logo

نظرة أمل وسط واقع أليم


بتاريخ : الأربعاء ، 26 رجب ، 1445 الموافق 07 فبراير 2024
بقلم : تيار الاصلاح
نظرة أمل وسط واقع أليم

اليهود أذل الأمم وأنجس الشعوب، ملعونون في كتاب الله وعلى ألسنة رسله وأنبيائه، قال تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88]، وقال جل وعلا: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 46].

خونة لا عهد لهم ولا ميثاق، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة: 13].

أضل الناس وشرهم منزلة: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 60].

كذبة مفسدون: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].

عصاة ومعتدون: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بن مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}

[المائدة: 78].

ولعنهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (1)، «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها» (2).

هذه الأمة الملعونة في كتاب الله، وعلى ألسنة رسل الله من قبل، هي الأمة التي تعتدي اليوم على مقدسات المسلمين، وعلى دمائهم وبيوتهم وأولادهم، هي الأمة الملعونة التي لا ترقب في مؤمنٍ إلّا ولا ذمة.. اليهود خونة العهود: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة: 13]، {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة: 13]، اليهود قتلة الأنبياء والأطفال والنساء.

هذه الأوصاف لليهود، التي أخبرنا بها رب العالمين، فلا غرابة أن ينكثوا العهد، وأن يغدروا، وأن يخونوا، فقد غدروا بأوفى الناس ذمةً، رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لما قدم المدينة وكان فيها ثلاث قبائل من اليهود: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، عاهدهم ولكنهم نقضوا العهد، ولكن والحمد لله كان نقضهم للعهد سببًا في إجلائهم عن البلاد الطاهرة المطهرة منهم وأمثالهم.

لكن ما لبثوا أن عادوا وعاثوا في الأمة فسادًا، وجندوا العملاء والخونة والمرتزقة من مسوخ أمتنا، وتم لهم ما أرادوا، وتحقق في الأمة ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما في حديث ثوبان رضي الله عنه: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله: وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» (3).

دب الوهن في قلوب الكثير من أبناء أمتنا فآثروا الدنيا على الآخرة، ورضوا العيش الذليل على الموت الشريف، وركنوا إلى الدنيا وزخرفها، فأبطلوا الجهاد وباعوا البلاد، وتعاونوا وتواطؤوا مع أعدائهم، فلا على كرامة أبقوا ولا على شرف حافظوا، والعجيب أن أعدائهم يسومونهم الذل والهوان من حين لآخر.

ومع ذلك فقد شاء الله تعالى أن يقيض لهذا الدين من ينصره ويؤازره ويسوم الأعداء سوء العذاب، فانكشف زيف الخونة والعملاء عندما تقدم الشرفاء، واتضحت هشاشة العدو واضمحلت قوته على أيدي جند الله المخلصين، ومن حين لآخر تتضح الحقائق، وينكشف زيف العدو المدعوم من الشرق والغرب، وتسقط هيبته على أيدي شباب أبطال، ليس لديهم ناصر إلا الله، وكفى بالله حسيبًا.

وفي بضع ساعات وبأدوات بدائية مصنوعة محليًا يذلون جيش العدو الغاشم، المدعوم من كل قوى الأرض، المدجج بأحدث الأسلحة الحربية وأفضل التقنيات العسكرية، ليسقط سريعًا وتظهر هشاشته للعالم كله، ويبقى جند الله هم الغالبون.   

وفي يوم السبت الموافق 22 ربيع الأول 1445هـ، السابع من أكتوبر 2023م، حلت علينا أحد المعارك الكبرى التي لا يكون ما بعدها كما قبلها، سيما وقد نزع أربابها الوهن من صدورهم، وكان الموت أحب عندهم من الحياة عند أعدائهم، ألا وهي معركة "طوفان الأقصى".

شنّت حركة المقاومة الإسلامية هجومًا مباغتًا استهدف مواقع للجيش الإسرائيلي في غلاف قطاع غزة، وتمكنت من السيطرة على قاعدةٍ عسكرية كبيرة، وعددٍ من المواقع ونقاط المراقبة الصهيونية المنتشرة على حدود القطاع.

كما سيطرت وحدات كوماندوس تابعة للحركة على نحو 20 مستوطنة صهيونية داخل ما يسمى "الخط الأخضر".

 وأسفرت هذه العملية، غير المسبوقة وفق المعطيات التي أعلنها الجيش الصهيوني حتى الآن، عن مقتل أكثر من 1200 عسكري ومدني صهيوني، وإصابة نحو 3000 جريح، بينهم العديد من كبار الضباط، كما أسرت أكثر من 130 صهيونيًا.

فكان اختيارهم لهذا التوقيت لضرب اليهود المحتلين لما يسمى بمستوطنات غلاف غزة، كان أنسب توقيت لإفساد خطط اليهود الوشيكة، وبدأت قيادات غزة باستنفار جنود الإسلام، وقد وفقهم الله تعالى لقتل وأسر الآلاف من الجنود والمسلحين اليهود، والاستيلاء على كثير من الأسلحة والأوراق العسكرية والاستخباراتية -الشديدة الأهمية- والتي تكشف خطط وتمركزات وعملاء جيش اليهود، مما أثار غضب اليهود -معهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرهم من دول أوروبا النصرانية الحاقدة-.

جاءت العملية التي أطلقت عليها حماس اسم "طوفان الأقصى" على خلفية الاعتداءات المستمرة التي تقوم بها حكومة اليمين الأكثر تطرفًا في تاريخ بني صهيون، والتي تضم عتاة المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، مستبيحةً أراضيهم تمهيدًا لمصادرتها وتهويدها، إضافة إلى اعتداءات الصهاينة المتكررة على المسجد الأقصى بحماية الجيش وأجهزة الأمن الصهيوني.

أما في قطاع غزة، فيستمر الصهاينة في حصاره منذ عام 2006م، وتقلص حقوق الأسرى الفلسطينيين، وتزيد سوء معاملتهم، وترفض عقد اتفاق لتبادل الأسرى، مستغلة ضعف الموقف العربي واستعداد دول عربية عديدة لتطبيع العلاقات معها بمعزل عن الحقوق الفلسطينية، وبعيدًا عن صيغة الأرض مقابل السلام.

إن أمة الإسلام أمة جهاد فبه تؤدي الأمانة وتنجح في المهمة التي كلفها الله بها {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41].

وقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36].

إن جدية النصوص القرآنية الواردة في الجهاد وجدية الأحاديث النبوية التي تحض عليه وجدية الوقائع الجهادية في صدر الإسلام، وعلى مدى طويل من تاريخه.. إن هذه الجدية الواضحة تمنع أن يجول في النفس ذلك التفسير الذي يحاوله المهزومون أمام ضغط الواقع الحاضر وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي! ومن ذا الذي يسمع قول الله سبحانه في هذا الشأن وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ويتابع وقائع الجهاد الإسلامي ثم يظنه شأنًا عارضًا مقيدًا بملابسات تذهب وتجيء ويقف عند حدود الدفاع لتأمين الحدود؟!

لقد بين الله للمؤمنين في أول ما نزل من الآيات التي أذن لهم فيها بالقتال أن الشأن الدائم الأصيل في طبيعة هذه الحياة الدنيا أن يدفع الناس بعضهم ببعض، لدفع الفساد عن الأرض: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا} [الحج: 39- 40]، وإذن فهو الشأن الدائم لا الحالة العارضة، الشأن الدائم أن لا يتعايش الحق والباطل في هذه الأرض، وأنه متى قام الإسلام بإعلانه العام لإقامة ربوبية الله للعالمين، وتحرير الإنسان من العبودية للعباد، رماه المغتصبون لسلطان الله في الأرض ولم يسالموه قط وانطلق هو كذلك يدمر عليهم ليخرج الناس من سلطانهم ويدفع عن «الإنسان» في «الأرض» ذلك السلطان الغاصب.. حال دائمة لا يكف معها الانطلاق الجهادي التحريري حتى يكون الدين كله لله (4).

وعن أبي هريرة، قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: «لا تستطيعونه»، قال: فأعادوا عليه مرتين، أو ثلاثًا كل ذلك يقول: «لا تستطيعونه»، وقال في الثالثة: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام، ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى» (5).

المجاهد في جميع حالاته في عبادة مع المشقة البدنية والقلبية، ومخاطرته بنفسه التي هي أعز الأشياء عنده، وبذله لها في رضى الله تعالى (6).

لقد فرض الله الجهاد على كل مسلم فريضة لازمة حازمة لا مناص منها ولا مفر معها، ورغب فيه أعظم الترغيب، وأجزل ثواب المجاهدين والشهداء، فلم يلحقهم في مثوبتهم إلا من عمل بمثل عملهم، ومن اقتدى بهم في جهادهم، ومنحهم من الامتيازات الروحية والعملية في الدنيا والآخرة ما لم يمنح سواهم، وتوعد المخلفين القاعدين بأفظع العقوبات، ورماهم بأبشع النعوت والصفات ووبخهم على الجبن والقعود، ونعى عليهم الضعف والتخلف، وأعد لهم في الدنيا خزيًا لا يُرفع إلا أن جاهدوا، وفي الآخرة عذابًا لا يفلتون منه ولو كان لهم مثل أحد ذهبًا (7).

فإن هجم العدو على بلد وجب على جميع الناس الدفع تخرج المرأة بغير إذن زوجها والعبد بغير إذن المولى؛ لأنه صار فرض عين (8)، وقال ابن قدامة: ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع ... الثاني: إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم (9)، وقال ابن تيمية: وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب؛ إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا وهو خير مما في المختصرات (10).

عن معاوية بن قرة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة» (11).

قال المناوي: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين؛ ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد، ولا يلزم اجتماعهم ببلد واحد؛ بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد، وتفرقهم في الأقطار، ويجوز تفرقهم في بلد، وأن يكونوا في بعض دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولًا فأولًا، إلى ألا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا أتى أمر الله (12).

قال ابن عطاء: ففساد الوقت لا يكون إلا بنقص أعدادهم لا بذهاب إمدادهم؛ لكن إذا فسد الوقت أخفاهم الله، قال البيضاوي: أراد بالأمة أمة الإجابة وبالأمر الشريعة والدين، وقيل الجهاد وبالقيام به المحافظة والمواظبة عليه، والطائفة هم المجتهدون في الأحكام الشرعية والعقائد الدينية، أو المرابطون في الثغور والمجاهدون لإعلاء الدين (13).

وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا، وهو خير مما في المختصرات.

وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرًا لا طاقة للمسلمين به؛ لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين، فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا (14).

 وجوب أن تخرج المرأة للقتال في حالة جهاد الدفع، فيجوز لكل من لا يجوز له القتال أو يجب عليه أن يخرج للقتال، وجهاد الدفع أن يأتي العدو إلى بيتك أو بلدك أو قريتك فيداهمك فيها، فيجب على كل من قدر على القتال أن يخرج حتى الأطفال والصبيان والنساء؛ لأن الجهاد حينئذ فرض عين على كل مكلف قادر، والمرأة في جهاد الطلب تخرج بمحرمها، أما في جهاد الدفع فلا يلزم أن تخرج بمحرم ولا يلزمها إذن الوالدين (15).

وبعد كل هذا لماذا لا يجاهد في سبيل الله من أعد واستعد؟ لماذا لا يقاوم الفلسطينيون بما عندهم من قوة؟ لماذا لا يقاومون هذا المحتل الطاغي الباغي المجرم في حق المسجد الأقصى؟

والسؤال الأهم من هذا لماذا لا تجاهد الأمة الإسلامية مع الفلسطينيين ضد الملاعين الصهاينة؟! لماذا لا تجاهد الأمة لتحرير المسجد الأقصى؟ ولمن تعد البلاد العربية خاصة والإسلامية عامة عدتها وجيوشها وتشتري أسلحتها؟!

لماذا لا تبدأ والمسجد الأقصى يدنس كل يوم ويمنع المصلون من دخوله ويقتحم، ويشربون فيه الخمور ويرقصون فيه، إن الغيرة على المقدسات جهاد واجب على كل الأمة، أنلوم على رجال انتقموا للمسجد الأقصى؟ لماذا لا يبدؤون الجهاد ونساؤهم تعرى في الشوارع وعدد أسراهم يزيد عن خمسة آلاف أسير لا يطمعون في رؤية الشمس يومًا؟ لماذا لا يبدؤون الجهاد وهم تحت نيران الاحتلال يقصفون وتدمر بيوتهم، بل ويدبر الصهاينة لطردهم من بلادهم؟!

إنهم يعدون أسلحتهم لبدء المعركة، فلما أعدوا ما استطاعوا جاهدوا وأدوا ما عليهم.. بقي على الأمة أن تؤدي ما عليها، وأن تقف مع المجاهدين بكل ما تستطيع من قوة وألا تتركهم وحدهم في معركة التحرير والعزة والكرامة.

أيها المسلمون، (الموساد) ليس إلهًا يعبد من دون الله (الموساد) لا يعلم السر وأخفى، (الموساد) لا يستحق كل هذا التعظيم والتفخيم والرفع لهذه الدرجة، (الموساد) نحن الذين رفعنا قيمته بجبننا وخورنا وضعفنا، وإلا فهم أشر خلق الله تعالى، فلا يمنحهم الله شرفًا كهذا، أليس هم الذين قالوا عن الله تعالى: {إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: ١٨١]، وقالوا عنه: {يدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64]، وقال هو سبحانه عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: ٤٦]، فكيف يجعل الله لهم علينا سلطانًا كهذا؟!

والحقيقة نحن من وضع لهم هذا السلطان على المسلمين بثقتنا فيهم وترك الثقة في الله تعالى، بثقتنا فيهم وترك الثقة في أبطالنا ومجاهدينا.

المقاومة قالت كلمتها أولًا بنصرها المؤزر بفضل الله تعالى، وقالت إنها مستعدة لما بعده، كما أن المجاهد دائمًا يبدأ معركته وينتظر النصر والتوفيق من الله تعالى، ولا نشك لحظة في عون وتوفيق الله لهم بإذن الله تعالى، كما أنهم بدأوا معركة وأنهوها بالنصر، فوجود معركة أخرى بعدها فهذا شيء آخر.

لكن الذي يذكر هنا هو أن المقاومة كانت تظن أن في الأمة رجالًا سيقفون ليس معها، بل حتى مع الأطفال الرضع والشيوخ الركع، ليمنعوا قصف المدنيين الذي تدينه كل الشرائع السماوية، وكل الأعراف الأرضية، وكل المعاهدات والقوانين الدولية، عدا حكام العرب والمسلمين الذين خنعوا فلم يقدروا على إدانته لتبعيتهم لهذا الكيان الغاصب.

لقد أظهرت لنا المقاومة عيانًا ما كنا نؤمن به عنهم، وهو خورهم ورعبهم وجبنهم عن المواجهة، ولذا اتخذت المقاومة في «طوفان الأقصى» شعارًا بعناية فائقة ونفذوه وربحوا به المعركة، فقد كان شعارهم، {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} [المائدة: ۲۳]، فدخلوا وغلبوا بفضل الله تعالى.

بدأ ضعاف النفوس يبثّون روح اليأس بين الناس، بأن المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام لم تدرس ردة الفعل، وأنها قدمت مصالح خاصة على مفاسد عامة، وكان من الأولى لو لم تنفذ هذه العملية؛ كي تتجنب سفك الدماء الحاصل في غزة، وأن اليهود من الطبيعي أن يردوا بهذا الرد العنيف تجاه قتل عساكرهم والذين قارب عددهم على الألف وخمسمائة قتيل -إن لم يكن أكثر- ناهيك عن اعتقال عدد من الأسرى.

وإن وجود النفوس المنهزمة أمرٌ طبيعيٌّ؛ فليس كل الناس على هذا القدر من الشجاعة والكرامة، وليسوا كلهم أصحاب مبادئ يستعدون للتضحية بها، فهناك من يحرصون على أية حياة حتى لو كانت حياة مهينة وذليلة، وهناك من ينطبق عليه قول عنترة:

لا تسقني ماء الحياة بذلة        بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك النفوس المنهزمة التي تشكك في الجهاد وما يعقبه من تضحيات ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آل عمران: 156]، وقوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12].

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني حين خرج إلى أحد-في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كان بالشوط -بين أحد والمدينة-انحاز عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس، وقال أطاعهم فخرج وعصاني، ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة، يقول: يا قوم، أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال، فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغنى الله عنكم، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم (16).

{لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا} فيجعلون من تخلفهم حكمة ومصلحة، ويجعلون من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه مغرماً ومضرة.

وأكثر من هذا كله يفسدون التصور الإسلامي الناصع لقدر الله، ولحتمية الأجل، ولحقيقة الموت والحياة، وتعلقهما بقدر الله وحده.. ومن ثم يبادرهم بالرد الحاسم الناصع، الذي يرد كيدهم من ناحية، ويصحح التصور الإسلامي ويجلو عنه الغبش من ناحية: {قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}، فالموت يصيب المجاهد والقاعد، والشجاع والجبان، ولا يرده حرص ولا حذر، ولا يؤجله جبن ولا قعود.. والواقع هو البرهان الذي لا يقبل المراء.. وهذا الواقع هو الذي يجبههم به القرآن الكريم، فيرد كيدهم اللئيم، ويقر الحق في نصابه، ويثبت قلوب المسلمين، ويسكب عليها الطمأنينة والراحة واليقين (17).

إذًا، فإن بث مثل هذه الأراجيف أمر طبيعي، وهؤلاء إما أنهم يخدمون الاحتلال وأنهم يؤدون دورًا لنصرته، أو أنهم بجبنهم وذعرهم وحرصهم على حياتهم باتوا واقفين في صف الاحتلال من حيث لا يدرون بنشرهم روح اليأس، والذعر والإحباط، لكن لا بأس أن نفند هذه الشبهات واحدة تلو الأخرى لنكون على يقين وبيّنة.

لا بد من ألا ننتزع معركة طوفان الأقصى عن سياقها الزمني والتاريخي، فقد جاءت نتيجة لعدد من الأمور، منها:

1- استباحة الحرم القدسي، والاعتداء على المصلين والنساء فيه، والسعي لجعل التقسيم الزماني والمكاني أمرًا واقعًا.

2- استمرار سياسة خنق قطاع غزة وسياسة التجويع والتركيع، وربط حياتهم بلتر من الوقود، أو بضعة أطنان من مواد البناء.

3- استمرار استهداف المدنيين في غزة، وكذلك في الضفة، وما أحداث اعتداء المستوطنين على أهلنا في حوارة وغيرها من المدن ببعيد، ولك أن تتأمل إحصائيات الشهداء الذين استشهدوا على يد الاحتلال خلال الخمسة عشر عامًا الأخيرة بحسب الأمم المتحدة.

وهذا الأمر لا يتعلق بفئة دون أخرى، فهو عام على جميع أبناء فلسطين، ومن هم في الضفة الغربية أيضًا ليسوا بمعزل عن المشهد؛ فالاحتلال يعربد هناك بشكل أكبر مما يفعل في غزة.

إذًا هذه العملية جاءت نتيجة عدوان الاحتلال على شعبنا -ليس فقط في الأعوام الأخيرة- بل نتكلم عما يزيد عن خمسة وسبعين عامًا من الاعتداء والقتل ومصادرة الممتلكات وغير ذلك.

وفي التأصيل الشرعي، فهذه العملية جاءت لتدافع عن الضروريات أو الكليات الخمس التي ما جاء التشريع الإسلامي إلا للحفاظ عليها، وهي حفظ الدين، النفس، العقل، المال والنسل، ويوضح الإمام الشاطبي المقصود بها في كتابه الموافقات: هي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، فإذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين (18)، ولا ينكر أحدٌ أن الاحتلال يشكل تهديدًا للضرورات الخمس جميعًا، فما قيمة الحياة إذا كانت نفوسنا تقتل يوميًا، ومقدساتنا تستباح إلى غير ذلك.

إذًا الأمر لا يتعلق بمكسب تحصل عليه حماس وحدها، بل هو أمر متعلق بجميع فئات الشعب الفلسطيني، بل هو أمر مفروض على جميع المسلمين في شتى بقاع الأرض، ولك أن تتخيل حالة الفرح التي عمّت كل ربوع فلسطين، بل العالم الإسلامي بأجمعه؛ لأن صراعنا مع اليهود ليس على حدود، بل على أحقية وجود.

إن الاحتلال ماضٍ في اعتداءاته، لا يمنعه شيء، وإنه من الإجحاف أن نلوم المقاومة ولا ننظر إلى جرائم الاحتلال المتكررة، وتخاذل القيادة العربية العميلة.

إن منطق الجبناء النظر إلى الفعل من زاوية ضيقة؛ فهم يربطون همجية الاحتلال بالعملية البطولية التي حصلت، وهذا مخالف للمنطق والحقائق، ألم تُوقع اتفاقية أوسلو قبل عقود، فهل حقنت دماء الفلسطينيين؟ أليست الضفة الغربية المحكومة من قبل السلطة (التي تنسق مع الاحتلال بدون حياء) تتعرض بشكل يومي للانتهاك، ويتعرض أبناؤها للقتل؟ ألا يقتل أبناء غزة يوميًا بالحصار والتجويع؟ ألا يعتدي الاحتلال على أسرانا في السجون ويقتلهم يوميًا بحرمانهم من التداوي والأمور الأساسية البسيطة، وما استشهاد الشهيد خضر عدنان عنا ببعيد؟ ألم يسفك الاحتلال دماء الفلسطينيين في باحات الأقصى، ألم يعتد على النساء والمعتكفين ويسحلهم في شوارع القدس؟

إن الاحتلال ماضٍ في اعتداءاته، لا يمنعه شيء، وإنه من الإجحاف أن نلوم المقاومة ولا ننظر إلى جرائم الاحتلال المتكررة، والاحتلال يسفك الدماء ليس من باب الحرب وتوازن القوى، بل يريد أن يغطي سوأته التي كشفتها المقاومة، يريد أن يصنع نصرًا وهميًا ليجمل صورته.

هل يمكن الانتصار على المحتل دون تقديم التضحيات!! هذا مستحيل؛ لأن المحتل لا يمكن أن ينسحب ما لم نثخن جراحه، وبنفس الوقت سيرتكب كل الجرائم ليثبت أنه المسيطر والأقوى.

ثم هل يمكن الانتصار على المحتل دون تقديم التضحيات!! هذا مستحيل؛ لأن المحتل لا يمكن أن ينسحب ما لم نثخن جراحه، وبنفس الوقت سيرتكب كل الجرائم ليثبت أنه المسيطر والأقوى.. والتاريخ يشهد على ذلك، فالثورة الليبية عام 1911م كانت ضد الاحتلال الإيطالي، قدم الليبيون 70 ألف شهيد، والثورة الجزائرية (1954-1962) والتي كانت ضد الاحتلال الفرنسي، قدم فيها الجزائريون مليون ونصف من الشهداء، مقابل 30 ألف جندي فرنسي، وفي حرب الأفغان ضد روسيا (1979-1989) قدم الأفغان مليون ونصف شهيد، مقابل 20 ألف عسكري روسي.

بتنا نوقن أن مسألة تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها باتت ممكنة، وأن العدو أجبن وأضعف من أن يقف أمامنا وجهًا لوجه.

ما المكاسب التي يمكن أن نكسبها من الصراع؟

لا بد أن ندرك أن هذا السؤال كبير ولو أجبنا عنه الآن فإن إجابته ستكون ناقصة؛ لأن المقاومة في كل يوم تكسب أكثر، لكن يكفي أن نشير إلى أن أبرز المكاسب تتمثل بالآتي باختصار:

1- التقدم خطوة كبيرة نحو التحرير؛ فقد بتنا نوقن أن مسألة تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها باتت ممكنة، وأن العدو أجبن وأضعف من أن يقف أمامنا وجهًا لوجه، وهذا بحد ذاته سيبث الأمل في نفوس كل المسلمين -وعلى رأسهم اللاجئين- بأن حلم العودة إلى فلسطين بات ممكنًا.

2- إعادة إحياء القضية في نفوس المسلمين؛ فقد ضاعت بوصلة الأمة، في خضم مظاهر التطبيع والخيانة، والتعامل مع الاحتلال كأمر واقع، وبت ترى الكثير من المسلمين لا يدرون أي شيء عن فلسطين مع الأسف، لكن هذه الحرب أنعشت الذاكرة بأهمية القضية وقدسيتها، بل وجعلت أنظمتهم في موضع صعب أمامهم وكشفت عوارها وضعفها للقاصي والداني.

3- نشر الخوف والرعب في صفوف الاحتلال، لقد باتوا يدركون أن وجودهم على هذه الأرض هو أمرٌ عارض؛ لأنهم لا تربطهم أية صلة بها، وانظر إلى أولئك المزدحمين في المطار للسفر من فلسطين، وإلى أولئك المختبئين في الملاجئ كالفئران منذ بداية الحرب، بل أستطيع أن ألخص المشهد بأن الاحتلال يعيش حالة انحدار لم يعشها منذ تأسيسه، وأن سقوطه بات مسألة وقت.

4- فضح الكيان أمام المجتمع الدولي، فالعالم -على الرغم من انحيازه للاحتلال- أدرك بشكل أكبر أن دولة الاحتلال دولة مجرمة، تقتل الأطفال والعزل، وتكذب على مرأى من الجميع لتبرر بربريتها وهمجيتها وقتلها لأبناء شعبنا، وهذا يعني التأثير سلبًا على دعمه عاجلًا أو آجلًا.

5- كشف زيف أدعياء الوطنية، ومحبي السلام، وإظهار خيانتهم وجبنهم وانبطاحهم لأعدائهم، وأنهم ليسوا إلا أدوات بيد الاحتلال وداعميه، فهذا من التمايز الذي يؤدي في النهاية إلى سقوطهم والاستمرار بمسيرة النصر والتحرر (19).

ختامًا:

نحن مسئولون عن السعي لا عن النتيجة، عن السَّيْر لا عن الوصول، عن القتال لا عن النصر.. نحن نجيب داعي الله بحسب إمكاناتنا وقدراتنا، وكلُّ شيء في هذه الحرب له أثره، فلا تستصغروا ما يمكننا فعله، كلٌّ في مجاله.

لو كانت الصواريخ عبثيَّة، لما جاؤوا بحاملات الطائرات ليساندوا دولة الاحتلال التي زرعوها كالشوكة في حلوقنا! ولو كانت الكتائب مجرد بضعة مسلحين، لما وقفوا على أبواب غزّة خائفين أن يخطوا نحوها خطوة؛ ولو كانت الخطابات لا تُجدي، لما تسمَّروا أمام الشاشات يسمعون كلام المُلثَّم ويحلِّلونه، ولما شعرنا نحن بشيء من العزَّة تدبُّ فينا.

لو كانت المنشورات في مواقع التواصل غير مجدية، لما حذفوها، وقيّدوا الحسابات! ولكنها معركة وعي، وصناعة رأي عام، ألم تُشاهدوا الـ "BBC" كيف تكذب، والـ "CNN" كيف تُدلِّس، و"الجارديان" تطرد رسَّامها "ستيف بيل" بعد أربعين سنة من العمل لديها فقط لأنه انتقد إجرام رئيس حكومة الاحتلال برسم ساخر؟

هذه معركة أُمَّة كاملة لا معركة غزَّة وحدها، غزّة هي رأس الحربة فقط؛ والمعركة إنما هي معركة عقيدة لا معركة جيوش، والقتال هو قتال وجود لا قتال حدود! فخُذْ موقعك منها بحسب مجالك، بالمال، والتظاهر، وكتابة المنشورات في مواقع التواصل، وبإسكات التافهين والمتصهينين.. خُذْه بقلبك، قلبكَ أحيانًا يكفي، المهم أن تصطفَّ بعواطفك مع أُمَّتكَ، ولا تستهِنْ بما يفعله الدعاء ولا ما خلفته المقاطعة.

هذا الوقت من أفضل الأوقات للتذكير بكليات الإسلام الكبرى، وأصول القضايا المشتركة والمتفق عليها والتي تفرض نفسها -بدورها- على الساحة الآن؛ مثل بث روح الاعتزاز بالإسلام، وترسيخ معاني العزة والرجولة والإباء في نفوس المؤمنين به، وترسيخ أُخوة المسلمين العامة، ووجوب السعي لتمكينه ونصرته. فالطوفان هو وقت استنهاض الهمم، ودفع اليأس، وترسيخ دعائم الإيمان في النفوس، سيما وأن الحرب سجال، فقد يفوز المؤمنون عسكريًا في معركة ويخسروا في أخرى، لكن أسوأ الخسارات الخسارة النفسية التي تصيب المقاتلين في عزيمتهم ونفوسهم.

والتجارب تجزم بأن الذين لا يندمجون في الحركة بهذا الدين لا يفقهونه مهما تفرغوا لدراسته في الكتب -دراسة باردة- وأن اللمحات الكاشفة في هذا الدين إنما تتجلى للمتحركين به حركة جهادية لتقريره في حياة الناس، ولا تتجلى للمستغرقين في الكتب العاكفين على الأوراق، إن فقه هذا الدين لا ينبثق إلا في أرض الحركة، ولا يؤخذ عن فقيه قاعد حيث تجب الحركة.

والذين يعكفون على الكتب والأوراق في هذا الزمان لكي يستنبطوا منها أحكامًا فقهية «يجددون» بها الفقه الإسلامي أو «يطورونه» -كما يقول المستشرقون من الصليبيين- وهم بعيدون عن الحركة التي تستهدف تحرير الناس من العبودية للعباد، وردهم إلى العبودية لله وحده، بتحكيم شريعة الله وحدها وطرد شرائع الطواغيت.. (20).

إن الفعل العسكري والميداني أسرع حركةً في معركة الطوفان -بل وأكثر حِنكة- من الفِعل السياسي الذي يمثله السياسيون، والمفكرون والمُنظرون، أو حتى الدعاة والمصلحون، فالناس تنتظر بيانات الملثم أكثر من انتظارها لخطابات الساسة وفتاوى الأشياخ واستشراف المفكرين، وتشاهد مقاطع "الإعلام العسكري" أكثر من مشاهدتها للقنوات الإخبارية والبيانات الرسمية وتصريحات الرؤساء، وتتسابق في التعرف على جذور هذا الصراع في لهف ينسف كل جهود التطبيع في العقد الماضي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

--------------

(1) أخرجه البخاري (4441).

(2) أخرجه البخاري (3460)، ومسلم (1582).

(3) أخرجه أبو داود (4297).

(4) في ظلال القرآن (3/ 1437).

(5) أخرجه مسلم (1878).

(6) طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 193).

(7) رسالة الجهاد (ص: 421).

(8) العناية شرح الهداية (5/ 442).

(9) المغني لابن قدامة (9/ 197).

(10) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 539).

(11) أخرجه الترمذي (2192).

(12) فيض القدير (1/ 11).

(13) فيض القدير (6/ 396).

(14) المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 218).

(15) شرح صحيح مسلم، حسن أبو الأشبال (94/ 11)، بترقيم الشاملة آليًا.

(16) تفسير ابن كثير (2/ 160).

(17) في ظلال القرآن (1/ 516).

(18) الموافقات (2/ 18).

(19) وقفة مع بعض الشبهات الموجهة إلى المقاومة في معركة طوفان الأقصى/ بصائر.

(20) في ظلال القرآن (3/ 1735).