نصوص فهمت خطأ
عليكم أنفسكم
لم يكتف بعض الناس بترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحسب؛ بل ذهب يبحث يمنة ويسرة لتبرير تقاعسه وكسله بتأويل خاطئ أو فهم مغلوط لنصوص لدين، من أجل إقناع نفسه بترك واجب من الواجبات وأمر منصوص عليه في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، مستشهدًا بآية من القرآن الكريم لم يفهمها فهمًا دقيقًا، ولم يضعها في سياقها الصحيح، ولم يطلع على أقوال الصحابة الكرام وعلماء الأمة الثقات فيها، ليزيد فوق خطئه الأول خطأ آخر لا يقل عن الأول فداحة وخطرًا.
النص الذي يستشهد به هؤلاء هو قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا عَليْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَل إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: 105]، حيث يزعمون أن ظاهر الآية يدل على عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن على الإنسان أن يهتم بخاصة نفسه فحسب، وربما ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك؛ بمجادلة من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، والاحتجاج بالآية ضدهم وضد ما يقومون به من واجب إسلامي ثابت راسخ.
الغريب في الأمر أن أمثال هذه الفئة من الناس لم تكلف نفسها الاطلاع على أقرب التفاسير رغم سهولة ذلك ويسره؛ بل لم تتمعن ولو قليلًا في نص الآية ومضمونها الذي يرد على مزاعمهم ويدحض قولهم ويظهر خطأ فهمهم لها.
جاء في تفسير ابن كثير في معرض تفسيره للآية قوله: وليس في الآية مستدل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كان فعل ذلك ممكنًا، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله:
قام أبو بكر رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [لمائدة: 105]، إلى آخر الآية، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله أن يعمهم بعقابه»، قال: وسمعت أبا بكر يقول: يا أيها الناس، إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب الإيمان (1).
وأضاف ابن كثير: يفهم بعضهم الآية فهمًا خاطئًا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصواب: أي لا تضركم ذنوب غيركم إن اهتديتم بالقيام بأمر الله بالأمر بالمعروف، ومن تركه وهو مستطيع فهو ضال وليس مهتد.
وروى حول هذا المعنى عن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم منهم: أبو بكر وابن عمر وأبي ثعلبة الخشني وغيرهم، كما أورد قول سعيد بن المسيب: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فلا يضرك من ضل إذا اهتديت (2).
قال الرازي: لا يضركم إذا اهتديتم فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ضلال من ضل فلم يقبل ذلك.
وقال أيضًا: عليكم أنفسكم من أداء الواجبات التي من جملتها الأمر بالمعروف عند القدرة، فإن لم يقبلوا ذلك فلا ينبغي أن تستوحشوا من ذلك؛ فإنكم خرجتم عن عهدة تكليفكم فلا يضركم ضلال غيركم (3).
قال الطاهر بن عاشور: وقد شمل الاهتداء جميع ما أمرهم به الله تعالى، ومن جملة ذلك دعوة الناس إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو قصروا في الدعوة إلى الخير والاحتجاج له وسكتوا عن المنكر لضرهم من ضل؛ لأن إثم ضلاله محمول عليهم.
فلا يتوهم من هذه الآية أنها رخصة للمسلمين في ترك الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن جميع ذلك واجب بأدلة طفحت بها الشريعة (4).
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في تفسير الآية: قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور، وذلك في قوله: {إِذَا اهْتَدَيْتُم} لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد، وممن قال بهذا حذيفة وسعيد بن المسيب، كما نقله عنهما الألوسي في تفسيره وابن جرير، ونقله القرطبي عن سعيد بن المسيب وأبي عبيد القاسم بن سلام، ونقل نحوه ابن جرير عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن مسعود (5).
جاء في المنار: أمر المؤمنين بصيغة الإغراء بأن يهتموا بإصلاح أنفسهم بالعلم الصحيح والعمل الصالح الذي يعد رشدًا وهدى، وبين لهم أنهم إذا أصلحوا أنفسهم وقاموا بما أوجب الله عليهم من علم وتعليم وعمل وإرشاد، فلا يضرهم من ضل من الناس عن محجة العلم بالجهل والتقليد، وعن صراط العمل الصالح بالفسق والإفساد في الأرض فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} أي الزموا إصلاح أنفسكم، وتزكيتها بما شرع الله لكم، لا يضركم ضلال غيركم إذا اهتديتم، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى.
ومن أصول الهداية: الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذن لا تكونون مهتدين إلا إذا بلغتم دعوة الحق والخير، وعلمتم الجاهلين ما أعطاكم الله من العلم والدين، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، فلا تكتموا الحق والعلم كما كتمه من كان قبلكم، فلعنهم الله على لسان أنبيائهم ولسان نبيكم (6).
إذن.. أول ما يمكن التنويه إليه بأن نص الآية نفسه يزيل أي لبس أو فهم خاطئ يمكن أن يركن إليه من تقاعس عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو توهم عدم وجوب الدعوة إلى الله، إذ الهداية لا يمكن أن تتم بدونها، كما أكد كوكبة من العلماء منهم شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال: وإنما يتمُّ الاهتداء إذا أُطيع الله وأدِّيَ الواجب مِن الأمر والنهي وغيرِهما (7).
ثم إن أقوال الصحابة الكرام نص قاطع على عدم دلالة الآية على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ناهيك عن أن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة التي تدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحذر من آثار تركها أكثر من أن تحصى في هذا المقام.
ليس المتقاعسون والقاعدون عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المسلمين هم وحدهم من يحاول الاتكاء على فهمه الخاطئ لهذه الآية، لتبرير كسلهم وتركهم لأعظم واجبات الإسلام بعد الأركان.. فهناك من أصحاب التيارات الفكرية الحديثة المنحرفة عن منهج الله وأصحاب الفسوق والموبقات والمعاصي من يحاول أن يواجه الدعاة إلى الله والناصحين والمربين بهذه الآية لصدهم عن الاستمرار بأداء مهمة الأنبياء والمرسلين.
ليس هناك أولى من التركيز على ضرورة الفهم الصحيح لكلام الله وسنة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم، والتحذير من آثار وتبعات الفهم الخاطئ لنص من النصوص الشرعية إذ هو الأساس المتين الذي لا يمكن الاستغناء عنه لنهضة الأمة من جديد واستعادتها لمجدها وعزها التليد (8).
قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: 105]، هل تدعو الآية إلى الاهتمام بإصلاح شأن النّفس وترك النّاس أحرارًا في أقوالهم وأعمالهم وتصرّفاتهم كما يذهب إلى ذلك الداعون إلى الحريات الشخصية؟ وهل يقتضي هذا الفهم ترك واجب الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر وإسقاطَه لمجافاته حقوق الإنسان وحرّياته في عصر الحقوق والحريات؟ وكيف نفهم نحن الّذين آمنّا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا، قولَ الله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
عن العرس - يعني ابن عميرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة: فأنكرها - كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها» (9).
قال ابن رجب: فمن شهد الخطيئة، فكرهها قلبه كان كمن لم يشهدها إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها وقدر على إنكارها ولم ينكرها لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرض على كل مسلم، لا يسقط، عن أحد في حال من الأحوال (10).
تتعالى الدعوات من هنا وهناك لتجديد فهم معاني الحقوق والحرّيات في عصرنا بعيدًا عن التفاسير الدينيّة التّقليديّة التي تضيّق على النّاس حرياتهم وتنغّص عليهم حياتهم، وتحرمهم ملذّاتها ومنافعها كمّا يزعم أصحاب هذه الدّعوات، والغريب أنّهم في الانحراف بالناس عن تعاليم الدّين ومبادئه يتدثرون بدثار الإسلام، ويدّعون التّبشير بتجديد الدين وتحديثه ليواكب التطورات وينسجمَ مع المستجدات، ولذلك ينادون باحترام الحرّيات وممارستها بلا قيد ولا ضابط، وتجنّب التدخل في الشؤون الخاصة للناس، بأمرهم بالمعروف الذي لا يرغبون في فعله، ونهيهم عن المنكر الذي يرغبون فيه؛ لتعارضه مع الحرية الشخصية الثابتة في الإسلام، ويستدلّون على صحّة رأيهم بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فالله حسب تفسيرهم الجديد لا يوجب علينا الأمر بالمعروف والنهيَ عن المنكر، وإنّما يأمرنا بالاهتمام بأنفسنا، وتحمّل المسؤوليّة عنها، والانشغال بها عن غيرنا الّذي لا يضرنا ضلاله، ولا يضيرنا تصرّفه، ولا يعنينا أمره.
ويضيف هؤلاء فيقولون إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حثّ المسلمين على ترك التدّخل فيما لا يعني، فجاء ترغيبه صلى الله عليه وسلم في ترك الفضول من الأقوال والأفعال، والخوض فيما لا يعني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (11).
وتجد مقولاتهم وتفسيراتهم قبولًا بين عموم المسلمين بمن فيهم من يرتاد المساجد، ويواظب على الصلاة، ويستمع إلى أحسن القول، وينصت إلى كلام الله، ويصغي إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسمع إلى عبارات هؤلاء في البيت والشارع والسوق وحتّى داخل المسجد ...من مثل: ما دخلك؟ هل يعنيك تصرفي؟ اهتم بأمر نفسك، ربّي يلهينا بحوايجنا، صلّح روحك.
إن هذه الآية الكريمةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} نداء من الرّحمان لأهل الإيمان، فيها أمر بإصلاح النفس، وتربيتها على طاعة الله، والبعد عن معصيته، فمن اعتنى بنفسه واهتمّ بها، واجتهد في صلاحها، وأدّى الواجبَ الّذي عليه، ومن الواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا يضرّه من ضلّ بعد ذلك.
يقول الله جل وعلا: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، فمن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما اهتدى، فهو ناقص الهداية ناقص الإيمان، فإذا كنت أيّها المؤمن لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر، ولا تنصح لله، ولا تدعو إلى الخير... ولا تؤدّي ما فرض الله عليك من الطاعات على حسب طاقتك فما اهتديت حق الهداية، وما آمنت حقّ الإيمان حتى تؤدي الواجب الذي عليك لله...
وإذا كنت لا تؤدي ما أوجب الله عليك من حقوق تجاه والديك وزوجتك، أو تجاه ذوي رحمك وجيرانك وإخوانك من بني وطنك... فأنت ناقص الهداية حينئذ يضرك ذلك، حتى تؤدي الواجب الذي عليك لعباده.
فإذا كانت الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مطلوبة في زمن استقرار المجتمع الإسلامي وتماسكه، وظهور سلطان الدين في النفوس، وتأثيره في حياة المسلمين وواقعهم... فإنّ هذه الدعوة تصبح آكد في أزمان الفتن والمحن والشدائد، وتكون علامة قوّة، وعنوان إيمان، وشعار يقين.
ومن أجل هذا كان فضل الثبات على الدين، والصّبرِ عند الفتن، والصمودِ زمن المحن عظيمًا جليلًا، وموازينه ثقيلة.
إنّ حاصل ما جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسقط في حقّ المسلم بمجرد تحقيق الهداية لنفسه، غير مكترث بما يرتكب غيرُه من المنكرات وما يقترف من السيئات؛ لأن هدايته لنفسه لا تكتمل إلا بقيامه بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأنّه عضو من جسد المجتمع المسلم الذي يتناصح أفراده ويتواصون بالحق، ويناصر بعضهم بعضا في نشر الخير وقطع دابر الشرّ.
يقول عزّ من قائل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
فإذا قمت أيها المؤمن بما عليك من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد أديت هذه العبادة، ولو لم يستجب لك المدعوون، قال تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [البقرة: 272]، ولكن إذا ظهر تيّار الفساد، وقويت شوكة الطغاة، واستعملوا وسائل الصدّ والتّرهيب، ولم يعد إصغاء لكلمة الحقّ ودعوة الخير، وأوذي الناهون عن المنكر لغلبة الشح والهوى والعجب... سقط التغيير باللسان في هذه الحال، وبقي بالقلب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (12).
قال القاضي عياض رحمه الله: هذا الحديث أصل في صفة التغيير، فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولًا كان أو فعلًا، فيكسر آلات الباطلً ويريق المسكر بنفسه أو يأمر من يفعله، وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه أو بأمره إذا أمكنه، ويرفق في التغيير جهده بالجاهل وبذي العزة الظالم المخوف شره، إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله، كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى، ويغلظ على المتمادي في غيه والمسرف في بطالته إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرًا أشد مما غيره؛ لكون جانبه محميًا عن سطوة الظالم، فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرًا أشد منه من قتله أو قتل غيره بسبب كف يده، واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف، فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه، وكان في سعة، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى.
وإن وجد من يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب، وليرفع ذلك إلى من له الأمر؛ إن كان المنكر من غيره، أو يقتصر على تغييره بقلبه، هذا هو فقه المسألة وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين، خلافًا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال؛ وإن قتل ونيل منه كل أذى.
قال إمام الحرمين رحمه الله: ويسوغ لآحاد الرعية أن يصد مرتكب الكبيرة إن لم يندفع عنها بقوله، ما لم ينته الأمر إلى نصب قتال وشهر سلاح، فإن انتهى الأمر إلى ذلك ربط الأمر بالسلطان.
قال: وإذا جار والي الوقت وظهر ظلمه وغشمه ولم ينزجر حين زجر عن سوء صنيعه بالقول؛ فلأهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب، هذا كلام إمام الحرمين (13).
----------
(1) أخرجه أحمد (16).
(2) تفسير ابن كثير (3/ 212).
(3) تفسير الرازي (12/ 450).
(4) التحرير والتنوير (7/ 77- 78).
(5) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 459).
(6) تفسير المنار (7/ 176).
(7) مجموع الفتاوى (14/ 480).
(8) نصوص فهمت خطأ/ موقع المسلم.
(9) أخرجه أبو داود (4345).
(10) جامع العلوم والحكم (2/ 245).
(11) أخرجه الترمذي (2317).
(12) أخرجه مسلم (49)، عليكم أنفسكم/ منتدى مداد.
(13) شرح النووي على مسلم (2/ 25).