحدة، وهو قوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، واللفظة الواحدة لا يجوز أن تكون مطلقة ومشروطة معًا، فلما كانت هذه اللفظة مطلقة في حق الرسول وجب أن تكون مطلقة في حق أولي الأمر.

الثاني: أنه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر، وأولو الأمر جمع، وعندهم لا يكون في الزمان إلا إمام واحد، وحمل الجمع على الفرد خلاف الظاهر.

وثالثها: أنه قال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} ولو كان المراد بأولي الأمر الإمام المعصوم لوجب أن يقال: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الإمام، فثبت أن الحق تفسير الآية بما ذكرناه»(21).

يقول الإمام الجويني يرحمه الله: «إذا شغر الزمان عن الإمام، وخلا عن سلطان ذي نجدة، فالأمور موكولة إلى العلماء، وعلى الخلائق أن يرجعوا إلى علمائهم، ويصدروا في جميع قضايا الولايات عن رأيهم، فإن فعلوا ذلك فقد هدوا إلى سواء السبيل، وصار علماء البلاد ولاة العباد، وهم على الحقيقة أصحاب الأمر استحقاقًا، وذوو النجدة من الحكام مأمورون بارتسام مراسمهم، واقتفاء أثرهم، والانكفاف عن مزاجرهم»(22).

***

_____________

(1) أخرجه البخاري (7145)، ومسلم (1840).

(2) أخرجه البخاري (7144).

(3) أخرجه البخاري (2955).

(4) في ظلال القرآن (2/ 691).

(5) أخرجه أحمد (622).

(6) تفسير القرطبي (5/ 259).

(7) أوضح التفاسير (1/ 102).

(8) زهرة التفاسير (4/ 1728).

(9) المصدر السابق (4/ 1727).

(10) مفاتيح الغيب (2/ 400).

(11) المصدر السابق (10/ 114).

(12) السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، ص127.

(13) شرح النووي على مسلم (12/ 223).

(14) تفسير المنار (5/ 180).

(15) تدوين الدستور الإسلامي، ص85.

(16) الأحكام السلطانية، ص6.

(17) المصدر السابق، ص22.

(18) المصدر السابق، ص30.

(19) التربية السياسية في المجتمع المسلم، ص82.

(20) تاريخ الرسل والملوك (6/ 427).

(21) تفسير الرازي (10/ 114).

(22) غياث الأمم في التياث الظلم، ص391.